دماء الشهداء هانت على مبارك.. فهانت عليه نفسه!
العرب
القطرية
GMT
4:27:00 2011 الإثنين 7 فبراير
شريف
عبدالغني
«لو عفريت كان
زمانه انصرف».. عبارة تضمنتها إحدى اللوحات التي يرفعها المتظاهرون في ميدان
التحرير بالقاهرة، في إشارة إلى تمسك الرئيس حسني مبارك بتلابيب السلطة، ورفضه
الاستجابة لحشود الشعب التي تطالبه بالرحيل. هذه العبارة رغم قسوتها وسخريتها لكنها
أهون من عبارات أخرى ضد رأس السلطة المصرية القابض على كرسي الحكم كالقابض على
الجمر، غير آبه بدماء شباب كالزغب البريء يرابط في الميدان ومصممون على إسقاطه،
وتشاركهم الرغبة نفسها عامة الناس.
لقد هانت دماء الشهداء على الرئيس فهانت عليه
نفسه، ليتلقى تاريخه الإهانة تلو الأخرى.
لقد ذكرت في رسالتي التي وجهتها إلى
مبارك في هذه المساحة بـ «العرب» الجمعة 4 فبراير، أن التاريخ العسكري له ومكانته
التي ستظل محفوظة في التاريخ المصري باعتباره أحد قادة حرب أكتوبر، توجب عليه أن
يتخذ «القرار الصعب» حقنا لدماء المصريين، وترك المنصب الذي احتكره لنفسه وعمل طوال
السنوات الماضية على إعداد العرش لنجله، لكنه كالعادة لا يستمع لمثل هذه الرسائل،
ويصر على إهانة مكانته ومقامه.. مع كل مظاهرة مليونية، يخرج ليلا ليستجيب جزئيا
لمطالبها، رغم أنها نفس المطالب التي ترفعها القوى السياسية طوال 30 عاما، لكنه كان
عند عناده الشهير ويرفض مناقشتها أصلا، بل ويسخر منها. حينما قال له المفكر الراحل
الدكتور محمد السيد سعيد أثناء لقاء مع المثقفين، أنه -مبارك- سيدخل التاريخ لو سار
في طريق الإصلاح السياسي وقام بتعديل الدستور بما يضمن تداول السلطة، رد عليه: «ولا
تاريخ ولا جغرافيا»، ومن يومها تم تهميش هذا المفكر -وهو أحد خيرة من أنجبتهم مصر-
وتركته الدولة يعاني في شموخ سكرات الموت دون أن تتكفل بمصاريف علاجه مثلما تفعل مع
«هوامش» السياسيين والفنانين. ولما سأله منافقوه قبل أسابيع خلال افتتاحه جلسة مجلس
الشعب الجديد -الذي شهد فضيحة تزوير غير مسبوقة حتى في تاريخ أعتى الديكتاتوريات-
بأن المعارضين شكلوا برلمانا موازيا، فإنه ضحك ساخرا وتفوه بقولته الشهيرة:
«خلـّيهم يتسلـوا»، لتنطلق الضحكات البلهاء من النواب الناجحين بالبلطجة.
نفس
هؤلاء النواب هم الذين دقوا المسمار الأخير في نعش مبارك، حينما نظموا يوم الأربعاء
«الدامي» مظاهرات شكلية من أقاربهم ومعارفهم لتأييد رئيسهم وطعموها بأرزقية وبلطجية
الانتخابات وبعض رجال الشرطة الذين يستعينون بهم في ترهيب الناخبين وتقفيل اللجان،
وذهب فيلق الجهل ممتطين الخيول والجمال ومسلحين بأسلحة نارية وسيوف للهجوم على
المتظاهرين الأبرياء و «تحرير» ميدان التحرير منهم، ليقتلوا 10 ويصيبوا مئات «ضافر»
أصغر واحد فيهم أنقى من ألف ممن حركوهم. وهي الجريمة التي اعتذر عنها رئيس الوزراء
وتعهد بمحاسبة المتسببين فيها، بما يعد اعترافا بمسؤولية الحزب الحاكم
عنها.
هؤلاء النواب المزورون قللوا قيمة الرئيس وجعلوها تساوى 20 جنيها ونصف
دجاجة لمن يشارك في مظاهرات تأييده، لتقل تسعيرته عند أرزقية الانتخابات عن أتفه
نائب.
