وقد دافع البابا جريجوري الأول (590- 604م) عن إيطاليا ضد الهجوم البربري. وفي التسعينيات من القرن السادس الميلادي عقد اتفاقية سلام مع اللومبارديين، فأكسب بذلك البابوية قوة دنيوية، وتمكَّن من تقوية الكنيسة في أسبانيا وفرنسا وشمالي إيطاليا. وفي عهده دخلت المسيحية إلى إنجلترا.
أدى الصراع الذي استمر مئات السنين بين الكنائس الشرقية والغربية، إلى نزاع تاريخي بين
البابا نقولا الأول (858 - 867م) وفوتيوس بطريرك القسطنطينية انتهى بالانشقاق التام بين الكنيستين عام 1054م خلال بابوية لاون التاسع (1049 - 1054م).
وانحدرت سمعة البابوية ونفوذها خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، عندما حاول النبلاء الرومان السيطرة على منصب البابوية من خلال بيع مناصب الكنيسة، ونسج المؤامرات التي بلغت درجة الاغتيال في هذا السبيل. ولكن رُهبانًا، من دير بندكتاين في كلني بفرنسا، قادوا حركة إصلاح للتخلص من بيع مناصب الكنيسة وممارسة رجال الدين للزواج.
وقد دعَّم البابا نقولا الثاني (1059-1061م) هذه الإصلاحات؛ فقيّد حقوق القساوسة المتزوجين، وأصدر قرارًا يقضي بأن يكون منتخبو البابا من الكرادلة، وهو قرار موجّه أساسًا ضد بيع المناصب الكنسية. كما استمرت الإصلاحات في عهد البابا جريجوري السابع (1073 - 1085م) الذي أصدر قرارًا قويًا ضد بيع المناصب الكنسية، في وثيقة أصدرها عام 1075م. وادّعى جريجوري أن البابا له سلطة عزل القادة الدينيين والمدنيين. ونصّ على أن البابا له سلطة شرعية وقانونية على كل المسيحيين.
ثم جاء البابا إنوسنت الثالث (1198-1216م)، وكان أقوى بابوات العصور الوسطى. وقد أثر على الشؤون السياسية في معظم دول أوروبا، كما شجع تأسيس الطوائف الدينية كالفرنسيسكان والدومينيكان، وكان إداريًا وقانونيًا بارعًا.
وقد بلغت السيادة البابوية قمتها على يد البابا بونفيس الثامن (1294 - 1303م) الذي أصدر قرارًا بابويًا عام 1302م، نص على أن خلاص كل إنسان يعتمد على خضوعه لسلطة البابا.
اضطرابات البابوية:
كان بونفيس الثامن خلال فترة ولايته، في صراع مع ملك فرنسا فيليب الرابع. وفي عام 1303م، اعتقل الجنود ـ بقيادة ضابط فرنسي ـ البابا في منزل أسرته في أناجني بإيطاليا. ورغم أن البابا أُطلق سراحه بعد ثلاثة أيام، فإن الحادثة ترمز إلى نهاية سيادة البابوية على العالم الغربي العلماني.
ومن عام 1309 إلى 1377م أقام البابوات في أفينيون بفرنسا الحالية. وجلبت هذه الفترة على البابوية ما يُعرف بالانشقاق الكبير الذي استمر من عام 1378م حتى عام 1417م. وشهد تنافسًا داخليًا بين الكرادلة حول منصب البابوية، لم يُحسم إلاّ في مجمع كونستنس عام 1417م.
البابوية ومارتين لوثر:
كانت حركة النهضة حركة ثقافية أوروبية، وقد بدأت في إيطاليا خلال أوائل القرن الرابع عشر الميلادي، وانتشرت في أنحاء أوروبا الغربية خلال المائتي عام التي تلت. وقد حرّكت الروح القومية التي أظهرت نفسها في نظرات قومية مناهضة للبابوية في فرنسا وإنجلترا اللتين انتهز ملوكهما هذه الفرصة فأجبروا البابوية على منحهم جزءًا كبيرًا من ضرائب الكنيسة وممتلكاتها. وقد نشأت كنائس قومية في إنجلترا وفرنسا منافسة للكنيسة العالمية التي يحكمها البابا.
