منتدى الملاك

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الملاك

لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد.أمين +++عمانوئيل إلهنا وملكنا

عزيزى الزائر اذا اعجبك موضوع بالمنتدى يمكنك
أن تضغط على زر أعجبنى اعلى الموضوع
عزيزى الزائر ان اعجبك موضوع يمكنك ان تكون اول من يشاركه لاصدقائه على مواقع التواصل مثل الفيس بوك والتويتر بالضغط على زر شاطر اعلى الموضوع

    الاصحاح الاول والثانى من تفسير سفر دانيال

    Admin
    Admin
    Admin


    رقم العضوية : 1
    البلد - المدينة : cairo
    عدد الرسائل : 7832
    شفيعك : الملاك ميخائيل
    تاريخ التسجيل : 30/06/2007

    default الاصحاح الاول والثانى من تفسير سفر دانيال

    مُساهمة من طرف Admin الأحد 7 نوفمبر 2010 - 12:54

    الأصحاحالأول
    سُبيّيهوذا تم على ثلاث مراحل، وكانت هذه الفترة حتى نهاية السبيّ من أشد العصور ظلمةعلى الشعب، فقد عاش في مذلَّة، متغرِّبًا عن بلده، محرومًا من عبادته الجماعيَّةفي الهيكل، فاقدًا كل كرامة في أعين الأمم. لكن وسط الظلمة وُجد هؤلاء الفتيانالصغار - دانيال ورفقاؤه الثلاثة - كأضواء لامعة، يهتم الله بهم، ويستخدمهم لحسابملكوته ليس في جيلهم فحسب وإنَّما عبر الأجيال، بكونهم شهودًا للحق والإخلاص.
    1.الفتيان فيالسبيّ [1-4].
    2. اختيارهم لخدمةالملك [5-7].
    3. رفضهم أطايبالملك [8-14].
    4. نتائجالاختبار [15-16].
    5. تمتُّعهم بالحكمةوالفهم [17].
    6. تفوُّقهم على كلالمجوس [18-21].
    1. الفتيان في السبيّ:
    يُفتتحالسفر بالتلميح عن سبيّ يهوذا الأول في السنة الثالثة من مُلك يهوياقيم، أي حواليسنة 605 ق.م على يديّ نبوخذنصر ملك بابل، حيث حاصر أورشليم وأذلَّ ملكها (2 مل 24:1، إر 22: 19). وأخذ بعض آنية بيت الرب وجاء بها إلى شنعار ليضعها في خزانة بيتإلهه.
    "في السنةالثالثة من ملك يهوياقيم ملك يهوذا ذهب نبوخذنصر ملك بابل إلى أورشليموحاصرها" [1].
    جاءهنا أن السبيّ تمّ في السنة الثالثة من ملك يهوياقيم (دا 1: 1)، بينما جاء في (إر25: 1) أنه في السنة الرابعة من ملكه، ذلك لأن الآشوريِّين والبابليِّين يعتبرونالسنة ابتداء من السنة الجديدة بعد تولىّ الملك العرش، بينما في يهوذا يعتبرونهامن بدء السنة التي في خلالها تم ارتقاؤه العرش، لذا يأتي الحساب الآشوري والبابليأزيد عامًا عن اليهودي
    يرىالبعض أن الفعل "ذهب" في (دا 1: 1) في العبريَّة يمكن أن يعنيبدء خروج نبوخذنصر على رأس الحملة لمقاومة نخو ملك مصر في معركة كركميش، بينما ماورد في إرميا يُشير إلى وصوله إلى أورشليم.
    نبوخذنصرأو "نبوخذ راصر": اسم بابلي يعني "نبو حامي الحدود"،أو "أيُّها الإله نبو احرس الحدود" أو "يا نبو احرسالخلافة". أمَّا "نبو" فمعناه "نبأ" أو"إذاعة"، وهو إله العلم والمعرفة عند البابليِّين. والد نبوخذنصر هونبوبلاسر مؤسِّس الدولة البابليَّة الحديثة سنة 625 ق.م ومحطم الإمبراطوريَّةالآشوريَّة، أرسل ابنه لمحاربة نخو "فرعون" مصر فغلبه عام 605 ق.م فيمعركة كركميش (2 مل 24: 7؛ إر 46: 2)، ثم جاء إلى أورشليم وحاصرها، وسبى بعضسكانها، من بينهم دانيال ورفاقه. إذ سمع بموت والده عاد إلى بابل ليستلم المُلك.يلاحظ هنا أن النص لم يذكر نبوخذنصر كملك لبابل أثناء حصاره أورشليم، إنَّما يُدعىملك بابل من باب ما تمَّ بعد ذلك. أو لأنه كان ملكًا شريكًا لأبيه في الحكم، ثمانفرد بالحكم بعد موت أبيه. يرى بيروسيوس Berosus أنه عندما كان نبوبلاسر قد تقدم فيالعمر وعاجزًا عن القيادة، أعطى قيادة الجيوش لابنه نبوخذنصر. لقد حكم كشريكلوالده على الأقل لمدة سنتين.
    أخبارنبوخذنصر موجودة في أسفار الملوك وأخبار الأيام وعزرا ونحميا وإرميا ودانيال، وقدجاءت آثاره في بابل وغيرها تتَّفق مع ما ورد في الكتاب المقدَّس.
    "وسلَّم الرببيده يهوياقيم ملك يهوذا مع بعض آنية بيت الله، فجاء بها إلى أرض شنعار إلى بيتإلهه،
    وأدخل الآنية إلى خزانة بيت إلهه" [2].
    تمتعملية السبيّ البابلي ليهوذا على ثلاث مراح.
    1. الترحيل الأول: عام 606 ق.م. أو 605 ق.م بعد معركة كركميش التي فيها غلبنبوخذنصر فرعون مصر نخو، فاتجه إلى أورشليم. فيه سبي دانيال وأصدقاؤه، وفيه أخذنبوخذنصر بعض آنية بيت الرب ووضعها في هيكل البعل ببابل، وترك للملك يهوياقيم علىالعرش كتابعٍ له، يخضع لسلطانه.
    2. الترحيل الثاني: حوالي عام 598 ق.م. أو 597 ق.م بعد ثمان سنوات من سبيّدانيال، فيه سُبي حزقيال. تم هذا السبيّ عندما ثار ملكا يهوذا يهوياقيم ويهوياكينعلى نبوخذنصر، فجاء الملك وأخذ بقية أواني الهيكل وكنوزه وسبيّ الملك يهوياقيمومعه 000,10 أسيرًا من الإشراف ورجال الجيشوالصناع والمهرة، ولم يترك في يهوذا سوى مساكين الشعب (حز 1: 1-3؛ 2 أي 36: 10؛ 2مل 24: 8-20).
