منتدى الملاك

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الملاك

لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد.أمين +++عمانوئيل إلهنا وملكنا

عزيزى الزائر اذا اعجبك موضوع بالمنتدى يمكنك
أن تضغط على زر أعجبنى اعلى الموضوع
عزيزى الزائر ان اعجبك موضوع يمكنك ان تكون اول من يشاركه لاصدقائه على مواقع التواصل مثل الفيس بوك والتويتر بالضغط على زر شاطر اعلى الموضوع

    سر التناول -2 / منقول بتصرف

    سامى فرج
    سامى فرج
    ملاك نشيط
    ملاك نشيط


    رقم العضوية : 2541
    البلد - المدينة : لقاهرة
    عدد الرسائل : 145
    شفيعك : الملاك ميخائيل
    تاريخ التسجيل : 22/06/2010

    cc سر التناول -2 / منقول بتصرف

    مُساهمة من طرف سامى فرج الخميس 22 يوليو 2010 - 19:25

    ثم نظر للاثنى عشر وقال لهم "ألعلكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا" (يو6: 67) حتى الاثنى عشر قال لهم من يريد أن يمضى فليمضِ، فالمسألة لا تقبل المساومة. لذلك قال لتلاميذه "أليس أنى أنا اخترتكم الاثنى عشر وواحد منكم شيطان. قال عن يهوذا سمعان الإسخريوطى لأن هذا كان مزمعاً أن يسلِّمه؛ وهو واحد من الاثنى عشر" (يو6: 70 ،71).. ولكنه عندما سأل التلاميذ لعلهم يريدون هم أيضاً أن يمضوا "أجابه سمعان بطرس يا رب إلى من نذهب، كلام الحياة الأبدية عندك" (يو6: 68).

    لم يتناول يهوذا من عشاء الرب

    كان يسوع يعلم أن واحداً من الاثنى عشر سيسلِّمه، فقال فى ليلة العشاء الربانى "هوذا يد الذى يسلِّمنى هى معى على المائدة" (لو22: 21) وذلك قبل أن يعطيهم جسده ودمه "أجاب يسوع هو ذاك الذى أغمس أنا اللقمة وأعطيه، فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطى" (يو13: 26) أعطاه السيد اللقمة من فصح العشاء اليهودى وليس من عشاء الرب "فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت وكان ليلاً. فلما خرج قال يسوع الآن تمجّد ابن الإنسان وتمجّد الله فيه" (يو13: 30، 31).

    ثم بدأ السيد يصنع القداس لأن يهوذا لا يستحق أن يتناول من جسد الرب ودمه. لذلك فى سياق حديثه عن التناول من جسده ودمه "أجابهم يسوع أليس أنى أنا اخترتكم الاثنى عشر وواحد منكم شيطان" (يو6: 70) وكأنه يقول: إننى أتكلم عن جسدى وأنتم الخاصة التى لى، سوف أعطيكم جسدى ولكن واحد منكم لا يمكن أن يأخذه، وقد حقق الرب هذا الوعد..

    أشربه معكم جديداً فى ملكوت أبى

    قال معلمنا بولس الرسول "لأننى تسلّمت من الرب ما سلّمتكم أيضاً؛ إن الرب يسوع فى الليلة التى أُسلِم فيها أخذ خبزاً وشكر، فكسر وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدى المكسور لأجلكم" (1كو11: 23، 24).

