لا لحكومة رجال أعمال الإخوان!
إبراهيم عيسى
أشك كثيرا فى قدرة «الإخوان المسلمين» على أن تثير غضب المجلس العسكرى بأن
تدفع بخشونة وتصميم إلى إقالة كمال الجنزورى أو أن تنتزع من المشير طنطاوى
قرارا بتكليف الجماعة بتشكيل حكومة جديدة، الطريقة المراوغة والملتوية التى
رأيناها من الإخوان على مدى عام كامل فى التعامل مع القوى السياسية من
جانب ومع المجلس العسكرى من جانب آخر لا توحى بأننا يجب أن نأخذ تصريحات
هذه الجماعة بجدية، فهى كانت مع الانتخابات أولًا ورفضت بهوس فكرة الدستور
أولًا ثم عادت وقبلت بفكرة الدستور قبل انتخابات الرئاسة كأن القصة هى ماذا
ستستفيد وليس أى مبدأ آخر (أو قبل أى مبدأ آخر!).
لكن بفرض أنها مشت حتى النهاية فى رغبتها لتشكيل الحكومة (وهو ما أستبعده)
وأقنعت العسكرى (وهو الذى لا يقتنع بسهولة كما أن الرهان على أن الجنزورى
سيستقيل من نفسه رهان خاسر، فالرجل لا ينزع قميصا «ألبسنيه العسكرى» ولا
يمكن أن يتخلى عن مصر ويترك منصبه!) فإنه من المهم أن نتوقف عند نقطتين:
الأولى أن موافقة القوى المدنية على دخول هذه الحكومة تحت عنوان أنها حكومة
ائتلافية محض هراء لا مبرر له إلا هذا الضعف الأنثوى تجاه السلطة لدى بعض
أحزابنا. يقينا أعرف أن حزب الوفد سيوافق على أى مقاعد يخصصها له الإخوان
فى الحكومة، فقد اعتاد «الوفد» منذ عصر صفوت الشريف أن يعيش على فتات موائد
الحزب الحاكم، والجودة بالموجود، كما أن هناك أحزابا تفرط فى مبادئها -على
الأقل ما تدعى أنه مبادئها- مقابل تحالف هش تتحصل منه على مكاسب تتناقض
تماما مع أى مفهوم للكرامة السياسية، لكن يبقى أن مشاركة قوى مدنية للإخوان
فى الحكومة إنما تجعل من هذا الائتلاف ذريعة للفشل لدى الجميع، فكل طرف
سوف يلقى المسؤولية على الآخر، فضلا عن أن توزيع مغانم الوزارات ومغارمها
سيكون محلا للتطاحن فى الخلاف أو للترخص فى الابتزاز السياسى المتبادل،
كذلك فإن اجتماع المتناقضين فى عمل واحد أمر لا يمكن فهمه فى إطار
الديمقراطية وقواعدها فى الدنيا كلها، فالائتلاف لا يكون بين أقصى اليمين
وأقصى اليسار ولا بين مدنى ودينى ولا بين علمانيين وإسلاميين، هذا يحدث فقط
فى حكومات الإنقاذ الوطنى التى هى بالضرورة محدودة الأهداف ومؤقتة الوقت
(كأن تكون فى شهر تالٍ لثورة أو لإعداد البلاد لانتخابات أو لا قدر الله فى
حالة شن حرب!).
لكن هذا كما قلت لن يجعل الصغار يكبرون فيرفضون الصفقات البخسة مع الإخوان!