    3.الترحيل الأخير عام 588 ق.م. أو 587 ق.م، فيه جاء الملك للمرة الثالثةليُعاقب صدقيا الملك على تمرده "وأحرق بيت الرب وبيت الملك وكل بيوت أورشليموكل بيوت العظماء وأحرقها بالنار" (2 مل 25: 9)، كما قتل أبناء صدقيا آخرملوك يهوذا وقلع عيني الملك نفسه وقاده إلى بابل مقيدًا بالسلاسل، وهكذا تم خرابأورشليم والهيكل وتحطم المجتمع اليهودي (2 مل 25: 1-7؛ إر 34: 1-7).
    كلهذا تم تحقيقًا للنبوة (إر 1: 25-4؛ 2 أي 36: 14-21)، كتأديب جماعي بسبب انحرافالشعب وإصراره على العبادة الوثنية برجاساتها، وعدم حفظ السنوات السبتية،ومقاومتهم لصوت الله خلال الأنبياء.
    تمالسبيّ الأول في السنة الثالثة من ملك يهوياقيم بحسب التقويم البابلي الذي يتجاهلالجزء الأول من السنة
    ولم يتحقّق هذا بسبب بسالة نبوخذنصر ولا خطته العسكرية المحكمة ولا لحسن حظه أومصادفة، وإنما بسماحٍ إلهيٍ لتأديب شعبه. هذا ما أكَّده دانيال النبي.

    v حقيقة تسجيل هزيمة يهوياقيم تظهر أن النصرة كانت بإرادة اللهوليس بسبب قدرة أعدائه.
    "وأمر الملكأشفنز رئيس خصيانه بأن يُحضر من بني إسرائيل ومن نسل الملك ومن الشرفاء، فتيانًالا عيب فيهم، حسان المنظر، حاذقين في كل حكمة، وعارفين معرفة، وذوي فهم بالعلم،والذين فيهم قوة على الوقوف في قصر الملك فيعلموهم كتابة الكلدانيين ولسانهم"[3-4].
    يزعمبعض النقاد المتحررين أنه لم يرد اسم اشفنز في سجلات بابل القديمة، وأن هذهالشخصية غير تاريخية. لكن فيما بعد اكتشف أحد علماء الآشوريات هذا الاسم على لوحطيني في خرائب بابل، وهو محفوظ الآن في المتحف البريطاني.
    أقامالملك معهدًا في قصره تحت إشراف اشفنز. ربما كان هذا المعهد يضم أقسامًا كثيرة، منبينها قسم خاص بأبناء أشراف اليهود لتقدم لهم دراسة تناسب ثقافتهم ولغتهم. أماإقامة هذا المعهد لتخريج رجالٍ حكماء يعاونون الملك فيكشف عن حكمة الملك واتساعأُفقه وجديته. أما عن اختياره بعض الفتيان من نسل ملوك اليهود وأشرافهم فكان ذلكلعدة أسباب منها شعوره الدائم بالرجل الغالب الذي يحمل فتيان الملوك والإشراف لاليذلهم ويعذبهم، بل لخدمة قصره وتدبير شئون الدولة. ومن جانب آخر فإنه بهذا يدفعهؤلاء الفتيان بما لهم من مواهب على الخضوع له وعدم التفكير في الثورة ضده لحساببلدهم. كما يُعطي هذا شيئًا من الراحة النفسية لعامة اليهود أنه يوجد في القصر منيُمثلهم.
    اتسمهؤلاء الفتيان بالآتي:
    *شرف النسب.
    *جمال الجسد وقوته.
    *حذاقة في الحكمة.
    *أصحاب معرفة.
    *قادرون على تقديم العلم للغير.
    *قادرون على الوقوف في القصر، أي على تحويل الحكمة والمعرفة والفهم إلى عملٍيمارسونه خلال حياتهم اليومية.مع ما لديهم من شرف وصحة جسدية وحكمةومعرفة وخبرة أراد الملك أن يتمتعوا بثقافة بلده ولغتها لينتزعهم من انتمائهم لبنيجنسهم ويربطهم ببلده. في حكمة لم يحطم ما قد وُهبوا به ولا حقر من شأنهم، بل أرادتحويل طاقاتهم لحساب قصره الملوكي.
    يُقصدبكتابة الكلدانيين تعلم لغتهم وأدبهم وكل ثقافتهم بالمفهوم الواسع مثلالفلك والرياضيات والشرائع مع السحر وتفسير الأحلام الخ. كما تدرب موسى على حكمةالمصريين، هكذا تدرب دانيال ورفقاؤه على حكمة الكلدانيين.
    2. اختيارهم لخدمةالملك :
    "وعيَّن لهم الملك وظيفة كل يوم بيومه من أطايب الملك ومنخمر مشروبه لتربيتهم ثلاث سنين وعند نهايتها يقفون أمام الملك. وكان بينهم من بنييهوذا دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا. فجعل لهم رئيس الخصيان أسماء، فسمى دانيالبلطشاصر، وحننيا شدرخ، وميشائيل ميشخ، وعزريا عبدنغو" [5-7].
    واضحأن نبوخذنصر حمل بعض السمات اللآئقة به كملك، إذ اختار شبابًا نبيلاً يتدرب علىكتابة الكلدانيين على نفقة القصر الملكي، بل ويأكلون من أطايب الملك، لا ليقفواأمامه فحسب، يفتخر بجمالهم وحسن منظرهم، إنّما ليكونوا له مشيرين، يسندونه فيتدبير أمور الدولة المتشعبة، ولم يحتقرهم لأنهم من جنسيات أجنبية. نستطيع أن نقولأنه في هذا الأمر كان سابقًا لعصره بعشرات القرون. أنه ليس كالملك أحشويرش (المذكورفي سفر استير) الذي عين رجالاً لاختيار فتيات لإشباع شهواته، إنما اختار شبابًالخدمة المجتمع.
    لماذاعيَّن لهم الملك أن يأكلوا من أطايبه؟
    فيشيء من الخبث أمر الملك بذلك، ففيما يحمل مظهر الملك الكريم في معاملاتهبالمسبيين، يدخل بهم إلى حياة الترف التي تنزع عنهم روح الثورة ضده لحساب بنيجنسهم. فإن كان بالقوة سباهم من بلدهم، فبالترف أراد نزع انتمائهم إلى بلدهم.وكأنه أراد تحطيم يهوذا بالعنف كما باللطف، مستخدمًا كل وسيلة لهدمهم. أما تحديدمدة التدريب بثلاث سنوات بعدها يقفون أمام الملك، فإن رقم 3 تُشير إلى القيامة.فالسيد المسيح بقيامته قدم لنا سرّ الرقم 3 ليهبنا حياته المُقامة، ويرفعنا منالترف إلى السماء. ونبوخذنصر قدم لهؤلاء الفتية سرّ الرقم 3، ليُقيمهم لا إلىالسماء بل إلى بابل. فيموتوا عن وطنهم ليحيوا بفكر جديد كلداني.