    وأيضاً فى إنجيل معلمنا متى "وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدى. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً اشربوا منها كلكم. لأن هذا هو دمى الذى للعهد الجديد الذى يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا. وأقول لكم إنى من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديداً فى ملكوت أبى. ثم سبّحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون" (مت26: 26-30)

    فما الذى سيشربه الرب معهم جديداً فى ملكوت أبيه؟! إن الملكوت السمائى ليس فيه كروم للعنب ولا حنطة للخبز. وتفسير قول السيد المسيح هو أننا سنشرب من محبة الله إلى الأبد.. فهو يقول سوف "لا أشرب من نتاج الكرمة هذا" مرة أخرى؛ حيث إنه ذاق وأعطاه لتلاميذه فى هذا العشاء، ولذلك فهو يسمى بـ "العشاء الأخير" حيث إنه آخر مرة يشرب الرب فيه من نتاج الكرمة. لإننا سنشرب من محبة الله إلى الأبد فى ملكوت السماوات.. وهذا يرجعنا إلى سفر نشيد الأناشيد عندما تقول "أدخلنى إلى بيت الخمر وعَلَمُه فوقى محبة" (نش2: 4) وأيضاً "ليقبّلنى بقبلات فمه لأن حبك أطيب من الخمر" (نش1: 2) ليس المقصود "ببيت الخمر" بيت السُكر والخلاعة لأن الكتاب يقول "ولا تسكروا بالخمر الذى فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح" (أف5: 18) لكن المقصود هنا: الكنيسة المقدسة.. أدخلنى إلى كنيسته المقدسة لكى أتناول من هذه الكأس التى للعهد الجديد.

    "علمه فوقى محبة" حيث إننا لا زلنا فى هذا العالم، فنشرب من الكأس ونتمتع بحب الله، أما فى الحياة الأبدية سوف نرتشف من هذا الحب، لكن ليس هناك عصير عنب، بل سوف تسقينا وتروينا محبة الله المتدفقة "وأقول لكم إنى من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديداً فى ملكوت أبى" (مت26: 29).

    سر الإفخارستيا هو صورة واضحة لمحبة الله

    التناول من جسد الرب ودمه يعطينا فكرة عن محبة الله بصورة واضحة.

    هناك صلوات خشوعية لآباء الكنيسة تقول [ مَن مِن السادة بذل أقنومه دون العبيد؟ أو أى راعٍ يقدم للغنم ذاته؟ أو أى محب ذبح نفسه للأصدقاء؟ أو أى والدة أطعمت الرضيع لحمها؟ فالذى لم تستطعه محبة الوالدات فعلته المراحم لنا مجاناً][1]

    فمَن مِن السادة ضحّى بنفسه من أجل عبيده؟! ومَن هو الراعى الذى يقدِّم ذاته للغنم ليأكلوه؟! لكن قد وُلد السيد المسيح ووُضع فى المذود الذى يأكل فيه الأغنام وكان هذا رمزاً لرعيته التى سوف يعطيها جسده لكى يأكلوه، لأنه أتى لكى يكون خبزاً للعالم الذى كانت ترمز إليه الحيوانات الموجودة فى الحظيرة.. جاء السيد ليحول هذه الحيوانات (أى المولودين حسب الجسد) إلى بشر حقيقيين، فوُلد الحمل فى وسط الحملان وجاء الراعى وجاء إليه الرعاة فى ليلة ميلاده العجيب..

    ومن هو الذى يذبح نفسه من أجل الأصدقاء؟! ومن هى الأم التى قدمت لحمها لابنها؟! بل على العكس سمعنا فى أيام الحصار فى العهد القديم؛ فى حصار السامرة أن الأمهات ذبحن أولادهن وأكلنهم من شدة الجوع (انظر 2مل6: 28-30).. لكن محبة الله منحتنا أن نتناول من جسد الرب.

    من المعروف أن من يحب أحداً يحب أن يقترب إليه والأم تحب طفلها وتحب أن تحمله على يديها أو تحتضنه ومن الممكن أن تضمه بشدة إلى صدرها من شدة محبتها له، فالله لكى يؤكد لنا محبته، لم يسمح لنا فقط أن نحتضنه، ولكن سمح أن نتناوله فى داخلنا.. فاقترابنا إليه ليس كمَن يسلم على آخر أو يمسك يده لمجرد اللمس؛ لكن المسيح يعطينا جسده مأكلاً نتحد به سراً ويحل فينا بالمحبة..

    [ فالذى لم تستطعه محبة الوالدين فعلته المراحم لنا مجاناً ].

