عبد الباري عطوان وخلف الحربي: مبارك وصدام .. رحيل الدكتاتور
والبطل
إيلاف
GMT
2:26:00 2011 الثلائاء 8 فبراير
مبارك دكتاتور...
وصدام بطل!
خلف الحربي
الجريدة
الكويتية
وأنا هنا لست
معنياً بمتابعة تناقضات عبدالباري عطوان قدر عنايتي بكونه يجسد نموذجاً للإنسان
العربي الذي يصنع في كل حدث قائمة من المبادئ الجديدة تتناقض تماماً مع المبادئ
التي أعلنها في الأمس, فالمبادئ في الضمائر العربية ليست ثابتة بل متحركة وتتغير
بتغير الأمكنة والأزمنة والشخصيات والمصالح, وحالة الانفصام المبدئي هذه يعانيها
الملايين في العالم العربي, وليس لها أدنى علاقة بالمستوى الثقافي والتحصيل المعرفي
للشخص المصاب بهذا الانفصام؛ حيث يمكن أن يصاب به سائق تاكسي يعيش في بولاق مثلما
يمكن أن يصاب به رئيس تحرير صحيفة تصدر في لندن.
يرى عبدالباري
عطوان أن النظام المصري نظام بوليسي متعجرف... كلام جميل... كلام معقول (ما أقدرش
أقول حاجه عنه)! ولكن ما يزلزل الدماغ حقاً أن عبدالباري قضى حياته وهو يدافع عن
نظام صدام حسين الذي لا ينكر عاقل أنه نظام دكتاتوري دموي مرعب وليس مجرد «نظام
بوليسي متعجرف», إلا إذا كان عبدالباري عطوان يرى أن قانون الطوارئ في مصر أسوأ من
قانون قتل الأقارب من الدرجة الأولى في العراق, وأن حفلات التعذيب في المباحث
المصرية أكثر وحشية من وجبات المقابر الجماعية التي نفذتها مخابرات صدام, وأن
القنابل المسيلة للدموع في شوارع القاهرة أشد فتكا من غاز الخردل الذي أباد أهل
حلبجة الكردية, لقد وصف عبدالباري الرئيس مبارك في هذا المقال بالطاغية
والدكتاتور... فهل يعتقد عبدالباري أن صدام حسين كان شاعراً رومانسياً
مثلاً؟!
وينتقد عبدالباري
عطوان موقف «الإخوان المسلمون» في مصر، ويرى أنهم يبحثون عن صفقات سياسية من شأنها
أن تدمر الإنجاز الذي حققه شباب مصر... كلام جميل... كلام معقول «ما أقدرش أقول
حاجه عنه», ولكن ما يجعل هذا الكلام بلا قيمة فعلية أن عبدالباري يقف باستمرار إلى
جانب انقلابات «حزب الله» على الديمقراطية في لبنان، ولا يرى بأساً في مساومة الحزب
للبنانيين على أمنهم من أجل صفقات سياسية رتبت في الخارج، وجعلت من عودة الحياة
الديمقراطية حلماً بعيد المنال, فإذا كان «الإخوان» يساومون على الديمقراطية في مصر
فما الذي يفعله «حزب الله» في لبنان؟
وينتقد عبدالباري
عطوان الولايات المتحدة لأنها لم تكن جادة في «إسقاط الدكتاتور»... كلام جميل...
كلام معقول «ما أقدرش أقول حاجه عنه», ولكن هذا الكلام يتحول إلى مزحة ثقيلة حين
نتذكر أن عبدالباري يقف دائماً ضد التدخلات الأميركية في الشؤون الداخلية للدول
العربية!
الفئة الوحيدة
التي سلمت من انتقادات عبدالباري عطوان في ذلك المقال الملتهب هم شباب مصر الأحرار
الذين يثق بقدرتهم على صناعة التغيير, وهذا أيضا كلام جميل ومعقول إذا ما تناسينا
أن عطوان كان معجبا بشباب تنظيم «القاعدة»!
سيناريوهات
الرحيل الوشيك
عبد الباري عطوان
القدس
العربي
بعد مرور اسبوعين
على انطلاق الثورة المصرية يمكن استخلاص ثلاثة امور رئيسية:
الاول: ان المطالبين
بالتغيير ما زالوا متمسكين بمطالبهم، ويعدون انفسهم لحرب طويلة.