النقطة الثانية أن جماعة الإخوان سترتكب خطأ قاتلا لو كلفت خيرت الشاطر أو
أى إخوانى آخر من دوائر مليونيرات الجماعة برئاسة الحكومة أو العضوية فيها،
فمصر مش ناقصة حكومة رجال أعمال بعد تجربة أمانة السياسات فى الحزب
الوطنى، فضلا عن أنها مسألة ثبت فشلها فى كل أنحاء الدنيا، أن يصبح مليونير
وصاحب شركات ومصانع وبنوك سياسيا تنفيذيا يدير حكومة ويصنع سياسات، لا شىء
يضمن لنا أن لا تتقاطع مصالح خيرت الشاطر الاقتصادية مع وضعه الحكومى
والسياسى (الأمر ينطبق عليه وهو نائب مرشد بالمناسبة فلا شىء شفافا فى
علاقة بزنس الشاطر بالقوانين والقرارات التى يتخذها حزب الأغلبية التابع
للجماعة والمرؤوس من الشاطر نفسه)، إن «الإخوان» تدخل بنا إلى حقل ألغام
بلا خرائط حين تقرر أن تحوّل حكومتها إلى حكومة رجال أعمال سواء بالشاطر أو
بغيره، خصوصا أن اقتصاد جماعة الإخوان وشركاتها نفسها صاحبة مصلحة تدفعنا
إلى السؤال عن طريقة فك الاشتباك بين مليارات للجماعة فى السوق المالية فى
مصر وكونها جماعة تضع السياسات المالية وتؤلف القوانين الاقتصادية (ما
نعرفه طبقا لقرار رفع الحظر الأخير عن أموال خيرت الشاطر وحسن مالك فى
البورصة فقط أن الشاطر ومالك -وأظنهما يعلمان حبى الحقيقى وتقديرى العميق
لنضالهما- يمتلكان عدة شركات فى مجال البرمجيات والمقاولات والاستثمار
العقارى والسياحى معا، يمتلك الشاطر شركة «المدائن» للإنشاءات منفردا، أما
حسن مالك فلديه «فرجينيا للسياحة» وشركتا «إم سى آر» للمقاولات و«رواج»
للتجارة والتوريدات، فضلا عن أننى لا أعرف مدى دقة ما يردده بعض الإخوان عن
أن المهندس الشاطر مساهم أو شريك فى 72 شركة).
إذن هناك معضلة علاقة رجال أعمال الإخوان بالحكومة القادمة، وهو أمر لا
يمكن السكوت عنه أو تجاهله خصوصا مع حالة النفاق السائدة (للأسف، يبدو أن
النفاق فى جينات القاعدة العريضة للصحفيين والسياسيين فى مصر!) فى التعامل
مع الجماعة الحاصلة على أكثرية البرلمان، ومهما قيل لنا عن أخلاقيات رجال
الإخوان، ونحن سنصدقه كله بلا تردد رغم هذا الشغف المفرط بمدح الذات الذى
نراه فى تصريحات الجماعة عن نفسها وعن أعضائها، إلا أن السياسة أمر لا
علاقة له بفضائل الشخص وتدينه، فأخلاقه وتدينه له أما تصرفاته وقراراته
فللبلد وللشعب… ولحسابه فى البنك!
إبراهيم عيسى
أشك كثيرا فى قدرة «الإخوان المسلمين» على أن تثير غضب المجلس العسكرى بأن
تدفع بخشونة وتصميم إلى إقالة كمال الجنزورى أو أن تنتزع من المشير طنطاوى
قرارا بتكليف الجماعة بتشكيل حكومة جديدة، الطريقة المراوغة والملتوية التى
رأيناها من الإخوان على مدى عام كامل فى التعامل مع القوى السياسية من
جانب ومع المجلس العسكرى من جانب آخر لا توحى بأننا يجب أن نأخذ تصريحات
هذه الجماعة بجدية، فهى كانت مع الانتخابات أولًا ورفضت بهوس فكرة الدستور
أولًا ثم عادت وقبلت بفكرة الدستور قبل انتخابات الرئاسة كأن القصة هى ماذا
ستستفيد وليس أى مبدأ آخر (أو قبل أى مبدأ آخر!).
لكن بفرض أنها مشت حتى النهاية فى رغبتها لتشكيل الحكومة (وهو ما أستبعده)
وأقنعت العسكرى (وهو الذى لا يقتنع بسهولة كما أن الرهان على أن الجنزورى
سيستقيل من نفسه رهان خاسر، فالرجل لا ينزع قميصا «ألبسنيه العسكرى» ولا
يمكن أن يتخلى عن مصر ويترك منصبه!) فإنه من المهم أن نتوقف عند نقطتين:
الأولى أن موافقة القوى المدنية على دخول هذه الحكومة تحت عنوان أنها حكومة
ائتلافية محض هراء لا مبرر له إلا هذا الضعف الأنثوى تجاه السلطة لدى بعض
أحزابنا. يقينا أعرف أن حزب الوفد سيوافق على أى مقاعد يخصصها له الإخوان
فى الحكومة، فقد اعتاد «الوفد» منذ عصر صفوت الشريف أن يعيش على فتات موائد
الحزب الحاكم، والجودة بالموجود، كما أن هناك أحزابا تفرط فى مبادئها -على
الأقل ما تدعى أنه مبادئها- مقابل تحالف هش تتحصل منه على مكاسب تتناقض
تماما مع أى مفهوم للكرامة السياسية، لكن يبقى أن مشاركة قوى مدنية للإخوان
فى الحكومة إنما تجعل من هذا الائتلاف ذريعة للفشل لدى الجميع، فكل طرف
سوف يلقى المسؤولية على الآخر، فضلا عن أن توزيع مغانم الوزارات ومغارمها
سيكون محلا للتطاحن فى الخلاف أو للترخص فى الابتزاز السياسى المتبادل،
كذلك فإن اجتماع المتناقضين فى عمل واحد أمر لا يمكن فهمه فى إطار
الديمقراطية وقواعدها فى الدنيا كلها، فالائتلاف لا يكون بين أقصى اليمين
وأقصى اليسار ولا بين مدنى ودينى ولا بين علمانيين وإسلاميين، هذا يحدث فقط
فى حكومات الإنقاذ الوطنى التى هى بالضرورة محدودة الأهداف ومؤقتة الوقت
(كأن تكون فى شهر تالٍ لثورة أو لإعداد البلاد لانتخابات أو لا قدر الله فى
حالة شن حرب!).
