زمّار في ألمانيا
بعد قضاء أسبوعين في مدينة هاميلين Hameline بألمانيا الغربية، سأل أشرف ابنه "ماذا أعجبك في مدينة هاملين؟"
أجاب الابن: "إن ما يسحب فكري دائمًا هو ثقتهم الشديدة في بعضهم البعض، إذا ما وعد إنسانٌ يفي بوعده بكل سرورِ".
- هل تعرف ما هو سرّ ذلك؟
- لا يا أبي.
- توجد قصة مشهورة عن "الوعد المكسور" تبدو أنها خيالية لكن كثيرين يظنون أنها إن لم تكن واقعية، فعلى الأقل تحمل شيئًا من الحقيقة… يرويها أهل هاميلين لأطفالهم حتى يثبتوا فيهم فضيلة الأمانة والوفاء بالوعد.
- هل تعرف هذه القصة يا أبي؟
- لقد سمعتها من أحد العاملين في الفندق.
- وُجد في أحد منازل المدينة القديمة جدًا نقش على الحائط جاء فيه أنه في يوليو 1284م قاد زمّار 130 طفلاً إلى موضع ما بالقرب من تل كوبن koppen، وقد فُقدوا.
- وما ارتباط هذا بالوفاء بالوعد؟
منذ زمان طويل هُوجمت مدينة هاميلين بجيش لا يُحصى من الفئران.
جاءت الفئران مسرعة إلى المدينة، فملأت شوارعها، وتسللت إلى المنازل والمتاجر وكل موضع. من كثرتها مع ضخامة جسمها كانت تُهاجم الكلاب، وهربت أمامها القطط. نهشت أجسام بعض الرُضع في مخادعهم، وتسللت إلى ملابس الرجال والنساء، وحوّلت القبعات إلى عشش تتوالد فيها.
اجتمع حاكم المدينة مع مدير الأمن وكثير من رجال الشرطة والقيادات الشعبية، وفي اجتماعهم لم يستطيعوا أن يجلسوا على كراسيهم. صاروا في ذهول، وعجزت عقولهم عن التفكير…
بينما كانوا في مجلس المدينة في حيرة جاء جندي يُحاول الجري ليتحدث مع الحاكم.
من بعيد سأله الحاكم: "أتريد أن تتحدث معي؟"
- نعم يا سيدي الحاكم.
- خيرًا!
- دخل إلى المدينة رجل غريب الشكل، فارع الطول، وجهه مملوء بالتجاعيد، وأنفه طويل للغاية، وثوبه مملوء بالألوان المختلفة، يمسك بمزمار عجيب.
- ماذا يريد؟
- يسأل عن فخامتكم، ويريد الالتقاء بكم.
- لماذا؟
- يبدو أنه يود أن يقدم حلاً لمشكلتنا هذه.
- فليتفضل.
التقى الزمّار بحاكم المدينة، وفي جدّية قال له: "ماذا تقدم لي وأنا أخلص المدينة من آخر فأر فيها؟
- ادفع خمسين دولارًا.
سُرّ الزمّار بذلك، إذ كان هذا الرقم يمثل ثروة ليست بقليلة في ذلك الحين.
انطلق الزمّار من باب مجلس المدينة وقد أمسك بمزمار يضرب بنغمة غريبة فبدأت أسراب الفئران تجري نحوه، حتى كادت تقتل بعضها البعض، إذ كانت تتسابق في الاقتراب نحو الزمّار.
بحركات بطيئة انطلق نحو النهر، وكان سكان المدينة يتطلعون من النوافذ وقد ملأ الفرح قلوبهم…
في بطء شديد ركب الزمّار سفينة صغيرة سارت قليلاً نحو الشاطئ الآخر، وكانت الفئران تتسابق لتصل إليه فتسقط في مياه النهر… ولم يتوقف الزمّار عن تقديم موسيقاه حتى غرق آخر فأر.
عاد الزمّار بالسفينة إلى المدينة فاستقبلته الجماهير بالتصفيق الحاد، وكانوا يخلعون قبّعاتهم ويحيونه… أما هو فاتجه نحو مجلس المدينة ليلتقي بالحاكم.
- ألا ترى أننا مدينة فقيرة، ويصعب علينا دفع خمسين دولارًا، خاصة بعد أن خسرنا الكثير من الغلال، وفسدت الأطعمة بسبب جيوش الفئران…
أظن أنه يكفيك عشرين دولارًا.
- لقد وعدتني بخمسين دولارًا.
- أنت تعلم أنه لا يوجد بيت لم تصبه خسائر كبيرة، فكيف أدفع لكي هذا المبلغ؟!
رفض الزمّار أن يأخذ العشرين دولارًا. وخرج من حضرة الحاكم، وأمسك بمزماره ليعزف موسيقى رائعة! ترك الأطفال منازلهم، وبدون استئذان من والديهم جروا وراء الزمّار… لم يبق سوى طفل عاجز عن الحركة. فكان يبكي بمرارة مشتاقًا أن يتبع الزمّار…
سار الزمّار وحوله 130 طفلاً حتى بلغ بهم إلى تل كوبن koppen... وكان الكل متهللاً… فانشقت الأرض وابتلعتهم.
صرخت المدينة كلها وذهبوا إلى الزمّار الذي كان يضحك ويلهو… سألوه أن يقدموا له كل ذهب المدينة ويروا الأطفال.
أجابهم الزمّار: "هذا هو ثمر عدم الوفاء بالوعد".
V V V
هب لي يا رب الأمانة في حياتي،
فأكون أمينًا في أعماق مشاعري،
وأمينًا في كلماتي.
لأكن أمينًا معك ومع نفسي،
أمينًا مع كل طفل وكل بشر!
لأسمع صوتك الإلهي:
"كنتَ أمينًا في القليل، فأقيمك على الكثير".
من يهبني الأمانة إلا أنت يا أيها الأمين وحدك!
لأبونا تادرس يعقوب
يارب انت وعدت وقلت من يمسكم يمس حدقه عينى
ساعدنا على تخطى هذه التجارب الاليمه