الثاني: ان
النظام وبعد ان التقط بعض انفاسه بدأ يأكل ابناءه، الواحد تلو الآخر ويلقيهم للثوار
على امل امتصاص جزء من نقمتهم.
الثالث: تكالب مجموعة من الانتهازيين لركوب حصان
الثورة، والتطوع دون تفويض للتفاوض باسمها.
الرئيس حسني مبارك الذي يطالب الثوار
من الشباب بخلعه، كمقدمة لمحاكمته، ما زال يمسك بمعظم الخيوط، ويدير الدولة
بالطريقة نفسها التي كان يديرها فيها قبل الثورة، ويتصرف كأنه سيعيش ابد الدهر، ومن
الواضح ان ثقته بنفسه تتزايد مع كل جولة تفاوض مع المعارضة وممثليها.
اللواء عمر
سليمان رئيس جهاز المخابرات ما زال يؤدي الدور نفسه الذي اداه على مدى العشرين عاما
الماضية، اي دور الواجهة للرئيس مبارك، وحامل الملفات الصعبة، فالمفاوضات التي تجري
حاليا بين ممثلي المعارضة، ولا نقول الثورة، تتم فعليا مع الرئيس مبارك، او بالاحرى
مع قناع الرئيس مبارك، وتحت عنوان الاصلاحات السياسية بعد اجراء التعديلات
الدستورية، وذريعة ضرورة وجود الرئيس في السلطة باعتباره الشخص الوحيد المخول
بالتوقيع وبالتالي تنفيذ التعديلات المطلوبة.
لاضفاء شيء من المصداقية على
نوايا النظام في الاصلاحات اقدم الرئيس مبارك على تنفيذ 'مجزرة' لتطهير الحزب
الحاكم من كل رموزه السابقة المكروهة، بداية بعزل ابنه جمال من لجنة السياسات،
وابعاد 'بطريرك' الحزب الوطني صفوت الشريف، وإحالة مجموعة من الوزراء ورجال الاعمال
الى المساءلة القانونية بتهم الفساد، من امثال اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية،
واحمد المغربي وزير الاسكان، ورشيد محمد رشيد وزير التجارة، واحمد عز ملك الحديد..
وغيرهم.
' ' '
خطوة النائب العام بتجميد اموال ومنع سفر هؤلاء ظلت منقوصة،
وغير مقنعة في الوقت نفسه، لانها لم تقترب من الرئيس مبارك نفسه او نجليه علاء
وجمال، في وقت قدرت صحف غربية بينها صحيفة 'الغارديان' البريطانية و'دير شبيغل'
الالمانية ثروتهم باكثر من اربعين مليار دولار كحد ادنى وسبعين مليار دولار كحد
اعلى.
نحن الآن امام سيناريوهين متصادمين الاول سيناريو الثورة الذي يريد
الاطاحة بالنظام ورأسه معا باسرع وقت واقصر مدة زمنية لكي يتحقق التغيير، ويبرز
النظام الديمقراطي التعددي الجديد ومؤسساته.
والثاني سيناريو النظام الذي يستخدم
كل اساليب المناورة من اجل كسب الوقت والرهان على تعب الثورة والثائرين، وتعب الشعب
المصري ايضا، ويتم التسليم في النهاية بالامر الواقع اي اجراء اعادة صياغة للنظام،
واستمراره في السلطة بوجوه اخرى، من الصف الثاني ربما، وهذا ما اطلق عليه توني بلير
التغيير المنضبط او المتحكم فيه.
الجيش المصري يراقب الموقف عن كثب وجنرالاته
الكبار ينفذون اجندات خفية متفقا عليها مع قوى خارجية على رأسها الولايات المتحدة
الامريكية. ولا نعرف كم ستطول فترة المراقبة هذه، ومتى سيتم التدخل عمليا لانهاء
هذا الوضع المتوتر.
هناك من يتحدث عن احتمال تفجر صراعات داخل النظام فالرجل هرم
ومريض، وقد يقرر فجأة تحت وطأة التهديد، وربما الابتزاز (من خلال كشف بعض الفضائح
بعد الكشف عن الثروات) المغادرة، ومن غير المستبعد ان يلجأ بعض المقربين منه،
وبتعليمات خارجية الى استخدام سيناريو المشير عبد الحكيم عامر، او سيناريو ياسر
عرفات.