    كانتأسماء الأربعة الذين من سبط يهوذا تُذكرهم بانتسابهم لله إلههم ومعيته أووجودهم في حضرته.
    · فدانيالمعناه "الله ديان".
    · وحنانيا"يهوه حنان أو مترفق".
    · وميشائيلأو ميخائيل معناه "من مثل الله"، أو الذي يتشبه بالله.
    · وعزاريامعناه "من يعينه يهوه".
    يبدوهنا اهتمام آباء هؤلاء الشبان بخلاص نفوسهم بكل وسيلة حتى خلال أسمائهم ليدركواارتباطهم بالرب. وكما جاء في سفر الأمثال: "ربِ الولد في طريقه فمتى شاخأيضًا لا يحيد عنه" (أم 22: 6).
    أرادرئيس الخصيان أن يقطع هؤلاء الشبان عن كل صلة بماضيهم وثقافتهم وديانتهم فأعطاهمأسماء جديدة تربطهم بالآلهة الكلدانية الرئيسية، أي البعل، والإله الشمس، وإلهةالجمال والأرض، وإلهة النار.
    أ.دعي دانيال "بلطشاصر"، ومعناه "الأمير الخاص بالبعل “Bel’s prince. كانالبعلهو الإله الرئيسي الذي يتعبد له البابليون.
    ب.دُعي حنانيا "شدرخ"، ومعناه "مُوحى به بإله الشمس".
    ج.دُعي ميشائيل "ميشخ"، معناه "من قبل شَخ Shak. إذ تعبد البابليون للإلهة فينوس تحتهذا اللقب، وهي إلهة الجمال والأرض.
    د.دُعي عزريا "عبدنغو"؛ معناه "عبد النار المتألقة".
    ليسبالأمر العجيب أن يقوم الملك بتغيير أسمائهم كما أراد تغيير لغتهم وثقافتهم، فهكذافعل فرعون أيضًا مع يوسف (تك 41)، لكن أحدًا منهما لم يستطع أن يُغيِّر قلوبهم أوأفكارهم عن الرب وعن شعبه ومقادسه. أما السيد المسيح إذ غيَّر اسم سمعان إلى بطرس(مر 3)، وابنيّ زبدي إلى ابنيّ الرعد... جدد أعماقهم لتتناسب مع رسالتهم السماويةالتي أعدهم لها.
    حمل دانيال ثلاثة أسماء:
    أ.دُعي بالعبرانية دانيال، لأن العبرانيين رأوا فيه الله الذي يُدين شرّالوثنيين.
    ب.دُعي بالكلدانية بلطشاصر، لأن الكلدانيين أو البابليين رأوا فيه قوة خفيةفائقة، فحسبوه الأمير الخاص بالإله الأعظم "بعل".
    ج.دُعي بلغة السماء والملائكة: "الرجل المحبوب" (10: 11،19؛ 9: 23).
    3. رفضهم أطايب الملك:
    "أما دانيال فجعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولابخمر مشروبه، فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجس.
    وأعطى الله دانيال نعمة ورحمة عند رئيس الخصيان" [8-9].
    إذكان دانيال أمينًا مع الله أعطاه الرب نعمة في عينيّ رئيس الخصيان، وكما يقولالمرتل: "وأعطاهم نعمة قدام الذين سبوهم" (مز 106: 46). كما قسَّى اللهقلب فرعون ليتمجد في خلاص شعبه، أعطى لُطفًا في قلب رئيس الخصيان ليتمجد الله فيدانيال ورفقائه. هكذا يُعطينا طمأنينة لكي نعمل لحساب ذاك الذي يُحرك قلوب منحولنا سواء بالسماح لهم أن يُمارسوا عنفهم أو بتغييرها إلى اللطف فتعمل كلالأمور لخيرنا.
    v ذاك الذي أُخذ في السبيّ بسبب خطايا أسلافه تمتع بمكافأة فوريةمن أجل عظم فضائله. لأنه وضع في قلبه إلاَّ يتنجس بطعام من مائدة الملك، وفضَّلغذاءً متضعًا عن الأطايب، لهذا وهبه الرب منحة سخية، إذ نال نعمة ورحمة في عينيرئيس الخصيان. بهذا يمكننا أن نفهم أنه حتى في الظروف القاسية يُحبْ القديسونبواسطة غير المؤمنين، هذا من قبيل مراحم الله وليس من أجل صلاح الفاسدي[7].
    "فقال رئيسالخصيان لدانيال:
    إنيِّ أخاف سيدي الملك الذي عيَّن طعامكم وشرابكم.فلماذا يرىوجوهكم أخزل من الفتيان الذين من جيلكم فتديِّنون رأسي للملك؟! فقال دانيال لرئيس السقاة الذي ولاَّه رئيس الخصيان على دانيالوحننيا وميشائيل وعزريا: جرِّب عبيدك عشرة أيام فليعطونا القطاني لنأكل وماءلنشرب. ولينظروا إلى مناظرنا أمامك، وإلى مناظر الفتيان الذين يأكلونمن أطايب الملك، ثم اصنع بعبيدك كما ترى. فسمعلهم هذا الكلام وجربهم عشرة أيام" [10-14].
    كاندانيال الشاب يعيش في أرض غريبة (أرض السبيّ)، وكان يمكنه أن ينتحل الأعذار لعدمالصوم. كان دانيال في وسط مشجع على الخطية، لأنه كان في قصر الملك. وكانلزامًا عليه أن يأكل كل يوم من أطايب الملك وخمر مشروبه.
    كانيمارس الصوم حتى وهو في سن الشيخوخة (ص 10)، فكأن قلب دانيال لم يشخ.
    ويلاحظفي صوم دانيال النبي:
    أ.يمارس دانيال النبي صومه لا بمجرد امتناعه عن الطعام فحسب، إنما قيل: "فجعلفي قلبه" [8]. فالحياة الروحية هي تمتع بكنزٍ داخلي. "حيثيكون كنزك هناك يكون قلبك" (مت 6: 21). هكذا تبدأ الحياة الروحية الصادقة منأعماق القلب، حتى متى حلَّت ساعة التجربة يستطيع المؤمن بالنعمة الإلهية العاملةفيه أن يُقاوم وينتصر، حاملاً قوة الإرادة المقدسة فيه. من جانب آخر لم يقف الأمرعند حدود القلب، لكنه حول ما في قلبه إلى عمل. فالعبادة تبدأ بالأعماق لكنهاتُترجم أيضًا عمليًا، فيشترك الجسد مع النفس، والعمل مع الفكر، ويُمارس الإنسانحياته الروحية بكل كيانه الخفي والظاهر.
    ب.طلب من رئيس الخصيان إلاَّ يتنجس. يُحسب هذا الطلب من المستحيلات بالنسبة لرئيسالخصيان، لأن تكلفته هي رقبته بلا تفاهم.
