المتاجرون بالدين
الرياض السعودية
GMT 3:22:00 2010 الثلائاء 21 سبتمبر
فارس بن حزام
لاتحتاج المتاجرة بالدين إلى كثير من الجهد، فالحكاية كلها في البحث عن فكرة مثيرة تلفت أنظار شريحة واسعة، وذلك ما فعله تيري جونز في أميركا بفكرة حرق نسخة من المصحف في ذكرى هجمات سبتمبر، وكذلك فعل ويفعل الشيخ فيصل عبدالرؤوف، في أميركا أيضاً، بالإصرار على بناء مسجد الفتنة إلى جوار مكان الهجمات.
الشيخ فيصل عبدالرؤوف ليس شخصاً متطرفاً، فلا أقواله متشنجة، ولم تصدر منه أية أفعال في محيطه توحي بذلك، على العكس مع حال ال"مطوع" الآخر على الضفة الثانية من الحكاية، تيري جونز، الذي شهدت ابنته بجنونه، لكنه كشف عن ذكاء حاد بجرّ العالم إلى منزله؛ وهنا التقى الطرفان في الذكاء وفي اقتناص الفرص الذهبية في قصة واحدة كان "11 سبتمبر" عنوانها.
في عالمنا الإسلامي والعربي والخليجي، وبلادنا السعودية، متاجرون ليسوا بالقلة، أمثال الثنائي الأميركي. فلا أحد يمكن أن يتجاهل الذين تدثروا بعباءة الدين في توظيف أموال آلاف الأسر، ولا الذين تاجروا بالأسواق النسائية المغلقة، وحاربوا تأنيث محلات الملابس النسائية الداخلية، وقبلهم من اعتلى منابر الجمعة، وبعدهم من تصدر شاشات التلفزة، بلا رسالة دينية صادقة.
المتاجرون بالدين يجدون استجابة سريعة عند عامة الجمهور، فالمظهر كفيل ببيع السلع الباهتة، وهو أكبر جسر وأسرع طريق لبلوغ ما ينشدون. ونماذجهم تتواصل في الظهور كل فترة بوسائل جديدة، والجمهور لا يميز؛ لأن المظهر الخارجي يكفي عن كل مضمون حقيقي مستتر.
من وظائف الإعلام كشف حقيقة المتاجرين بالدين، وقبله وظيفة أصحاب الرسالة الدينية الصادقة في الكشف عن المتسلقين إلى الأهداف الشخصية على أكتاف الدين، فالجمهور مازال مغشوشاً بكل من يرتدي هذه العباءة، فينساق وراءه طويلاً إلى أن يكتشف الحقيقة، ومع ذلك، يعاود المسير خلف متسلق جديد، رغم أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ورغم أن الناس تسرد قصص النصابين في مجالسهم وتطالع نهايات أفعالهم، لكنهم يعودون إلى أشباههم سريعاً، في دلالة إلى سحر اجتماعي خاص يربط علاقة الجمهور بكل ما يأتي تحت غطاء شرعي.
السيدان عبدالرؤوف وجونز حققا من فعلتهما الكثير؛ جماهيرية واسعة، وأنصارا وخصوما، وقريباً، ربما مقابلات إعلامية مدفوعة الثمن، وربما كتب تحكي قصصهما أيضاً، ويتواصل الكسب التجاري على حساب الدين. لذا نجد أشباه جونز وعبدالرؤوف في منطقتنا، وتستمر القصص..