الصراع سيتأجج في الايام والاسابيع المقبلة حتما، وقد يتطور في اتجاهات
خطيرة جدا، فالشباب الثائر لن يقبل بان يتحول ميدان التحرير الى 'هايد بارك'، محاط
بالدبابات، وتتقلص مساحته يوما بعد آخر. والنظام لا يمكن ان يتحمل الخسائر
الاقتصادية بسبب الشلل الراهن في مناحي الحياة والاقتصاد. وهناك من يقدرها بثلاثمئة
مليون دولار في اليوم. ومن المعتقد ان تهرب معظم الاستثمارات الخارجية يوم الاحد
المقبل عند اعادة فتح البورصة مجددا، الامر الذي قد يعني مضاعفة حجم الخسائر قبل
اغلاقها التي زادت عن ثمانين مليار جنيه مصري. وربما يفيد التذكير بان هذا الجنيه
انخفض الى ادنى مستوى له منذ ستة اشهر فور افتتاح البنوك جزئيا يوم امس الاول وما
زال في هبوط.
اكبر اختراق حققه النظام حتى الآن هو تفتيت وحدة الصف المعارض من
خلال جر ممثليه الى طاولة الحوار، فقد حصل على اعتراف او شرعية لا يستحقها، خاصة من
جماعة الاخوان المسلمين، وهي جماعة قد تؤدي 'براغماتية' بعض قياداتها الى شقها
وتقسيمها اذا لم تتدارك خطأها وتخرج بسرعة من مصيدة الحوار هذه، وتعود الى ميدان
التحرير، وميادين المدن الاخرى، لتصعيد لهيب الثورة.
' ' '
الرئيس مبارك يرفض
التنحي، ويصر على البقاء في الحكم حتى نهاية مدته الرئاسية في ايلول (سبتمبر)
المقبل، قد يدفع بالبلاد الى العنف، فالشباب الثائر اكثر عنادا منه من حيث التمسك
بمواقفه والاصرار على تنفيذ مطالبه كاملة، واكثر استعدادا لتقديم التضحيات والدماء
من اجل ان لا يخرج مهزوما.
لجان الحكماء التي نمت، وترعرعت، في مصر في الايام
الاخيرة، ونصبت نفسها وسيطا بين الثوار والنظام دون ان يكلفها او يطلب مساعدتها
الثوار، وانما تطوعت لانقاذ نظام منهار، هذه اللجان تذكرنا بحكمة الرئيس مبارك
نفسه، التي تجلت في ابشع صورها قبيل الغزو الامريكي للعراق، عندما طالب الرئيس صدام
حسين بالتنحي من اجل انقاذ العراق.
صدام حسين رفض التنحي، لان من يطالبونه به
كانوا من الغزاة الاجانب، الذين ارادوا احتلال بلاده واذلال شعبه، ففضل الصمود، ومن
ثم الانتقال من سدة الرئاسة الى خندق المقاومة، وفضل الموت شهيدا وهو رافع الرأس
امام مقصلة المحتلين واعوانهم.
من المفارقة ان من يطالب الرئيس مبارك بالتنحي هم
ابناء شعبه، ومن اجل مصلحة مصر، ومن يريدون بقاءه هم الامريكان والاسرائيليون وبعض
الانظمة العربية التي تواطأت طوال السنوات الماضية على تحجيم مصر، وتجويع شعبها،
مثلما تواطأت لتدمير العراق وشعبه والغاء دوره، وترميل مليون من نسائه وتيتيم اربعة
ملايين طفل من ابنائه.
لم يبق في يدي الرئيس مبارك الا ورقة واحدة لانقاذ نفسه
واسرته، وليس نظامه، وهي التنحي والمغادرة فورا، بعد ان قدم كل ما في جعبته من
تنازلات اخرى مثل التخلي عن التوريث والحزب ومافيا رجال الاعمال، ولم تجد اي تجاوب
من الثوار الشباب.
في معركة عض الاصابع لن يصرخ الشباب اليافع اولا، وانما
النظام المريض الهرم الفاسد، فهذه هي سنة الحياة، وهذه هي دروس التاريخ.