    آمندانيال أن الله إله المستحيلات يعمل في قلب هذا الرجل الوثني مادام الأمر يخصقدسية حياته ونقاوتها. لقد غيرَّ رئيس الخصيان أسماءهم، لكنه كان عاجزًا عن تغييرقلوبهم، وطبيعتهم المقدسة في الرب.
    لقدحسب دانيال أطايب الملك نجاسة، لماذا؟
    · لأناخوته محرومون من الحياة المترفة، فكيف يعيش في القصر في حياة ترف وغيره محتاج؟!
    · لأنما يُقدم على المائدة قد يحوي أطعمة محرمة حسب الشريعة الموسوية، مثل المخنوقولحوم بعض الحيوانات المحرمة،وهي غير المشقوقة الظلف والتي لا تجتر. وإن كانتبلاشك تقدم أنواعًا كثيرة من اللحوم على مائدة الملك، ويمكن لدانيال ورفقائه أنيختاروا اللحوم المُحللة.
    · خشيهؤلاء الشبان المسبيون أن تلهيهم أطايب الملك عن معرفة وضعهم الحقيقي كمسبيين.أنهم لا يطلبون مائدة الملك بل حريتهم هم وشعبهم. لن تستقر قلوبهم في قصر غريب، بليشتهون العودة إلى وطنهم. بلاشك كان دانيال ورفقاءه يئنون في داخلهم من أجل ماحلَّ بالشعب والهيكل والمدينة المقدسة، فأرادوا البقاء في حالة مرارة داخلية حتىيترفق الله بهم ويرد السبيّ.
    · خشيدانيال من المشتركين في المائدة كمدمنين للخمر، فرفض الخمر تمامًا، وقد قيل:"للذين يدمنون الخمر الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج: لا تنظر إلى الخمرإذا احمرت حين تُظهر حبابها في الكأس وساغت مرقرقة" (أم 23: 30-31). ولعلدانيال كان يحسب نفسه نذيرًا للرب لا يشرب خمرًا أو مسكرًا (عد 6: 2-3). وقد مُنعالكهنة من استخدامه قبل خدمة الهيكل (لا 10: 1-9)، كما حُرم الملوك من استخدامه(أم 31: 4-5). وكما سبق فرأينا أن هؤلاء الفتية كانوا في مرارة داخلية من أجلالسبيّ، فكيف يشربون الخمر علامة الفرح؟! أنهم امتنعوا عنه حتى يرد الله سبيهم.
    v من لم يرد أن يأكل أو يشرب من مائدة الملك وخمره لئلاَّ يتدنس(خاصة إن كان يدرك أن حكمة البابليين وتعليمهم خاطئة) لن يقبل أن يتفوه بما هوخاطئ.
    4. نتائج الاختبار :
    "وعند نهاية العشرة الأيام ظهرت مناظرهم أحسن وأسمن لحمًامن كل الفتيان الآكلين من أطايب الملك.
    فكان رئيس السقاة يرفع أطايبهم وخمر مشروبهم ويعطيهمقطاني" [15-16].
    لانعرف عدد الشبان الذين اختيروا لخدمة الملك ومعاونته في عمله. بلاشك كانوا كثيرين،لكننا لا نعرف بالاسم إلاَّ دانيال وأصدقاءه الثلاثة. فإذ كانوا جادين في أمانتهملله في كل شيء بالرغم من الظروف القاسية، وخاضعين لإرادتهم مهما كلفهم الأمر،استحقوا تسجيل أسمائهم في الكتاب المقدس، ونقشها في سفر الحياة الأبدية.
    5. تمتعهم بالحكمةوالفهم :
    "أما هؤلاءالفتيان الأربعة فأعطاهم الله معرفة وعقلاً في كل كتابة وحكمة وكان دانيال فهيمًابكل الرؤى والأحلام" [17].
    لقدتمم الله وعده مع مؤمنيه: "إنيِّ أُكرم الذين يكرمونني" (1 صم 2: 30).
    v لاحظأنه قيل بأن الله يُعطي الفتيان القديسين معرفة وعلمًا في الأدب العلماني، في كلكتاب أو فرع من فروع الحكمة.
    لقدميَّز الله دانيال لا عن بقية الشعب فقط ولكن حتى عن زملائه القديسين لكي يُهيئهلتحقيق عملٍ نبويٍ هامٍ. يرى القدِّيس جيروم أن الله أعطى الأربعة فتيانحكمة ومعرفة، لكنه أضاف إلى دانيال فهم الرؤى والأحلام، فما يراه الآخرون في مظهرٍكظلٍ يمكنه أن يدرك بوضوح بعينيّ الفهم. هكذا وهب الله الأربع فتية معرفة وعقلاًمع حكمة في الأدب الكلداني والسلوك، لكن دانيال تميَّز عن زملائه بروح النبوة إذوهبه الله فهمًا للرؤى والأحلام، للكشف عن إرادة الله وخطته. لقد حرَّم الله استخدامالسحر بدعوى معرفة المستقبل (تث 18: 10)، لكنه لا يبخل عن كشف بعض الجوانب منالمستقبل لأنبيائه لبنيان شعبه ومجد اسمه القدوس.
    6. تفوقهم على كلالمجوس :
    "وعند نهاية الأيام التي قال الملك أن يُدخلوهم بعدها أتىبهم رئيس الخصيان إلى أمام نبوخذنصر.وكلمهم الملك فلم يوجد بينهم كلهم مثل دانيالوحننيا وميشائيل وعزريا.فوقفوا أمام الملك.وفي كل أمر حكمة فهم الذي سألهم عنهالملك وجدهم عشرة أضعاف فوق كل المجوس والسحرة الذين في كل مملكته" [18-20].
    ماكان يمكن للملك أن يختبر هؤلاء الشبان لو لم يكن هو نفسه حكيمًا وذا معرفة وثقافةعالية. لقد سُرَّ الملك بهم لأنه لم يحضرهم إلى القصر للتسلية بقصصٍ وأحاديث باطلةأو مداعبات لطيفة، إنما لمعاونته بروح الحكمة والجدية.
    لقدتمجد الله في عبيده المسبيِّين، فقد فاقوا كل زملائهم الكلدانيين الذين كانوايفتخرون أنهم أصحاب حكمة بالميلاد حاسبين غيرهم برابرة جهلاء. الآن يعترف ملكهم أنحكمتهم كلا شيء أمام فيض نعمة الله.
    "وكاندانيال إلى السنة الأولى لكورش الملك" [21].
    لايعني هذا أن دانيال لم يبقَ سوى إلى السنة الأولى لكورش الملك، إنما أراد هناتأكيد معاصرة دانيال لمدة السبيّ حتى نهايتها، إذ في هذه السنة رجع اليهود إلىأورشليم.