    الأصغر يُبارَك من الأكبر

    نلاحظ أيضاً ارتباط كهنوت السيد المسيح بسر القربان المقدس أو سر الإفخارستيا فقد كُتب عن السيد المسيح إنه رئيس كهنة على رتبة ملكى صادق "مدعُوًّا من الله رئيس كهنة على رتبة ملكى صادق" (عب5: 10) ويقول "لأن ملكى صادق هذا ملك ساليم كاهن الله العلى الذى استقبل إبراهيم راجعاً من كسرة الملوك وباركه.. وبدون كل مشاجرة الأصغر يُبارَك من الأكبر.. حتى أقول كلمة إن لاوى أيضاً الآخذ الأعشار قد عُشِّر بإبراهيم. لأنه كان بعد فى صُلب أبيه حين استقبله ملكى صادق. فلو كان بالكهنوت اللاوى كمال إذ الشعب أخذ الناموس عليه؛ ماذا كانت الحاجة بعد إلى أن يقوم كاهن آخر على رتبة ملكى صادق ولا يقال على رتبة هرون؟" (عب7: 1-11).

    فالكهنوت اللاوى كان عبارة عن ذبائح حيوانية، أما كهنوت ملكى صادق مكتوب عنه فى سفر التكوين أن ملك سدوم خرج لاستقبال إبراهيم بعد رجوعه من كسرة كدر لعومر "وملكى صادق ملك شاليم أخرج خبزاً وخمراً وكان كاهناً لله العلى. وباركه وقال مبارك ابرام من الله العلى مالك السماوات والأرض. ومبارك الله العلى الذى أسلم أعداءك فى يدك. فأعطاه (أى أعطاه إبراهيم) عُشراً من كل شىء" (تك14: 18-20) ملكى صادق بارك إبراهيم حيث إن الأصغر (أبانا إبراهيم) يُبارَك من الأكبر (ملكى صادق) وأعطاه إبراهيم عُشراً من كل شئ، تصرف إبراهيم هنا أمام ملكى صادق باعتبار هو الكاهن وأن إبراهيم كأنه فرد من الشعب.

    من نسل إبراهيم أتى لاوى، ومن نسل لاوى أتى هارون رئيس الكهنة. فكهنوت هارون الذى هو كهنوت العهد القديم كان يقدم ذبائح حيوانية، أما السيد المسيح عندما قدّم نفسه على الصليب قدم ذبيحة هى جسده ودمه الذى سفك على الصليب فهى ذبيحة دموية..

    علاقة الذبيحة الدموية بكهنوت ملكى صادق

    ولكن ما علاقة هذه الذبيحة الدموية بملكى صادق الذى كانت ذبيحته خبزاً وخمراً؟!.. لا يمكن أن يُقال عن السيد المسيح أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكى صادق إلا إذا كان الخبز والخمر هو نفسه ذبيحة الصليب. أما إن بقيت ذبيحة الصليب ذبيحة دموية فقط بدون خبز ولا خمر فلا علاقة لها برتبة ملكى صادق..

    ولا يكون هناك رئيس كهنة إلا عندما يكون هناك كهنة، وهؤلاء الكهنة سوف يقدمون ذبيحة القداس الإلهى التى هى ذبيحة العهد الجديد. ويمارس هؤلاء الكهنة كهنوت على رتبة ملكى صادق لأن تقدمتهم هى خبز وخمر ولكنها تتحول أثناء القداس إلى جسد الرب ودمه تحت أعراض الخبز والخمر. وهنا يكون قد تحققت الوحدانية بين ذبيحة الصليب وبين تقدمة الخبز والخمر، أى أنهما ذبيحة واحدة هى ذبيحة الفداء. لذلك أصبح المسيح رئيس كهنة على رتبة ملكى صادق.

