الأعتراف
التوبة تستلزم إقرار التائب بخطيته أمام الله وأمام من أخطأ في حقه و امام الأب الكاهن . الإقرار أمام الله مكانه المخدع، والإقرار أمام المخطئون في حقوقهم مواجهة معهم. أما الأقرار أمام الكنيسة، فمرتب ترتيباً دقيقاً يهدف إلي قداسة التوبة كسر إلهي.
انواع الأعتراف
أولاُ: اعتراف المخلوق للخالق
يتضمن اعتراف المخلوق لخالقه فيما بينه وبين خالقه بما ارتكبه من المعاصي في سره وجهره وباطنه وظاهره وهواجس خاطره واختلاج ضميره وبما ارتكبه في حداثته وشبيبته وشيخوخته واقلاعه عن جميع ذلك وأمثاله ومعاهدته علي أن لا يرجع اليها ولا إلي شيء منها ولو أكره عليه0 واستغفاره الله بالاصوام والصلوات والصدقات والتكليفات الشرعية جميعها المؤدبه لجسمه وميوله0 عند ذلك يقبل الله توبته ويغفر له ويرضي عنه0 كقول داود النبي " اعترف لك بخطيتي ولا اكتم أثمي قلت اعترف للرب بذنبي " ( مز 5:32 )0
ثانيا: اعتراف الإنسان لكل من اخطأ اليه
يتضمن الأعتراف لكل من اخطأنا اليه ولمن اساءنا اليه من سائر البشر وترجيته في أن يغفر لنا و يجعلنا في حل من كل ما اخطأنا به إليه وما ذكرناه واعترفنا له به فاذا غفر لك وجعلك في حل غفر الله لك بشرط أن لا ترجع و تسيء اليه لا في سرك ولا في جهرك ولا بنفسه ولا مع غيرك وهذا ماعلم به السيد المسيح له المجد " وان
اخطأ اليك اخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما ان سمع منك فقد ربحت اخاك " ( مت 15:18 )0
ثالثاُ: اعترافه للأب الكاهن
يتضمن الأعتراف للأب الكاهن المسلم اليه الاعتراف بجميع خطاياه التي اخطأها لله والناس المقدم ذكرها ولا ينبغي أن يخفي منها شيئاُ فكرياُ أو قولياُ أو عملياُ0 فمتي أخفي شيئاُ من مرضه ادي به ذلك إلي هلاك نفسه وجسده لأن الأب الكاهن يداويه بما ذكره له فقط0 اما باقيها فيقوي عليه ويثور ضده0 واذا اعترف له بجميع امراضه امكنه مداواته ومعالجته وملاطفته بالصوم والصلاة والصدقة ورفع القرابين ومايفرضه عليه من القوانين بحسب حالته وقدرته وبما يطلبه من الله عنه فاذا اتبع ارشاداته الروحيه غفر الله له ذنوبه وسامحه بزلاته واستدامت له صحته الروحية وحفظها الله عليه " أن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم " (1 يو 1:9 )0
سر التوبه والأعتراف هو سر مقدس
بناء علي ذلك سر التوبه والأعتراف هوسر مقدس به يرجع الخاطئ إلى الله باعترافه بخطاياه أمام الأب الكاهن ليحصل على حل منه بالسلطان المعطي له من الله ، وبهذا الحل ينال المعترف غفران خطاياه التي أعترف بها . و قد أسس الرب يسوع المسيح سر التوبة والاعتراف عندما قال لتلاميذه الرسل الأطهار " الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء " ( مت 18:18 ) . وقوله لهم بعد القيامة " كما أرسلني الأب أرسلكم أنا ، ولما قال لهم هذا نفخ وقال لهم أقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه غفرت له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت " ( يو 20 : 21 – 23 ) وبذلك أعطاهم السلطان أن يربطوا الخطايا أو يحلوها بقوة وسلطان الروح القدس المعطي لهم وذلك حسب ظروف وتوبة المعترف . ) و هنا يبرز سؤال هام و هو: كيف يمكن للأباء الكهنة أن يغفروا الخطايا أو يمسكوها دون أن يعرفوها ويفحصوها ؟ وكيف يعرفوها بدون الاعتراف بها ؟ كيف يمكن للقاضي أن يحكم في قضية لم تعرض عليه ولم يسمع تفاصيلها. لذلك نقول أن السلطان المعطي للرسل وخلفائهم بمسك الخطايا أو غفرانها يلزمنا بالاعتراف بهذه الخطايا بكل وضوح أمام من لهم سلطان الحل والربط .
في سر التوبه و الأعتراف يرجع الخاطئ إلى الله ويتصالح معه باعترافه بذنوبه وآثامه وذلاته وشروره آمام كاهن الله، ليحصل منه على الحل، أى رحمة الله له بالسلطان الممنوح له من الرب يسوع (مت16: 19، 18: 17، يو20: 21-23).
ويسميه العلامة ترتيليانوس ( حلاً للخطايا ) و (إنعتاقاً منها). ودعاه القديس ايريانوس "إعترافاً" (confession) . وأطلق عليه القديس أغسطينوس تعريفاً آخر هو ( المصالحة ) (Reconciliation) بين الخاطئ التائب والله الرحوم. ودعاه مجمع قرطاجنة ( معمودية ثانية ). وهو السر المختص بفاعلية الروح القدس فى حياة الخاطئ التائب، فينال الغفران، بفعل الروح القدس، الذى يستدعيه الكاهن فى صلاة المغفرة.
الأعتراف علي يد الأب الكاهن عقيده كتابيه في العهد القديم
ــ كان الاعتراف جزءاً ضرورياً من توبة الخاطئ الذي يأتي بالذبيحة ويضع يده على رأسها ويعترف لله بخطاياه أمام الكاهن فيأخذ الكاهن الذبيحة ويذبحها ويقدمها على مذبح المحرقة للتكفير عن الخطايا . يقول الرب : " إذا أخطأ أحد أو إذا مس شيئاً نجساً أو إذا حلف .. يقر بما أخطأ به ويأتي إلى الرب بذبيحة لاثمة عن خطيته … فيكفر عنه الكاهن من خطيته " ( لا 5 : 1 – 6 ) .
ــ كان الاعتراف عند بني إسرائيل يقترن بالذبيحة وصلاة الكاهن ، قال بن عزرا " إن الاعتراف لازم وأنهم عندما يقدمون الذبيحة إذا لم يتوجعوا ويعترفوا اعترافا علنيا لا تكون للذبائح قوة ولا فائدة " .
ــ جاء في التلمود " يظهر من التقليد أن الخاطئ يلزمه أن يوضح في الاعتراف جميع أعماله " .
ــ اعتراف شاول الملك أمام صموئيل بأنه خاطي إلى الله وإلى صموئيل أيضاً ولذلك طلب المغفرة من صموئيل كتائب إلى الله (9 صم 15 )
وفي سفر التثنية ( 26 : 4 ) " وتأتي إلى الكاهن الذي يكون في تلك الأيام وتقول له اعتراف اليوم للرب الملك " ( وهذا يظهر أن الاعتراف للكاهن هو اعتراف لله ) .
ــ حينما خان عخان بن كرمي وسرق وغضب الله على كل الشعب بسببه وهزمهم أمام عاى أحضر يشوع عخان بن كرمي وقال له : " يا ابني أعط الآن مجدا للرب إله إسرائيل واعترف له وأخبرني الآن ماذا عملت لا تخف عني ." فأجاب عخان يشوع وقال حقا أني أخطأت إلى الرب إله إسرائيل " ( يش 7 : 19 ، 20 ) .
ــ حينما أخطأ داود الملك بالزنى والقتل ولم يؤنبه ضميره أرسل له الرب ناثان النبي الذي استدرجه بالحديث حتى أعترف أمامه وقال " قد أخطأت إلى الرب " فقال له ناثان النبي " الرب أيضاً قد نقل عنك خطيتك لا تموت " ( 2 صم 12 ) ثم أعلن له العقوبات الإلهية بسبب خطيته : الأبن المولود لك يموت ، السيف لا يفارق بيتك وآخذ نساءك أمام عينيك وأعطيهن لقريبك فيضطجع مع نساءك في عين الشمس ( 2 صم 12 ) وفعلا مات الطفل وعند ثورة ابشالوم على أبيه فعل ما قاله الرب تماما ( 2 صم 16 : 2 – 22 ) .
ثانيا :الأعتراف علي يد الأب الكاهن عقيده كتابيه في العهد الجديد
كان يوحنا المعمدان يكرز بالتوبة قائلاً " توبوا لأنه قد أقترب منكم ملكوت السموات … حينئذ خرج إليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكوره المحيطة بالأردن واعتمدوا منه معترفين بخطاياهم " ( مت 3 : 1 – 6 ) . ــ عندما احس الابن الضال بخطئه قال" أذهب إلى أبي وأقول: يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك " ( لو 15) ــ لم يعط الله سلطان ، الحل من الخطايا إلا للرسل فقط وخلفائهم من بعدهم (مت18 :18) ( يو 20 : 23 ) إذ هم وحدهم لهم التصرف في الكنيسة كخدام ووكلاء سرائر الله ( كو 4 : 1 ) حتى أن المخلص لما ظهر لشاول في الطريق لم يقل له ماذا يصنع بل أرسله للكنيسة لتقول له ماذا يصنع .
ــ يخبرنا سفر أعمال الرسل أن سر التوبة والاعتراف كان معمولا به أيام الرسل الأطهار قائلاً " وكان كثيرون من الذين آمنوا يأتون معترفين ومخبرين بأفعالهم " ( أع 19 : 18 ) .
ــ يعلم القديس يوحنا الرسول بوجوب الاعتراف قائلاُ: "ان قلنا أنه ليس لنا خطية نضل انفسنا وليس الحق فينا0 ان اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم (1 يو 1: 8 – 9)0
ــ من تعاليم السيد المسيح له المجد المشترع الحقيقي لهذا السر والذي كان الروح القدس عاملاُ في خدامه قديماُ وحديثاُ انبياء واباء ورسلاُ لأن الروح القدس يأخذ مما له ويخبرهم ويرشدهم الي جميع الحق (يو 16: 13 – 14) اذ عندما سأل تلاميذه قائلاُ: "من يقول الناس اني أنا ابن الإنسان فقالوا قوم يوحنا المعمان وآخرون ايليا وآخرون ارميا أو واحد من الانبياء" قال لهم وانتم من تقولون أني انا فأجاب سمعان بطرس وقال" أنت هو المسيح ابن الله الحي" فأجاب يسوع وقال له: "طوبي لك يا سمعان بن يونا ان لحماُ ودماُ لم يعلن لك لكن ابي الذي في السموات وأنا أقول لك أيضاُ أنت بطرس وعلي هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوي عليها وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تربطه علي الأرض يكون مربوطاُ في السموات وكل ماتحله علي الأرض يكون محلولاُ في السموات" (مت 16: 13 – 19) وقال هذا أيضاُ لعموم التلاميذ (مت 18:18) . ــ بعد قيامه السيد المسيح من الأموات اذ كان جميع التلاميذ مجتمعين والابواب مغلقة لسبب الخوف من اليهود جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم "سلام لكم" ولما تأكدوا حقيقة قيامته قال لهم ايضاُ" سلام لكم كما أرسلني الآب ارسلكم أنا ولما قال هذا نفخ في وجوههم وقال لهم أقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له ومن امسكتم خطاياه امسكت" 0يو 20: 21 – 23) .
