ترواس
مدينة رئيسية فى الشمال الغربى من اسيا الصغرى على شاطئ ميسيا فى ولاية اسيا الرومانية ..
فى هذه المدينة ظهرت لبولس رؤيا الرجل المكدونى قائلا له " اعبر الى مكدونية واعنا " , وكان هذا فى الرحلة الثانية ..
اما فى هذه الرحلة فألقى بولس عظة واطال الكلام وسقط الشاب افتيخوس من الطبقة الثالثة , واقامه بولس واتوا بالفتى حيا وتعزوا تعزية ليست بقليلة - أع 20 : 12 .إقامة أفتيخوس في تراوس وخطاب وداعي في ميليتس
كانت الضيقات في رفقة الرسول بولس، وكانت نعمة الله لا تفارقه، وكأنهما أختان ملازمتان له أينما حل. ففي الأصحاح السابق رأينا في أفسس أحرق السحرة كتب السحر، وأثار ديمتريوس الصائغ شغبًا لمحاكمة الرسول. وفي هذا الأصحاح يتمجد الله فيه حيث سقط الشاب أفتيخوس من الطاقة وحُمل ميتًا، لكن الرب أقامة على يدي رسوله. وفي ميليتس ألقى الرسول خطابًا وداعيًا لقسوس الكنيسة كشف عن مفهوم الرسول بولس العملي عن الرعاية.
1. مكيدة في هيلاس باليونان
في تعليقه على هذا الأصحاح يقول متى هنري: [أسفار بولس التي قدمت هكذا في اختصار، لو سجلت كلها لكانت جديرة بالذكر وبارزة تستحق كتابتها بحروف من ذهب، ما كان يمكن للعالم أن يحوي الكتب التي كانت تُكتب، لهذا فما لدينا هو لمحات عامة عن الأحداث، وهي ثمينة لغاية...]
المُعتقد أن القديس لوقا تغاضى عن ذكر زيارة ثانية لكورنثوس لأنها كانت قصيرة جدًا، خصوصًا إن القديس لوقا كان غائبًا لمدة ثلاث سنوات أثناء وجود بولس في أفسس. والآن يقوم الرسول بولس بزيارة ثالثة لكورنثوس كما جاء في 2 كو 12: 14؛ 13: 1-2.
كتب لكورنثوس لثالث مرة، ولم تسجل الرسالة السابقة للرسالة الأولى (1 كو 5: 9، 11) لأنها كانت قصيرة للغاية، ولأنه كان فحواها ألا يخالط المؤمنون الاخوة الزناة. ويبدو أن أهل كورنثوس ظنوا عدم مخالطة كل الأشرار، وبهذا يحجمون عن التعامل مع أهل العالم تمامًا، لهذا جاءت الرسالة التي نعتبرها الأولى تؤكد "ليس مطلقا زناة هذا العالم... وإلا فيلزمكم أن تخرجوا من العالم، وأما الآن فكتبت إليكم إن كان أحد مدعوًا أخًا زانيًا أو طماعًا أو عابد وثنٍ أو شتامًا أو سكيرًا أو خاطفًا أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا" (1 كو 5: 10-11). بهذا ما ورد في الرسالة الأولى بين أيدينا هو توضيح ما ورد في الرسالة السابقة لها المفقودة.
هكذا في مكدونية كتب الرسالة الثالثة لأهل كورنثوس والتي نحسبها الثانية وذلك في خريف 57م. وفي شتاء 58 كتب رسالته إلى أهل رومية.
غادر بولس الرسول أفسس بعد يوم الخمسين متجها إلى الشمال، سجل لنا الرسول بولس تركه أفسس في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس. عندما وصل إلى ترواس وجد فرصة عظيمة للكرازة بالإنجيل، لكنه كان مغتمًا بالاضطرابات والانشقاقات التي كانت في كورنثوس، وكان الرسول قد بعث بتيطس إلى كورنثوس ليعالج هذه المشاكل الخطيرة بين المؤمنين هناك،وكان يتوقع اللقاء معه في ترواس. لم يستطع أن يصل إلى ترواس فتثقل قلب الرسول بولس وترك ترواس واتجه إلى مكدونية ليلتقي بمعينه (2 كو 12- 13). أخيرا جاء تيطس من كورنثوس يحمل أخبار طيبة عن تحسن الأحوال في الكنيسة (كو 7: 5-16). عندئذ كتب الرسول رسالته الثانية وبعث بها مع تيطس وأخ آخر (2 كو 8: 17-19) وذلك قبل ذهابه إلى كورنثوس.