    ومن المعروف أن الآباء القديسين مثل غريغوريوس النيصى الذى عاش من سنة 335-394 م لم يفُته ذلك فقال } لأن المدبر كل شئ بحسب سلطانه السيدى لم ينتظر الإضطرار الناتج عن الخيانة، ولا هجوم اليهود اللصى، ولا محاكمة بيلاطس الخارجة عن الشريعة كى لا يكون شر هؤلاء بدءًا لخلاص الناس العام وعلة له، لكنه بتدبيره قد سبق هجومهم، وهو نفسه قدَّم ذاته بعمل التقديس[2] الذى لا ينطق به وغير المنظور من البشر قرباناً وذبيحة عنا، إذ هو كاهن معاً وحمل الله[3] الرافع خطيئة العالم. وإن سألت: متى كان هذا؟ فأجيبك: إنه كان عندما جعل جسده مأكلاً بصريح العبارة وأعطاه للأكل، وصارت ذبيحة الحمل كاملة.. فلما منح تلاميذه أن يأكلوا جسده ويشربوا دمه ضحى جسده بوجه لا ينطق به وغير منظور، مدبراً هذا السر كما أرادت سلطته} [4].

    [ كى لا يكون شر هؤلاء بدءًا لخلاص الناس العام وعلة له، لكنه بتدبيره قد سبق هجومهم وهو نفسه قدم ذاته فى عمل التقديس ] بمعنى أنه لم ينتظر حتى يأخذوه ويقبضوا عليه ويسمروه على الصليب، لكنه أراد أن يثبت أن كهنوته أعلى من الكهنوت الهارونى الذى لرؤساء كهنة وكهنة اليهود فجاء فى ليلة آلامه وأخذ الخبز وباركه، وأخذ الكأس وشكر "أخذ يسوع الخبز وبارك وكسّر وأعطى التلاميذ وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدى. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمى الذى للعهد الجديد الذى يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (مت26: 26-28).. وهكذا يكون السيد المسيح هو رئيس كهنة على رتبة ملكى صادق، فهو الذى قدّم نفسه قبل أن يقدّمه أحد.

    واضح من الآباء القديسين ومن آباء القرون الأولى أن كثيرين منهم قد تكلّموا عن هذا السر العظيم، وكمثال فقط فإن القديس أغناطيوس المتوشح بالله، أو الحامل الله الثيئوفورس الذى استشهد حوالى سنة 110 م فى رسالته إلى أهل فلادلفيا الفصل الخامس يقول }إن للرب يسوع المسيح جسداً واحداً، وهناك كذلك كأس واحدة للاتحاد بدمه، ومذبح واحد[5]{ مذبح واحد، كأس واحد للاتحاد بدمه هى كأس العهد الجديد.. هذه الأقوال كلها من قبل سنة 110 ميلادية والكثير جداً من الآباء تكلموا عن سر الإفخارستيا ولدينا أقوالهم؛ لكن المجال هنا لا يتسع، وإنما من الممكن أن نقوم بتجميع وإصدار هذه الأقوال فى كتب تفصيلية لمنفعة الدارسين.

    إذاً لماذا قيل عن كهنوت السيد المسيح إنه على رتبة ملكى صادق؟ ذلك لسببين:

    السبب الأول: إنه قدم تقدمة الخبز والخمر.

    والسبب الثانى: أن كهنوته أعلى من الكهنوت الهارونى.

    لذلك قال بولس الرسول فى رسالته إلى العبرانيين "وبدون كل مشاجرة الأصغر يُبارَك من الأكبر" (عب7: 7) إذن لابد أن الكهنوت الهارونى يخضع لكهنوت العهد الجديد، فلابد من أن يأتى الحاخامات الذين لليهود ويتوبوا، ويتعمدوا (أى يقبلوا سر العماد المقدس)، ويُصلّى لهم رؤساء كهنة العهد الجديد الحِل، ويتناولوا من جسد الرب ودمه.. ويُبارَك الأصغر من الأكبر. فلابد أن كهنوت ملكى صادق يعلو على الكهنوت الهارونى؛ وهذا قد حدث بالفعل فى بداية العصر الرسولى وعلى مدى الأجيال، وسيحدث بصورة جماعية قبل نهاية العالم (انظر رو11: 25، 26).

