لمَ يجب أن تعترفوا؟ هناك مئات الأسباب التي نقدمها لكي لا نذهب إلى الاعتراف، ولكن توجد بالمقابل أسباب أكثر تعكس ضرورة الاعتراف.

“بإمكاني أن أعترف مباشرة لله”

الحجة الأكثر شعبية المستخدمة ضد التوجه إلى كرسي الاعتراف هي التالية: “لا داعي لأن أذهب إلى كاهن. بإمكاني أن أعترف مباشرة لله”. وفي القرن الخامس، كان يتوجب على القديس أغسطينوس التعامل مع هذه المسألة:

لا يقولنّ أحد… “أتوب أمام الله. فالله يعرف ويغفر لي”. ماذا! هل قيل للكهنة سدىً: “كلّ ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء؟” […] أنتم تزدرون بكلام المسيح، وتعدون أنفسكم بما يرفضه لكم.

بإمكانكم أن تعترفوا مباشرة لله، وأن تُغفر لكم خطاياكم العرضية. ولكن، ينص تعليم الكنيسة الكاثوليكية على ما يلي: “الاعتراف الفردي والشامل بالخطايا الجسيمة الذي يليه الغفران يبقى وسيلة المصالحة العادية الوحيدة مع الله ومع الكنيسة” (تعليم الكنيسة الكاثوليكية، رقم 1447). بالنسبة إلى الخطايا المميتة، نحتاج إلى أكثر من مجرد “اعتراف مباشر”: وكل من يدرك الخطيئة الجسيمة يجب أن ينال سر المصالحة قبل المناولة (تعليم الكنيسة الكاثوليكية، رقم 1385).

في حال لم تجأوا إلى سر المصالحة، لا تتلقون النعمة السرية الناجمة عن الاعتراف.

كتب القديس فرنسيس دو سال:

في الاعتراف، لا تتلقون فقط الغفران عن … الخطايا التي تعترفون بها، وإنما أيضاً قوة عظيمة لتتجنّبوها في المستقبل، ونوراً لتروها بوضوح، ونعمة وافرة لإصلاح أي ضرر تحملتموه. ستمارسون أيضاً فضائل التواضع والطاعة والبساطة والمحبة. وفي فعل الاعتراف، ستمارسون فضائل أكثر من تلك التي تمارسونها في أي فعل آخر.
قال القديس جان فياني: “عندما تذهبون إلى الاعتراف، تنزعون المسامير عن ربنا”.

عندما تعترفون مباشرة لله، لا تسمعون كلمات الغفران من الكاهن التي تتأكدون بواسطتها أنكم نلتم الغفران. لقد أعطى يسوع رسله قوة المغفرة وإمساك الخطايا (يو 20، 23). وغالباً ما يستطيع الكاهن أن يميز إذا كنتم تائبين فعلاً عن خطاياكم. يستطيع مساعدتكم أن تعرفوا الأمور الخاطئة حقاً والأخرى الخطيرة. يقال: “لا أحد يعتبر قاضياً جيداً في قضيته الخاصة”. يساعدنا الكاهن على الوصول إلى فهم موضوعي لكيفية الوقوف أمام الله. ونجد تعزية كبيرة عندما نعلم أننا حصلنا فعلاً على الغفران، ليس فقط بشكل ذاتي وإنما موضوعي.

قال القديس دوروتيوس: “لا يهمّ كم فضيلة قد يتمتع بها الإنسان، حتى ولو كانت لا تحصى ولا تنتهي. إذا حاد عن درب الاتهام الذاتي، لن يجد السلام أبداً”.
في الاعتراف أيضاً، نحصل على بعض الإرشاد الروحي. فقد نحتاج إلى المشورة حول كيفية التعامل مع مشكلة بطريقة مسيحية فعلاً. وغالباً ما يقدر الكاهن أن يعيننا على إيجاد المقاربة الصحيحة.

هناك سبب آخر للذهاب إلى الاعتراف طبعاً. يقول تعليم الكنيسة:

وفقاً لسلطة الكنيسة، “يُلزَم كل مؤمن بعد بلوغ سن التمييز بالاعتراف أقله مرة في السنة بخطاياه الجسيمة” (تعليم الكنيسة الكاثوليكية 1457).
سنوياً، نؤجل الاعتراف بالخطايا الجسيمة، فتضاف خطيئة جسيمة أخرى.

كما يعلم كل من توجه مؤخراً إلى كرسي الاعتراف، لا يعتبر سر التوبة محكمة عدل قاسية، بل هو تعبير عن رحمة الله اللامتناهية. ينتظرنا الله بصبر لكي نعود إليه فيعانقنا مجدداً بحبه ويساعدنا على الشعور بالسلام. الكاهن موجود في كرسي الاعتراف كممثل عن المسيح، ذاك الذي روى لنا مثلي الخروف الضال والابن الضال وغفر لجلّاديه عن الصليب. هذا هو يسوع الذي ينتظركم بشخص الكاهن في كرسي الاعتراف!

“الاعتراف أليم!”