والبطل
إيلاف
GMT
2:26:00 2011 الثلائاء 8 فبراير
مبارك دكتاتور...
وصدام بطل!
خلف الحربي
الجريدة
الكويتية
وأنا هنا لست
معنياً بمتابعة تناقضات عبدالباري عطوان قدر عنايتي بكونه يجسد نموذجاً للإنسان
العربي الذي يصنع في كل حدث قائمة من المبادئ الجديدة تتناقض تماماً مع المبادئ
التي أعلنها في الأمس, فالمبادئ في الضمائر العربية ليست ثابتة بل متحركة وتتغير
بتغير الأمكنة والأزمنة والشخصيات والمصالح, وحالة الانفصام المبدئي هذه يعانيها
الملايين في العالم العربي, وليس لها أدنى علاقة بالمستوى الثقافي والتحصيل المعرفي
للشخص المصاب بهذا الانفصام؛ حيث يمكن أن يصاب به سائق تاكسي يعيش في بولاق مثلما
يمكن أن يصاب به رئيس تحرير صحيفة تصدر في لندن.
يرى عبدالباري
عطوان أن النظام المصري نظام بوليسي متعجرف... كلام جميل... كلام معقول (ما أقدرش
أقول حاجه عنه)! ولكن ما يزلزل الدماغ حقاً أن عبدالباري قضى حياته وهو يدافع عن
نظام صدام حسين الذي لا ينكر عاقل أنه نظام دكتاتوري دموي مرعب وليس مجرد «نظام
بوليسي متعجرف», إلا إذا كان عبدالباري عطوان يرى أن قانون الطوارئ في مصر أسوأ من
قانون قتل الأقارب من الدرجة الأولى في العراق, وأن حفلات التعذيب في المباحث
المصرية أكثر وحشية من وجبات المقابر الجماعية التي نفذتها مخابرات صدام, وأن
القنابل المسيلة للدموع في شوارع القاهرة أشد فتكا من غاز الخردل الذي أباد أهل
حلبجة الكردية, لقد وصف عبدالباري الرئيس مبارك في هذا المقال بالطاغية
والدكتاتور... فهل يعتقد عبدالباري أن صدام حسين كان شاعراً رومانسياً
مثلاً؟!
وينتقد عبدالباري
عطوان موقف «الإخوان المسلمون» في مصر، ويرى أنهم يبحثون عن صفقات سياسية من شأنها
أن تدمر الإنجاز الذي حققه شباب مصر... كلام جميل... كلام معقول «ما أقدرش أقول
حاجه عنه», ولكن ما يجعل هذا الكلام بلا قيمة فعلية أن عبدالباري يقف باستمرار إلى
جانب انقلابات «حزب الله» على الديمقراطية في لبنان، ولا يرى بأساً في مساومة الحزب
للبنانيين على أمنهم من أجل صفقات سياسية رتبت في الخارج، وجعلت من عودة الحياة
الديمقراطية حلماً بعيد المنال, فإذا كان «الإخوان» يساومون على الديمقراطية في مصر
فما الذي يفعله «حزب الله» في لبنان؟
وينتقد عبدالباري
عطوان الولايات المتحدة لأنها لم تكن جادة في «إسقاط الدكتاتور»... كلام جميل...
كلام معقول «ما أقدرش أقول حاجه عنه», ولكن هذا الكلام يتحول إلى مزحة ثقيلة حين
نتذكر أن عبدالباري يقف دائماً ضد التدخلات الأميركية في الشؤون الداخلية للدول
العربية!
الفئة الوحيدة
التي سلمت من انتقادات عبدالباري عطوان في ذلك المقال الملتهب هم شباب مصر الأحرار
الذين يثق بقدرتهم على صناعة التغيير, وهذا أيضا كلام جميل ومعقول إذا ما تناسينا
أن عطوان كان معجبا بشباب تنظيم «القاعدة»!
سيناريوهات
الرحيل الوشيك
عبد الباري عطوان
القدس
العربي
بعد مرور اسبوعين
على انطلاق الثورة المصرية يمكن استخلاص ثلاثة امور رئيسية:
الاول: ان المطالبين
بالتغيير ما زالوا متمسكين بمطالبهم، ويعدون انفسهم لحرب طويلة.