من هناك قام بزيارة فيلبي وتسالونيكي، 2. ذهابه إلى تراوس
لماذا كان يسير القديس بولس وفي رفقته كثير من تلاميذه العاملين في الكرم؟
. كان يقوم هو بالكرازة بالكلمة، وإذ يقبل أحد الإيمان يسلمه لأحد التلاميذ
كثيرًا ما يحتاج الأمر إلى هؤلاء الخدام للعمل الداخلي، حتى لا ترتبك الكنيسة بالثورات ضد الرسول بولس.
كانوا يرافقوه كتلاميذ يتدربون على يديه على الكرازة، فقد كان تلاميذه سندًا له أثناء أسفاره الكثيرة.
لقد عبروا بحر الأيجيني، وقد أخذت هذه الرحلة قبلاً يومين فقط ما كان يشغل ذهن الرسول بولس في أيام الفطير أن السيد المسيح هو فصحنا الذي ذُبح لأجلنا
3. أقامة أفتيخوس الشاب
إذ كان الرسول مزمعًا أن يغادر المدينة في اليوم التالي بقي يعد للاحتفال بسرّ الإفخارستيا (كسر الخبز) يتحدث معهم إلى ساعات طويلة حتى منتصف الليل من فجر الأحد افتيخوس، معناها "سعيد الحظ". يلومه بعض الدارسين أنه كان جالسًا في الطاقة، فلو أنه كان جالسًا أرضًا لما سقط، وكان قد بقي في أمان. لكن ربما كان له عذره في هذا فقد ازدحمت العلية بالحاضرين، ولم يكن يوجد موضع له ان يجلس أرضًا. أما تثقله بالنوم العميق فلا يعني عدم مبالاته بما يقوله الرسول، لكنه تثقل بضعف الطبيعة البشرية، فكان يقاوم فغفل في لحظات في نوم عميق.
لعل عدو الخير أراد أن يسبب اضطرابًا بسقوط هذا الشاب ميتًا، لكن الله بعنايته الفائقة حول الأمر لمجده وبنيان الكنيسة.
"وقع عليه"، ربما تمدد عليه كما فعل أليشع مع ابن الشونمية (2 مل 4: 33- 35)، وهي علامة حنو شديد ورغبة حارة في إعادته للحياة.
يقول: "لا تضطربوا". لم يقل: "إنه سيقوم إلى الحياة لأني سأقيمه"، بل لاحظوا تواضعه وهو يريحهم، قائلاً: "لأن نفسه فيه
صعد بولس إلى العلية، وقدم له طعامًا، وليس الإفخارستيا،
بعد انقضاء هذه السهرة الممتعة حتى الفجر جاء كل من الحاضرين يهنئون الشاب على إقامته من الموت. هذا وقد تثبت إيمان الكثيرين بسبب هذه المعجزة.
4. ذهابه إلى ميليتس
يبرر البعض ذهابه مشيًا مع ترك رفاقه أن يذهبوا بحرًا، أنه مع محبته العظيمة لأصدقائه، لكنه بين الحين والآخر يفضل السير وحده ليختلي مع الله. آخرون يرون أنه في محبته لرفاقه كان يختار لهم الطريق السهل المريح، بينما يختار لنفسه الطريق الشاق، ليمارس نوعًا من الإماتة وبذل الذات، مخضعًا جسده للآلام كشركة مع آلام السيد المسيح
تحت إلحاح المسئولين في ترواس آثر بولس الرسول أن يمكث معهم بضع ساعات زيادة عن إن تنتظره المركب في آسوس. لهذا تخلف عن السفينة، وأخذ طريق البر إلى آسوس. وهناك التقى مع الذين سافروا بحرًا إلى اسوس، وذهب معهم جنوبًا تجاه جزيرة لسبوس ومدينتها ميتليني توقفوا في ميناء الجزيرة، ثم ساروا بأرجلهم حتى وصلوا إلى ميتليني، ثم عادوا وأبحروا من ميتليني في سفينة أخرى.