وكان كثير من بابوات عصر النهضة أمراء إيطاليين محنكين انحدروا من أسر إيطالية شهيرة مثل: البورجيين وآل ميدتشي. وأُُعدّ كثير منهم ليكونوا دبلوماسيين أو علماء علمانيين أو مشجعين للفنون لا قادة دينيين. وكان عدد منهم مشكوكًا في أخلاقياتهم؛ إذ كانت جل اهتماماتهم دنيوية منصبة على الفنون وترقية أسرهم. ومن بين هؤلاء البابا سكستس الرابع (1471-1484م) الذي كان عالمًا وراعيًا للفن، وقد نصَّب اثنين من أبناء إخوته كرادلة، أصبح أحدهما البابا يوليوس الثاني (1503- 1513م) الذي كان إداريا فطنًا، ودعم أعمال الفنانيْن المشهوريْن: رفائيل ومايكل أنجلو. وكان يتظاهر بالاهتمام بالإصلاح. ولكن اهتمامه بالشؤون السياسية والحرية كان أكثر من اهتمامه بالحياة الدينية للكنيسة، ومن ثم لم يقدّم أية إصلاحات، ولم يفعل شيئًا لإصلاح الصورة الأخلاقية للبابوية.
وحاول العديد من البابوات ـ مع نهايات عهد النهضة ـ إجراء تعديلات داخلية، في الوقت الذي كانت فيه الكنيسة مهددة من البروتستانتية، التي لم تقبل سلطة البابا، بل انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية. ونشأت حركة الإصلاح المضادة كردِّ فعلٍ لحركة الإصلاح أو حركة الإصلاح الكاثوليكية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين. وقد دعا البابا بولس الثالث (1534- 1549م)، إلى انعقاد مجمع ترنْت الذي كان يجتمع دوريًا من عام 1545م إلى عام 1563م، وفيه، عمل الأساقفة من أجل إصلاح ممارسات الكنيسة وتجديد العقيدة الكاثوليكية، وأجاز البابا رسميًا جمعية يسوع المعروفة باليسوعية، وهي الطائفة الدينية التي أنشئت عام 1534م، وتعهد أعضاؤها بولائهم للبابا مباشرة.
واستمرت جهود الكنيسة للإصلاح خلال حرب الثلاثين عامًا (1618-1648م) في أوروبا. ووفقًا لاتفاقية سلام وستفاليا التي أنهت الحرب؛ أصبح دين الحاكم يحدّد ديانة المنطقة التي يحكمها. وقد عكس هذا المبدأ المشاعر القومية السائدة في أوروبا التي قللت من نفوذ البابوية لاسيما في ألمانيا البروتستانتية. وفي منتصف القرن السابع عشر الميلادي تقريبًا، كان حكام الدول القومية الجديدة ينظرون إلى سلطتهم في إطار مطلق يتحدى أي دعاوى بابوية لتلك السلطة.
البابوية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشرالميلاديين:
هوجمت البابوية خلال القرن الثامن عشر الميلادي من عدة جهات، فقد حاولت حركة داخل الكنيسة الألمانية تُسمَّى الفبرونية أن تحدَّ من السلطة البابوية وتضع مبدأ مماثلاً يُسمَّى الجوزفينية موضع التنفيذ من جانب الإمبراطور الروماني المقدس. وكان للحركة الإنجيلية في فرنسا الأهداف نفسها. كما عارض فولتير وبعض المفكرين الفرنسيين الكنيسة الكاثوليكية بشدة، وأثّر فكرهم في موقف الرأي العام ضد الدين، والكنيسة الكاثوليكية بصفة خاصة.
وكان البابا بنيدكتوس الرابع عشر (1740- 1758م) أكثر البابوات شهرة في الغرب خلال القرن الثامن عشر الميلادي. وقد حاز احترام البروتستانت والكاثوليك معًا لحكمه المستنير. وكان إداريًا ماهرًا، حاول تقوية النفوذ الأخلاقي للبابوية، وشجع التعليم، وأسس المدارس والمعاهد (الأكاديميات) لدراسة التاريخ.