    الأصحاحالثانىرؤيا التمثال


    يصعبعلينا جدًا أن نعبِّر عن مشاعر الشاب دانيال ورفقائه الثلاثة. حقًا لقد تمجَّدالله فيهم، وأعطاهم نعمة في عينيْ الملك، فحسبهم أكثر حكمة من كل حكماءالكلدانيِّين. نالوا نعمة في أعين الكثيرين، وصارت لهم كرامات، وبين أيديهم كلالإمكانيَّات، لكنهم كانوا في القصر أشبه بعصافير حُبست في قفصٍ ذهبيٍّ مرصَّعباللآلئ. فإن الحرية بالنسبة لهم كما لشعبهم أفضل من كل ما بين أيديهم.
    أرادالله أن يؤكد لدانيال أن ما حلَّ به ليس على سبيل الصدفة، فإن العالم كلُّه فيقبضة يده؛ لا يفلت من يده شيء، من إقامة ممالك وإزالتها، حتى أحلام الإنسان بينيدي الله، لهذا سمح الله أن يرى نبوخذنصَّر حلمًا يرعبه، وتعجز كل البشرية عنمعرفة الحلم وتفسيره، إنما يعلنه الله لدانيال ويكشف له عن تفسيره الذي يتلخص فيعبارة واحدة، وهى "الله ضابط التاريخ والمهتم بخلاص العالم".
    هذاوقد أراد الله أن يكشف ما تميَّز به دانيال بروح النبوة، موضحًا أثر نعمة اللهالعاملة فيه.
    1.تاريخالحلم [1].
    2.الحلم المنسي [2-12].
    3.الأمر بقتل الحكماء [13].
    4.تصرف دانيال [14-18].
    5.كشفالسرّ [19-24].
    6.لقاء مع الملك [25-30].
    7.التمثال المعدني [31-33].
    8.الحجر العجيب [34-36].
    9.تفسيرالحلم [37-45].
    10.دانيال الممجد [46-48].
    11.رفقاء دانيال [4].
    1.تاريخ الحلم :
    "في السنة الثانية من مُلكنبوخذنصَّر حَلَمَ نبوخذنصَّر أحلامًا فانزعجت روحه وطار عنه نومه" [1].
    ربمايتساءل البعض كيف كان الحلم في السنة الثانية لحكم نبوخذنصَّر وقام دانيال بتفسيرهبينما كان هو والثلاثة فتية لازالوا طلبة تحت التمرين، لم يقفوا أمام الملك إلاَّفي نهاية الأيام (1: 18)، أي بعد ثلاث سنوات (1:5)؟
    أ.عبارة "ثلاث سنين" قد تُشير هنا إلى جزء من السنة الأولى والسنةالثانية وجزء من السنة الثالثة (قارن 2 مل 18: 9-10؛ إر 34: 14؛ مر 8: 31)،بحيث تشمل سنة التدريب الأولى جزءً من سنة ارتقاء نبوخذنصَّر إلى العرش، والسنةالثالثة جزءً من سنة ملكه الثاني بالحساب البابلي[1].
    ب.يرى البعض أن السنة الثانية هنا تعني بعد خراب أورشليم والهيكل وتحطيم المجتمعاليهودي عام 588 أو 587 ق.م.
    ج.الرأي الأرجح والأكثر قبولاً أن ما ورد في الأصحاح الأول كان في أيام نبوخذنصَّرحين كان مساعدًا لوالده نبوبلاسر في الحكم، أما هنا فيقصد السنة الثانية من الحكمعندما تسلمه منفردًا[2]. نبوخذنصَّر صارملكًا شريكًا مع والده كعادة الكثير من الملوك في ذلك الحين. حينئذ حاصر أورشليمكملك شريك وقائد للجيش، ثم اضطر إلى ترك الحصار والدخول مع فرعون في معركة كركميشلتمرُّده عليه... وكان والده لا يزال حيًا. وإذ عاد وحاصر أورشليم عام 606 أو 605ق.م. حيث تم الترحيل الأول، مات والده وانفرد بالحكم. بهذا يتفق النص مع ما ذكرهالتاريخ. بمعنى آخر كان دانيال ورفقاؤه يتدربون على حكمة الكلدانيِّين في أواخرأيام نبوخذنصَّر كشريكٍ مع والده، ثم وقف أمامه في السنة الثانية من حكمه المنفردوبعد انقضاء مدة التدريب.
    لماذالم يذكر نبوخذنصَّر الحلم للحكماء؟ يجيب القدِّيس جيروم على هذا التساؤل، قائلاً: [لقدبقي الحلم في قلب الملك أشبه بظل، أقول، مجرَّد صدى أو آثار للحلم، حتى إذا أعادآخرون الحلم أمامه يقدر أن يستعيد ما قد رآه، وبالتالي بالتأكيد لن يخدعوهبالأكاذيب. ربما مما ضاعف ارتباكه هو نسيانه للحلم، فشعر بالحاجة إلى من يذكِّرهبه. الله الذي أعطاه الرسالة بالحلم جعله ينساه ليزيد من ارتباكه، مع أنه عادةيتجاهل الناس الأحلام التي ينسونها.
    ربماكان نبوخذنصَّر يفكر في مستقبل العالم ويطلب إرشادًا من الآلهة، لذا كشف له الربعن أزمنة الأمم (لو 21: 24). فرأى أن حكمه ينهار ليعقبه إمبراطوريات تظهر وتختفيحتى يملك الرب أبديًا. أدرك الملك وهو يحلم أنه يرى أمورًا غير عادية، وأن هناكرسالة من العالم الآخر موجهة إليه، لا يعلم ما هي. لذا إذ استيقظ نسي تفاصيلالحلم، كل ما يعرفه أنه حلم غريب مُقدم له من السماء، لذا طلب من يذكره بما رآهويكشف له سره.
    اللهالذي قدم للملك الحلم، هو بنفسه نزع ذكرى تفاصيله من ذهن الملك حتى يرتبك جدًاويلجأ إلى الحكماء والعرافين. هذا حدث فيما بعد مع الملك أحشويرش حيث أُصيب بأرقٍولم يستطع أن ينام، فأخذ يتصفح سجلات القصر ليبدأ الله معه بالعمل لخلاص شعبه منهامان الشرير (إس 6: 1).
    2.الحلم المنسي :
    هذهالأحلام وأمثالها هي أمثلة لعمل الله القدير في الخفاء لصالح مؤمنيه.
    يميِّزالعلامة ترتليان في مقاله "عن النفس"،بين الأحلام بناءً على مصادرها الثلاثة:
    أ.أحلام من الشيطان، تبدو أحيانًا صادقة ونافعة، لكنها مخادعة.
    ب.أحلام من الله، كما حدث مع نبوخذنصَّر الوثني، وذلك من قبل رحمته بكل البشريَّة.
