وزارة التعمية والتعتيم ! ! !
بقلم يوسف سيدهم
كان الله في عون الوزير الدكتور أحمد زكي بدر الذي تولي وزارة التربية والتعليم الشهر الماضي,فهو بالفعل يحمل تركة عقيمة مثقلة بالمشاكل وعليه أن يتسلح بقدر كبير من الحكمة والشجاعة لمواجهة الواقع المريض المتخلف المسيطر علي وزارته...ولمن يعتقد أن التحديات التي تواجه الوزير هي التحديات التقليدية التي طالما سمعناها ممن سبقوه إلي هذا المنصب مثل تحديث أبنية المدارس وإعادة المسطحات الخضراء,ومثل تخفيض كثافة الفصل من التلاميذ,ومثل تطوير الكتاب المدرسي...من يعتقد ذلك يخطئ كثيرا لأن التحديات الحقيقية في إصلاح التعليم تكمن في تطهيره من الجمود والانغلاق,وهنا تظهر حتمية مراجعة كافة المناهج وإعادة تأهيل المدرسين بالإضافة إلي استبعاد مافيا تديين التعليم التي اخترقت شتي الكوادر بدءا من واضعي المناهج مرورا بالمدرسين إلي واضعي أسئلة الامتحانات.
أثق أن الدكتور أحمد زكي بدر يمتلك رؤية تحديثية لمنظومة التعليم تعيد من جديد نشاط العقل إلي التلميذ في الفصل المدرسي في جميع المراحل بدءا من الحضانة إلي الثانوية العامة..بحيث يضع نهاية عملية لكارثة التلقين والحفظ والقوالب العلمية الثابتة ويستبدل بها آليات تتيح مناقشة المعلومة والشك فيها من أجل البحث عنها والتثبت منها,كذلك إحياء مناخ العقل النقدي داخل الفصل كمدخل أساسي للتنشئة المتفتحة والممارسة الديموقراطية.
لكن لا يمكن تحليل أي رؤية لتحديث وتطهير التعليم في بلدنا دون التطرق إلي الجانب التنويري فيه- وذلك هو مبعث عنوان هذا المقال-فواقعنا المتردي يشهد أن ما نطلق عليهوزارة التربية والتعليمفقد مضمونه وضل طريقه ولم يعد يؤدي أي دور سواء في التربية أو في التعليم,وباتت هذه الوزارة من كثرة الكوارث التي تتسبب فيها ومن خطورة النوعية الباهتة التي تنتجها من المدرسين ومن بعدهم التلاميذ والطلبة أشبه بوزارة يصح أن تنطلق عليهاوزارة التعمية والتعتيم!!!وليس أدل علي ذلك من الفضائح التي تروع من يتصدي لفحص ومراجعة الكتب والمناهج والأساليب والوسائل التعليمية,وقد كتب الكثيرون في هذا الخصوص يصرخون من أجل تطهير التعليم مما يحويه من أشكال تغييب وتعطيل العقل والزج بجميع أشكال التديين والتمييز في كل جنباته,وآخرها قنبلة امتحان مادة الرسم التي انفجرت في محافظة البحيرة منذ أسبوعين وتناولتها بعض وسائل الإعلام ولا يمكن السكوت عليها.
أمامي نسخة من ورقة امتحان نصف العام للصف الأول الإعدادي العام في مادة التربية الفنية-الرسم-للمدارس التابعة لإدارة أبو حمص التعليمية,وهذه الورقة من نموذجين :أحدهما للمدارس الصباحية والآخر للمدارس المسائية...فماذا ياتري جاء في امتحان الرسم الذي يؤديه طلبة وطالبات مصريون-مسلمين ومسيحيين-في عمر الزهور يتم اختبار قدراتهم في الرسم والتعبير بما يتناسب مع المرحلة العقلية التي ينتمون إليها؟...السؤال الأول في التعبير الفني جاء كالآتي:
*للمدارس الصباحية:من مناسك الحج الوقوف بجبل عرفات حيث يقف الحجيج وهم يلبسون ملابس الإحرام متضرعين إلي الله تعالي رافعين الأيدي تلبية لنداء الله سبحانه وتعالي.عبر عن هذا المشهد مستخدما الألوان التي تروق لك.
*للمدارس المسائية:تحتفل الأمة الإسلامية كل عام بمولد الرسول (صلي الله عليه وسلم) حيث تجد العديد من مظاهر الاحتفال من زينة المساجد وإقامة السرادقات وبيع الحلوي في الأسواق.عبر عن هذا المشهد مستخدما الألوان التي تروق لك.
بعد ذلك يجئ السؤال الثاني في التصميم الابتكاري كالآتي:
**للمدارس الصباحية:في مساحة20*25سم ارسم الكعبة الشريفة مستعينا بكتابة عبارة(أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله).
*للمدارس المسائية:في مساحة20*25سم صمم نتيجة للعام الجديد مستعينا برسم المآذن والقباب.
وأود أن ألفت نظر القراء مرة ثانية إلي أننا نتحدث عن امتحان مادة التربية الفنية-الرسم-وليس مادة التربية الدينية,وبالتالي نحن بصدد أسئلة يجلس للإجابة عليها تلاميذ وتلميذات من المسلمين والمسيحيين,فما معني تديين أسئلة هذه المادة وما الهدف من إعطائها هذه المسحة الإسلامية التي لا علاقة لها بمادة الرسم علي الإطلاق وسوف يستغربها سائر المسيحيين-وحتي أيضا جانب من المسلمين-الذين يعجزون عن تكوين الصورة الذهنية لعناصر الموضوع المطلوب رسمه؟!!...إذا الهدف لا يمكن أن يكون مجرد اختبار قدرة التلميذ علي الرسم والتلوين,إنما هو يتجاوز ذلك إلي ما جاء في بيان المجلس القومي لحقوق الإنسان عقب مأساة نجع حمادي من ارتماء التعليم في اتجاه تديين كل شئ وإعلاء دين محدد علي الدين الآخر وما يحمله ذلك من شبهة التمييز وتغييب الآخر...هذا كله لا يقتصر علي المشهدين المطلوب رسمهم,لكنه يتجسد بشكل مفزع في أسئلة التصميم الابتكاري التي لم تجد لاختبار التلميذ سوي طلب رسم الكعبة والمآذن وكتابة الشهادتين!!.
هل يدرك الوزير الدكتور أحمد زكي بدر أنه أمام وضع كارثي وأن عليه استعادة وزارة للتربية والتعليم من براثن ومخالب وزارة التعمية والتعتيم؟!!
منقوووول من جريدة وطنى 21/2/2010
عدل سابقا من قبل Admin في الإثنين 22 فبراير 2010 - 6:04 عدل 1 مرات