وتعاون البابوات خلال معظم القرن التاسع عشر الميلادي مع القوى السياسية المحافظة التي كانت تحكم أوروبا. وقد دعمت تلك القوى الكنيسة بسبب تقاليدها العريقة التي تُمثّل أساس الاستقرار الاجتماعي. ولكن التعاون مع المحافظين وضع البابوية في معارضة أخرى مع الأحرار الأوروبيين الذين كانوا غالبًا ضد البابوية. وقد ادّعى الأحرار أن الكنيسة الكاثوليكية تَعوق التقدم العلمي والسياسي.
حكم البابا بيوس التاسع (1846-1878م) مدة أطول من أي بابا في التاريخ. وكان من الأحرار الذين يُحبّذون الوحدة بين المناطق مثل الولايات الإيطالية. ولكن التهديد المستمر للبابوية من جانب القوميين الإيطاليين حوّله إلى محافظ متشدِّد. وندد بيوس في خلاصة الأخطاء (1864م) بما اعتقد أنه أخطاء الفكر الحديث آنذاك. وأصبحت كل الأرض التي كانت تكوِّن الولايات البابوية جزءًا من المملكة الإيطالية المستقلة بحلول عام 1870م، وانحسرت حدود البابا في الفاتيكان والقصور اللاتيرانية والفيلا البابوية في كاستل جاندولفو. وانعزل بيوس في الفاتيكان وعدّ نفسه سجينًا. وكذلك اتّبع خلفاؤه السياسة نفسها لمدة 60 عامًا، حتى أحدثت معاهدة لاتيران دولة مدينة الفاتيكان المستقلة عام 1929م. وبدأت سلطة البابوات داخل الكنيسة تنمو وتزداد، في الوقت الذي تدهورت فيه سلطتهم السياسية. وأصبحت البابوية تمثل حارسًا لنظام محدد من العقائد، يُناهض البروتستانتية وتيارات الفكر الحديث الرئيسية.
البابوية اليوم:
أصبح البابوات في القرن العشرين أكثر نشاطًا وتأثيرًا في أتباع الكنيسة الكاثوليكية من أي وقت مضى. وأصبح الفكر الكاثوليكي في الوقت نفسه في توافق كبير مع التطورات الفكرية الكبرى؛ لا سيما في مجالات مثل: الفلسفة والعلوم الطبيعية والتاريخ والدراسات الإنجيلية.
وأصبح يوحنا الثالث والعشرون (1958 - 1963م) أكثر البابوات المعاصرين شهرة؛ إذ دعا إلى عقد مجمع الفاتيكان الثاني؛ ليبحث في أمور العقيدة والحياة الدينية الكاثوليكية. وقد افتُتح المجمع عام 1962م واختُتم عام 1965م بعد موت يوحنا. وكان من أشهر القضايا تحدّيًا للمجمع قضية الكولجيالتي، وهي الفكرة القائلة بأن السلطة في الكنيسة ينبغي أن تكون مشتركة بين البابا ومجمع الأساقفة ورجال الدين الآخرين.
وقد ترأس بولس السادس (1963-1978م)، خليفة يوحنا، الجلسات الأخيرة في المجمع، وسحب القضايا الخلافية كالعُزوبة وتحديد النسل من جدول أعمال المجمع، واحتفظ بالقرار حول هذه المسائل لنفسه.
وانتُخب يوحنا بولس الثاني عام 1978م كأول بابا غير إيطالي منذ أدريان السادس الهولندي (1522 - 1523م). وقد أثبت يوحنا بولس أنه أكثر البابوات نشاطًا في تاريخ الكنيسة. فقد سافر ورآه كثير من الناس أكثر من أي بابا سابق. وقد ساعدت الرغبة في معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة في تاريخ الغرب في زيادة مقام البابوية. ولكن مواجهة تلك القضايا خلّفت توتّرًا بين الأحرار والمحافظين داخل الكنيسة. وتركَّزت تلك التوتّرات حول الموضوعات الاجتماعية الحساسة مثل: الإجهاض والطلاق والقضايا المتعلقة بالعلاقة بين البابا وأعضاء الكنيسة الكاثوليكية، والعلاقة بالكنائس المسيحية الأخرى، والأديان الأخرى,
والبابا الحالي هو البابا بنديكت السادس عشر واسمه جوزيف راتسينغر ولد 1927، في بلدة ماركتل الألمانية بالقرب من الحدود مع النمسا.