ضرورة الاعتراف على يد الأب الكاهن
في الحقيقة أن الاعتراف على يد الأب الكاهن هو اعتراف لله في نفس الوقت لأنه هو الذي نجرحه عندما نصنع الخطيئة .. ولذلك قال داود النبي " لك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت " ( مز 50 ) وقال أيضاً " أعترف بخطيئتي ولا أكتم أثمي . قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت أثام خطيئتي " ( مز 32 ) ولكن يتعذر علينا التحدث مع الله مباشرة إذ لما كلم الله شعبه قديماً من على جبل حوريب ارتعبوا وقالوا لموسى " كلمنا أنت فنسمع ولا يكلمنا الله لئلا نموت "( خر 20 : 19 ) .
والاعتراف على الكاهن وأجب لأنه هو المؤتمن من قبل الله في توزيع نعمة السمائيه كقول القديس بولس الرسول ." كخدام المسيح ووكلاء سرائر الله " ( 1 كو 4 : 9 ) وقال أيضاً موضحا أن الكاهن يأخذ نعم الله ويقدمها للناس " لأن كل رئيس كهنة مأخوذ من الناس يقام لأجل الناس في ما لله ــ أي فيما يتعلق بنعم الله وتعاليم الله ــ ( عب 5 : 9 ) . كما أن الاعتراف على الله مباشرة بدون الاعتراف على الكاهن لا يوافق الإنسان لأن الإنسان لا يستطيع أن يردع نفسه باعترافه على الله مباشرة لأنه لا يراه … فلو كان الإنسان يهاب الله فلماذا يخطأ وهو يعلم بوجود الله في كل مكان وعيناه تخترقان أستار الظلام ؟
لذلك لأبد من كاهن بشري منظور كوكيل عن الله للمحاسبة والردع . كما أنه من اللائق جداً للعدل الإلهي أن يجعل الذي يحاكم الإنسان على خطاياه هو إنسان مثله تحت الآلام يعرف بضعفه كقول القديس بولس الرسول " لأن كل رئيس كهنة مأخوذ من الناس … فيما لله … قادران يترفق بالجهال والضالين إذ هو أيضا محاط بالضعف"( عب5: 1 –2 ).
والاعتراف على الكاهن ضروري حتى يعين الإنسان على توضيح الخطأ من الصواب لأنه كثيراً ما توجد بعض الأمور غير الواضحة وأحيانا يكون سبب عدم وضوح الخطأ هو الضمير الواسع الذي يستبيح كل شئ أو يستهين بالخطيئة وأحيانا يكون الضمير موسوسا يري الخطيئة في كل شئ .
أما الكاهن فمن فمه يطلبون الشريعة كقول حجي النبي : " هكذا قال رب الجنود أسأل الكهنة عن الشريعة " ( حجي 2 : 11 ) فالكاهن معلم يعلم الشريعة وهو أيضاً أب نكشف له أسرار النفس ليداويها بمراهم التعليم وبركات الصلوات وتقديم العلاجات النافعة .
يقول القديس غريغوريوس النيسي ( سنة 335 – 394 ) موجها الكلام إلى التائبين : خذوا خادم الكنيسة ( الكاهن ) شريكا أميناً لكم في حزنكم على خطاياكم وأبا روحيا لأن الخادم يحزن على خطية أبنه كما حزن يعقوب عندما رأي ثوب ولده الحبيب ، فينبغي إذن أن تعتبروا الذي ولدكم بالله ( الكاهن ) أعلى من الذين ولدوكم بالجسد فاكشفوا له أسراركم بجسارة أعظم . اكشفوا له أسرار نفوسكم كما يكشف المريض جراحه الخفية للطبيب لينال الشفاء "
لماذا نعترف علي يد الكاهن، ولا نعترف إلي الله مباشرة؟!
سؤال تردده الطوائف باستمرار، رغم أنهم يتناقشون مع رجال الدين التابعين لهم في مشاكلهم الروحية وغيرها، ويستمدون منهم المشورة والإرشاد الروحي0
لا شك فإن الكاهن " وكيل أسرار الله " ( كو 1:4 ) وهو في نفس الوقت طبيب واخصائي إجتماعي، ونفسي، لأمراض النفس ، والجسد والروح ، وعمله أن يكتشف المرض، ويقدّم الإرشاد والعلاج المناسب ، بماله من خبرة طويلة0
والنفس أقدر علي خداع صاحبها ومن الصعب أن تعرف خطاهأ، فهي أشبه بالأم التي تحكم بأن إبنها جميل جداُ، مهما كان قبيحاُ، لذلك تحتاج إلي " مرآة " تري فيها ذاتها وعيوبها وقبحها0 وفي إعترافها معالجة لمتاعب الكبت والكتمان0كما شهد أيوب وقال: " روح باطن تُضايقني... أتكلم فأفرج " ( أي 32: 18 ـ 20 ) وقال داود النبي " لما سكت بليت عظامي من زفيري اليوم كله" ( مز 3:31 )0
ويقول قداسة البابا شنودة الثالث: "إن الأخطاء التي يقترفها الإنسان ويكتمها عن الناس تظل تعذّبه في فكره، ويضيق بها صدره، ويشعر بحاجته إلي إنسان يقاسمه أسراره الصعبة، حتي يخف حملّها... ولكن الصديق مهما كان وفياُ لا يمكن أن نأتمنه علي أسرارنا الخاصة ولاسيما الخاص منها والبشع والدنيْ. كما لا نسلم من نقده"0
ويضيف قداسته بقوله: " أما الكاهن فهو صديق حقيقي ولا يشمئز من سماع خطاياك لأنه قد تعود علي سماعها ولا يمكنه البوح بها، وإلا قُطع من الكنيسة "
ويقول أيضاُ: " إن من يُقّر بخطاياه ويستدعي له الكاهن الروح القدس، ليغفرها له، يشعر أن هذا الحمل الثقيل قد أزيل عن كاهله، وحمله المسيح نيابة عنه، فيستريح ويُحس بالسلام الداخلي , أما الذي لا يعترف علي يد كاهن الله، فتحاربه الأفكار والشكوك، ويظل مزعزع القلب، تارة يوقن بمغفرة خطاياه، وتارة تتضخم أمامه، فيظن أن ذنبه أعظم من أن يُغتفر .. وقد يحاول الإنسان أن ينسي الخطية، ولكنها تظل موجودة في اللاشعور ( وتُسمَّي الكبت ) ويؤدي الكبت إلي التبرم0 وضيق نفسي لا يعرف سببه ويُجرّه الي مشاكل أخري، فإذا ما إحتّك به شخص في الأتوبيس ـ بدون قصد – يثور، وهو في هذا التصرف يجهل حقيقة ودوافع تبرمه وثورته" لذلك يري علماء النفس أن الاعتراف مفيد ـ من الناحية النفسية ـ لسلامة النفس، وأن رغبته في التحرر من ثقل الإنسان العتيق هو في حد ذاته ـ جزء كبير من العلاج0 وبمجرد رؤية المريض للطبيب0 يشعر براحة نفسية، وأن الشفاء قريب، ومثله المُعترُف الذي يتقابل مع أبيه الروحي"
والاعتراف على الكاهن يعين الإنسان على السير في طريق الفضيلة والاعتراف على الكاهن المعتبر كأب يعين الإنسان على السير في طريق الفضيلة دون أن يسقط لأن الكاهن يكون دائماً منذرا ومشجعاً ولذلك قال سليمان الحكيم " ويل لمن هو وحده أن وقع إذا ليس ثان ليقيمه"( جا 4: 10 )
والكاهن أيضاً مؤتمن على تقديم جسد الرب ودمه للمستعدين المستحقين فقط فمن حقه أن نكشف له أنفسناً ليحكم باستحقاقنا. فالأب الكاهن هو الحارس المؤتمن على الشريعة وهو ملاك( رسول ) رب الجنود . ( ملا 2 : 7 )
والاعتراف على الأب الكاهن يريح النفس ولا سيما عندما يسمع المعترف صوت التحليل الممنوح له من الله . وبدون الاعتراف على الكاهن كيف تسمع هذا الصوت للحل عن خطاياك ؟ كما سمع داود بعد اعترافه بخطيئته لناثان النبي صوت الحل منه قائلاً ( الرب أيضاً قد نقل عنك خطيئتك لا تموت ) ( 2 صم 12 )
الأعــتـراف علي يد الكاهن هـو فضح للشيطان!!
الأعتراف علي يد الأب الكاهن هو فضح للشيطان فنحن في حاله حرب مع ابليس من اليوم الذي جحدناه قبل المعموديه و اعترفنا بمسيحنا القدوس . ان الأعتراف هو فضح للشيطان و ليس للتائب . اما التائب فسيجد يد الله تظلل عليه و تستره من سهام ابليس المسمومه الملتهبه نارا . الأعتراف هو مسوغات الأبديه . فالأعتراف ليس جهاد خاص بغربتنا فحسب و لكنه من صميم مسوغات ابديتنا فكيف ندخل الي عرس الخروف و ثيابنا ملطخه بدماء أثامنا . فكيف يمكنني كمذنب ان اقف امام ديان الأرض كلها ؟! . انه أمر خطير جدا و مخيف جدا الوقوع بين يديه .
والاعتراف ضروري لإماتة الكبرياء
والاعتراف ضروري لإماتة الكبرياء التي هي أساس كل خطيئة فلنخذي ونحمل خجلنا كما يقول حزقيال النبي ( 16: 52 ) حتى نتضع ونقدم أعضائنا الخارجية والداخلية وباطننا أيضاً لله فيزيل الله آثار الخطيئة , وتمسح دموع التوبة والندامة ظلمة النفس فتستنير النفس ويعود الإنسان إلي صوابة وتستقيم أحكامه وتهدأ نفسه ويستريح ضميره ولا يعود للخوف والاضطراب بعد ، ويصح المجتمع كله ، ويرضي الله عنه ولا يتخلى عنه وتمتد الكنيسة علي الأرض ويتلألأ نورها في وسط ظلمة هذا العالم وتحمل من جديد لواء الكرازة والتبشير .