قال أحد الأشخاص أن لديه صديقة “ترتجف كلما ذهبت إلى كرسي الاعتراف، ولديه العديد من الأصدقاء الذين يحصل معهم الأمر عينه. فكيف يكون هذا السر معزياً؟”. الأهم من شعورها لدى توجهها إلى الاعتراف هو شعورها بعد المغادرة. هذا هو الأهم.

كثيرون أيضاً يرتجفون لدى مجرد التفكير بالذهاب إلى طبيب الأسنان أو الخضوع لجراحة، ولكن انظروا إلى البديل: أسنان مسوسة وأعضاء مريضة.

الأسنان المسوسة والأعضاء المريضة مشاكل خطيرة ولكن الروح الفاسدة… هي مأساة. يؤجل البعض الاعتراف بالخطايا الجسيمة ويحاولون تغطيتها بتقديم حجج متعددة. وبعد فترة، يشعرون بأنهم حققوا غايتهم، وأن الألم خُدّر بالكاد يلاحظونه. يشبه الأمر جرحاً معدياً يغطيه الجلد وتوشكون على نسيانه. لكنه موجود يتقيح ويأكل جسدكم كله. هكذا تفعل الخطايا المميتة غير المعترف بها بالنفس، لكن التآكل يكاد يكون غير مرئي. بإمكانه أن يكون كسرطان لا يُكتشف إلا في مرحلة متأخرة.

لقد تعجّب العديد من علماء النفس من قوة هذا السر. فهو ليس أولاً ممارسة نفسية، وإنما يوجد فيه عنصر نفسي. يقال لنا أنه يجب التعبير عن المشاعر القوية بطريقة سليمة. فإذا احتفظنا بها في داخلنا، قد نصاب باضطراب عصبي. وقد يحولنا الذنب الذي لا نعبر عنه إلى أشخاص سيئين.

ولكن، تقولون: “كنت أعتقد أن الشعور بالذنب أمر سيئ”. بعض الذنب جيد، والآخر سيء. الذنب الذي يدفعنا إلى الندم والاعتذار جيد. والذنب الذي نحتفظ به بعد ذلك سيئ.

عندما تعترفون وتنالون المغفرة، تخلَّصوا من الشعور بالذنب. في الواقع، تفكرون: “كيف لشخص مثلي أن يفعل أمراً بهذه الفظاعة؟”. نحن جميعاً ضعفاء في عيني الله، ونحظى بالقوة عندما نقول مع القديس بولس: “بكل سرور أفتخر بأوهاني لتستقر فيّ قوة المسيح” (2 كور 12، 9).

في إحدى المرات، كان فولتون شين يعلّم مضيفة طيران عن الإيمان. وعندما أخبرها عن الاعتراف والحاجة إلى اللجوء إليه في سبيل نيل الغفران عن الخطايا الجسيمة، قالت: “أعلم أنني لن أكون كاثوليكية أبداً”. فقال لها شين: “عودي لساعة إضافية، وإذا لم يتبدل شعورك، سوف ننهي الدروس”. وافقت. وفي الأسبوع التالي، أتت من جديد، وانتهت الساعة بالطريقة عينها، وإنما كانت غاضبة تصرخ. قال: “لم أقل شيئاً يدعو إلى ردة فعل مماثلة… هل خضعت لعملية إجهاض؟” قالت: “أجل”، وبدأت تبكي. عبرت عما في داخلها، ولم تعد غاضبة أو مترددة في الاستمرار. أنهت دروسها وذهبت إلى كرسي الاعتراف وانضمت إلى الكنيسة. وجدت السلام. كانت تخشى ألم الاعتراف، لكنها شعرت بالسعادة عندما انتهت من الاعتراف.

أحياناً، عندما نتجنب أمراً مؤلماً اليوم، يتضاعف الألم غداً.

ولكن، ماذا لو غضب الكاهن مني؟ نادراً ما يحصل ذلك. ولكن، في حال حدوثه، اسألوا الكاهن: “يا أبت، هل متَّ من أجلي على الصليب؟”

لا بد أن نتذكر أمراً آخر بشأن الإزعاج المتعلق بهذا السر. كلما اعترفتم أكثر، أصبح الاعتراف أسهل. ينبغي على الجميع أن يحاولوا الاعتراف أقله مرة شهرياً، وإنما بشكل مثالي كل أسبوعين.

وإذا كان شخص ما يعاني من مشكلة نفسية جدية مع الاعتراف، يجب أن يناقشها مع كاهن.

“أخجل من كشف خطاياي لكائن بشري آخر!”

صحيح أن الأمر قد يكون مخجلاً، لكن يجب ألا يبعدنا ذلك عن مصدر نعمة عظيم. فكم مرة نذهب إلى صديق لنخبره عن خطأ ارتكبناه بحق زوجنا أو زوجتنا. وهل نؤمن أن يسوع موجود في كرسي الاعتراف أم لا؟ من لنا صديق أكثر تفهماً منه؟ لقد وجدت تفهماً وراحة عند الكهنة في كرسي الاعتراف أكثر منه لدى أي صديق جيد.