    وقال أيضاً بولس الرسول "فلو كان بالكهنوت اللاوى كمال إذ الشعب أخذ الناموس عليه، ماذا كانت الحاجة بعد إلى أن يقوم كاهن آخر على رتبة ملكى صادق ولا يقال على رتبة هرون؟" (عب7: 11). لقد انتهت مأمورية الكهنوت الهارونى.

    متى تم الخلاص

    لكن نريد أن نحذر من شئ خطير إذ يعتقد بعض الكتّاب فى أحد أديرتنا بمصر أن السيد المسيح قدّم نفسه يوم الخميس بإرادته كما نقول فى القداس الغريغورى [ لأنك فى الليلة التى سلّمت فيها ذاتك بإرادتك وسلطانك وحدك أخذت خبزاً على يديك الطاهرتين اللتين بلا عيب ولا دنس.. وباركته وشكرت وقدسته.. الخ ] لئلا يظن أحد أن الخلاص قد تم يوم الخميس.. وهذا يكون مفهوماً خاطئاً؛ لأن الخلاص قد تم حينما صُلب السيد المسيح على الصليب يوم الجمعة العظيم. وقد شرح ذلك القديس غريغوريوس النيصى؛ بسر لا ينطق به وبصورة غير منظورة، لأن الله سلطانه فوق الزمن، فاستطاع أن يجعل ذبيحة الصليب؛ تكون حاضرة بصورة سرية فى العشاء السرى يوم الخميس. وبنفس السلطان الذى فوق الزمن يجعل نفس الذبيحة تكون حاضرة فى كل قداس على مدى الأيام؛ ويتحقق وعده "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر. آمين" (مت 28 : 20).
    بالموت داس الموت



    كان إتمام الفداء وإتمام الخلاص تحت الزمن حيث قُدِّم فيه السيد المسيح على الصليب يوم الجمعة، وقَبِل الموت، وذاق الموت بنعمة الله لأجل كل واحد من أجل خلاصنا "كى يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد" (عب2: 9) وبالموت داس الموت. كما هو مذكور فى لحن من ألحان قداس القديس يوحنا ذهبى الفم {عندما انحدرت إلى الموت أيها الحياة الذى لا يموت،حينئذ أمتّ الجحيم ببرق لاهوتك} بمعنى أيها الحياة الذى لا تموت بحسب لاهوتك، لكنك انحدرت إلى الموت.. فقد أخفى السيد المسيح لاهوته (الحياة الفائقة) داخل حياته الإنسانية.. عندما ابتلع الموت حياته الإنسانية المتحدة باللاهوت، فالذى أبتُلع ليس حياة المسيح لكن الموت. لذلك يقول {حينئذ أمت الجحيم ببرق لاهوتك} وكما يقول الآباء القديسون {ذبح الموت الحياة العادية، ولكن الحياة فوق العادية ذبحته}.

    من المعتاد أن السمكة الكبيرة هى التى تبتلع السمكة الصغيرة، ولكن إذا وضعنا السمكة الصغيرة كطُعم فى صنارة ثم أخفينا الصنارة فى داخلها، فعندما تأتى سمكة كبيرة لتبتلعها، يتعلق (يشتبك) هلب الصنارة فى خياشيم السمكة الكبيرة ويجذبها خارج الماء، وبذلك تكون السمكة الكبيرة هى التى أُصطيدت من السمكة الصغيرة.

    فى هذا المثال نجد أن معدن الصنارة القوى المختفى داخل الطُعم يرمز إلى اللاهوت القوى المختفى داخل الناسوت الذى له مظهر الضعف.