    ج.أحلام تتم كعمل طبيعي في حياة الإنسان اليومية، غالبًا ما تكون كرد فعلٍ لسلوكه،ففي المساء حيث يكون الرقيب الداخلي للنفس خاملاً تتراءى أحداث اليوم بما تحمله مناشتياقات ومخاوف ومن أفراح وأحزان في شكل أحلام. لذا يُقال الجائع غالبًا ما يحلمبالخبز، والعطشان بينابيع مياه.
    "فأمر الملك بأن يُستدعى المجوسوالسحرةُ والعرَّافون والكلدانيُّون لُيخبروا الملك بأحلامهِ،فأتوا ووقفوا أمامالملك" [2].
    يُستخدمتعبير "الكلدانيِّين" ليعني البابليِّين بصفة عامة، لكنه فيما بعداُستخدم في معنى ضيِّق ليعني طبقة الحكماء وحدهم.
    يظنبعض النُقاد المتحررين أن كلمة "كلدانيِّين" في عصر دانيال كانت تعنيشعب كلديا Chaldea وليسفئة معينة منهم. لكن يقول A.W. Criswell أن الاكتشافات الأثريَّة دلت على صحة ما سجله دانيال النبي، فأنهاكانت في عصره تعني فئة كهنوتية تخدم الإله بل Bel أو بعل وكانوا يشكلون صفوة المجتمع.
    واضحمن هذه العبارة أن الملك شعر بأن الحلم يحمل رسالةإلهية سماوية، فقد سبقوحلم كثيرًا ولم يهتم، لكنه في هذه المرة استدعى كل المجوس والسحرة والعرَّافينوالكلدانيِّين فقد حلَّ الرعب به، وافقده قدرته على النوم، فشعر بأن السماء تعلنله سرًّا خطيرًا.
    فيالبداية، فرح السحرة والعرَّافون بدعوة الملك، إذ ظنُّوا أنه يطلب مشورتهم في أمرٍما، أو يروي لهم حلمًا فيفسرونه له، وبهذا ينالون هدايا وهبات من عنده. لم يخبروادانيال وأصدقاءه بدعوة الملك لهم وذلك بدافع الطمع والحسد. أثار اليهود التساؤل:لماذا لم يدخل دانيال وأصدقاؤه إلى الملك؟ يقدم القدِّيس جيروم إجابةاليهود على التساؤل: [عندما وعد الملك بهباتٍ وعطايا وكرامة عظيمة لم يهتموا أنيقفوا أمامه لكي يظهروا بلا عيب، فلا يطلبون غنى الكلدانيِّين وكرامتهم. أو كانالكلدانيُّون أنفسهم دون شك يحسدون اليهود على سمعتهم وعلمهم فدخلوا وحدهم أمامالملك لكي ينالوا المكافآت لأنفسهم. بعد ذلك طلبوا بجدية أن يكون معهم هؤلاء الذينجحدوا أي رجاء في المجد ليساهموا في حلَّ كارثة عامة
    ولعلعدم استدعاء دانيال ورفقائه مع المجوس كان بناء على طلب الملك الذي وإن كان قداختبر حكمتهم فوجدهم عشرة أضعاف فوق كل المجوس والسحرة الذين في مملكته (1: 20)؛لكنه لم يكن بعد قد وثق في أمانتهم وإخلاصهم له ولمملكته، فلم يرد أن يسألهم فيأمر يشعر أنه يمس كيان المملكة.
    سواءكان المجوس هم السبب أو الملك فإن الله سمح بذلك لكي لا يدخلوا مع جملة السحرةوالعرَّافين... كان يجب تمييزهم عنهم لأنهم يعملون بروح الرب لا بالسحر والعرافة.على أي الأحوال، قدم عزلهم عنهم الفرصة ليتمجد الله فيهم وبهم.
    "فقال لهم الملك قد حلمت حلمًا،وانزعجت روحي لمعرفة الحلم.فكلَّم الكلدانيُّون الملك بالآراميَّة:عش أيها الملكإلى الأبد.أخبر عبيدك بالحلم فنبَيِّن تعبيرهُ." [3-4].
    اعترفالملك بجهله لمعرفة تفسير الحلم، وضعفه أمام رسالة هذا الحلم.
    إذقالوا له: "عش أيها الملك إلى الأبد"، لم يكن ذلك مجرَّد تحيةبسيطة، لكنهم رأوا علامات القلق تملأ وجهه، فسألوه أن يكون متهللاً بروح طيبة وأنينزع كل قلقٍ من روحه، فأنهم قادرون على تفسير الحلم في يقينٍ شديدٍ.
    "فأجاب الملك وقال للكلدانيِّين:قدخرج منيّ القول إن لم تنبئُوني بالحلم وبتعبيره تصيرون إربًا إربًا وتُجعل بيوتكممزبلة" [5].
    معأنهم تحدثوا معه في اعتزاز كمن كانوا واثقين أنهم يستجيبون لطلبته، فوجئوا أنهيطلب منهم ما ليس في استطاعتهم، وفوق حدود فنونهم وعلمهم، إن كان بالحقيقة لهممعرفة أو علم.
    لقدكان هؤلاء الحكماء والسحرة أنصاف آلهة في أعين رجال الدولة والشعب. الآن صاروا فيموقفٍ مهين للغاية، كثمرة طبيعية للتشامخ والعجرفة، حيث نسبوا لأنفسهم ما ليس لهم.
    هذاالتهديد الخطير كشف عن عنف الملك ووحشيته، كما أعطى الفرصة لانتشار الخبر علىمستوى واسع، فتمجد الله بالأكثر خلال عمله بواسطة دانيال النبي.
    "وإن بيَّنتُم الحلم وتعبيره تنالونمن قبلي هدايا وحلاوين وإكرامًا عظيمًا، فبيِّنوا ليّ الحلم وتعبيره" [6].
    إذكان الملك يعرف أنهم طمَّاعون ومحبون للمجد الباطل وعدهم بهدايا جزيلة ومكافآت معكرامة.
    "فأجابوا ثانية وقالوا: ليُخبرالملك عبيده بالحلم فنُبيِّن تعبيره.أجاب الملك وقال: إنِّي أعلم يقينًا أنكمتكتسبون وقتًا إذ رأيتم أن القول قد خرج منيِّ.بأنه إن لم تُنبئوني بالحلم فقضاؤكمواحد.لأنَّكم قد اِتَّفقتم على كلام كذبٍ وفاسدٍ لتتكلموا به قُدَّامي إلى أنيتحول الوقت.فأخبروني بالحلم فأعلم أنكم تُبيِّنُون ليّ تعبيره." [7-9].