ما الفكرة التي سيكوّنها عنكم؟ سيراكم كما يراكم الله: شخصاً تطهّر. ولكن، ألن يزدري بي؟ إذا كان الكاهن بلا خطيئة، ليرجمكم بحجر. ينبغي علينا نحن الكهنة أن نعترف بدورنا بخطايانا. فهل تعتقدون أننا نحن الكهنة معصومون عن الخطيئة؟ أعيدوا التفكير. يعلم الكهنة أيضاً أن بعض القديسين العظماء مثل القديس أغسطينوس، القديسة مريم المجدلية، والقديسة مارغريت من كورتونا، كانوا من أعظم الخطأة. من يدري أنكم لن تصبحوا قديسين؟ الكهنة يحاولون النظر إلى “شخصكم الجديد” وليس القديم. والكاهن ليس ملزماً فقط بعدم البوح بخطايا التائب، وإنما أيضاً بنسيانها بُعيد سماعها. نستخدم نحن الكهنة القول التالي: ما أعرفه من الاعتراف، هو أقل مما لا أعرفه بتاتاً.

الاهتداء

كثيراً ما يكون الاعتراف بداية اهتداء عظيم. فقد روى الأسقف شين القصة التالية:

عندما دخل شارل دو فوكو، وهو بطل من فرنسا وإنما رجل شرير، إلى الكنيسة في أحد الأيام، قرع على كرسي الاعتراف الذي كان يجلس داخله الأب أوفلان وقال له: “اخرج، أود التحدث معك عن مشكلة”. فأجاب الأب أوفلان: “كلا، ادخل أنت؛ أود التحدث معك عن خطاياك”. بتأثير من النعمة الإلهية، أذعن له فوكو؛ وأصبح لاحقاً ناسكاً في الصحراء وأحد الرجال القديسين في زماننا.

وفي إحدى المرات، تحدث شاب عن اهتدائه. كان كاثوليكياً منذ الطفولة، لكنه وقع في الخطيئة وأهمل الاعتراف رغم أنه استمر في الذهاب إلى القداس. إذاً، كان بحاجة إلى الاهتداء. ذهب لكي يعترف عصر أحد أيام السبت، ووجد نفسه في نهاية طابور من الناس. نظر إلى ساعة يده وقرر أنه عاجز عن الانتظار، فهمّ بالذهاب. أمسكت به امرأة قريبة من كرسي الاعتراف فيما كان ذاهباً وقالت له: “خذ دوري. يبدو أنك بحاجة إليه أكثر مني”. ففعل ذلك. دخل واعترف وعاد إلى الأسرار للمرة الأولى منذ أكثر من عشرة أعوام. وأصبح فيما بعد كاهناً.

“لا داعي لأن أعترف. لديّ فقط خطايا عرضية”.

قال البابا يوحنا بولس الثاني في 15 يونيو 1983:

سر المصالحة ليس مخصصاً فقط لمرتكبي الذنوب الجسيمة. تأسس لمغفرة جميع الخطايا، وتتمتع النعمة المتدفقة منه بقدرة خاصة على التطهير والدعم في جهود الإصلاح والتقدم. هو سر لا يُستبدل في الحياة المسيحية؛ ولا يمكن أن يهمله المرء أو يتجاهله إذا أراد أن تنضج بذرة الحياة الإلهية في المسيحي وتحدث كل النتائج المرجوّة. عندما نعترف بالخطايا العرضية فقط، ننمي تأملاً أكبر بها ونميل أكثر إلى تخطيها. لكن معظم الناس الذين يرتكبون خطايا مميتة بدأوا بارتكاب خطايا عرضية متكررة، ومن ثم ضعفوا ووقعوا في خطايا أكثر خطورة.

في إحدى المرات، ذهب أحد الأشخاص إلى رياضة روحية، وكجزء منها ذهب لكي يعترف. كان قد مضى أكثر من عامين على آخر اعتراف له. ولم يكن قد ارتكب أي خطايا مميتة. لكن الكاهن صحح له بلطف ما فعله سائلاً إياه: “هل يُعقل أن تكون الكبرياء سبب غيابك طوال هذه الفترة؟” وشجعه على الاعتراف أقله مرة شهرياً بالخطايا العرضية. فاعترف الرجل بكبريائه وعزم على الاعتراف شهرياً.

وكتب بيوس الثاني عشر في رسالته عن جسد المسيح السري Mysticii corporis :

من أجل تقدّم ثابت وسريع على درب الفضيلة، ننصح بشدة بالممارسة التقية للاعتراف المتكرر… لأننا بهذه الوسيلة ننمو في معرفة حقيقية لذاتنا وفي التواضع المسيحي، وتُقتلَع العادات السيئة، ويتم تلافي الإهمال الروحي واللامبالاة، ويتطهر الضمير، وتتعزز الإرادة، وننال الإرشاد الروحي المفيد، وتزداد النعمة من خلال فعالية السر بذاته.
إذاً، ليس الله هو من يحتاج إلى الاعتراف بل نحن.