    فعندما ابتَلع الموت الحياة العادية المتحدة باللاهوت، ابتُلِع الموت من الحياة الفائقة.
    عهد الخلاص والحياة الأبدية



    لقد أعطانا السيد المسيح سر الإفخارستيا باعتبار أنه العهد الذى بيننا وبينه وقال "هذه الكأس هى العهد الجديد بدمى" (لو22: 20) كمن يكتب وثيقة بالدم فتعنى عهداً لا يُنقَض، خاصةً إذا كان هذا دماً إلهياً، دماً قادراً أن يقهر كل سلطان إبليس، دماً قادراً أن يطهر من كل خطيئة، دماً قادراً أن يعطى الحياة..

    لذلك نتكلم عن الجسد المحيى فى القداس أن هذا هو الجسد المحيى، الجسد المانح للحياة لأنه متحد باللاهوت بالحياة الإلهية.. فقد قال السيد المسيح "أنا هو القيامة والحياة من آمن بى ولو مات فسيحيا" (يو11 : 25)، "فمن يأكلنى فهو يحيا بى" (يو6: 57)، "من يأكل جسدى ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه فى اليوم الأخير" (يو6: 54)، "من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فىَّ وأنا فيه" (يو6: 56). فالتناول من جسد الرب ودمه هو اتحاد بالحياة الفائقة..

    فليأكل ويشرب المتناول من الذبيحة المحيية بعد استعداد لائق.. بعد توبة واعتراف، فيتحد بالحياة الأبدية.. وبذلك يؤهل ويستحق نعمة القيامة فى اليوم الأخير، ويستحق جسد القيامة.

    كما أرسلنى الآب أرسلكم أنا

    يأخذ الإنسان فى المعمودية هذه الاستحقاقات، لكن لو أخطأ مرة أخرى بعد المعمودية ماذا يفعل؟ إن الموت يكون قد دخل إلى كيانه مرة أخرى، ويحتاج أن يعترف وينال الحِل كما قال السيد المسيح لتلاميذه "اقبلوا روحاً قدساً. من غفرتم خطاياه تُغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أُمسِكَتْ" (يو20 : 22، 23) "كما أرسلنى الآب أرسلكم أنا" (يو20 : 21)، وقال بولس الرسول "ولكن الكل من الله الذى صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة.. واضعاً فينا كلمة المصالحة" (2كو5 : 18، 19) "كلمة المصالحة" أى عبارة [الله يحاللك] التى يقولها الكاهن للمعترف ولكن لابد أن يكون هذا المعترف تائباً، ليس مستهتراً يعترف اعترافاً شكلياً ليأخذ مجرد الحِل..

    لذلك هناك قوانين كنسية وتأديبات روحية بها يستعد الإنسان للتناول ويتيقن أنه بعد التناول لن يفعل الخطية ويختبر نفسه.. أما ما يعتبره البعض أن التناول فى زمن الخطية سيعطى قوة للانتصار؛ فهذا وهم ويضيّع على الإنسان فرصة التوبة الحقيقية والامتناع عن الشر.

    لذلك قال القديس بولس الرسول "ولكن ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس" (1كو11 : 28). فإذا وعد المعترف أب اعترافه أنه لن يخطئ مرة أخرى، فليتابعه أب الاعتراف ويشجعه حتى يقوم من سقطته ويُعِدّه للتناول، بأن يعطيه تدريباً للإمتناع عن الخطية مدة كافية قبل التقدم إلى الأسرار المقدسة مرة أخرى.

    لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا

    يقول البعض نحن نتناول لكى لا نخطئ، ثم يعودون للخطية مرة أخرى؛ هذا غير سليم، لأنه لابد من الاستعداد للتناول..

    لماذا نرى الكاهن يصرخ بأعلى صوته ويقول القدسات للقديسين؟ لأنه لابد أن يعِّد الإنسان نفسه للتناول بالتوبة والاعتراف، وأيضاً بالامتناع عن الخطية.