الثاني: ان
النظام وبعد ان التقط بعض انفاسه بدأ يأكل ابناءه، الواحد تلو الآخر ويلقيهم للثوار
على امل امتصاص جزء من نقمتهم.
الثالث: تكالب مجموعة من الانتهازيين لركوب حصان
الثورة، والتطوع دون تفويض للتفاوض باسمها.
الرئيس حسني مبارك الذي يطالب الثوار
من الشباب بخلعه، كمقدمة لمحاكمته، ما زال يمسك بمعظم الخيوط، ويدير الدولة
بالطريقة نفسها التي كان يديرها فيها قبل الثورة، ويتصرف كأنه سيعيش ابد الدهر، ومن
الواضح ان ثقته بنفسه تتزايد مع كل جولة تفاوض مع المعارضة وممثليها.
اللواء عمر
سليمان رئيس جهاز المخابرات ما زال يؤدي الدور نفسه الذي اداه على مدى العشرين عاما
الماضية، اي دور الواجهة للرئيس مبارك، وحامل الملفات الصعبة، فالمفاوضات التي تجري
حاليا بين ممثلي المعارضة، ولا نقول الثورة، تتم فعليا مع الرئيس مبارك، او بالاحرى
مع قناع الرئيس مبارك، وتحت عنوان الاصلاحات السياسية بعد اجراء التعديلات
الدستورية، وذريعة ضرورة وجود الرئيس في السلطة باعتباره الشخص الوحيد المخول
بالتوقيع وبالتالي تنفيذ التعديلات المطلوبة.
لاضفاء شيء من المصداقية على
نوايا النظام في الاصلاحات اقدم الرئيس مبارك على تنفيذ 'مجزرة' لتطهير الحزب
الحاكم من كل رموزه السابقة المكروهة، بداية بعزل ابنه جمال من لجنة السياسات،
وابعاد 'بطريرك' الحزب الوطني صفوت الشريف، وإحالة مجموعة من الوزراء ورجال الاعمال
الى المساءلة القانونية بتهم الفساد، من امثال اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية،
واحمد المغربي وزير الاسكان، ورشيد محمد رشيد وزير التجارة، واحمد عز ملك الحديد..
وغيرهم.
' ' '
خطوة النائب العام بتجميد اموال ومنع سفر هؤلاء ظلت منقوصة،
وغير مقنعة في الوقت نفسه، لانها لم تقترب من الرئيس مبارك نفسه او نجليه علاء
وجمال، في وقت قدرت صحف غربية بينها صحيفة 'الغارديان' البريطانية و'دير شبيغل'
الالمانية ثروتهم باكثر من اربعين مليار دولار كحد ادنى وسبعين مليار دولار كحد
اعلى.
نحن الآن امام سيناريوهين متصادمين الاول سيناريو الثورة الذي يريد
الاطاحة بالنظام ورأسه معا باسرع وقت واقصر مدة زمنية لكي يتحقق التغيير، ويبرز
النظام الديمقراطي التعددي الجديد ومؤسساته.
والثاني سيناريو النظام الذي يستخدم
كل اساليب المناورة من اجل كسب الوقت والرهان على تعب الثورة والثائرين، وتعب الشعب
المصري ايضا، ويتم التسليم في النهاية بالامر الواقع اي اجراء اعادة صياغة للنظام،
واستمراره في السلطة بوجوه اخرى، من الصف الثاني ربما، وهذا ما اطلق عليه توني بلير
التغيير المنضبط او المتحكم فيه.
الجيش المصري يراقب الموقف عن كثب وجنرالاته
الكبار ينفذون اجندات خفية متفقا عليها مع قوى خارجية على رأسها الولايات المتحدة
الامريكية. ولا نعرف كم ستطول فترة المراقبة هذه، ومتى سيتم التدخل عمليا لانهاء
هذا الوضع المتوتر.
هناك من يتحدث عن احتمال تفجر صراعات داخل النظام فالرجل هرم
ومريض، وقد يقرر فجأة تحت وطأة التهديد، وربما الابتزاز (من خلال كشف بعض الفضائح
بعد الكشف عن الثروات) المغادرة، ومن غير المستبعد ان يلجأ بعض المقربين منه،
وبتعليمات خارجية الى استخدام سيناريو المشير عبد الحكيم عامر، او سيناريو ياسر
عرفات.