حيث بدأ رحلته من فيلبي بعد أيام الفطير ليبلغ إلى أورشليم في يوم الخمسين. فالمدة كلها من الفصح إلى يوم الخمسين هي 49 يومًا قضاها هكذا:
v أيام الفطير السبعة بعد عيد الفصح، قضاها في فيلبي (أع 20: 6).
v خمسة أيام استغرقتها الرحلة إلى ترواس، لأن الريح كانت مواتية (أع 20: 6).
v سبعة أيام في ترواس (أع 20-6).
v أربعة أيام في جزيرة خيوسChios إلي ميليتسMiletus (أع 20: 13-15).
v يومان في ميليتس في وداع مع قسوس كنائس أفسس (أع 20: 17).
v ثلاثة أيام استغرقتها الرحلة إلى باتراPatra مارا بكوسCos ورودسRhodes (أع 21: 1).
v يومان من باترا إلى صور (أع 21: 203).
v ستة أيام بقي في صور (أع 21: 4).
v يومان من بتولمايس إلى قيصرية (أع 21: 7-8).
مجموع هذه الأيام 37 يومًا، يتبقى 12 يومًا كاحتياطي للتحركات حيث كانت المواصلات في ذلك الحين لا يُمكن ضبط مواعيدهااجتياز أفسس، لأنه لو ذهب إليها لتأخر في رحلته، فلا يقدر أن يصل إلى أورشليم في يوم الخمسين. من الصعب أن يقاوم إلحاح أحبائه في أفسس ان يبقى معهم، لهذا تجاوز المدينة لماذا هذه السرعة؟ ليس من أجل العيد، وإنما من أجل الجموع
4. خطابه الوداعي
استدعى الرسول بولس وجهاء اليهود بروما ليوضح لهم الموقف أنه لم يأت إلى روما ليشتكي أمته أو رؤساء الكهنة أو مجمع السنهدرين (أع 28: 17-19)، حتى لا يظنوا فيه أنه خائن لبلده أو دينه. واستدعى قسوس كنائس أفسس، وقد قطعوا رحلة لا تقل عن 20 ميلاً ليذكرهم برسالتهم الرعوية: "لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أع 20: 28)، مقدمًا نفسه مثلاً عمليًا في الرعايةجاء حديثه يحمل روح الأبوة الحانية، يكشف لهم عن حياته وتعاليمه. يذكرهم بكيفية سلوكه حين كان في وسطهم. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن الرسول في خطابه هذا لقسوس الكنيسة يستعرض أمرين هامين: الحب والثبات أو الجلدْ. وأن ما قدمه لم يكن بروح الافتخار، وإنما لكي يعلم الكهنة أن يتمثلوا به في خدمتهأسلوبه في الخدمة أنه يخدم الرب لا الناس، أمران يشغلان فكر الرسول بولس وقلبه، وهما التوبة والإيمان كان الرسول بولس ذاهبًا إلى أورشليم حسب التدبير الإلهيذهابه إلى أورشليم ليس مقيدًا بالجسد، فإنه ليس له أي احتياج جسدي للذهاب، لكنه مقيد بروح الرب.
يكشف لهم الرسول بولس عن نظرته للخدمة:
1. لا قيمة للحياة الزمنية أمام بلوغ الإنسان هدفه نحو خلاص نفسه وخلاص إخوته.
2. الخدمة سباق، لا يتوقف الخادم عن الركوض حتى يتسلم من يد الرب إكليل النصرة.
3. يتسم الخادم بالفرح الدائم وسط جهاده، حتى في مواجهته للموت.
4. إدراك أن الخدمة هي دعوة من الله شخصيًا.
5. عمل الخادم الشهادة المفرحة بنعمة الله التي تعمل بسخاء.
جحد بولس ذاته عندما عرف أن قيودًا وضيقات تنتظره في أورشليم، وبإرادته قدم نفسه للخطر أعلن الرسول بولس أن هذا اللقاء هو لقاء وداعي، فإنهم لن يروا وجهه بعد في هذا العالم. لن يعود إلى أفسس، إنما ستلحق به المخاطر في أورشليم، وتنتظره الشدائد، وسيذهب إلى روما، وأيضًا إلى مدن أخرى مثل أسبانيا.