أثبت رجال الثورة العظماء، أنهم أكثر خبرة وفهماً من دعاة التهدئة ممن
يسمون أنفسهم حكماء الأمة، والذين طالب بعضهم الشباب بالعودة إلى منازلهم بعد قول
الرئيس إنه لا ينوي ترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة المقبلة، فضلا عن أن تعيين نائب
له يعنى عمليا القضاء على سيناريو توريث السلطة، معتبرين أن دعوته البرلمان لمناقشة
تعديل المادة 76 الخاصة بالترشح للرئاسة والتي سبق وفصـّلها ترزية القوانين على
مقاس الرئيس ونجله فقط، والمادة 77 المتعلقة بفترات الرئاسة المفتوحة، هي انتصار
آخر يجب الحفاظ عليه. لكن ألم يسأل هؤلاء الحكماء أنفسهم: هل مجلس الشعب المزور
وكبار الحزب الحاكم وعلى رأسهم فتحي سرور رئيس المجلس وحامي حمى نظام الحكم، ومعه
مفيد شهاب أكبر ترزية القوانين الذي قال لنواب البرلمان في أولى جلساته بعدما لاحظ
زعلهم من الاتهامات الموجهة إليهم بالتزوير: «لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون»،
وزكريا عزمي الذي لم يجد معارضة في المجلس فراح يلعب دور المعارض حفظا لماء وجه
حزبه المتسلط.. هل هؤلاء وغيرهم نزل عليهم الإلهام الديمقراطي فجأة وسيعدلون
الدستور ويجعلون تداول السلطة سهلاً سهولة سيطرتهم على مقدرات الدولة.
لقد غاب
منافقو الرئيس منذ بدء الثورة، لكنهم خرجوا من جحورهم مثل الفئران بمجرد أن لمحوا
تعاطف البعض مع استعطاف الرئيس للشعب بتركه يحكم 5 أشهر فقط، وبدأوا يظهرون في
وسائل الإعلام مشيدين بـ «الخطوات الديمقراطية العظيمة لسيادة الرئيس وإرسائه تداول
السلطة بعد تعديل الدستور»، وبأنه سيكافح الفقر والبطالة وكأنه سينجز خلال 3 أشهر
ما عجز عن إنجازه في 30 سنة، وخرجت نفس الوجوه الكريهة المرفوضة شعبيا في الصحف
الحكومية تنشر المانشيتات الضخمة بأن الشعب خرج مبايعا مبارك، وأن الأمن والأمان
مرتبط به، واصفين هجوم بلطجية الحزب الحاكم على المتظاهرين العزّل بـ «التشابك
البسيط»، قبل أن ينشروا في اليوم الثاني دون حمرة خجل اعتذار رئيس الوزراء عن هذه
«الكارثة والمهزلة» حسب تعبيره.
أدرك أبطال الثورة ما لم يدركه الحكماء، بأننا
أمام مناورة مكشوفة لإطالة أمد المعركة لأقصى فترة ممكنة، ليس لتحقيق انتقال سلس
للسلطة، وإنما لتدبير الملاذات الآمنة والمخارج للصوص والنهابين والقتلة، ممن
يسابقون الزمن للهروب بجلودهم وتهريب ثرواتهم التي صنعوها على جثة الوطن، وأولهم
عائلة مبارك التي تقدر ثروتها -بحسب وسائل إعلام عالمية- بنحو 70 مليار
دولار!!
مبارك يجب أن يرحل حرصا على استقرار 85 مليونا ذاقت الأغلبية الكاسحة
منهم الأمرّين على يديه طوال 3 عقود. لا أمل في الرئيس أبدا.. فقد قدرته على
المسؤولية حينما فشل في الحفاظ على الأمن، فقد شرعيته بالجموع الشعبية الرافضة
لبقائه، فقد هيبة مقام الرئاسة حرصا على كرسي الحكم. لكنه لم يتعلم الدرس، وفي عز
الأزمة وفي ظل مطالبات دول العالم الكبرى له بالتنحي، فإنه يستخدم نفس لغته التي
عفا عليها الزمن وهدم تماما محاولات نائبه ورئيس وزرائه إصلاح أخطائه، بعدما خرج
يعلن أن «الإخوان المسلمين» هم سبب الأحداث الدامية في ميدان التحرير ومقتل وإصابة
آلاف المتظاهرين.. إنه والعرش يتهاوى من تحت قدميه يلعب نفس اللعبة باستخدام
«الإخوان» فزاعة للغرب.. لكن الدرس انتهى!!