أدى الصراع الذي استمر مئات السنين بين الكنائس الشرقية والغربية، إلى نزاع تاريخي بين
البابا نقولا الأول (858 - 867م) وفوتيوس بطريرك القسطنطينية انتهى بالانشقاق التام بين الكنيستين عام 1054م خلال بابوية لاون التاسع (1049 - 1054م).
وانحدرت سمعة البابوية ونفوذها خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، عندما حاول النبلاء الرومان السيطرة على منصب البابوية من خلال بيع مناصب الكنيسة، ونسج المؤامرات التي بلغت درجة الاغتيال في هذا السبيل. ولكن رُهبانًا، من دير بندكتاين في كلني بفرنسا، قادوا حركة إصلاح للتخلص من بيع مناصب الكنيسة وممارسة رجال الدين للزواج.
وقد دعَّم البابا نقولا الثاني (1059-1061م) هذه الإصلاحات؛ فقيّد حقوق القساوسة المتزوجين، وأصدر قرارًا يقضي بأن يكون منتخبو البابا من الكرادلة، وهو قرار موجّه أساسًا ضد بيع المناصب الكنسية. كما استمرت الإصلاحات في عهد البابا جريجوري السابع (1073 - 1085م) الذي أصدر قرارًا قويًا ضد بيع المناصب الكنسية، في وثيقة أصدرها عام 1075م. وادّعى جريجوري أن البابا له سلطة عزل القادة الدينيين والمدنيين. ونصّ على أن البابا له سلطة شرعية وقانونية على كل المسيحيين.
ثم جاء البابا إنوسنت الثالث (1198-1216م)، وكان أقوى بابوات العصور الوسطى. وقد أثر على الشؤون السياسية في معظم دول أوروبا، كما شجع تأسيس الطوائف الدينية كالفرنسيسكان والدومينيكان، وكان إداريًا وقانونيًا بارعًا.
وقد بلغت السيادة البابوية قمتها على يد البابا بونفيس الثامن (1294 - 1303م) الذي أصدر قرارًا بابويًا عام 1302م، نص على أن خلاص كل إنسان يعتمد على خضوعه لسلطة البابا.
اضطرابات البابوية:
كان بونفيس الثامن خلال فترة ولايته، في صراع مع ملك فرنسا فيليب الرابع. وفي عام 1303م، اعتقل الجنود ـ بقيادة ضابط فرنسي ـ البابا في منزل أسرته في أناجني بإيطاليا. ورغم أن البابا أُطلق سراحه بعد ثلاثة أيام، فإن الحادثة ترمز إلى نهاية سيادة البابوية على العالم الغربي العلماني.
ومن عام 1309 إلى 1377م أقام البابوات في أفينيون بفرنسا الحالية. وجلبت هذه الفترة على البابوية ما يُعرف بالانشقاق الكبير الذي استمر من عام 1378م حتى عام 1417م. وشهد تنافسًا داخليًا بين الكرادلة حول منصب البابوية، لم يُحسم إلاّ في مجمع كونستنس عام 1417م.
البابوية ومارتين لوثر:
كانت حركة النهضة حركة ثقافية أوروبية، وقد بدأت في إيطاليا خلال أوائل القرن الرابع عشر الميلادي، وانتشرت في أنحاء أوروبا الغربية خلال المائتي عام التي تلت. وقد حرّكت الروح القومية التي أظهرت نفسها في نظرات قومية مناهضة للبابوية في فرنسا وإنجلترا اللتين انتهز ملوكهما هذه الفرصة فأجبروا البابوية على منحهم جزءًا كبيرًا من ضرائب الكنيسة وممتلكاتها. وقد نشأت كنائس قومية في إنجلترا وفرنسا منافسة للكنيسة العالمية التي يحكمها البابا.