يتنبأ القديس بولس عن ظهور معلمين كذبة، أشبه بالذئاب الخاطفة التي لا تبالي بالخراف، بل تفترس وتُهلك، إذ يطلب المعلمون كرامتهم الزمنية، ويتشبثون بإرادتهم الذاتية.كل ما كان يشغل الكثيرين منهم هو "المباحثة"، لا لبلوغ الحق، وإنما لحب الجدال في ذاته
5وداع حار مؤثر
جثا على ركبتيه معهم وصلى، ليودعهم في يد الله، لكي لا تفارقهم الحضرة الإلهية. لم يصلِ فقط من أجلهم بل وصلى معهم، ليقدم الكل صلاة جماعية، إنها صلاة وداعية جاءت بعد الحديث الوداعي، لكي تبقى البصمات الأخيرة في ذهنهم، أنه لا طريق للنجاة إلا بالصلاة.
اعتاد الرسول بولس أن يصلي جاثيًا على ركبتيه (أف 3: 14). فالركوع يحمل روح التواضع والخشوع أمام الله تركهم والدموع منهارة بغزارة منهم، ولعله لم يستطع بولس صاحب القلب الرقيق أن يحبس دموعه وهو يلقي نظراته الأخيرة على محبوبيه، فانهار الكل أمام محبته الحانية، وارتمى الكل على عنقه يقبله. لم تستطع الكلمات أن تعبر عن شكرهم له على كل جهوده ومحبته لهم، فتحدثوا بلغة الدموع والقبلات المقدسةيا لها من لحظات رهيبة وهم يتطلعون إلى الوجه الذي يحمل كل سمات المحبة الصادقة، يعكس حب الله لهم، وقد أدركوا أنها آخر لحظات لرؤيته.
"شيعوه إلى السفينة" وهم يرونه كمن ينطلق من بينهم إلى السماء، لن يروه بعد إلا مع رب المجد يسوع حين يأتي على السحاب، ليضم كنيسته إليه، وينطلق بها إلى حضن الآب.
يقدم لنا الإنجيلي لوقا كشاهد عيان وصفًا رائعًا لمشاعر الجماهير وهي تودع الرسول بولس.
مدينة رئيسية فى الشمال الغربى من اسيا الصغرى على شاطئ ميسيا فى ولاية اسيا الرومانية ..
فى هذه المدينة ظهرت لبولس رؤيا الرجل المكدونى قائلا له " اعبر الى مكدونية واعنا " , وكان هذا فى الرحلة الثانية ..
اما فى هذه الرحلة فألقى بولس عظة واطال الكلام وسقط الشاب افتيخوس من الطبقة الثالثة , واقامه بولس واتوا بالفتى حيا وتعزوا تعزية ليست بقليلة - أع 20 : 12 .إقامة أفتيخوس في تراوس وخطاب وداعي في ميليتس
كانت الضيقات في رفقة الرسول بولس، وكانت نعمة الله لا تفارقه، وكأنهما أختان ملازمتان له أينما حل. ففي الأصحاح السابق رأينا في أفسس أحرق السحرة كتب السحر، وأثار ديمتريوس الصائغ شغبًا لمحاكمة الرسول. وفي هذا الأصحاح يتمجد الله فيه حيث سقط الشاب أفتيخوس من الطاقة وحُمل ميتًا، لكن الرب أقامة على يدي رسوله. وفي ميليتس ألقى الرسول خطابًا وداعيًا لقسوس الكنيسة كشف عن مفهوم الرسول بولس العملي عن الرعاية.
1. مكيدة في هيلاس باليونان
في تعليقه على هذا الأصحاح يقول متى هنري: [أسفار بولس التي قدمت هكذا في اختصار، لو سجلت كلها لكانت جديرة بالذكر وبارزة تستحق كتابتها بحروف من ذهب، ما كان يمكن للعالم أن يحوي الكتب التي كانت تُكتب، لهذا فما لدينا هو لمحات عامة عن الأحداث، وهي ثمينة لغاية...]
المُعتقد أن القديس لوقا تغاضى عن ذكر زيارة ثانية لكورنثوس لأنها كانت قصيرة جدًا، خصوصًا إن القديس لوقا كان غائبًا لمدة ثلاث سنوات أثناء وجود بولس في أفسس. والآن يقوم الرسول بولس بزيارة ثالثة لكورنثوس كما جاء في 2 كو 12: 14؛ 13: 1-2.