العرب
القطرية
GMT
4:27:00 2011 الإثنين 7 فبراير
شريف
عبدالغني
«لو عفريت كان
زمانه انصرف».. عبارة تضمنتها إحدى اللوحات التي يرفعها المتظاهرون في ميدان
التحرير بالقاهرة، في إشارة إلى تمسك الرئيس حسني مبارك بتلابيب السلطة، ورفضه
الاستجابة لحشود الشعب التي تطالبه بالرحيل. هذه العبارة رغم قسوتها وسخريتها لكنها
أهون من عبارات أخرى ضد رأس السلطة المصرية القابض على كرسي الحكم كالقابض على
الجمر، غير آبه بدماء شباب كالزغب البريء يرابط في الميدان ومصممون على إسقاطه،
وتشاركهم الرغبة نفسها عامة الناس.
لقد هانت دماء الشهداء على الرئيس فهانت عليه
نفسه، ليتلقى تاريخه الإهانة تلو الأخرى.
لقد ذكرت في رسالتي التي وجهتها إلى
مبارك في هذه المساحة بـ «العرب» الجمعة 4 فبراير، أن التاريخ العسكري له ومكانته
التي ستظل محفوظة في التاريخ المصري باعتباره أحد قادة حرب أكتوبر، توجب عليه أن
يتخذ «القرار الصعب» حقنا لدماء المصريين، وترك المنصب الذي احتكره لنفسه وعمل طوال
السنوات الماضية على إعداد العرش لنجله، لكنه كالعادة لا يستمع لمثل هذه الرسائل،
ويصر على إهانة مكانته ومقامه.. مع كل مظاهرة مليونية، يخرج ليلا ليستجيب جزئيا
لمطالبها، رغم أنها نفس المطالب التي ترفعها القوى السياسية طوال 30 عاما، لكنه كان
عند عناده الشهير ويرفض مناقشتها أصلا، بل ويسخر منها. حينما قال له المفكر الراحل
الدكتور محمد السيد سعيد أثناء لقاء مع المثقفين، أنه -مبارك- سيدخل التاريخ لو سار
في طريق الإصلاح السياسي وقام بتعديل الدستور بما يضمن تداول السلطة، رد عليه: «ولا
تاريخ ولا جغرافيا»، ومن يومها تم تهميش هذا المفكر -وهو أحد خيرة من أنجبتهم مصر-
وتركته الدولة يعاني في شموخ سكرات الموت دون أن تتكفل بمصاريف علاجه مثلما تفعل مع
«هوامش» السياسيين والفنانين. ولما سأله منافقوه قبل أسابيع خلال افتتاحه جلسة مجلس
الشعب الجديد -الذي شهد فضيحة تزوير غير مسبوقة حتى في تاريخ أعتى الديكتاتوريات-
بأن المعارضين شكلوا برلمانا موازيا، فإنه ضحك ساخرا وتفوه بقولته الشهيرة:
«خلـّيهم يتسلـوا»، لتنطلق الضحكات البلهاء من النواب الناجحين بالبلطجة.
نفس
هؤلاء النواب هم الذين دقوا المسمار الأخير في نعش مبارك، حينما نظموا يوم الأربعاء
«الدامي» مظاهرات شكلية من أقاربهم ومعارفهم لتأييد رئيسهم وطعموها بأرزقية وبلطجية
الانتخابات وبعض رجال الشرطة الذين يستعينون بهم في ترهيب الناخبين وتقفيل اللجان،
وذهب فيلق الجهل ممتطين الخيول والجمال ومسلحين بأسلحة نارية وسيوف للهجوم على
المتظاهرين الأبرياء و «تحرير» ميدان التحرير منهم، ليقتلوا 10 ويصيبوا مئات «ضافر»
أصغر واحد فيهم أنقى من ألف ممن حركوهم. وهي الجريمة التي اعتذر عنها رئيس الوزراء
وتعهد بمحاسبة المتسببين فيها، بما يعد اعترافا بمسؤولية الحزب الحاكم
عنها.
هؤلاء النواب المزورون قللوا قيمة الرئيس وجعلوها تساوى 20 جنيها ونصف
دجاجة لمن يشارك في مظاهرات تأييده، لتقل تسعيرته عند أرزقية الانتخابات عن أتفه
نائب.