الأعتراف من أهم مظاهر حنان الله علينا
الأعتراف هو مظهر من مظاهر الحنان الأبوي فشكرا لفادينا الحنان الذي وضع لنا سر التوبه و الأعتراف و اعطي للأباء الكهنه سلطان الحل و الربط فهذا من أهم مظاهر حنان الله علينا . الأعتراف حب للرب يسوع المسيح . و سعي في حبه فهو يعطينا كل يوم ما لا نستحقه من ينابيع حبه و نحن بأثامنا نجرحه كل يوم و نحتقر حبه . و ما اروع قول الهنا عندما سئل عن الجراحات التي في يديه فأجاب ( تلك التي جرحت بها في بيت احبائي ) لذلك فلنهب اليه بدافع الحب . الحب الذي يخاف علي مشاعره المجروحه بسبب خطايانا , دون النظر الي العقاب الذي ينتظرنا ان لم نعترف . فلنجري نحوه بالأعتراف كلما نخطيء مثل الطفل الذي يسقط في قذارته فيجري نحو امه صاراخا طالبا النظافه
اعتراض : اذا كانت التوبة كافية لمحو الخطية فلا حاجة بنا
الي الاعتراف للكاهن وهو انسان مثلنا معرض للخطأ والزلل0
الرد: "أن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم" (1 يو 9:1)0
حقيقة أن التوبة كافية لمحو الخطية إلا أن لها شروطاُ أخصها الاعتراف وهي خاصة لازمة لها ولا تتم إلا به0 زد علي هذا أن الخاطيء في حاجة لأخذ الحل من الكاهن المنوط به تتميم سر التوبة واذا كان المريض جسدياُ لا يكتفي بكتب الطب لمعالجة نفسه بل لابد له من الذهاب الي الطبيب لمعالجته حتي لو كان ذلك المريض طبيباُ.
الأطباء يحتاجون الي اطباء لعلاجهم
كما ان المريض اذا اخذ دواء بدون استشارة الطبيب ولو كان مقطوعاُ بصدق فائدته اضر نفسه كذلك من يهمل الاعتراف اعتماداُ علي توبته فأنه يكون عرضة للسقوط في خطايا أخري0 قال القديس يوحنا فم الذهب " أن ناثان النبي قد مضي الي داود يعني أن نبياُ مضي الي نبي فلما لم يداو داود نفسه؟ أن داود كان نبياُ ولكن كما أن الأطباء يحتاجون الي اطباء مثلهم اذا مرضوا كذلك هنا ذهب ناثان الي داود فاعترف هذا له بما اجترمه وتاب عنه وناح عليه وقبل من النبي دواء جرحه وشفي من المه فاذهب انت الي الكاهن لأنك محتاج الي تضميد جراحك" (مز 51)0
هل يرفض المريض معالجة الاطباء له لأنهم معرضون للمرض مثله؟ أما القول أن الكاهن معرض للزلل مثل كل إنسان فهذا صحيح إلا أن هذا لا يسلبه حقوق وظيفته الممنوحة له من الله ولا يمنع وجوب الاعتراف عليه مادام كاهناُ ومعيناُ من الرب طبيباُ روحياُ لشفاء امراض النفس0 وهل يرفض المريض معالجة الاطباء له لأنهم معرضون للمرض مثله؟
قال أحد الاباء ان القائلين بعدم لزوم الاعتراف وعدم منفعته لأن المعرف انسان مثلهم واقع تحت الآلام يريدون ان يخفوا قبيح افعالهم كأنهم لم يسمعوا قول الرب لرسله " من غفرتم له خطاياه غفرت " ( يو 32:20 )0
أن المعمودية وسائر الاسرار الالهية تقام من البشر والله يفعل بواستطهم اذ قد اعتاد له المجد ان يصنع خلاص الناس لا بواسطة ملائكة فقط بل بواسطة اناس قديسين هم الآباء الروحيون كما فعل قديماُ بواسطة الانبياء والرسل وهو الي الانقضاء معهم0 فسامع الاعتراف هو إنسان ولكن الله يرد بواسطته ويؤدب ويصفح كما فعل مع داود بواسطة ناثان0 فالاعتراف كان من داود والانعطاف كان من ناثان0 فالكهنة هم خُدام الله وموأزرون ومدبرون لخلاص من يريد الخلاص0 فضلاُ عن أن الكاهن يساعد الإنسان في التوبة ويخدمه ويدبره ويؤدبه لخلاص نفسه والله هو الذي يمحص خطايا المعترف قائلاُ " أنا هو الماحي ذنوبك وكسحابة خطاياك " ( أش 22:44)0
اعتراض: أن وصية الاعتراف ثقيلة لأن الإنسان
طبعاُ يخجل أن يعترف لغيره بخطاياه
الرد: ما أوهن هذا الاعتراض لأن الكنيسة قد تنازلت كأم حنون مراعاة للضعف البشري وعينت لبنيها الاعتراف السري أمام شخص واحد فقط بدلاُ من الاعتراف العلني أمام كثيرين0
كان الاعتراف في الكنيسة جارياُ علي وجهين احدهما علني والآخر سري وعلي كلا الوجهين كان غفران الخطايا يعطي من كاهن الكنيسة الذي له الحق في اعطائه وهكذا في كل من الحالتين حفظ جوهر سر التوبة في كماله ومع الأيام الغت الكنيسة الاعتراف العلني وقصرته علي الأعتراف السري 0
اليس غريبا ان يخجل الخاطيء من اعترافه بخطاياه للكاهن بينما انه عندما فعل الخطية لم يخش الله ؟ وكيف يمكنه الحصول علي الشفاء وهو لا يقر بمرضه للطبيب؟ كان الأولي به أن يخجل من ارتكاب الخطية لا من التوبة والاعتراف بخطيته0 علي أن الكتاب المقدس قد نهي عن ذلك اذ قال " لا تستح في أمر نفسك فأن من الحياء ما يجلب الخطية ومنه ماهو مجد ونعمة0 لا تستح أن تعترف بخطاياك " ( ابن سيراخ 4: 24 – 31 ) . ويوبخ الاباء اولئك الذين يخجلون من الاعتراف بخطاياهم اذ يقول القديس ترتليانوس " أن كثيرين يتنبهون الي الخجل اكثر من الخلاص فيهربون من هذا الاعتراف سترة لهم أو يؤخرونه من يوم الي يوم كمن اصابه مرض في الاعضاء المستحي منها فاخفي مرضه علي الاطباء فيباد بخجله ( في التوبة راس 10 ) .
يقول القديس يوحنا فم الذهب ( في مقالته عن السامرية ) : فلنتشبه نحن بالمرأة السامرية ولا نخجل من ان نعترف بخطايانا لأن الذي يستحي ان يعترف بخطاياه ليخلص ففي ذلك اليوم ليس قدام واحد تشهر بل قدام المسكونة كلها" .
ويقول القديس غريغوريوس الكبير ( في ميمره علي الغطاس ) : لا تستح ولا تستنكف من أن تعترف بخطاياك لكي تُفلت من الخزي الذي هناك الذي تعترف به هنا0
هذا ولا يخفي ان الكاهن بشر ويخطيء مثل كل إنسان وربما وقع في خطايا مثل التي فعلها المعترف , كما يقول القديس اغسطينوس "ما من خطية ارتكبها الإنسان إلا ويقدر غيره أن يرتكبها أن نقصه العون من خالقه" واذ ذاك فلا تخجل أن تقر أمامه بخطاياك لاسيما وهو للنفوس الخاطئة كالطبيب للاجسام المريضة فضلاُ عن أنه مؤتمن من الله نفسه0لقد أخطأ داود خطيتين مميتتين وكان ملكاُ ونبياُ ومع ذلك لم يخجل من الاعتراف لناثان بل قال اعترفت بخطيتي ولم اكتم اثمي ولما اعترف بها غفرت له فتمثل به ان كنت غنياُ أو فقيراُ0
اسم عبري معناه "المزعج" ابن كرمي بن زمري، من سبط يهوذا، اخفى شيئاً من مغانم اريحا عند فتحها، عاصياً امر الله، الامر الذي أغضب الله على بني اسرائيل فكسرهم وردهم من عاي. ورميت القرعة لمعرفة المجرم ووقعت عليه واعترف به. ورجمه الشعب بالحجارة هو وعائلته واحرقوهم واتلفوا ممتلكاتهم (يش 7: 1-35 و 1 اخبار 2: 7).
نلاحظ أن الرب لم يَقُل: " عخان بن كرمي بن زبدي بن زارح"، بل إنه يتحدث عن خيانة كل بني إسرائيل ( يش 7: 1 ، 11). ويمكننا فهم خيانة بني إسرائيل للرب من منظورين مختلفين:
الفكرة الأولى: أن الرب ينظر إلى شعبه كوحدة واحدة، وبالتالي فإنه يرى خطأ الفرد كأنه خطأ الجماعة كلها ( يش 22: 16 - 20)
الفكرة الثانية: إن ما فعله عخان، لم يكن إلا مثالاً لِما فعله الشعب كله! فبعد سقوط أسوار أريحا أمام تابوت عهد سيد الأرض، شعروا بالفخر والعظمة نتيجة ما حققوه من نُصرة كبيرة. وبدلاً من أن ينسبوا هذا العمل العظيم لمصدره الحقيقي، الذي هو الله، نسبوه لأنفسهم:
أولاً: من أين أرسل يشوع الجواسيس؟ ومن أين بدأ حربه؟ من أريحا (ع2) .. أي من مكان النُصرة .. مكان القوة .. فهم بذلك كانوا متكلين على ذواتهم، معتدّين بأنفسهم، شاعرين بما فيهم من قدرة، الأمر الذي أدركه يشوع، إذ نجد أن معظم حروبه بعد ذلك كانت تبدأ من الجلجال ( يش 10: 6 ، 7، 9، 15، 43)، والجلجال هو مكان الحكم على الذات ( يش 5: 2 - 9).
ثانيًا: نجد أن الجواسيس يقترحون على يشوع ما الذي يفعلونه تجاه عاي: «لا يصعد كل الشعب، بل يصعد نحو ألفي رجلٍ، أو ثلاثة آلاف رجلٍ ويضربوا عاي» (ع3). فبدلاً من أن يأتوا أمام الرب ليسألوا عن فكره، نجدهم يفكرون بالاستقلال عنه.
ثالثًا: نجدهم يميلون إلى الراحة والاسترخاء «لا تُكلف كل الشعب» (ع3).
رابعًا: نجدهم يستخفون ويحتقرون قوة الأعداء، أمام ما يشعرون به من قوة في ذواتهم «لأنهم قليلون» (ع3). فماذا تكون عاي الصغيرة، أمام أريحا الحصينة وقد سقطت أسوارها المنيعة أمامهم؟
وماذا كانت النتيجة؟ «فصعد من الشعب إلى هناك نحو ثلاثة آلاف رجلٍ، وهربوا أمام أهل عاي. فضرب منهم أهل عاي نحو ستة وثلاثين رجلاً ... فذاب قلب الشعب وصار مثل الماء» (ع4، 5)! لقد خان بنو إسرائيل خيانة في الحرام، فلم يرضَ الرب بخيانة شعبه عندما نسبوا مجده وقوته إلى ذواتهم «أنا الرب هذا اسمي، ومجدي لا أعطيه لآخر» ( إش 42: 8 ). فأعلن عن قداسته وبره عندما أسلمهم ليد عاي الصغيرة ليذوقوا مرارة الهزيمة.