كتب لكورنثوس لثالث مرة، ولم تسجل الرسالة السابقة للرسالة الأولى (1 كو 5: 9، 11) لأنها كانت قصيرة للغاية، ولأنه كان فحواها ألا يخالط المؤمنون الاخوة الزناة. ويبدو أن أهل كورنثوس ظنوا عدم مخالطة كل الأشرار، وبهذا يحجمون عن التعامل مع أهل العالم تمامًا، لهذا جاءت الرسالة التي نعتبرها الأولى تؤكد "ليس مطلقا زناة هذا العالم... وإلا فيلزمكم أن تخرجوا من العالم، وأما الآن فكتبت إليكم إن كان أحد مدعوًا أخًا زانيًا أو طماعًا أو عابد وثنٍ أو شتامًا أو سكيرًا أو خاطفًا أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا" (1 كو 5: 10-11). بهذا ما ورد في الرسالة الأولى بين أيدينا هو توضيح ما ورد في الرسالة السابقة لها المفقودة.
هكذا في مكدونية كتب الرسالة الثالثة لأهل كورنثوس والتي نحسبها الثانية وذلك في خريف 57م. وفي شتاء 58 كتب رسالته إلى أهل رومية.
غادر بولس الرسول أفسس بعد يوم الخمسين متجها إلى الشمال، سجل لنا الرسول بولس تركه أفسس في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس. عندما وصل إلى ترواس وجد فرصة عظيمة للكرازة بالإنجيل، لكنه كان مغتمًا بالاضطرابات والانشقاقات التي كانت في كورنثوس، وكان الرسول قد بعث بتيطس إلى كورنثوس ليعالج هذه المشاكل الخطيرة بين المؤمنين هناك،وكان يتوقع اللقاء معه في ترواس. لم يستطع أن يصل إلى ترواس فتثقل قلب الرسول بولس وترك ترواس واتجه إلى مكدونية ليلتقي بمعينه (2 كو 12- 13). أخيرا جاء تيطس من كورنثوس يحمل أخبار طيبة عن تحسن الأحوال في الكنيسة (كو 7: 5-16). عندئذ كتب الرسول رسالته الثانية وبعث بها مع تيطس وأخ آخر (2 كو 8: 17-19) وذلك قبل ذهابه إلى كورنثوس.
من هناك قام بزيارة فيلبي وتسالونيكي، 2. ذهابه إلى تراوس
لماذا كان يسير القديس بولس وفي رفقته كثير من تلاميذه العاملين في الكرم؟
. كان يقوم هو بالكرازة بالكلمة، وإذ يقبل أحد الإيمان يسلمه لأحد التلاميذ
كثيرًا ما يحتاج الأمر إلى هؤلاء الخدام للعمل الداخلي، حتى لا ترتبك الكنيسة بالثورات ضد الرسول بولس.
كانوا يرافقوه كتلاميذ يتدربون على يديه على الكرازة، فقد كان تلاميذه سندًا له أثناء أسفاره الكثيرة.
لقد عبروا بحر الأيجيني، وقد أخذت هذه الرحلة قبلاً يومين فقط ما كان يشغل ذهن الرسول بولس في أيام الفطير أن السيد المسيح هو فصحنا الذي ذُبح لأجلنا
3. أقامة أفتيخوس الشاب
إذ كان الرسول مزمعًا أن يغادر المدينة في اليوم التالي بقي يعد للاحتفال بسرّ الإفخارستيا (كسر الخبز) يتحدث معهم إلى ساعات طويلة حتى منتصف الليل من فجر الأحد افتيخوس، معناها "سعيد الحظ". يلومه بعض الدارسين أنه كان جالسًا في الطاقة، فلو أنه كان جالسًا أرضًا لما سقط، وكان قد بقي في أمان. لكن ربما كان له عذره في هذا فقد ازدحمت العلية بالحاضرين، ولم يكن يوجد موضع له ان يجلس أرضًا. أما تثقله بالنوم العميق فلا يعني عدم مبالاته بما يقوله الرسول، لكنه تثقل بضعف الطبيعة البشرية، فكان يقاوم فغفل في لحظات في نوم عميق.
