«كلا» كبيرة روسية للزواج من أجانب
الخميس, 16 سبتمبر 2010
موسكو – رائد جبر
... والعرب في طليعتهم
إلى اي درجة يمكن القول ان المجتمع الذي رفع لعقود طويلة رايات التعايش السلمي والأخوة الاممية ووحدة مصائر الشعوب، محصن ضد داء التعصب ومستعد لإبداء قدر من التسامح مع أبناء القوميات الأخرى؟ يبدو السؤال المطروح منذ سنوات في روسيا، عصياً على الاجابة.
لكن المؤشرات التي برزت في السنوات الاخيرة، لا تبعث على التفاؤل. فظاهرة التطرف القومي في روسيا تشهد أعلى درجات النمو والازدهار في ظل غياب تشريعات حازمة لمواجهتها، وازدهار نشاط المجموعات العنصرية المتشددة التي تغلغلت بقوة في مكونات المجتمع الروسي حتى باتت تهدده في شكل جدي.
لكن المشكلة لا تقتصر على نشاط المتطرفين وحدهم. هذا ما اظهرته دراسة حملت نتائجها مفاجأة كبرى، فهي عكست تمدد ظاهرة التعصب القومي وأبرزت حال «استعلاء» تسيطر على مشاعر الروس حيال قوميات معينة.
الدراسة أجراها «مركز دراسات الرأي العام» في روسيا وهو مؤسسة مستقلة تميز نشاطها بالموضوعية والمهنية.
واختار المركز طريقة غير تقليدية لإظهار حقيقة موقف الروس حيال أبناء القوميات الأخرى، وقال مدير المركز فاليري فيودروف: «قمنا بعملية اختبار مموهة لقياس درجة التسامح في المجتمع والاستعداد للتعايش مع الآخر، وجاءت النتائج مخيبة للآمال، فأحفاد الأممية ليسوا محصنين ضد داء التطرف القومي والشعور بالاستعلاء على الآخرين».
واختار المركز ان يدرس مسألة العلاقات الأسرية ونظرة المجتمع الى الزواج المختلط مع الأجانب، و «هذا المدخل كان مهماً لفهم حقيقة النظرة الروسية عندما يتعلق الأمر بتركيبة الاسرة والاستعداد لإنجاب ابناء ليسوا روساً خالصين»، كما اوضح فيودروف.
والارقام تتحدث عن نفسها. أكثر من سبعين في المئة من الروس اجابوا عن السؤال المطروح في الاستطلاع: هل تؤيد زواج احد اقربائك أو افراد عائلتك بأجنبي؟ بـ «كلا» كبيرة.
ثلثا ابناء المجتمع الروسي يرون ان تأسيس الاسرة ينبغي ان يكون ضمن اطار ابناء القومية الروسية فقط. نتيجة مخيبة لآمال. كثيرون رفعوا طويلاً شعارات تؤكد طبيعة روسيا كبلد متعدد القوميات والأديان وأكدوا ان مستقبل التعايش بين الاقليات القومية في هذا البلد لا يواجه تهديداً.
لكن الاهم ان الأسئلة التفصيلية التي طرحت على العينات في اكثر من 140 مدينة روسية وشملت 42 مركزاً فيديرالياً وجمهورية ذاتية الحكم، اظهرت نتائج اكثر اثارة وأشد وقعاً.
فعند استطلاع رأي المشاركين في الدراسة حيال أبناء قوميات محددة جاءت النتائج صارخة: 65 في المئة يرفضون في شكل قاطع تأسيس اسرة يكون احد طرفيها شيشانياً، و54 في المئة يعارضون الترابط الأسري مع الآسيويين عموماً ومع مواطني جورجيا وأرمينيا وأذربيجان وكل جمهوريات آسيا الوسطى على وجه الخصوص.
وفي حال ان «غير المرغوب بهم» حتى الآن هم من ابناء القوميات المتعايشة داخل روسيا او محيطها في الفضاء السوفياتي السابق، فإن المفاجأة الكبرى كانت في درجة الامتعاض من العرب بحسب نتائج الدراسة، فهم احتلوا المركز الثاني على لائحة «المرفوضين» لتأسيس أسرة مختلطة، بنسبة بلغت 63 في المئة أي بعد الشيشانيين مباشرة.
وهذه نتيجة غير مفهومة عزاها البعض الى حملة بعض وسائل الاعلام الروسية ضد العرب والمسلمين، ولتوضيح الفكرة يكفي القول ان بعض الصحف الواسعة الانتشار افردت مساحات كبيرة قبل شهور لتحقيقات عن «وحشية العرب في التعامل مع زوجاتهم الاجنبيات»، و «سعي كثيرين منهم الى سرقة (هكذا حرفياً) الاطفال في حال الخلاف الاسري»، هذه التحقيقات برزت عندما كان الموضوع المطروح للنقاش هو تكرار قتل اطفال تم تبنيهم في الولايات المتحدة على ايدي الوالدين المتبنيين وعمليات اختطاف متبادل للأطفال تمت بين زوجات روسيات وأزواجهن الاوروبيين خلال العام الأخير. في هذه الأجواء وجدت بعض الصحف ان الهدف الاسهل للتناول في تحقيقات مطولة هم... العرب.
ودلت الدراسة المثيرة الى ان الروس اكثر تسامحاً مع الاوروبيين والاميركيين عندما يدور الحديث عن تأسيس اسرة، على رغم ان مشكلات الاطفال المشتركين برزت في الواقع في شكل اكثر حدة مع ابناء هذه القوميات. وقال 44 في المئة انهم لا يعارضون تأسيس اسرة أو زواج احد افراد عائلاتهم من مواطنين ألمان او فرنسيين او بريطانيين، فيما حصلت الولايات المتحدة على نسبة 41 في المئة. اما بلدان حوض البلطيق (ليتوانيا ولاتفيا وأستونيا) التي تبرز فيها بقوة مشاعر العداء للروس اصلاً، فإن 43 في المئة من الروس لا يرون ما يمنع الزواج المختلط مع مواطنيها.
ويبدو ان السياسة تلعب دوراً في تحديد الاختيار ايضاً، فمثلاً عند الحديث عن اوروبا عموماً وليس عن قومية اوروبية معينة، تتراجع الحماسة الروسية، اذ ان 17 في المئة فقط يرغبون في بناء علاقات أسرية مع الاوروبيين، في مقابل 27 في المئة قبل زهاء عشر سنوات.
اللافت ان النظرة الى اليهود في روسيا لم تتغير منذ نحو عشر سنوات كما اظهرت الدراسة، لأن نسبة معارضي الاختلاط الاسري مع اليهود ظلت 46 في المئة خلال العقد الاخير، مع فارق صغير، اذ دلت الدراسة الاخيرة الى ان ثلث معارضي الزواج من يهودي او يهودية مستعدون لـ «غض الطرف عن المعارضة اذا كانت رغبة الطرفين اصحاب العلاقة قوية».
روسيا لم تحصل على «اللقاح اللازم» ضد داء التطرف وبغض الآخر. هكذا قال فيدروف عندما اورد خلاصة دراسة مركزه. ولفت الى اهمية الدراسة، لأن «في حالات اخرى كنا نحصل على نتائج اكثر تسامحاً، ما دفعنا للتمويه، وبعد هذه النتيجة نرى ان الروس غالباً ما كانوا يقولون اشياء لا تتفق مع افكارهم الحقيقية».