وكان كثير من بابوات عصر النهضة أمراء إيطاليين محنكين انحدروا من أسر إيطالية شهيرة مثل: البورجيين وآل ميدتشي. وأُُعدّ كثير منهم ليكونوا دبلوماسيين أو علماء علمانيين أو مشجعين للفنون لا قادة دينيين. وكان عدد منهم مشكوكًا في أخلاقياتهم؛ إذ كانت جل اهتماماتهم دنيوية منصبة على الفنون وترقية أسرهم. ومن بين هؤلاء البابا سكستس الرابع (1471-1484م) الذي كان عالمًا وراعيًا للفن، وقد نصَّب اثنين من أبناء إخوته كرادلة، أصبح أحدهما البابا يوليوس الثاني (1503- 1513م) الذي كان إداريا فطنًا، ودعم أعمال الفنانيْن المشهوريْن: رفائيل ومايكل أنجلو. وكان يتظاهر بالاهتمام بالإصلاح. ولكن اهتمامه بالشؤون السياسية والحرية كان أكثر من اهتمامه بالحياة الدينية للكنيسة، ومن ثم لم يقدّم أية إصلاحات، ولم يفعل شيئًا لإصلاح الصورة الأخلاقية للبابوية.
وحاول العديد من البابوات ـ مع نهايات عهد النهضة ـ إجراء تعديلات داخلية، في الوقت الذي كانت فيه الكنيسة مهددة من البروتستانتية، التي لم تقبل سلطة البابا، بل انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية. ونشأت حركة الإصلاح المضادة كردِّ فعلٍ لحركة الإصلاح أو حركة الإصلاح الكاثوليكية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين. وقد دعا البابا بولس الثالث (1534- 1549م)، إلى انعقاد مجمع ترنْت الذي كان يجتمع دوريًا من عام 1545م إلى عام 1563م، وفيه، عمل الأساقفة من أجل إصلاح ممارسات الكنيسة وتجديد العقيدة الكاثوليكية، وأجاز البابا رسميًا جمعية يسوع المعروفة باليسوعية، وهي الطائفة الدينية التي أنشئت عام 1534م، وتعهد أعضاؤها بولائهم للبابا مباشرة.
واستمرت جهود الكنيسة للإصلاح خلال حرب الثلاثين عامًا (1618-1648م) في أوروبا. ووفقًا لاتفاقية سلام وستفاليا التي أنهت الحرب؛ أصبح دين الحاكم يحدّد ديانة المنطقة التي يحكمها. وقد عكس هذا المبدأ المشاعر القومية السائدة في أوروبا التي قللت من نفوذ البابوية لاسيما في ألمانيا البروتستانتية. وفي منتصف القرن السابع عشر الميلادي تقريبًا، كان حكام الدول القومية الجديدة ينظرون إلى سلطتهم في إطار مطلق يتحدى أي دعاوى بابوية لتلك السلطة.
البابوية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشرالميلاديين:
هوجمت البابوية خلال القرن الثامن عشر الميلادي من عدة جهات، فقد حاولت حركة داخل الكنيسة الألمانية تُسمَّى الفبرونية أن تحدَّ من السلطة البابوية وتضع مبدأ مماثلاً يُسمَّى الجوزفينية موضع التنفيذ من جانب الإمبراطور الروماني المقدس. وكان للحركة الإنجيلية في فرنسا الأهداف نفسها. كما عارض فولتير وبعض المفكرين الفرنسيين الكنيسة الكاثوليكية بشدة، وأثّر فكرهم في موقف الرأي العام ضد الدين، والكنيسة الكاثوليكية بصفة خاصة.
وكان البابا بنيدكتوس الرابع عشر (1740- 1758م) أكثر البابوات شهرة في الغرب خلال القرن الثامن عشر الميلادي. وقد حاز احترام البروتستانت والكاثوليك معًا لحكمه المستنير. وكان إداريًا ماهرًا، حاول تقوية النفوذ الأخلاقي للبابوية، وشجع التعليم، وأسس المدارس والمعاهد (الأكاديميات) لدراسة التاريخ.