لعل عدو الخير أراد أن يسبب اضطرابًا بسقوط هذا الشاب ميتًا، لكن الله بعنايته الفائقة حول الأمر لمجده وبنيان الكنيسة.
"وقع عليه"، ربما تمدد عليه كما فعل أليشع مع ابن الشونمية (2 مل 4: 33- 35)، وهي علامة حنو شديد ورغبة حارة في إعادته للحياة.
يقول: "لا تضطربوا". لم يقل: "إنه سيقوم إلى الحياة لأني سأقيمه"، بل لاحظوا تواضعه وهو يريحهم، قائلاً: "لأن نفسه فيه
صعد بولس إلى العلية، وقدم له طعامًا، وليس الإفخارستيا،
بعد انقضاء هذه السهرة الممتعة حتى الفجر جاء كل من الحاضرين يهنئون الشاب على إقامته من الموت. هذا وقد تثبت إيمان الكثيرين بسبب هذه المعجزة.
4. ذهابه إلى ميليتس
يبرر البعض ذهابه مشيًا مع ترك رفاقه أن يذهبوا بحرًا، أنه مع محبته العظيمة لأصدقائه، لكنه بين الحين والآخر يفضل السير وحده ليختلي مع الله. آخرون يرون أنه في محبته لرفاقه كان يختار لهم الطريق السهل المريح، بينما يختار لنفسه الطريق الشاق، ليمارس نوعًا من الإماتة وبذل الذات، مخضعًا جسده للآلام كشركة مع آلام السيد المسيح
تحت إلحاح المسئولين في ترواس آثر بولس الرسول أن يمكث معهم بضع ساعات زيادة عن إن تنتظره المركب في آسوس. لهذا تخلف عن السفينة، وأخذ طريق البر إلى آسوس. وهناك التقى مع الذين سافروا بحرًا إلى اسوس، وذهب معهم جنوبًا تجاه جزيرة لسبوس ومدينتها ميتليني توقفوا في ميناء الجزيرة، ثم ساروا بأرجلهم حتى وصلوا إلى ميتليني، ثم عادوا وأبحروا من ميتليني في سفينة أخرى.
حيث بدأ رحلته من فيلبي بعد أيام الفطير ليبلغ إلى أورشليم في يوم الخمسين. فالمدة كلها من الفصح إلى يوم الخمسين هي 49 يومًا قضاها هكذا:
v أيام الفطير السبعة بعد عيد الفصح، قضاها في فيلبي (أع 20: 6).
v خمسة أيام استغرقتها الرحلة إلى ترواس، لأن الريح كانت مواتية (أع 20: 6).
v سبعة أيام في ترواس (أع 20-6).
v أربعة أيام في جزيرة خيوسChios إلي ميليتسMiletus (أع 20: 13-15).
v يومان في ميليتس في وداع مع قسوس كنائس أفسس (أع 20: 17).
v ثلاثة أيام استغرقتها الرحلة إلى باتراPatra مارا بكوسCos ورودسRhodes (أع 21: 1).
v يومان من باترا إلى صور (أع 21: 203).
v ستة أيام بقي في صور (أع 21: 4).
v يومان من بتولمايس إلى قيصرية (أع 21: 7-8).
مجموع هذه الأيام 37 يومًا، يتبقى 12 يومًا كاحتياطي للتحركات حيث كانت المواصلات في ذلك الحين لا يُمكن ضبط مواعيدهااجتياز أفسس، لأنه لو ذهب إليها لتأخر في رحلته، فلا يقدر أن يصل إلى أورشليم في يوم الخمسين. من الصعب أن يقاوم إلحاح أحبائه في أفسس ان يبقى معهم، لهذا تجاوز المدينة لماذا هذه السرعة؟ ليس من أجل العيد، وإنما من أجل الجموع
4. خطابه الوداعي
استدعى الرسول بولس وجهاء اليهود بروما ليوضح لهم الموقف أنه لم يأت إلى روما ليشتكي أمته أو رؤساء الكهنة أو مجمع السنهدرين (أع 28: 17-19)، حتى لا يظنوا فيه أنه خائن لبلده أو دينه. واستدعى قسوس كنائس أفسس، وقد قطعوا رحلة لا تقل عن 20 ميلاً ليذكرهم برسالتهم الرعوية: "لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أع 20: 28)، مقدمًا نفسه مثلاً عمليًا في الرعايةجاء حديثه يحمل روح الأبوة الحانية، يكشف لهم عن حياته وتعاليمه. يذكرهم بكيفية سلوكه حين كان في وسطهم. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن الرسول في خطابه هذا لقسوس الكنيسة يستعرض أمرين هامين: الحب والثبات أو الجلدْ. وأن ما قدمه لم يكن بروح الافتخار، وإنما لكي يعلم الكهنة أن يتمثلوا به في خدمتهأسلوبه في الخدمة أنه يخدم الرب لا الناس، أمران يشغلان فكر الرسول بولس وقلبه، وهما التوبة والإيمان كان الرسول بولس ذاهبًا إلى أورشليم حسب التدبير الإلهيذهابه إلى أورشليم ليس مقيدًا بالجسد، فإنه ليس له أي احتياج جسدي للذهاب، لكنه مقيد بروح الرب.