الصراع سيتأجج في الايام والاسابيع المقبلة حتما، وقد يتطور في اتجاهات
خطيرة جدا، فالشباب الثائر لن يقبل بان يتحول ميدان التحرير الى 'هايد بارك'، محاط
بالدبابات، وتتقلص مساحته يوما بعد آخر. والنظام لا يمكن ان يتحمل الخسائر
الاقتصادية بسبب الشلل الراهن في مناحي الحياة والاقتصاد. وهناك من يقدرها بثلاثمئة
مليون دولار في اليوم. ومن المعتقد ان تهرب معظم الاستثمارات الخارجية يوم الاحد
المقبل عند اعادة فتح البورصة مجددا، الامر الذي قد يعني مضاعفة حجم الخسائر قبل
اغلاقها التي زادت عن ثمانين مليار جنيه مصري. وربما يفيد التذكير بان هذا الجنيه
انخفض الى ادنى مستوى له منذ ستة اشهر فور افتتاح البنوك جزئيا يوم امس الاول وما
زال في هبوط.
اكبر اختراق حققه النظام حتى الآن هو تفتيت وحدة الصف المعارض من
خلال جر ممثليه الى طاولة الحوار، فقد حصل على اعتراف او شرعية لا يستحقها، خاصة من
جماعة الاخوان المسلمين، وهي جماعة قد تؤدي 'براغماتية' بعض قياداتها الى شقها
وتقسيمها اذا لم تتدارك خطأها وتخرج بسرعة من مصيدة الحوار هذه، وتعود الى ميدان
التحرير، وميادين المدن الاخرى، لتصعيد لهيب الثورة.
' ' '
الرئيس مبارك يرفض
التنحي، ويصر على البقاء في الحكم حتى نهاية مدته الرئاسية في ايلول (سبتمبر)
المقبل، قد يدفع بالبلاد الى العنف، فالشباب الثائر اكثر عنادا منه من حيث التمسك
بمواقفه والاصرار على تنفيذ مطالبه كاملة، واكثر استعدادا لتقديم التضحيات والدماء
من اجل ان لا يخرج مهزوما.
لجان الحكماء التي نمت، وترعرعت، في مصر في الايام
الاخيرة، ونصبت نفسها وسيطا بين الثوار والنظام دون ان يكلفها او يطلب مساعدتها
الثوار، وانما تطوعت لانقاذ نظام منهار، هذه اللجان تذكرنا بحكمة الرئيس مبارك
نفسه، التي تجلت في ابشع صورها قبيل الغزو الامريكي للعراق، عندما طالب الرئيس صدام
حسين بالتنحي من اجل انقاذ العراق.
صدام حسين رفض التنحي، لان من يطالبونه به
كانوا من الغزاة الاجانب، الذين ارادوا احتلال بلاده واذلال شعبه، ففضل الصمود، ومن
ثم الانتقال من سدة الرئاسة الى خندق المقاومة، وفضل الموت شهيدا وهو رافع الرأس
امام مقصلة المحتلين واعوانهم.
من المفارقة ان من يطالب الرئيس مبارك بالتنحي هم
ابناء شعبه، ومن اجل مصلحة مصر، ومن يريدون بقاءه هم الامريكان والاسرائيليون وبعض
الانظمة العربية التي تواطأت طوال السنوات الماضية على تحجيم مصر، وتجويع شعبها،
مثلما تواطأت لتدمير العراق وشعبه والغاء دوره، وترميل مليون من نسائه وتيتيم اربعة
ملايين طفل من ابنائه.
لم يبق في يدي الرئيس مبارك الا ورقة واحدة لانقاذ نفسه
واسرته، وليس نظامه، وهي التنحي والمغادرة فورا، بعد ان قدم كل ما في جعبته من
تنازلات اخرى مثل التخلي عن التوريث والحزب ومافيا رجال الاعمال، ولم تجد اي تجاوب
من الثوار الشباب.
في معركة عض الاصابع لن يصرخ الشباب اليافع اولا، وانما
النظام المريض الهرم الفاسد، فهذه هي سنة الحياة، وهذه هي دروس التاريخ.