أثبت رجال الثورة العظماء، أنهم أكثر خبرة وفهماً من دعاة التهدئة ممن
يسمون أنفسهم حكماء الأمة، والذين طالب بعضهم الشباب بالعودة إلى منازلهم بعد قول
الرئيس إنه لا ينوي ترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة المقبلة، فضلا عن أن تعيين نائب
له يعنى عمليا القضاء على سيناريو توريث السلطة، معتبرين أن دعوته البرلمان لمناقشة
تعديل المادة 76 الخاصة بالترشح للرئاسة والتي سبق وفصـّلها ترزية القوانين على
مقاس الرئيس ونجله فقط، والمادة 77 المتعلقة بفترات الرئاسة المفتوحة، هي انتصار
آخر يجب الحفاظ عليه. لكن ألم يسأل هؤلاء الحكماء أنفسهم: هل مجلس الشعب المزور
وكبار الحزب الحاكم وعلى رأسهم فتحي سرور رئيس المجلس وحامي حمى نظام الحكم، ومعه
مفيد شهاب أكبر ترزية القوانين الذي قال لنواب البرلمان في أولى جلساته بعدما لاحظ
زعلهم من الاتهامات الموجهة إليهم بالتزوير: «لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون»،
وزكريا عزمي الذي لم يجد معارضة في المجلس فراح يلعب دور المعارض حفظا لماء وجه
حزبه المتسلط.. هل هؤلاء وغيرهم نزل عليهم الإلهام الديمقراطي فجأة وسيعدلون
الدستور ويجعلون تداول السلطة سهلاً سهولة سيطرتهم على مقدرات الدولة.
لقد غاب
منافقو الرئيس منذ بدء الثورة، لكنهم خرجوا من جحورهم مثل الفئران بمجرد أن لمحوا
تعاطف البعض مع استعطاف الرئيس للشعب بتركه يحكم 5 أشهر فقط، وبدأوا يظهرون في
وسائل الإعلام مشيدين بـ «الخطوات الديمقراطية العظيمة لسيادة الرئيس وإرسائه تداول
السلطة بعد تعديل الدستور»، وبأنه سيكافح الفقر والبطالة وكأنه سينجز خلال 3 أشهر
ما عجز عن إنجازه في 30 سنة، وخرجت نفس الوجوه الكريهة المرفوضة شعبيا في الصحف
الحكومية تنشر المانشيتات الضخمة بأن الشعب خرج مبايعا مبارك، وأن الأمن والأمان
مرتبط به، واصفين هجوم بلطجية الحزب الحاكم على المتظاهرين العزّل بـ «التشابك
البسيط»، قبل أن ينشروا في اليوم الثاني دون حمرة خجل اعتذار رئيس الوزراء عن هذه
«الكارثة والمهزلة» حسب تعبيره.
أدرك أبطال الثورة ما لم يدركه الحكماء، بأننا
أمام مناورة مكشوفة لإطالة أمد المعركة لأقصى فترة ممكنة، ليس لتحقيق انتقال سلس
للسلطة، وإنما لتدبير الملاذات الآمنة والمخارج للصوص والنهابين والقتلة، ممن
يسابقون الزمن للهروب بجلودهم وتهريب ثرواتهم التي صنعوها على جثة الوطن، وأولهم
عائلة مبارك التي تقدر ثروتها -بحسب وسائل إعلام عالمية- بنحو 70 مليار
دولار!!
مبارك يجب أن يرحل حرصا على استقرار 85 مليونا ذاقت الأغلبية الكاسحة
منهم الأمرّين على يديه طوال 3 عقود. لا أمل في الرئيس أبدا.. فقد قدرته على
المسؤولية حينما فشل في الحفاظ على الأمن، فقد شرعيته بالجموع الشعبية الرافضة
لبقائه، فقد هيبة مقام الرئاسة حرصا على كرسي الحكم. لكنه لم يتعلم الدرس، وفي عز
الأزمة وفي ظل مطالبات دول العالم الكبرى له بالتنحي، فإنه يستخدم نفس لغته التي
عفا عليها الزمن وهدم تماما محاولات نائبه ورئيس وزرائه إصلاح أخطائه، بعدما خرج
يعلن أن «الإخوان المسلمين» هم سبب الأحداث الدامية في ميدان التحرير ومقتل وإصابة
آلاف المتظاهرين.. إنه والعرش يتهاوى من تحت قدميه يلعب نفس اللعبة باستخدام
«الإخوان» فزاعة للغرب.. لكن الدرس انتهى!!