زمري من بني زارح بن يهوذا (1 أخ 2: 6) ويسمي "زبدي" أيضاً (يش 7: 17). وهو جد عخان بن كرمي الذي خان الرب فكانت الهزيمة أمام عاي.
ما هو الاوريم و التميم؟
1- تعريفهما:
لعل معناهما "الأنوار والكمالات"،
وهما شيئان غير محددين تحديداً واضحاً، كانا يوضعان في صدرة رئيس الكهنة التي تسمي "صدرة القضاء" (خر 28: 30، لا 8: .
وكانا امتلاكهما من أعظم الامتيازات الممنوحة للعائلة الكهنوتية (سفر التثنية 33: 8، يشوع بن سيراخ 45: 12).
ويبدو أنهما كانا يتصلان بعمل الكهنة الناطقين بلسان يهوه، بالارتباط بالجانب الطقسي من الخدمة (خر 28: 30).
2- استعمالهما في العهد القديم:
وعن طريقهما- وإن كنا لا نعلم تماماً طبيعة استخدامهما-
كانت تعلن إرادة الله في الأزمات القومية، وكذلك التنبوء عن المستقبل، والحكم بالذنب أو البراءة، في تقسيم الأرض-
في رأي البعض-
لأنه كان على يشوع أن يقف أمام ألعازار الكاهن ليسأل له بقضاء الأوريم (عدد 27: 21) ويبدو أيضاً أنها كانت الوسيلة التي استخدمها يشوع في قضية خيانة عخان بن كرمي (يش 7: 14, 1، ولكنه تجاهلها في موضوع الجبعونيين (يش 9: 14).
ويحتمل جداً أن هذه الوسيلة قد استخدمت في كل المناسبات التي كان الإسرائيليون يستشيرون فيها يهوه بعد موت يشوع في أمر الحرب (قض 1: 1و 2، 20: 18و 26- 2،
ولعل سبط دان قد طلب مشورة الكاهن بنفس الوسيلة (قض 18: 5و 7)، وليس من المستبعد أن يكون صموئيل قد استعان بالأوريم في اختيار الملك (1 صم 10: 20- 22)، وفي حرب شاول مع الفلسطينيين سأل الله عن طريق الكاهن أخيا بن أخيطوب الذي كان لابسا أفودا في ذلك الوقت (1 صم 14: 3و 36و 37)،
ومع أن يهوه رفض في مناسبتين هامتين أن يجيب شاول بواسطة الأوريم (1 صم 14: 37، 28: 6)، لكن يبدو أنه قد استخدم الأوريم والتميم بنجاح في معرفة سبب عدم رضا الله عنه (1 صم 14: 41).
ويبدو من حادثة دواغ الأدومي (1 صم 22: 10و 13و 15) أن داود بدأ يسأل يهوه عن طريق الكهنة، وهو مازال ضابطاً في جيش شاول. وبعد مذبحة الكهنة في نوب، هرب أبياثار إلي معسكر داود (عدد 20) آخذاً معه الأفود (ويبدو أنها كانت تضم الأوريم والتميم- 23: 6) التي استخدمها داود كثيراً في أثناء هروبه من شاول (1 صم 23: 2-4و 9- 12،30: 7,، وبعد موت شاول أيضاً (2 صم 2: 1، 5: 19, 23، 21: 1).
وبعد أيام داود أصبح للنبوة المكان الأول، لذلك لا نجد ذكراً واضحاً عن استخدام الأوريم والتميم في أيام الملوك اللاحقين (انظر هو 3: 4، ابن سيراخ 33: 3).
وفيما بعد السبي، نجد مشكلة الحق الموروث لبعض الكهنة في الأكل من الأقداس، تعلق إلي أن يقوم كاهن للأوريم والتميم (عز 2: 63، نح 7: 65)، وهو ما يرى منه البعض أنها لم تكن موجودة في ذلك الوقت.
ويقول يوسيفوس إن استخدام الأوريم والتميم قد أبطل، منذ مائتي سنة قبل عصره، وذلك في أيام يوحنا هيركانوس،
فالتلمود يذكر الأوريم والتميم بين الأشياء التي لم تكن موجودة في الهيكل الثاني.
3- الآراء التقليدية القديمة:
يتفق يوسيفوس مع التلمود في القول بأن الأوريم والتميم the Urim and the Thummim كانا هما والأحجار الكريمة علي الصدرة شيئاً واحداً، ويقول يوسيفوس إن الأحجار كانت تتلألأ عند حلول الشكينة عند تقديم الذبيحة، أو عندما كان الجيش يتقدم إلي معركة، فيقول:
"أعلن الله مسبقاً بواسطة الاثني عشر حجراً في الصدره التي يعلقها رئيس الكهنة علي صدرة، متي ينتصرون في المعركة، لأن ضوءاً باهراً كان يتألق منها قبل أن يبدأ الجيش في المسير، فيشعر كل الشعب بوجود الله معهم لمساعدتهم" (تاريخ يوسيفوس- المجلد الثالث 8: 9).
ويقول التلمود تفسيراً لذلك،
إن إرادة الله كانت تعلن بإضاءة حروف معينة، ولكي تكون الحروف الهجائية كاملة، كانت تضاف إلي اسماء الأسباط، أسماء الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب،
والعبارة العبرية
"شبهتي يشورون".
ويقول أحد العلماء المتأخرين إن الحروف كانت تتحرك من مكانها لتكوين الكلمات. ومن العجب أن يصف التلمود القواعد والمبادئ لاستشارة الأوريم والتميم رغم عدم وجودهما، فيقول: لاستشارة الأوريم والتميم رغم عدم وجودهما، ويجب أن يكون السؤال مرتبطاً بالصالح العام، ويجب أن يواجه الكاهن "الشكينة" (أي متوجها إلي الغرب)، ولا يسأل إلا سؤالاً واحداً في المرة الواحدة، وهكذا.
ومن الصعب أن نقول ما مدي ما يوجد من التقليد القديم في الرأي القائل بأن الأوريم والتميم وأحجار الصدرة كانت شيئاً واحداً، ولعدم وجود أدلة أخري،
فليس من السهل أن نرفض آراء اليهود عن الهيكل الثاني لتأييد رأينا، لأننا لا نعلم بالضبط معني كلمة "هوشن" العبرية، التي يترجمها أعداء الرأي القديم إلي "جراب" أو "كيس" علي غير أساس.
ومن الناحية الأخري كانت نظرية التطابق بينها وبين حجارة الصدرة منتشرة جدا حتي إن فيلو يميل في كتابه "الملكية" إلي هذا الرأي، مع أنه في كتابه "حياة موسي" يبدو أنه كان يري فيهما رمزين صغيرين يمثلان النور والحق مطرزين علي نسيج "الهوشن" أو معلقين حول رقبة رئيس الكهنة مثل الرمز المصري للعدالة.
ويقول رأي قديم آخر إن الأوريم والتميم كانا يتكونان من كتابة تحوي "الاسم الأقدس".
4- الآراء النقدية الحديثة:
وأكثر الآراء قبولاً اليوم هو أن الأوريم والتميم كانا قطعتين مقدستين تدل إحداهما علي الإيجاب أو الرضا أو التأييد، وتدل الأخري علي الإجابة بالسلب أو عدم التأييد.
والسند الأساسي لهذا الرأي،
ليس في النص الماسوري بل في صياغة فلهازون ودرايفر لما جاء في صموئيل الأول (14: 41) علي أساس الترجمة السبعينية:
"إذا كان الخطأ فيّ أو في يوناثان ابني، فأجب بالأوريم، وإذا كان في شعبي إسرائيل فأجب بالتميم" ويرون أن العبارة التالية "ألقوا بيني وبين يوناثان ابني" (1 صم 14: 42)
تؤيد موضوع إلقاء قرعة، فلعل اسمي شاول ويوناثان كتب كل منهما علي قطعة، وأخذت إحداهما فكان عليها اسم يوناثان.
ولقد بذلت محاولات كثيرة لتأييد الرأي بأن الأوريم والتميم كانا نوعا من القرعة المقدسة علي أساس العادات المشابهة بين الشعوب الأخري (مثل العرب في الجاهلية والبابليين وغيرهم). ويجب أن نذكر أنه مهما بدت نظرية القرعة قوية، إلا أنها تتعارض لا مع التقليد فحسب، بل أيضاً مع المعطيات الكتابية، لأن الذين لا يميلون إلي الاستناد كثيراً على الأجزاء التي تربط الأوريم والتميم بثياب رئيس الكهنة (خر 28: 30، لا 8: ، لا توجد أمامهم صعوبة في الفصل بين الاثنين بالرغم من تلك الحقيقة،وهي أنه في الخدمة الكهنوتية، كان الأمر اللازم -كما هو مبين في هذه الأجزاء التاريخية التي يستندون إليها- هو الأفود.
وحتي إذا اعتبرنا أنهما كانا حجري قرعة، الأول مكتوب عليه "أوريم"، والآخر تميم"، فمن الصعب الوصول إلي معني ما جاء في صموئيل الأول (14: 37، 28: 6) من أن الرب لم يجب شاول في ذلك اليوم، إلا إذا افترضنا وجود قطعة ثالثة بلا اسم.
وهنا صعوبة أخطر في أن الإجابات المنسوبة إلي الأوريم والتميم، لم تكن علي الدوام "نعم" أو "لا" (انظر قض 1: 2، 20: 18، 1 صم 22: 10، 2 صم 5: 23، 21: 1) حتي إذا استبعدنا المرات التي كان يختار فيها أفراد من بين كل إسرائيل (مثل حادث اكتشاف عخان متلبساً بجريمته، والاختيار بين شاول ويوناثان).
5- أصل الكلمتين واشتقاقهما:
وإذا رجعنا إلي أصل الكلمتين واشتقاقهما فإننا نجد أنفسنا علي أرض غير صلبة، ولكن إذا رجعنا إلي الكلمات البابلية وغيرها من الكلمات الأجنبية لتدعيم نظرية معينة عن شيء يعسر علينا فهمه، مثل الأوريم والتميم، فإننا نجد أنفسنا علي أرض خطرة.
ويكاد الرأي يجمع علي أن الكلمتين تعنيان "الأنوار والكمالات" كما يفهم من النص الماسوري، وقد يدلان علي نور وكمال الإرشاد الإلهي. ومما يستلفت النظر أنه لم يذكر أن موسي استخدمهما، كما أن علماء اليهود منذ زمن الأنبياء لم يعيروهما اهتماماً كبيراً وبخاصة فيما بعد السبي، فقد بطل استخدامهما تماماً.
