المصيبة مصيبتان: خراب مصر في عهد اللافعل إلا من فعل الفساد و العمالة و الفجور، هذه واحدة، و الثانية، دعونا نعترف، طرحة من الخزي و العار نرتديها الآن جميعاً نحن رجال مصر و نساءها على رؤوسنا و نحن لا نعلم أين تقبع في هذه اللحظات ملياراتنا التي نهبوها على أعين الأشهاد، و لا نعلم إن كان ثمة سبيل على الإطلاق لأن تعود، و لا نعلم حتى كيف بلغت الشياطين من المهارة منزلاً يتركنا الآن فيما لا يزيد كثيراً عن حيص بيص نضرب أخماساً في أسداس و هم يتضاحكون. مثال صغير: على طريق القاهرة الإسماعيلية قصر على قمة جبل في منطقة العبور، ياللمفارقة، تحته مزرعتان بناهما مسؤول كبير في شركة كبرى للمقاولات و أهداهما إلى المحروسين علاء و جمال. يعلم وزير نظيف اليد بالأمر فيتوجه إلى أبيهما ناصحاً في قصره. لم يكن من أبيهما هذا سوى أن يرد الوزير على عقبيه: إنت جاي تشتمني في بيتي يا فلان؟ هذه قصة قصيرة عن مفسدة كبيرة لا يتعداها من حيث الأهمية ربما سوى زمن الحدوث. للذين لا يزالون أسرى متلازمة استوكهولم حدث هذا عام اثنين و ثمانين بعد شهور قليلة من اعتلاء المخلوع ظهر مصر.
ثلاثة أسئلة عريضة نعرضها للنقاش على مدى ثلاث حلقات. السؤال الثالث: كيف يمكن لنا أن نستعيد أموال مصر التي نهبت إن كان ثمة سبيل على الإطلاق؟ و السؤال الثاني: كيف نهبت أصلاً أموال مصر في إطار مؤامرة كبرى على أيدي عصابة من الفسدة و العملاء و المرتشين؟ و السؤال الأول و هو محور هذه الحلقة: كيف تهيأت الظروف و انبسط المناخ و طابت الثمرات منذ بداية الثمانينات حتى إذا ظهر المحروس جمال محمد حسني السيد مبارك في أواسط التسعينات لم يتطلب الأمر عندئذ أكثر من لمسة إصبع فوق غصن شجرة تنضح بالنضوج.
كونوا معنا من الصابرين فهذا موضوع معقد، و اسمحوا لي أن أرحب في مستهل هذه الحلقة الأولى من ثلاث حلقات بكل من الدكتور حسام عيسى أستاذ القانون الدولي عضو لجنة استعادة ثروات مصر، و إلى جواره الأستاذ الزميل الصحفي مصباح قطب رئيس القسم الاقتصادي في جريدة المصري اليوم، و إلى جواره الأستاذ الزميل الصحفي وائل جمال مدير تحرير جريدة الشروق، و أخيراً و ليس آخراً اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية لمباحث الأموال العامة سابقاً
ج2
بدأ بالتجارة في ديون مصر في لندن ثم عاد إلى مصر في منتصف التسعينات و قد
تهيأت فساداً و طابت ثماراً و لم لا، هو انت ما تعرفش أنا ابن مين؟
لا
الصناعة قامت و لا العمال اشتغلوا و لا أي حاجة خالص. نحن نتحدث عن عهد
اللافعل إلا في فعل الفساد و العمالة و الفجور. عصابة كان قد أنشأها أبوه
على مدى نحو عشرين سنة و إن كانت عصابة تقليدية كلاسيكية: هبرة بهبرة، سرقة
برشوة و هلمجرا من النقطة ألف إلى النقطة باء بطريقة ساذجة بدائية أدواتها
أقرب إلى أدوات المذبح. أتى هو حين أتى و في يديه ألاعيب الشياطين كي ينشئ
عصابة جديدة ماهرة ماكرة بديعة أدواتها أقرب إلى أدوات فاتنة على طاولة
للقمار في كازينو على عينك يا تاجر، أنيقة في منظرها ساحرة في منطقها قاتلة
في استدارتها، كل ما يفصلك عنها خطوة واحدة لا غير لكنها خطوة من
التوهاااااااااااان و من شغل الحواة و السحرة. كانت هذه بداية مرحلة اختلاط
الواقع بالوهم و قد استند فيها جمال مبارك، إلى جانب ذلك، إلى حقيقة أنه
ابن من يعتلي ظهر مصر. و أمام هذا لا تستطيع مقاومة أن تقول له: هلا قعدت
في بيت أمك حتى إذا كان رب قوم ذهبوا لرؤية قوم فلما القوم الأولين مالقوش
القوم التانيين خدوا تاكسي و رجعوا. و احنا من يومها و لا فاهمين أي حاجة.
سيبقى
لنا في حلقة غد أن نطرح للنقاش إمكانية استعادة أموال مصر التي نهبت، كلاً
أو جزءاً، إن كان ثمة سبيل إلى ذلك على الإطلاق. لكننا بعد أن ناقشنا في
حلقة الأمس كيف تهيأت مصر فساداً في النصف الأول من حكم الرئيس المخلوع
نلتقط الخيط في هذه الحلقة من النقطة التي لديها بدأ نجم ابنه جمال مبارك
في البزوغ بعد عودته في منتصف التسعينات من لندن حيث كان يعمل في بنك أوف
أميريكا و قد تمرغ في فساد من أمهر طرازات الفساد بين أساطين اقتصاد الوهم و
الألاعيب. عاد حين عاد و في يده زميل له في هذا البنك سنتعرض له و لآخرين
في سياق هذه الحلقة. لكننا نريد أن نبسط أمامكم في البداية خريطة للأسرة
الكريمة و لأصدقائها و للمتعاونين معها و لجانب من تلك الأنشطة التي يجمع
كثيرون على أن فهمها جيداً سيتيح لنا فرصة لفهم كيف نهبت أموال مصر و من ثم
يمكن أن يضعنا على بداية الطريق الصحيح.
قبل أن نخوض الآن فيما هو أقرب
علاقة بمنظورنا في هذه الحلقة اسمحوا لي أن أرحب في مستهلها بكل من
الدكتور حسام عيسى أستاذ القانون الدولي عضو لجنة استرداد أموال مصر، و إلى
جواره الزميل الصحفي الأستاذ مصباح قطب رئيس القسم الاقتصادي في جريدة
المصري اليوم، و أخيراً و ليس آخراً، الزميل الصحفي الأستاذ خالد البلشي
رئيس تحرير جريدة البديل الإليكترونية