لكن هذا كما قلت لن يجعل الصغار يكبرون فيرفضون الصفقات البخسة مع الإخوان!
النقطة الثانية أن جماعة الإخوان سترتكب خطأ قاتلا لو كلفت خيرت الشاطر أو
أى إخوانى آخر من دوائر مليونيرات الجماعة برئاسة الحكومة أو العضوية فيها،
فمصر مش ناقصة حكومة رجال أعمال بعد تجربة أمانة السياسات فى الحزب
الوطنى، فضلا عن أنها مسألة ثبت فشلها فى كل أنحاء الدنيا، أن يصبح مليونير
وصاحب شركات ومصانع وبنوك سياسيا تنفيذيا يدير حكومة ويصنع سياسات، لا شىء
يضمن لنا أن لا تتقاطع مصالح خيرت الشاطر الاقتصادية مع وضعه الحكومى
والسياسى (الأمر ينطبق عليه وهو نائب مرشد بالمناسبة فلا شىء شفافا فى
علاقة بزنس الشاطر بالقوانين والقرارات التى يتخذها حزب الأغلبية التابع
للجماعة والمرؤوس من الشاطر نفسه)، إن «الإخوان» تدخل بنا إلى حقل ألغام
بلا خرائط حين تقرر أن تحوّل حكومتها إلى حكومة رجال أعمال سواء بالشاطر أو
بغيره، خصوصا أن اقتصاد جماعة الإخوان وشركاتها نفسها صاحبة مصلحة تدفعنا
إلى السؤال عن طريقة فك الاشتباك بين مليارات للجماعة فى السوق المالية فى
مصر وكونها جماعة تضع السياسات المالية وتؤلف القوانين الاقتصادية (ما
نعرفه طبقا لقرار رفع الحظر الأخير عن أموال خيرت الشاطر وحسن مالك فى
البورصة فقط أن الشاطر ومالك -وأظنهما يعلمان حبى الحقيقى وتقديرى العميق
لنضالهما- يمتلكان عدة شركات فى مجال البرمجيات والمقاولات والاستثمار
العقارى والسياحى معا، يمتلك الشاطر شركة «المدائن» للإنشاءات منفردا، أما
حسن مالك فلديه «فرجينيا للسياحة» وشركتا «إم سى آر» للمقاولات و«رواج»
للتجارة والتوريدات، فضلا عن أننى لا أعرف مدى دقة ما يردده بعض الإخوان عن
أن المهندس الشاطر مساهم أو شريك فى 72 شركة).
إذن هناك معضلة علاقة رجال أعمال الإخوان بالحكومة القادمة، وهو أمر لا
يمكن السكوت عنه أو تجاهله خصوصا مع حالة النفاق السائدة (للأسف، يبدو أن
النفاق فى جينات القاعدة العريضة للصحفيين والسياسيين فى مصر!) فى التعامل
مع الجماعة الحاصلة على أكثرية البرلمان، ومهما قيل لنا عن أخلاقيات رجال
الإخوان، ونحن سنصدقه كله بلا تردد رغم هذا الشغف المفرط بمدح الذات الذى
نراه فى تصريحات الجماعة عن نفسها وعن أعضائها، إلا أن السياسة أمر لا
علاقة له بفضائل الشخص وتدينه، فأخلاقه وتدينه له أما تصرفاته وقراراته
فللبلد وللشعب… ولحسابه فى البنك!