التوبة تستلزم إقرار التائب بخطيته أمام الله وأمام من أخطأ في حقه و امام الأب الكاهن . الإقرار أمام الله مكانه المخدع، والإقرار أمام المخطئون في حقوقهم مواجهة معهم. أما الأقرار أمام الكنيسة، فمرتب ترتيباً دقيقاً يهدف إلي قداسة التوبة كسر إلهي.
انواع الأعتراف
أولاُ: اعتراف المخلوق للخالق
يتضمن اعتراف المخلوق لخالقه فيما بينه وبين خالقه بما ارتكبه من المعاصي في سره وجهره وباطنه وظاهره وهواجس خاطره واختلاج ضميره وبما ارتكبه في حداثته وشبيبته وشيخوخته واقلاعه عن جميع ذلك وأمثاله ومعاهدته علي أن لا يرجع اليها ولا إلي شيء منها ولو أكره عليه0 واستغفاره الله بالاصوام والصلوات والصدقات والتكليفات الشرعية جميعها المؤدبه لجسمه وميوله0 عند ذلك يقبل الله توبته ويغفر له ويرضي عنه0 كقول داود النبي " اعترف لك بخطيتي ولا اكتم أثمي قلت اعترف للرب بذنبي " ( مز 5:32 )0
ثانيا: اعتراف الإنسان لكل من اخطأ اليه
يتضمن الأعتراف لكل من اخطأنا اليه ولمن اساءنا اليه من سائر البشر وترجيته في أن يغفر لنا و يجعلنا في حل من كل ما اخطأنا به إليه وما ذكرناه واعترفنا له به فاذا غفر لك وجعلك في حل غفر الله لك بشرط أن لا ترجع و تسيء اليه لا في سرك ولا في جهرك ولا بنفسه ولا مع غيرك وهذا ماعلم به السيد المسيح له المجد " وان
اخطأ اليك اخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما ان سمع منك فقد ربحت اخاك " ( مت 15:18 )0
ثالثاُ: اعترافه للأب الكاهن
يتضمن الأعتراف للأب الكاهن المسلم اليه الاعتراف بجميع خطاياه التي اخطأها لله والناس المقدم ذكرها ولا ينبغي أن يخفي منها شيئاُ فكرياُ أو قولياُ أو عملياُ0 فمتي أخفي شيئاُ من مرضه ادي به ذلك إلي هلاك نفسه وجسده لأن الأب الكاهن يداويه بما ذكره له فقط0 اما باقيها فيقوي عليه ويثور ضده0 واذا اعترف له بجميع امراضه امكنه مداواته ومعالجته وملاطفته بالصوم والصلاة والصدقة ورفع القرابين ومايفرضه عليه من القوانين بحسب حالته وقدرته وبما يطلبه من الله عنه فاذا اتبع ارشاداته الروحيه غفر الله له ذنوبه وسامحه بزلاته واستدامت له صحته الروحية وحفظها الله عليه " أن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم " (1 يو 1:9 )0
سر التوبه والأعتراف هو سر مقدس
بناء علي ذلك سر التوبه والأعتراف هوسر مقدس به يرجع الخاطئ إلى الله باعترافه بخطاياه أمام الأب الكاهن ليحصل على حل منه بالسلطان المعطي له من الله ، وبهذا الحل ينال المعترف غفران خطاياه التي أعترف بها . و قد أسس الرب يسوع المسيح سر التوبة والاعتراف عندما قال لتلاميذه الرسل الأطهار " الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء " ( مت 18:18 ) . وقوله لهم بعد القيامة " كما أرسلني الأب أرسلكم أنا ، ولما قال لهم هذا نفخ وقال لهم أقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه غفرت له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت " ( يو 20 : 21 – 23 ) وبذلك أعطاهم السلطان أن يربطوا الخطايا أو يحلوها بقوة وسلطان الروح القدس المعطي لهم وذلك حسب ظروف وتوبة المعترف . ) و هنا يبرز سؤال هام و هو: كيف يمكن للأباء الكهنة أن يغفروا الخطايا أو يمسكوها دون أن يعرفوها ويفحصوها ؟ وكيف يعرفوها بدون الاعتراف بها ؟ كيف يمكن للقاضي أن يحكم في قضية لم تعرض عليه ولم يسمع تفاصيلها. لذلك نقول أن السلطان المعطي للرسل وخلفائهم بمسك الخطايا أو غفرانها يلزمنا بالاعتراف بهذه الخطايا بكل وضوح أمام من لهم سلطان الحل والربط .
في سر التوبه و الأعتراف يرجع الخاطئ إلى الله ويتصالح معه باعترافه بذنوبه وآثامه وذلاته وشروره آمام كاهن الله، ليحصل منه على الحل، أى رحمة الله له بالسلطان الممنوح له من الرب يسوع (مت16: 19، 18: 17، يو20: 21-23).
ويسميه العلامة ترتيليانوس ( حلاً للخطايا ) و (إنعتاقاً منها). ودعاه القديس ايريانوس "إعترافاً" (confession) . وأطلق عليه القديس أغسطينوس تعريفاً آخر هو ( المصالحة ) (Reconciliation) بين الخاطئ التائب والله الرحوم. ودعاه مجمع قرطاجنة ( معمودية ثانية ). وهو السر المختص بفاعلية الروح القدس فى حياة الخاطئ التائب، فينال الغفران، بفعل الروح القدس، الذى يستدعيه الكاهن فى صلاة المغفرة.
الأعتراف علي يد الأب الكاهن عقيده كتابيه في العهد القديم
ــ كان الاعتراف جزءاً ضرورياً من توبة الخاطئ الذي يأتي بالذبيحة ويضع يده على رأسها ويعترف لله بخطاياه أمام الكاهن فيأخذ الكاهن الذبيحة ويذبحها ويقدمها على مذبح المحرقة للتكفير عن الخطايا . يقول الرب : " إذا أخطأ أحد أو إذا مس شيئاً نجساً أو إذا حلف .. يقر بما أخطأ به ويأتي إلى الرب بذبيحة لاثمة عن خطيته … فيكفر عنه الكاهن من خطيته " ( لا 5 : 1 – 6 ) .
ــ كان الاعتراف عند بني إسرائيل يقترن بالذبيحة وصلاة الكاهن ، قال بن عزرا " إن الاعتراف لازم وأنهم عندما يقدمون الذبيحة إذا لم يتوجعوا ويعترفوا اعترافا علنيا لا تكون للذبائح قوة ولا فائدة " .
ــ جاء في التلمود " يظهر من التقليد أن الخاطئ يلزمه أن يوضح في الاعتراف جميع أعماله " .
ــ اعتراف شاول الملك أمام صموئيل بأنه خاطي إلى الله وإلى صموئيل أيضاً ولذلك طلب المغفرة من صموئيل كتائب إلى الله (9 صم 15 )
وفي سفر التثنية ( 26 : 4 ) " وتأتي إلى الكاهن الذي يكون في تلك الأيام وتقول له اعتراف اليوم للرب الملك " ( وهذا يظهر أن الاعتراف للكاهن هو اعتراف لله ) .
ــ حينما خان عخان بن كرمي وسرق وغضب الله على كل الشعب بسببه وهزمهم أمام عاى أحضر يشوع عخان بن كرمي وقال له : " يا ابني أعط الآن مجدا للرب إله إسرائيل واعترف له وأخبرني الآن ماذا عملت لا تخف عني ." فأجاب عخان يشوع وقال حقا أني أخطأت إلى الرب إله إسرائيل " ( يش 7 : 19 ، 20 ) .
ــ حينما أخطأ داود الملك بالزنى والقتل ولم يؤنبه ضميره أرسل له الرب ناثان النبي الذي استدرجه بالحديث حتى أعترف أمامه وقال " قد أخطأت إلى الرب " فقال له ناثان النبي " الرب أيضاً قد نقل عنك خطيتك لا تموت " ( 2 صم 12 ) ثم أعلن له العقوبات الإلهية بسبب خطيته : الأبن المولود لك يموت ، السيف لا يفارق بيتك وآخذ نساءك أمام عينيك وأعطيهن لقريبك فيضطجع مع نساءك في عين الشمس ( 2 صم 12 ) وفعلا مات الطفل وعند ثورة ابشالوم على أبيه فعل ما قاله الرب تماما ( 2 صم 16 : 2 – 22 ) .
ثانيا :الأعتراف علي يد الأب الكاهن عقيده كتابيه في العهد الجديد
كان يوحنا المعمدان يكرز بالتوبة قائلاً " توبوا لأنه قد أقترب منكم ملكوت السموات … حينئذ خرج إليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكوره المحيطة بالأردن واعتمدوا منه معترفين بخطاياهم " ( مت 3 : 1 – 6 ) . ــ عندما احس الابن الضال بخطئه قال" أذهب إلى أبي وأقول: يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك " ( لو 15) ــ لم يعط الله سلطان ، الحل من الخطايا إلا للرسل فقط وخلفائهم من بعدهم (مت18 :18) ( يو 20 : 23 ) إذ هم وحدهم لهم التصرف في الكنيسة كخدام ووكلاء سرائر الله ( كو 4 : 1 ) حتى أن المخلص لما ظهر لشاول في الطريق لم يقل له ماذا يصنع بل أرسله للكنيسة لتقول له ماذا يصنع .
ــ يخبرنا سفر أعمال الرسل أن سر التوبة والاعتراف كان معمولا به أيام الرسل الأطهار قائلاً " وكان كثيرون من الذين آمنوا يأتون معترفين ومخبرين بأفعالهم " ( أع 19 : 18 ) .
ــ يعلم القديس يوحنا الرسول بوجوب الاعتراف قائلاُ: "ان قلنا أنه ليس لنا خطية نضل انفسنا وليس الحق فينا0 ان اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم (1 يو 1: 8 – 9)0
ــ من تعاليم السيد المسيح له المجد المشترع الحقيقي لهذا السر والذي كان الروح القدس عاملاُ في خدامه قديماُ وحديثاُ انبياء واباء ورسلاُ لأن الروح القدس يأخذ مما له ويخبرهم ويرشدهم الي جميع الحق (يو 16: 13 – 14) اذ عندما سأل تلاميذه قائلاُ: "من يقول الناس اني أنا ابن الإنسان فقالوا قوم يوحنا المعمان وآخرون ايليا وآخرون ارميا أو واحد من الانبياء" قال لهم وانتم من تقولون أني انا فأجاب سمعان بطرس وقال" أنت هو المسيح ابن الله الحي" فأجاب يسوع وقال له: "طوبي لك يا سمعان بن يونا ان لحماُ ودماُ لم يعلن لك لكن ابي الذي في السموات وأنا أقول لك أيضاُ أنت بطرس وعلي هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوي عليها وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تربطه علي الأرض يكون مربوطاُ في السموات وكل ماتحله علي الأرض يكون محلولاُ في السموات" (مت 16: 13 – 19) وقال هذا أيضاُ لعموم التلاميذ (مت 18:18) . ــ بعد قيامه السيد المسيح من الأموات اذ كان جميع التلاميذ مجتمعين والابواب مغلقة لسبب الخوف من اليهود جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم "سلام لكم" ولما تأكدوا حقيقة قيامته قال لهم ايضاُ" سلام لكم كما أرسلني الآب ارسلكم أنا ولما قال هذا نفخ في وجوههم وقال لهم أقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له ومن امسكتم خطاياه امسكت" 0يو 20: 21 – 23) .