وتعاون البابوات خلال معظم القرن التاسع عشر الميلادي مع القوى السياسية المحافظة التي كانت تحكم أوروبا. وقد دعمت تلك القوى الكنيسة بسبب تقاليدها العريقة التي تُمثّل أساس الاستقرار الاجتماعي. ولكن التعاون مع المحافظين وضع البابوية في معارضة أخرى مع الأحرار الأوروبيين الذين كانوا غالبًا ضد البابوية. وقد ادّعى الأحرار أن الكنيسة الكاثوليكية تَعوق التقدم العلمي والسياسي.
حكم البابا بيوس التاسع (1846-1878م) مدة أطول من أي بابا في التاريخ. وكان من الأحرار الذين يُحبّذون الوحدة بين المناطق مثل الولايات الإيطالية. ولكن التهديد المستمر للبابوية من جانب القوميين الإيطاليين حوّله إلى محافظ متشدِّد. وندد بيوس في خلاصة الأخطاء (1864م) بما اعتقد أنه أخطاء الفكر الحديث آنذاك. وأصبحت كل الأرض التي كانت تكوِّن الولايات البابوية جزءًا من المملكة الإيطالية المستقلة بحلول عام 1870م، وانحسرت حدود البابا في الفاتيكان والقصور اللاتيرانية والفيلا البابوية في كاستل جاندولفو. وانعزل بيوس في الفاتيكان وعدّ نفسه سجينًا. وكذلك اتّبع خلفاؤه السياسة نفسها لمدة 60 عامًا، حتى أحدثت معاهدة لاتيران دولة مدينة الفاتيكان المستقلة عام 1929م. وبدأت سلطة البابوات داخل الكنيسة تنمو وتزداد، في الوقت الذي تدهورت فيه سلطتهم السياسية. وأصبحت البابوية تمثل حارسًا لنظام محدد من العقائد، يُناهض البروتستانتية وتيارات الفكر الحديث الرئيسية.
البابوية اليوم:
أصبح البابوات في القرن العشرين أكثر نشاطًا وتأثيرًا في أتباع الكنيسة الكاثوليكية من أي وقت مضى. وأصبح الفكر الكاثوليكي في الوقت نفسه في توافق كبير مع التطورات الفكرية الكبرى؛ لا سيما في مجالات مثل: الفلسفة والعلوم الطبيعية والتاريخ والدراسات الإنجيلية.
وأصبح يوحنا الثالث والعشرون (1958 - 1963م) أكثر البابوات المعاصرين شهرة؛ إذ دعا إلى عقد مجمع الفاتيكان الثاني؛ ليبحث في أمور العقيدة والحياة الدينية الكاثوليكية. وقد افتُتح المجمع عام 1962م واختُتم عام 1965م بعد موت يوحنا. وكان من أشهر القضايا تحدّيًا للمجمع قضية الكولجيالتي، وهي الفكرة القائلة بأن السلطة في الكنيسة ينبغي أن تكون مشتركة بين البابا ومجمع الأساقفة ورجال الدين الآخرين.
وقد ترأس بولس السادس (1963-1978م)، خليفة يوحنا، الجلسات الأخيرة في المجمع، وسحب القضايا الخلافية كالعُزوبة وتحديد النسل من جدول أعمال المجمع، واحتفظ بالقرار حول هذه المسائل لنفسه.
وانتُخب يوحنا بولس الثاني عام 1978م كأول بابا غير إيطالي منذ أدريان السادس الهولندي (1522 - 1523م). وقد أثبت يوحنا بولس أنه أكثر البابوات نشاطًا في تاريخ الكنيسة. فقد سافر ورآه كثير من الناس أكثر من أي بابا سابق. وقد ساعدت الرغبة في معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة في تاريخ الغرب في زيادة مقام البابوية. ولكن مواجهة تلك القضايا خلّفت توتّرًا بين الأحرار والمحافظين داخل الكنيسة. وتركَّزت تلك التوتّرات حول الموضوعات الاجتماعية الحساسة مثل: الإجهاض والطلاق والقضايا المتعلقة بالعلاقة بين البابا وأعضاء الكنيسة الكاثوليكية، والعلاقة بالكنائس المسيحية الأخرى، والأديان الأخرى,
والبابا الحالي هو البابا بنديكت السادس عشر واسمه جوزيف راتسينغر ولد 1927، في بلدة ماركتل الألمانية بالقرب من الحدود مع النمسا.