يكشف لهم الرسول بولس عن نظرته للخدمة:
1. لا قيمة للحياة الزمنية أمام بلوغ الإنسان هدفه نحو خلاص نفسه وخلاص إخوته.
2. الخدمة سباق، لا يتوقف الخادم عن الركوض حتى يتسلم من يد الرب إكليل النصرة.
3. يتسم الخادم بالفرح الدائم وسط جهاده، حتى في مواجهته للموت.
4. إدراك أن الخدمة هي دعوة من الله شخصيًا.
5. عمل الخادم الشهادة المفرحة بنعمة الله التي تعمل بسخاء.
جحد بولس ذاته عندما عرف أن قيودًا وضيقات تنتظره في أورشليم، وبإرادته قدم نفسه للخطر أعلن الرسول بولس أن هذا اللقاء هو لقاء وداعي، فإنهم لن يروا وجهه بعد في هذا العالم. لن يعود إلى أفسس، إنما ستلحق به المخاطر في أورشليم، وتنتظره الشدائد، وسيذهب إلى روما، وأيضًا إلى مدن أخرى مثل أسبانيا.
يتنبأ القديس بولس عن ظهور معلمين كذبة، أشبه بالذئاب الخاطفة التي لا تبالي بالخراف، بل تفترس وتُهلك، إذ يطلب المعلمون كرامتهم الزمنية، ويتشبثون بإرادتهم الذاتية.كل ما كان يشغل الكثيرين منهم هو "المباحثة"، لا لبلوغ الحق، وإنما لحب الجدال في ذاته
5وداع حار مؤثر
جثا على ركبتيه معهم وصلى، ليودعهم في يد الله، لكي لا تفارقهم الحضرة الإلهية. لم يصلِ فقط من أجلهم بل وصلى معهم، ليقدم الكل صلاة جماعية، إنها صلاة وداعية جاءت بعد الحديث الوداعي، لكي تبقى البصمات الأخيرة في ذهنهم، أنه لا طريق للنجاة إلا بالصلاة.
اعتاد الرسول بولس أن يصلي جاثيًا على ركبتيه (أف 3: 14). فالركوع يحمل روح التواضع والخشوع أمام الله تركهم والدموع منهارة بغزارة منهم، ولعله لم يستطع بولس صاحب القلب الرقيق أن يحبس دموعه وهو يلقي نظراته الأخيرة على محبوبيه، فانهار الكل أمام محبته الحانية، وارتمى الكل على عنقه يقبله. لم تستطع الكلمات أن تعبر عن شكرهم له على كل جهوده ومحبته لهم، فتحدثوا بلغة الدموع والقبلات المقدسةيا لها من لحظات رهيبة وهم يتطلعون إلى الوجه الذي يحمل كل سمات المحبة الصادقة، يعكس حب الله لهم، وقد أدركوا أنها آخر لحظات لرؤيته.
"شيعوه إلى السفينة" وهم يرونه كمن ينطلق من بينهم إلى السماء، لن يروه بعد إلا مع رب المجد يسوع حين يأتي على السحاب، ليضم كنيسته إليه، وينطلق بها إلى حضن الآب.
يقدم لنا الإنجيلي لوقا كشاهد عيان وصفًا رائعًا لمشاعر الجماهير وهي تودع الرسول بولس.