ضرورة الاعتراف على يد الأب الكاهن
في الحقيقة أن الاعتراف على يد الأب الكاهن هو اعتراف لله في نفس الوقت لأنه هو الذي نجرحه عندما نصنع الخطيئة .. ولذلك قال داود النبي " لك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت " ( مز 50 ) وقال أيضاً " أعترف بخطيئتي ولا أكتم أثمي . قلت أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت أثام خطيئتي " ( مز 32 ) ولكن يتعذر علينا التحدث مع الله مباشرة إذ لما كلم الله شعبه قديماً من على جبل حوريب ارتعبوا وقالوا لموسى " كلمنا أنت فنسمع ولا يكلمنا الله لئلا نموت "( خر 20 : 19 ) .
والاعتراف على الكاهن وأجب لأنه هو المؤتمن من قبل الله في توزيع نعمة السمائيه كقول القديس بولس الرسول ." كخدام المسيح ووكلاء سرائر الله " ( 1 كو 4 : 9 ) وقال أيضاً موضحا أن الكاهن يأخذ نعم الله ويقدمها للناس " لأن كل رئيس كهنة مأخوذ من الناس يقام لأجل الناس في ما لله ــ أي فيما يتعلق بنعم الله وتعاليم الله ــ ( عب 5 : 9 ) . كما أن الاعتراف على الله مباشرة بدون الاعتراف على الكاهن لا يوافق الإنسان لأن الإنسان لا يستطيع أن يردع نفسه باعترافه على الله مباشرة لأنه لا يراه … فلو كان الإنسان يهاب الله فلماذا يخطأ وهو يعلم بوجود الله في كل مكان وعيناه تخترقان أستار الظلام ؟
لذلك لأبد من كاهن بشري منظور كوكيل عن الله للمحاسبة والردع . كما أنه من اللائق جداً للعدل الإلهي أن يجعل الذي يحاكم الإنسان على خطاياه هو إنسان مثله تحت الآلام يعرف بضعفه كقول القديس بولس الرسول " لأن كل رئيس كهنة مأخوذ من الناس … فيما لله … قادران يترفق بالجهال والضالين إذ هو أيضا محاط بالضعف"( عب5: 1 –2 ).
والاعتراف على الكاهن ضروري حتى يعين الإنسان على توضيح الخطأ من الصواب لأنه كثيراً ما توجد بعض الأمور غير الواضحة وأحيانا يكون سبب عدم وضوح الخطأ هو الضمير الواسع الذي يستبيح كل شئ أو يستهين بالخطيئة وأحيانا يكون الضمير موسوسا يري الخطيئة في كل شئ .
أما الكاهن فمن فمه يطلبون الشريعة كقول حجي النبي : " هكذا قال رب الجنود أسأل الكهنة عن الشريعة " ( حجي 2 : 11 ) فالكاهن معلم يعلم الشريعة وهو أيضاً أب نكشف له أسرار النفس ليداويها بمراهم التعليم وبركات الصلوات وتقديم العلاجات النافعة .
يقول القديس غريغوريوس النيسي ( سنة 335 – 394 ) موجها الكلام إلى التائبين : خذوا خادم الكنيسة ( الكاهن ) شريكا أميناً لكم في حزنكم على خطاياكم وأبا روحيا لأن الخادم يحزن على خطية أبنه كما حزن يعقوب عندما رأي ثوب ولده الحبيب ، فينبغي إذن أن تعتبروا الذي ولدكم بالله ( الكاهن ) أعلى من الذين ولدوكم بالجسد فاكشفوا له أسراركم بجسارة أعظم . اكشفوا له أسرار نفوسكم كما يكشف المريض جراحه الخفية للطبيب لينال الشفاء "
لماذا نعترف علي يد الكاهن، ولا نعترف إلي الله مباشرة؟!
سؤال تردده الطوائف باستمرار، رغم أنهم يتناقشون مع رجال الدين التابعين لهم في مشاكلهم الروحية وغيرها، ويستمدون منهم المشورة والإرشاد الروحي0
لا شك فإن الكاهن " وكيل أسرار الله " ( كو 1:4 ) وهو في نفس الوقت طبيب واخصائي إجتماعي، ونفسي، لأمراض النفس ، والجسد والروح ، وعمله أن يكتشف المرض، ويقدّم الإرشاد والعلاج المناسب ، بماله من خبرة طويلة0
والنفس أقدر علي خداع صاحبها ومن الصعب أن تعرف خطاهأ، فهي أشبه بالأم التي تحكم بأن إبنها جميل جداُ، مهما كان قبيحاُ، لذلك تحتاج إلي " مرآة " تري فيها ذاتها وعيوبها وقبحها0 وفي إعترافها معالجة لمتاعب الكبت والكتمان0كما شهد أيوب وقال: " روح باطن تُضايقني... أتكلم فأفرج " ( أي 32: 18 ـ 20 ) وقال داود النبي " لما سكت بليت عظامي من زفيري اليوم كله" ( مز 3:31 )0
ويقول قداسة البابا شنودة الثالث: "إن الأخطاء التي يقترفها الإنسان ويكتمها عن الناس تظل تعذّبه في فكره، ويضيق بها صدره، ويشعر بحاجته إلي إنسان يقاسمه أسراره الصعبة، حتي يخف حملّها... ولكن الصديق مهما كان وفياُ لا يمكن أن نأتمنه علي أسرارنا الخاصة ولاسيما الخاص منها والبشع والدنيْ. كما لا نسلم من نقده"0
ويضيف قداسته بقوله: " أما الكاهن فهو صديق حقيقي ولا يشمئز من سماع خطاياك لأنه قد تعود علي سماعها ولا يمكنه البوح بها، وإلا قُطع من الكنيسة "
ويقول أيضاُ: " إن من يُقّر بخطاياه ويستدعي له الكاهن الروح القدس، ليغفرها له، يشعر أن هذا الحمل الثقيل قد أزيل عن كاهله، وحمله المسيح نيابة عنه، فيستريح ويُحس بالسلام الداخلي , أما الذي لا يعترف علي يد كاهن الله، فتحاربه الأفكار والشكوك، ويظل مزعزع القلب، تارة يوقن بمغفرة خطاياه، وتارة تتضخم أمامه، فيظن أن ذنبه أعظم من أن يُغتفر .. وقد يحاول الإنسان أن ينسي الخطية، ولكنها تظل موجودة في اللاشعور ( وتُسمَّي الكبت ) ويؤدي الكبت إلي التبرم0 وضيق نفسي لا يعرف سببه ويُجرّه الي مشاكل أخري، فإذا ما إحتّك به شخص في الأتوبيس ـ بدون قصد – يثور، وهو في هذا التصرف يجهل حقيقة ودوافع تبرمه وثورته" لذلك يري علماء النفس أن الاعتراف مفيد ـ من الناحية النفسية ـ لسلامة النفس، وأن رغبته في التحرر من ثقل الإنسان العتيق هو في حد ذاته ـ جزء كبير من العلاج0 وبمجرد رؤية المريض للطبيب0 يشعر براحة نفسية، وأن الشفاء قريب، ومثله المُعترُف الذي يتقابل مع أبيه الروحي"
والاعتراف على الكاهن يعين الإنسان على السير في طريق الفضيلة والاعتراف على الكاهن المعتبر كأب يعين الإنسان على السير في طريق الفضيلة دون أن يسقط لأن الكاهن يكون دائماً منذرا ومشجعاً ولذلك قال سليمان الحكيم " ويل لمن هو وحده أن وقع إذا ليس ثان ليقيمه"( جا 4: 10 )
والكاهن أيضاً مؤتمن على تقديم جسد الرب ودمه للمستعدين المستحقين فقط فمن حقه أن نكشف له أنفسناً ليحكم باستحقاقنا. فالأب الكاهن هو الحارس المؤتمن على الشريعة وهو ملاك( رسول ) رب الجنود . ( ملا 2 : 7 )
والاعتراف على الأب الكاهن يريح النفس ولا سيما عندما يسمع المعترف صوت التحليل الممنوح له من الله . وبدون الاعتراف على الكاهن كيف تسمع هذا الصوت للحل عن خطاياك ؟ كما سمع داود بعد اعترافه بخطيئته لناثان النبي صوت الحل منه قائلاً ( الرب أيضاً قد نقل عنك خطيئتك لا تموت ) ( 2 صم 12 )
الأعــتـراف علي يد الكاهن هـو فضح للشيطان!!
الأعتراف علي يد الأب الكاهن هو فضح للشيطان فنحن في حاله حرب مع ابليس من اليوم الذي جحدناه قبل المعموديه و اعترفنا بمسيحنا القدوس . ان الأعتراف هو فضح للشيطان و ليس للتائب . اما التائب فسيجد يد الله تظلل عليه و تستره من سهام ابليس المسمومه الملتهبه نارا . الأعتراف هو مسوغات الأبديه . فالأعتراف ليس جهاد خاص بغربتنا فحسب و لكنه من صميم مسوغات ابديتنا فكيف ندخل الي عرس الخروف و ثيابنا ملطخه بدماء أثامنا . فكيف يمكنني كمذنب ان اقف امام ديان الأرض كلها ؟! . انه أمر خطير جدا و مخيف جدا الوقوع بين يديه .
والاعتراف ضروري لإماتة الكبرياء
والاعتراف ضروري لإماتة الكبرياء التي هي أساس كل خطيئة فلنخذي ونحمل خجلنا كما يقول حزقيال النبي ( 16: 52 ) حتى نتضع ونقدم أعضائنا الخارجية والداخلية وباطننا أيضاً لله فيزيل الله آثار الخطيئة , وتمسح دموع التوبة والندامة ظلمة النفس فتستنير النفس ويعود الإنسان إلي صوابة وتستقيم أحكامه وتهدأ نفسه ويستريح ضميره ولا يعود للخوف والاضطراب بعد ، ويصح المجتمع كله ، ويرضي الله عنه ولا يتخلى عنه وتمتد الكنيسة علي الأرض ويتلألأ نورها في وسط ظلمة هذا العالم وتحمل من جديد لواء الكرازة والتبشير .