    أصرّالمجوس على إخبارهم بالحلم، وفي عجرفة أكدوا إمكانيتهم في تفسيره. أضاف الملك إلىالمجوس جريمة جديدة وهي جريمة الخداع أو الاتفاق على كلام كذبٍ وفاسد. فأنهم إذعرفوا أنه نسي الحلم وتأكدوا من ذلك طلبوا منه أن يقصه لهم. لقد تأكد أنهم يكسبونالوقت لعلَّه يهدأ من ثورته ويعفو عنهم. خلال الحوار بين الملك والكلدانيِّين يظهرأنه كان يشك في أمرهم، أنهم يقدمون كلمات معسولة لكنهم غير صادقين في المعرفة. لقدحاولوا كسب الوقت حتى يهدأ من موجة غضبه فيغيِّر رأيه في أمر قتلهم. وقد جاءت كلمة"تكتسبون" بمعنى "تشترون"، أي يشترون الوقتالذي فيه ثورة وغضب حتى يعبر وينتهي.
    أدركالكلدانيُّون أن أمور المستقبل لا يعلنها إلاَّ الله. نشكر الله على محبته إذجاءنا كلمة الله يخبرنا بكل شيء، وكما قالت المرأة السامرية: "أنا أعلم أنمسيَّا الذي يُقال له المسيح يأتي، فمتى جاء ذاك يُخبرنا بكل شيء" (يو 4:25).
    "أجاب الكلدانيُّون قُدام الملكوقالوا:ليس على الأرض إنسان يستطيع أن يُبيِّن أمر الملك.لذلك ليس ملكُ عظيم ذوسُلطان سأل أمرًا مثل هذا من مجوسي أو ساحر أو كلداني" [10].
    قدمواعذرًا عادلاً للملك، وهو أن ما يطلبه ليس في استطاعة إنسان على الأرض، ولم يذكرالتاريخ مثلاً واحدًا لصاحب سلطان أن سأل أمرًا كهذا أن يخبره أحد بما رآه فيحلمه. هكذا قدم الكل شهادة جماعية أنه إن أخبره أحد بالحلم، هذا لن يكون بعملٍبشري، إنما هو عطية إلهية من السماء، لأن الله وحده يعرف أحلام الناس وأفكارهمالخفية. قدموا هذا شهادة لإله دانيال قبل أن ينطق دانيال بكلمة.
    "والأمر الذي يطلبه الملك عَسر وليسآخر يُبيِّنه قُدام الملك غير الآلهة الذين ليست سكُناهم مع البشر" [11].
    يظنالبعض أنهم يقصدون هنا الملائكة بكونهم وحدهم قادرين على تقديم هذا الحلم الغريبالذي جاء كإعلانٍ إلهيٍّ ومُحيّ من ذهن الملك لغرض إلهي، دون أن يزول الاضطراب منروحه. ويرى بعض الدارسين أنه يقصد الآلهة، إذ كان الكلدانيُّون يتعبدون لجمهور منالآلهة مع وجود إله أسمى وهو الحاكم وحده.
    "لأجل هذا غضب الملك واغتاظ جدًاوأمر بإبادة كل حكماء بابل" [12].
    لميسترح الملك لإجابة المجوس بل اشتعل بالأكثر غضبه وتحول تهديده إلى أمر ملكي صدربقتل كل حكماء بابل.
    3.الأمر بقتل الحكماء :
    "فخرجالأمر وكان الحكماء يُقتلُون،فطلبوا دانيال وأصحابه ليقتُلُوهم" [13].
    لميُطلب دانيال وأصدقاؤه حينما اُستدعى الحكماء بواسطة الملك للكشف عن الحلموتفسيره، لكن حين صدر الأمر بقتل الحكماء طُلبوا ليُقتلوا معهم، ومع هذا لم يحملواضغينة أو كراهية لهم، بل قام دانيال بإنقاذهم دون كلمة عتابٍ واحدة.
    4.تصرف دانيال :
    "حينئذ أجاب دانيال بحكمة وعقللأريوخ رئيس شُرط الملك الذي خرج ليقتل حكماء بابل.أجاب وقال لأريوخ قائد الملك:لماذا اشتد الأمر من قبل الملك؟حينئذ أخبر أريوخ دانيال بالأمر" [14-15].
    واضحمن النص أن بعض الحكماء قُتلوا قبل طلب دانيال وزملائه للقتل. وكان لهذا القتل معنشر المرسوم الملكي أثره على كل الأوساط في الدولة.
    إذطُلب دانيال لقتله، التقى برئيس شرط الملك وليس بالملك نفسه، لأنه كان تحت حكمالموت بناء على المنشور الصادر دون أي استثناء، فاحتاج إلى تدخل وسيط بينهما يوضحللملك أن الأمر شمل دانيال، بينما لم يُستدع مع المجوس للكشف عن الحلم. فإن الأمربقتله يحمل ظلمًا مع تسرع. هذا واضح من كلمات اللوم بلطفٍ واتزانٍ الموجهه مندانيال إلى الملك: "لماذا اشتد الأمر من قبل الملك؟!"
    واضحمن حديث دانيال مع رئيس الشرط أن دانيال يطلب ما لصالح الملك أكثر منه دفاعًا عن حياتهالزمنية. فالحكم المفاجئ بموته ظلمًا لم يفقده حكمته واتزانه ولم يزعج روحه. أزعجالحلم روح الملك، بينما صدور أمر بالقتل لم يربك عقل دانيال، لا لشيء إلاَّ لأنحياة دانيال وفكره وقلبه هي تحت قيادة روح الله. هذا ما يظهر بأكثر وضوح بطلبهمهلة من الملك للتمتع بإعلان إلهي. يطلب بثقة ويقين أن نعمة الله تسنده وتقدِّم لهاحتياجاته. لقد عرف أن هذا الطلب له خطورته فأنه إن عاد اليوم التالي بلا إجابةتكون عقوبته مضاعفة، حيث يُسرع الملك بقتله ربما بطريقة أكثر عنفٍ وعارٍ، كمايُشهَّر بأمره علانية.
    "فدخل دانيال وطلب من الملك أنيعطيه وقتًا فيُبيِّنُ للملك التعبير.حينئذ مضى دانيال إلى بيته وأَعلم حننياوميشائيل وعزريا أصحابه بالأمر ليطلبوا المراحم من ِقبَل إله السموات من جهة هذاالسرَّ لكي لا يهلك دانيال وأصحابه مع سائر حُكماء بابل" [15-18].
    طلبالكلدانيُّون معرفة الحلم لكي يفسروه، أما ما طلبه دانيال فهو مهلة زمنية قصيرةليقف أمام كاشف الأسرار ويهبه السرَّ.
    بالقول:"مضى دانيال إلى بيته" إشارة أن الملك أعطاه مهلة زمنية لكييُعدّ نفسه للِّقاء معه، ربما لمدة يومٍ واحدٍ. بلاشك كان الملك يود الرد السريعلمعرفة حلمه ونزع اضطراب روحه، لكن دانيال غالبًا طلب هذا اليوم ليتمتع بإعلانإلهي يكشف له عن الحلم وتفسيره، فأمهله الملك.
