كانت السموات أُغلقت فى وجه الإنسان بسبب الخطية، لا كمجرد عقاب فقط، بل كنتيجة حتمية للظلمة وانعدام الرؤيا، التى أصابت الإنسان، الذى أصبح بعد السقوط يصرخ لله فى الظلام، يتوسل إليه وهو رافع عينيه إلى ما وراء السماء المغلقة، يُرسل دموعه وتوسلاته.. مع البخور المتصاعد، آملاً أن تصعد صلواته إلى أعلى، إلى ما وراء الحجاب، حيث الله الذى لا يُرى.. ولكن ما أن اعتمد المسيح وانفتحت السموات، حتى انتهت عصور الظلمة، والسموات المغلقة، وبدأت عهود جديدة، عهود الرؤى والسموات المفتوحة

ويعطينا القديس يوحنا الحبيب تأكيداً على فم السيد المسيح، أن السموات ستظل مفتوحة هكذا: " مِنَ الآنَ تَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً وَملاَئِكَةَ اللَّهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ " (يو51:1). وقد تحقق هذا الوعد بالفعل، فمن الناحية الحرفية، رأى كثيرون من القديسين السماء مفتوحة، إما فى رؤيا، أو منظر، أو فى حلم.. منذ الشهيد الأول إسطفانوس وعبوراً ببولس وبطرس ويوحنا.. ومن الناحية الروحية، فالسموات قد فُتحت، ولن تُغلق مرة ثانية، لتقبل صلوات الأبرار، التى تُقدم كل يوم على مذبح الحب الإلهى.

ويتساءل القديس يوحنا ذهبى الفم: لماذا انفتحت السموات عندما اعتمد يسوع المسيح ؟ ويُجيب على ذلك بقوله: " لكى نعرف أن نفس الأمر يحدث معنا عند عمادنا بصورة غير منظورة، حيث يدعونا إلى الوطن السماوى، ويحرضنا ألاّ نتمسك بالأرض كثيراً ".

والحق إن انفتاح السموات، ونزول الروح القدس على المسيح، إعلان عن بداية خليقة جديدة هدفها هو الملكوت إذن نحن فى العماد بصدد سموات جديدة، أما أرض الأردن التى وقف عليها المسيح عند عماده فقد تطهرت، فنحن إذن بصدد أرض جديدة..

وهكذا وقف المسيح وسط مياه الأردن، كفلك نوح وسط مياه الطوفان، لكى يصالح كل غرائز الإنسان المتعارضة وطباعه المستوحشة، وميوله ورغباته المنحرفة، كما جمع نوح وحوش الأرض وكواسرها معاً !