الأعتراف من أهم مظاهر حنان الله علينا
الأعتراف هو مظهر من مظاهر الحنان الأبوي فشكرا لفادينا الحنان الذي وضع لنا سر التوبه و الأعتراف و اعطي للأباء الكهنه سلطان الحل و الربط فهذا من أهم مظاهر حنان الله علينا . الأعتراف حب للرب يسوع المسيح . و سعي في حبه فهو يعطينا كل يوم ما لا نستحقه من ينابيع حبه و نحن بأثامنا نجرحه كل يوم و نحتقر حبه . و ما اروع قول الهنا عندما سئل عن الجراحات التي في يديه فأجاب ( تلك التي جرحت بها في بيت احبائي ) لذلك فلنهب اليه بدافع الحب . الحب الذي يخاف علي مشاعره المجروحه بسبب خطايانا , دون النظر الي العقاب الذي ينتظرنا ان لم نعترف . فلنجري نحوه بالأعتراف كلما نخطيء مثل الطفل الذي يسقط في قذارته فيجري نحو امه صاراخا طالبا النظافه
اعتراض : اذا كانت التوبة كافية لمحو الخطية فلا حاجة بنا
الي الاعتراف للكاهن وهو انسان مثلنا معرض للخطأ والزلل0
الرد: "أن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم" (1 يو 9:1)0
حقيقة أن التوبة كافية لمحو الخطية إلا أن لها شروطاُ أخصها الاعتراف وهي خاصة لازمة لها ولا تتم إلا به0 زد علي هذا أن الخاطيء في حاجة لأخذ الحل من الكاهن المنوط به تتميم سر التوبة واذا كان المريض جسدياُ لا يكتفي بكتب الطب لمعالجة نفسه بل لابد له من الذهاب الي الطبيب لمعالجته حتي لو كان ذلك المريض طبيباُ.
الأطباء يحتاجون الي اطباء لعلاجهم
كما ان المريض اذا اخذ دواء بدون استشارة الطبيب ولو كان مقطوعاُ بصدق فائدته اضر نفسه كذلك من يهمل الاعتراف اعتماداُ علي توبته فأنه يكون عرضة للسقوط في خطايا أخري0 قال القديس يوحنا فم الذهب " أن ناثان النبي قد مضي الي داود يعني أن نبياُ مضي الي نبي فلما لم يداو داود نفسه؟ أن داود كان نبياُ ولكن كما أن الأطباء يحتاجون الي اطباء مثلهم اذا مرضوا كذلك هنا ذهب ناثان الي داود فاعترف هذا له بما اجترمه وتاب عنه وناح عليه وقبل من النبي دواء جرحه وشفي من المه فاذهب انت الي الكاهن لأنك محتاج الي تضميد جراحك" (مز 51)0
هل يرفض المريض معالجة الاطباء له لأنهم معرضون للمرض مثله؟ أما القول أن الكاهن معرض للزلل مثل كل إنسان فهذا صحيح إلا أن هذا لا يسلبه حقوق وظيفته الممنوحة له من الله ولا يمنع وجوب الاعتراف عليه مادام كاهناُ ومعيناُ من الرب طبيباُ روحياُ لشفاء امراض النفس0 وهل يرفض المريض معالجة الاطباء له لأنهم معرضون للمرض مثله؟
قال أحد الاباء ان القائلين بعدم لزوم الاعتراف وعدم منفعته لأن المعرف انسان مثلهم واقع تحت الآلام يريدون ان يخفوا قبيح افعالهم كأنهم لم يسمعوا قول الرب لرسله " من غفرتم له خطاياه غفرت " ( يو 32:20 )0
أن المعمودية وسائر الاسرار الالهية تقام من البشر والله يفعل بواستطهم اذ قد اعتاد له المجد ان يصنع خلاص الناس لا بواسطة ملائكة فقط بل بواسطة اناس قديسين هم الآباء الروحيون كما فعل قديماُ بواسطة الانبياء والرسل وهو الي الانقضاء معهم0 فسامع الاعتراف هو إنسان ولكن الله يرد بواسطته ويؤدب ويصفح كما فعل مع داود بواسطة ناثان0 فالاعتراف كان من داود والانعطاف كان من ناثان0 فالكهنة هم خُدام الله وموأزرون ومدبرون لخلاص من يريد الخلاص0 فضلاُ عن أن الكاهن يساعد الإنسان في التوبة ويخدمه ويدبره ويؤدبه لخلاص نفسه والله هو الذي يمحص خطايا المعترف قائلاُ " أنا هو الماحي ذنوبك وكسحابة خطاياك " ( أش 22:44)0
اعتراض: أن وصية الاعتراف ثقيلة لأن الإنسان
طبعاُ يخجل أن يعترف لغيره بخطاياه
الرد: ما أوهن هذا الاعتراض لأن الكنيسة قد تنازلت كأم حنون مراعاة للضعف البشري وعينت لبنيها الاعتراف السري أمام شخص واحد فقط بدلاُ من الاعتراف العلني أمام كثيرين0
كان الاعتراف في الكنيسة جارياُ علي وجهين احدهما علني والآخر سري وعلي كلا الوجهين كان غفران الخطايا يعطي من كاهن الكنيسة الذي له الحق في اعطائه وهكذا في كل من الحالتين حفظ جوهر سر التوبة في كماله ومع الأيام الغت الكنيسة الاعتراف العلني وقصرته علي الأعتراف السري 0
اليس غريبا ان يخجل الخاطيء من اعترافه بخطاياه للكاهن بينما انه عندما فعل الخطية لم يخش الله ؟ وكيف يمكنه الحصول علي الشفاء وهو لا يقر بمرضه للطبيب؟ كان الأولي به أن يخجل من ارتكاب الخطية لا من التوبة والاعتراف بخطيته0 علي أن الكتاب المقدس قد نهي عن ذلك اذ قال " لا تستح في أمر نفسك فأن من الحياء ما يجلب الخطية ومنه ماهو مجد ونعمة0 لا تستح أن تعترف بخطاياك " ( ابن سيراخ 4: 24 – 31 ) . ويوبخ الاباء اولئك الذين يخجلون من الاعتراف بخطاياهم اذ يقول القديس ترتليانوس " أن كثيرين يتنبهون الي الخجل اكثر من الخلاص فيهربون من هذا الاعتراف سترة لهم أو يؤخرونه من يوم الي يوم كمن اصابه مرض في الاعضاء المستحي منها فاخفي مرضه علي الاطباء فيباد بخجله ( في التوبة راس 10 ) .
يقول القديس يوحنا فم الذهب ( في مقالته عن السامرية ) : فلنتشبه نحن بالمرأة السامرية ولا نخجل من ان نعترف بخطايانا لأن الذي يستحي ان يعترف بخطاياه ليخلص ففي ذلك اليوم ليس قدام واحد تشهر بل قدام المسكونة كلها" .
ويقول القديس غريغوريوس الكبير ( في ميمره علي الغطاس ) : لا تستح ولا تستنكف من أن تعترف بخطاياك لكي تُفلت من الخزي الذي هناك الذي تعترف به هنا0
هذا ولا يخفي ان الكاهن بشر ويخطيء مثل كل إنسان وربما وقع في خطايا مثل التي فعلها المعترف , كما يقول القديس اغسطينوس "ما من خطية ارتكبها الإنسان إلا ويقدر غيره أن يرتكبها أن نقصه العون من خالقه" واذ ذاك فلا تخجل أن تقر أمامه بخطاياك لاسيما وهو للنفوس الخاطئة كالطبيب للاجسام المريضة فضلاُ عن أنه مؤتمن من الله نفسه0لقد أخطأ داود خطيتين مميتتين وكان ملكاُ ونبياُ ومع ذلك لم يخجل من الاعتراف لناثان بل قال اعترفت بخطيتي ولم اكتم اثمي ولما اعترف بها غفرت له فتمثل به ان كنت غنياُ أو فقيراُ0
اسم عبري معناه "المزعج" ابن كرمي بن زمري، من سبط يهوذا، اخفى شيئاً من مغانم اريحا عند فتحها، عاصياً امر الله، الامر الذي أغضب الله على بني اسرائيل فكسرهم وردهم من عاي. ورميت القرعة لمعرفة المجرم ووقعت عليه واعترف به. ورجمه الشعب بالحجارة هو وعائلته واحرقوهم واتلفوا ممتلكاتهم (يش 7: 1-35 و 1 اخبار 2: 7).
نلاحظ أن الرب لم يَقُل: " عخان بن كرمي بن زبدي بن زارح"، بل إنه يتحدث عن خيانة كل بني إسرائيل ( يش 7: 1 ، 11). ويمكننا فهم خيانة بني إسرائيل للرب من منظورين مختلفين:
الفكرة الأولى: أن الرب ينظر إلى شعبه كوحدة واحدة، وبالتالي فإنه يرى خطأ الفرد كأنه خطأ الجماعة كلها ( يش 22: 16 - 20)
الفكرة الثانية: إن ما فعله عخان، لم يكن إلا مثالاً لِما فعله الشعب كله! فبعد سقوط أسوار أريحا أمام تابوت عهد سيد الأرض، شعروا بالفخر والعظمة نتيجة ما حققوه من نُصرة كبيرة. وبدلاً من أن ينسبوا هذا العمل العظيم لمصدره الحقيقي، الذي هو الله، نسبوه لأنفسهم:
أولاً: من أين أرسل يشوع الجواسيس؟ ومن أين بدأ حربه؟ من أريحا (ع2) .. أي من مكان النُصرة .. مكان القوة .. فهم بذلك كانوا متكلين على ذواتهم، معتدّين بأنفسهم، شاعرين بما فيهم من قدرة، الأمر الذي أدركه يشوع، إذ نجد أن معظم حروبه بعد ذلك كانت تبدأ من الجلجال ( يش 10: 6 ، 7، 9، 15، 43)، والجلجال هو مكان الحكم على الذات ( يش 5: 2 - 9).
ثانيًا: نجد أن الجواسيس يقترحون على يشوع ما الذي يفعلونه تجاه عاي: «لا يصعد كل الشعب، بل يصعد نحو ألفي رجلٍ، أو ثلاثة آلاف رجلٍ ويضربوا عاي» (ع3). فبدلاً من أن يأتوا أمام الرب ليسألوا عن فكره، نجدهم يفكرون بالاستقلال عنه.
ثالثًا: نجدهم يميلون إلى الراحة والاسترخاء «لا تُكلف كل الشعب» (ع3).
رابعًا: نجدهم يستخفون ويحتقرون قوة الأعداء، أمام ما يشعرون به من قوة في ذواتهم «لأنهم قليلون» (ع3). فماذا تكون عاي الصغيرة، أمام أريحا الحصينة وقد سقطت أسوارها المنيعة أمامهم؟
وماذا كانت النتيجة؟ «فصعد من الشعب إلى هناك نحو ثلاثة آلاف رجلٍ، وهربوا أمام أهل عاي. فضرب منهم أهل عاي نحو ستة وثلاثين رجلاً ... فذاب قلب الشعب وصار مثل الماء» (ع4، 5)! لقد خان بنو إسرائيل خيانة في الحرام، فلم يرضَ الرب بخيانة شعبه عندما نسبوا مجده وقوته إلى ذواتهم «أنا الرب هذا اسمي، ومجدي لا أعطيه لآخر» ( إش 42: 8 ). فأعلن عن قداسته وبره عندما أسلمهم ليد عاي الصغيرة ليذوقوا مرارة الهزيمة.