    إذأُعطيت له المهلة الزمنية من قِبل الملك لم يلجأ إلى المكتبة ليقرأ، ولا إلىأصدقائه لطلب مشورة، إنما ذهب إليهم لمساندته بالصلوات. لقد كان دانيال ملاصقًالله لكنه كان يشعر بالحاجة إلى صلوات وشفاعات أصدقائه لدى الله؛ هكذا كان يطلبالرسول بولس من الشعب أن يصلوا لأجله لكي يعطيه الرب حكمة عند افتتاح فمه. هكذادخلت التجربة به وبأصدقائه إلى صلوات أعمق وشركة مع الله.
    v طلب دانيال وقتًا لا ليبحث في السرائربمهارة قدرته العقلية، وإنما لكي يطلب رب السرائر. لهذا السبب طلب من حنانياوميشائيل وعزريا أن يشتركوا معه في الطلب، ليتحاشى مظاهر الظهور بأنه وحده يستحقذلك، هذا وإذ كانوا مشتركين في الخطر العام يشتركون في صلاة عامة
    5.كشف السرّ :
    سمحالله لدانيال بالضيقة ليدخل إلى بيته ويلتقي بإله السموات، فيرفع قلبه وفكره إلىالسماء، ويكتشف أسرارًا أعمق، ويتمتع بمعرفة تملأ كيانه عذوبة تبتلع كل ضيقٍ. ماأحوجنا أن ندخل كل يوم إلى بيتنا، أورشليمنا الداخليَّة، لنلتقي بذاك الذي يحملنامن هموم هذه الحياة ويدخل بنا إلى عربون الأبدية.
    "حينئذ لدانيال كُشف السر في رُؤياالليل.فبارك دانيال إله السموات. [19].
    إذطلب دانيال ورفقاؤه من الرب بغير ارتياب قدم الله لهم سؤل قلبهم، وكما يقول يعقوبالرسول: "ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة، لأن المرتاب يشبه موجًا من البحرتخبطه الريح وتدفعه، فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئًا من عند الرب" (يع 1:6-7). الله قريب من الذين يصرخون إليه بالحق وفي إخلاص مع إيمان.
    "أجاب دانيال وقال:ليكن اسم اللهمباركًا من الأزل وإلى الأبد،لأن له الحكمة والجبروت.
    إذكشف الله لدانيال عن السرّ لم يفكر في لقائه مع الملك، ولا انشغل بما ناله، بل قدمتسبحة جديدة للرب، ناسبًا لله الحكمة التي نالها والقوة التي تمتع بها. أنه يمجدالله ضابط التاريخ بيده، والذي لا يُخفى عنه شيء، وهما أمران لا ينفصلان عندمايُعلن جلال الله.
    وهو يغير الأوقات والأزمنة. يعزلُ ملوكًاويُنصِّب ملوكًا.يعطي الحكماء حكمة ويُعلم العارفين فهمًا" [20-21].
    كثيرونيعترفون بوجود الله وقدرته وحكمته لكنهم يحسبونه معزولاً عن حياة البشريَّة بوجهعام، وعن حياتهم بوجه خاص؛ أما دانيال فيسبح الله العامل في حياة الكل، برحمتهالعلوية. إن وُجد أُناس أقوياء في العمل وحكماء، فإن الله وحده هو مصدر القوةوالحكمة، لا يحرمنا منهما. مسيحنا هو حكمة الله كقول الرسول: "لله الحكيموحده بيسوع المسيح" (رو 16: 27)، نقتنيه فنقتني الحكمة.
    الإنسانالمُعاصر مع كل صباح يتوقع تغييرات مستمرة على المستوى العالمي، يقرأ الصحف بشغفمترقبًا ماذا يحدث من جديد. أما أولاد الله فيرتفع قلبهم مع كل صباح ليرواويُدركوا خطة الله نحو خلاص العالم، هذا الذي في يده كل دقائق الأحداث على كلالمستويات: العالمية والمحلية والكنسية والشخصية. مع كل صباح يُسبح الله علىعنايته الفائقة المُشرقة دومًا بالعمل المُستمر. يرى المؤمن حركة دائمة في السماءكما في الطبيعة وفي حياة البشرية وفي حياته الخاصة. كلها تُسبح الله الحكيموالقدير وحده. أما قوله "يُعطي الحكماء حكمة"، فتعني أن الله وهبالإنسان حكمة طبيعية، وهي هبة إلهية. فإن كان أمينًا في هذه الحكمة الطبيعيةناسبًا إياها لله وذلك بروح الاتضاع، يُقدم له حكمة سماوية أعظم، وهكذا بالنسبةللمعرفة، فإن كنا أمناء في القليل يُقدم لنا الكثير؛ لأن من له يُعطى فيزداد.
    "هو يكشف العمائق والأسرار.يعَلَمما هو في الظلمة وعنده يسكن النور" [22].
    يتحدَّثهنا بصفة خاصة عن نعمة النبوة حيث يُحسب الله أنبياءه مفسري أسراره لبني البشر.هذه نعمة تُعطى لبعض الأخصاء الأمناء، حسب ما فيه بنيان الجماعة وإعلان مجد الله.
    إذيسكن الله في النور يدخل برجاله إلى النور، محطمًا مملكة إبليس، أي الظلمة. شتانما بين السحرة أبناء الظلمة ودانيال ابن النور!
    يميِّزالقدِّيس أغسطينوس بين التمتع باكتشاف الرؤيا بالروح وبين فهمالرؤيا بالذهن. فكما نعبد الله بالروح والذهن (1 كو 14: 15)، هكذا أدركدانيال النبي الرؤيا الإلهيَّة بروحه واكتشف فهمها بذهنه.
    v أعظم الأنبياء هو من يُمنح العطيَّتين،أعني الرؤيا بالروح للتشبيهات الرمزية بأمورٍ ماديَّة، وفهم هذه الأموربقوة الذهن الحيوية.
    هكذاكان دانيال الذي أُختبر سمو مركزه وتأسس ليس فقط عندما أخبر الملك عن الحلم الذيرآه بل وشرح معناه (دا 2: 27؛ 4: 16-24). لقد ظهرت له الصور المادية نفسها (الحلم)بالروح، واُعلن له عن فهمها بذهنه. إننيِّ استخدم هنا كلمة "الروح" بنفسالمعنى الذي يستخدمه بولس عندما يميِّز بين الروح والذهن.
    "فمن أجل ذلك دخل دانيال إلى أريوخالذي عينه الملك لإبادة حكماء بابل.مضى وقال له هكذا:لا تَبِد حكماء بابل.أدخلنيإلي قُدام الملك، فأُبيِّن للملك التعبير" [24].
    [font:deb9=&qu

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 25 نوفمبر 2024 - 23:53