    يعطينا سر الإفخارستيا قوة الحياة والثبات فى المسيح لكن كيف تعود إلينا هذه الحياة ونحن مازلنا نخطئ وفى شركة مع الموت؟! لذلك لابد من تقديم توبة واعتراف.. والكاهن يقول فى صلاة التحليل {أيها السيد الرب يسوع المسيح الذى قطّع كل رباطات خطايانا من قِبل آلامه المخلصة المحيية.. طهره، باركه، حاللـه} أى حِلّه من كل رباطات الخطية. فلا يظل عبداً ومقيّداً بالخطية. لابد أن يدخل إلى مرحلة الحرية من الشر وبذلك يؤهَّل لأن ينال الحياة الأبدية.. لذلك يقول الكاهن فى الاعتراف الأخير عن جسد الرب {يُعطَى عنا خلاصاً وغفراناً للخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه}.

    ليتنا لا نستخف بسر القربان المقدس ونتذكر كلام معلمنا بولس الرسول "إن أخطأنا باختيارنا بعد ما أخذنا معرفة الحق، لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا. بل قبول دينونة مخيف وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين" (عب10: 26، 27). ويقول أيضاً "ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضباً فى يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة" (رو2: 5).

    وقال "الذى يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب" (1كو11: 29) وبقوله "لكن ليمتحن الإنسان نفسه"، يقصد أن لا ينوى فى داخله أن يذهب ليسلّم المسيح مثل يهوذا ويأتى ويجلس على مائدة الفصح. فقد قال السيد المسيح ليهوذا "ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة" (يو13: 27) بمعنى إن كنت تريد أن تتوب، فتُب، وإن كنت تريد أن تسلمنى، أخرج سريعاً لأنى أريد أن أبدأ القداس. ولما قال له هذا اعتبر يهوذا أن هذه فرصة ذهبية له لكى يخرج ويأخذ أجرة الظلم والخيانة ويسلم المسيح لليهود.

    فلا ينبغى أن يضع الإنسان فى نفسه أن يخون السيد المسيح ثم يتقدم إلى الأسرار المقدسة.. لكن ينبغى أن يضع فى قلبه ألا يعود إلى الخطية مرة أخرى ويمتحن نفسه، وليس هناك مانع من تأجيل المناولة أسبوعاً أو اثنين أو ثلاثة أو ربما أكثر إلى أن يمرّن إرادته كيف تنقاد بالروح لأنه "إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون" (رو8 : 13).

    قوة وفاعلية سر الإفخارستيا فى حياة أولاد الله

    ليتنا نعرف قيمة التناول من الأسرار المقدسة ليشعر الآخرون بقيمة هذه الأسرار.

    فعندما نردد فى القداس [ آمين آمين آمين بموتك يارب نبشر وبقيامتك المقدسة وصعودك إلى السموات نعترف ] نقول له يارب إن هذه النصرة التى تعمل فى أولادك المنتصرين على الخطية؛ تعلن قوة القيامة فى حياة شعب الله المفديين الذين هم جماعة القديسين الذين يبشرون بموتهم عن الخطية باتحادهم بقوة وفاعلية موتك المحيى، ويبشّرون بقيامتك بنصرتهم على الشر. ويكونون هم أنفسهم نوراً للعالم كما كنت أنت أيها الرب القدوس الحق..

    فليعطنا الرب حياة التوبة والاستعداد لكى من خلال التوبة والانسحاق والتواضع نتأهل للتناول من الأسرار المقدسة بصلوات حضرة صاحب القداسة البابا شنودة الثالث.
    ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين











    2) كتاب "أصداء التضرعات الروحية" طبعة مكتبة المحبة.


    3) من هنا جاءت كلمة "القداس" على العشاء الربانى أو سر الشكر.


    4) هو الكاهن والذبيحة، وهو الحمل والراعى، وهو المخلص والخلاص.


    5) للقديس غريغوريوس النيصى خطاب 1 عن قيامة السيد المسيح.


    6) من رسالة القديس أغناطيوس (الثيئوفوروس) إلى أهل فلادلفيا – فصل (5).

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 27 أبريل 2024 - 20:14