زمري من بني زارح بن يهوذا (1 أخ 2: 6) ويسمي "زبدي" أيضاً (يش 7: 17). وهو جد عخان بن كرمي الذي خان الرب فكانت الهزيمة أمام عاي.
ما هو الاوريم و التميم؟
1- تعريفهما:
لعل معناهما "الأنوار والكمالات"،
وهما شيئان غير محددين تحديداً واضحاً، كانا يوضعان في صدرة رئيس الكهنة التي تسمي "صدرة القضاء" (خر 28: 30، لا 8: .
وكانا امتلاكهما من أعظم الامتيازات الممنوحة للعائلة الكهنوتية (سفر التثنية 33: 8، يشوع بن سيراخ 45: 12).
ويبدو أنهما كانا يتصلان بعمل الكهنة الناطقين بلسان يهوه، بالارتباط بالجانب الطقسي من الخدمة (خر 28: 30).
2- استعمالهما في العهد القديم:
وعن طريقهما- وإن كنا لا نعلم تماماً طبيعة استخدامهما-
كانت تعلن إرادة الله في الأزمات القومية، وكذلك التنبوء عن المستقبل، والحكم بالذنب أو البراءة، في تقسيم الأرض-
في رأي البعض-
لأنه كان على يشوع أن يقف أمام ألعازار الكاهن ليسأل له بقضاء الأوريم (عدد 27: 21) ويبدو أيضاً أنها كانت الوسيلة التي استخدمها يشوع في قضية خيانة عخان بن كرمي (يش 7: 14, 1، ولكنه تجاهلها في موضوع الجبعونيين (يش 9: 14).
ويحتمل جداً أن هذه الوسيلة قد استخدمت في كل المناسبات التي كان الإسرائيليون يستشيرون فيها يهوه بعد موت يشوع في أمر الحرب (قض 1: 1و 2، 20: 18و 26- 2،
ولعل سبط دان قد طلب مشورة الكاهن بنفس الوسيلة (قض 18: 5و 7)، وليس من المستبعد أن يكون صموئيل قد استعان بالأوريم في اختيار الملك (1 صم 10: 20- 22)، وفي حرب شاول مع الفلسطينيين سأل الله عن طريق الكاهن أخيا بن أخيطوب الذي كان لابسا أفودا في ذلك الوقت (1 صم 14: 3و 36و 37)،
ومع أن يهوه رفض في مناسبتين هامتين أن يجيب شاول بواسطة الأوريم (1 صم 14: 37، 28: 6)، لكن يبدو أنه قد استخدم الأوريم والتميم بنجاح في معرفة سبب عدم رضا الله عنه (1 صم 14: 41).
ويبدو من حادثة دواغ الأدومي (1 صم 22: 10و 13و 15) أن داود بدأ يسأل يهوه عن طريق الكهنة، وهو مازال ضابطاً في جيش شاول. وبعد مذبحة الكهنة في نوب، هرب أبياثار إلي معسكر داود (عدد 20) آخذاً معه الأفود (ويبدو أنها كانت تضم الأوريم والتميم- 23: 6) التي استخدمها داود كثيراً في أثناء هروبه من شاول (1 صم 23: 2-4و 9- 12،30: 7,، وبعد موت شاول أيضاً (2 صم 2: 1، 5: 19, 23، 21: 1).
وبعد أيام داود أصبح للنبوة المكان الأول، لذلك لا نجد ذكراً واضحاً عن استخدام الأوريم والتميم في أيام الملوك اللاحقين (انظر هو 3: 4، ابن سيراخ 33: 3).
وفيما بعد السبي، نجد مشكلة الحق الموروث لبعض الكهنة في الأكل من الأقداس، تعلق إلي أن يقوم كاهن للأوريم والتميم (عز 2: 63، نح 7: 65)، وهو ما يرى منه البعض أنها لم تكن موجودة في ذلك الوقت.
ويقول يوسيفوس إن استخدام الأوريم والتميم قد أبطل، منذ مائتي سنة قبل عصره، وذلك في أيام يوحنا هيركانوس،
فالتلمود يذكر الأوريم والتميم بين الأشياء التي لم تكن موجودة في الهيكل الثاني.
3- الآراء التقليدية القديمة:
يتفق يوسيفوس مع التلمود في القول بأن الأوريم والتميم the Urim and the Thummim كانا هما والأحجار الكريمة علي الصدرة شيئاً واحداً، ويقول يوسيفوس إن الأحجار كانت تتلألأ عند حلول الشكينة عند تقديم الذبيحة، أو عندما كان الجيش يتقدم إلي معركة، فيقول:
"أعلن الله مسبقاً بواسطة الاثني عشر حجراً في الصدره التي يعلقها رئيس الكهنة علي صدرة، متي ينتصرون في المعركة، لأن ضوءاً باهراً كان يتألق منها قبل أن يبدأ الجيش في المسير، فيشعر كل الشعب بوجود الله معهم لمساعدتهم" (تاريخ يوسيفوس- المجلد الثالث 8: 9).
ويقول التلمود تفسيراً لذلك،
إن إرادة الله كانت تعلن بإضاءة حروف معينة، ولكي تكون الحروف الهجائية كاملة، كانت تضاف إلي اسماء الأسباط، أسماء الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب،
والعبارة العبرية
"شبهتي يشورون".
ويقول أحد العلماء المتأخرين إن الحروف كانت تتحرك من مكانها لتكوين الكلمات. ومن العجب أن يصف التلمود القواعد والمبادئ لاستشارة الأوريم والتميم رغم عدم وجودهما، فيقول: لاستشارة الأوريم والتميم رغم عدم وجودهما، ويجب أن يكون السؤال مرتبطاً بالصالح العام، ويجب أن يواجه الكاهن "الشكينة" (أي متوجها إلي الغرب)، ولا يسأل إلا سؤالاً واحداً في المرة الواحدة، وهكذا.
ومن الصعب أن نقول ما مدي ما يوجد من التقليد القديم في الرأي القائل بأن الأوريم والتميم وأحجار الصدرة كانت شيئاً واحداً، ولعدم وجود أدلة أخري،
فليس من السهل أن نرفض آراء اليهود عن الهيكل الثاني لتأييد رأينا، لأننا لا نعلم بالضبط معني كلمة "هوشن" العبرية، التي يترجمها أعداء الرأي القديم إلي "جراب" أو "كيس" علي غير أساس.
ومن الناحية الأخري كانت نظرية التطابق بينها وبين حجارة الصدرة منتشرة جدا حتي إن فيلو يميل في كتابه "الملكية" إلي هذا الرأي، مع أنه في كتابه "حياة موسي" يبدو أنه كان يري فيهما رمزين صغيرين يمثلان النور والحق مطرزين علي نسيج "الهوشن" أو معلقين حول رقبة رئيس الكهنة مثل الرمز المصري للعدالة.
ويقول رأي قديم آخر إن الأوريم والتميم كانا يتكونان من كتابة تحوي "الاسم الأقدس".
4- الآراء النقدية الحديثة:
وأكثر الآراء قبولاً اليوم هو أن الأوريم والتميم كانا قطعتين مقدستين تدل إحداهما علي الإيجاب أو الرضا أو التأييد، وتدل الأخري علي الإجابة بالسلب أو عدم التأييد.
والسند الأساسي لهذا الرأي،
ليس في النص الماسوري بل في صياغة فلهازون ودرايفر لما جاء في صموئيل الأول (14: 41) علي أساس الترجمة السبعينية:
"إذا كان الخطأ فيّ أو في يوناثان ابني، فأجب بالأوريم، وإذا كان في شعبي إسرائيل فأجب بالتميم" ويرون أن العبارة التالية "ألقوا بيني وبين يوناثان ابني" (1 صم 14: 42)
تؤيد موضوع إلقاء قرعة، فلعل اسمي شاول ويوناثان كتب كل منهما علي قطعة، وأخذت إحداهما فكان عليها اسم يوناثان.
ولقد بذلت محاولات كثيرة لتأييد الرأي بأن الأوريم والتميم كانا نوعا من القرعة المقدسة علي أساس العادات المشابهة بين الشعوب الأخري (مثل العرب في الجاهلية والبابليين وغيرهم). ويجب أن نذكر أنه مهما بدت نظرية القرعة قوية، إلا أنها تتعارض لا مع التقليد فحسب، بل أيضاً مع المعطيات الكتابية، لأن الذين لا يميلون إلي الاستناد كثيراً على الأجزاء التي تربط الأوريم والتميم بثياب رئيس الكهنة (خر 28: 30، لا 8: ، لا توجد أمامهم صعوبة في الفصل بين الاثنين بالرغم من تلك الحقيقة،وهي أنه في الخدمة الكهنوتية، كان الأمر اللازم -كما هو مبين في هذه الأجزاء التاريخية التي يستندون إليها- هو الأفود.
وحتي إذا اعتبرنا أنهما كانا حجري قرعة، الأول مكتوب عليه "أوريم"، والآخر تميم"، فمن الصعب الوصول إلي معني ما جاء في صموئيل الأول (14: 37، 28: 6) من أن الرب لم يجب شاول في ذلك اليوم، إلا إذا افترضنا وجود قطعة ثالثة بلا اسم.
وهنا صعوبة أخطر في أن الإجابات المنسوبة إلي الأوريم والتميم، لم تكن علي الدوام "نعم" أو "لا" (انظر قض 1: 2، 20: 18، 1 صم 22: 10، 2 صم 5: 23، 21: 1) حتي إذا استبعدنا المرات التي كان يختار فيها أفراد من بين كل إسرائيل (مثل حادث اكتشاف عخان متلبساً بجريمته، والاختيار بين شاول ويوناثان).
5- أصل الكلمتين واشتقاقهما:
وإذا رجعنا إلي أصل الكلمتين واشتقاقهما فإننا نجد أنفسنا علي أرض غير صلبة، ولكن إذا رجعنا إلي الكلمات البابلية وغيرها من الكلمات الأجنبية لتدعيم نظرية معينة عن شيء يعسر علينا فهمه، مثل الأوريم والتميم، فإننا نجد أنفسنا علي أرض خطرة.
ويكاد الرأي يجمع علي أن الكلمتين تعنيان "الأنوار والكمالات" كما يفهم من النص الماسوري، وقد يدلان علي نور وكمال الإرشاد الإلهي. ومما يستلفت النظر أنه لم يذكر أن موسي استخدمهما، كما أن علماء اليهود منذ زمن الأنبياء لم يعيروهما اهتماماً كبيراً وبخاصة فيما بعد السبي، فقد بطل استخدامهما تماماً.