منتدى الملاك

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الملاك

لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد.أمين +++عمانوئيل إلهنا وملكنا

عزيزى الزائر اذا اعجبك موضوع بالمنتدى يمكنك
أن تضغط على زر أعجبنى اعلى الموضوع
عزيزى الزائر ان اعجبك موضوع يمكنك ان تكون اول من يشاركه لاصدقائه على مواقع التواصل مثل الفيس بوك والتويتر بالضغط على زر شاطر اعلى الموضوع

    تأمل فى إقامة اليعازر من الأموات

    Admin
    Admin
    Admin


    رقم العضوية : 1
    البلد - المدينة : cairo
    عدد الرسائل : 7832
    شفيعك : الملاك ميخائيل
    تاريخ التسجيل : 30/06/2007

    cc تأمل فى إقامة اليعازر من الأموات

    مُساهمة من طرف Admin الأحد 28 مارس 2010 - 13:30

    الاصحاح الحادي عشر إقامة لعازر من الأموات


    يروي لنا القديس يوحنا قصة إقامة لعازر من الأموات التي حدثت قبل الأسبوع الأخير من حياته على الأرض بفترة قليلة، غالبًا في يوم السبت السابق لدخوله أورشليم.


    ويعلل البعض عدم عرض هذه المعجزة في الأناجيل الثلاثة الأخرى بأن لعازر كان لا يزال حيًا حين كتابتها، وخشوا لئلا يسبب له ذلك متاعب كثيرة، أما القديس يوحنا فسجل إنجيله بعد رحيل لعازر.


    قدم المعجزة ليكشف لنا عن شخص السيد المسيح أنه القيامة واهب الحياة، وغالب الموت. إذ كان يسوع مزمعًا أن يسلم نفسه للموت ويُدفن في القبر، أراد تأكيد سلطانه أنه يضع نفسه ويقيمها كما يشاء. إنها المعجزة الأخيرة التي سجلها القديس يوحنا، في شيءٍ من التفصيل.
    في قرية صغيرة تسمى بيت عنيا أو بيت العناء أو الألم وُجدت عائلة مجهولة من الناس محبوبة جدًا لدى السيد المسيح. فتحت هذه العائلة قلبها له، كما فتحت بيتها ليستريح فيه، وعرفت كيف تخاطبه. في وسط الآم الموت المرة والخطيرة بعثت الأختان رسالة: "يا سيد هوذا الذي تحبه مريض"


    لم تطلبا لأخيهما الشفاء، ولا طلبتا من السيد أن يترك خدمته ويفتقدهما في ظروفها القاسية.
    مات لعازر وقال السيد لتلاميذه: "لعازر حبيبنا قد نام، لكني أذهب لأوقظه". دعا الموت نومًا، فإن من يلتصق بالمسيح "القيامة" لن يحل به الموت، بالنسبة له يُحسب الموت هبة وراحة.
    بعد أربعة أيام من وفاته دخل السيد القرية فلاقته مرثا وصارت تعاتبه: "يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي، لكني الآن أيضًا أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه" (22).


    أكد لها السيد أن أخاها سيقوم، وإذ أعلنت عن إيمانها أنه سيقوم في القيامة... قال لها يسوع: "أنا هو القيامة والحياة". (25).
    لم يحتمل أن يرى الرب دموع الأختين إذ "بكى يسوع" (35).


    إنه يشاركنا مشاعرنا! إنه عجيب في حبه لبني البشر، لا يحتمل دموعهم بل يقول: "حوِّلي عني عينيكِ فانهما غلبتانيِ". وإذ انطلق إلى القبر وطلب رفع الحجر قالت مرثا: "يا سيد لقد أنتن لأن له أربعة أيام!"
    يقول القديس أغسطينوس أن إقامة لعازر من الأموات ليس موضوع دهشتنا بل موضوع فرحنا. فليس من المدهش أن ذاك الذي يخلق بقوته أناسًا يأتي بهم إلى العالم أن يقيم ميتًا، لكنه أمر مفرح أنه يهبنا القيامة ويمتعنا بالخلاص.
    يرى القديس أغسطينوس أن الأناجيل ذكرت قيامة ثلاثة أشخاص بواسطة السيد المسيح، وأن هذه الأعمال تحمل معانٍ تمس خلاصنا. فإن كان قد أقام هذه الأجساد إنما ليشير إلى قيامة نفوسنا.


    أقام ابنة الرئيس في مجمع السنهدرين، وهي ملقاة في البيت (مر ٥: ٤١-٤٢)... ليهتم كل واحدٍ بنفسه his soul، فإنه في الخطية موت. الخطية هي موت للنفس. لكن أحيانًا تمارس الخطية في الفكر وحده. أنت تجد لذة فيما هو شر، إنك وافقتها في عملها؛ أنت تخطئ. هذه الموافقة هي قتل لك، لكن الموت في الداخل، لأن الفكر الشرير لم ينضج بعد ويتحول إلى عمل. لقد صرَّح الرب أنه يود أن يقيم مثل هذه النفس إلى الحياة، وذلك للصبية التي لم تُحمل بعد لكي تُدفن، إنما كانت ملقية ميتة في البيت، كما لو كانت الخطية لم تعد بعد ظاهرة.
    لكن إن كنت ليس فقط تحتضن شعورًا باللذة في الشر وإنما تمارس الشر، يمكن القول بأن الميت قد حُمل خارج الباب. إنك بالفعل في الخارج محمول إلى القبر. مع هذا فإن الرب أيضًا أقام مثل هذا إلى الحياة، وأعاد الشاب إلى أمه الأرملة. إن كنت تخطئ تب، فسيقيمك الرب، ويردك إلى الكنيسة أمك.
    إما المثل الثالث للموت فهو لعازر. إنه نوع خطير من الموت متميز بأنه تحول إلى العادة في ممارسة الشر. فإن السقوط في الخطية شيء وممارسة الخطية كعادة شيء آخر. من يسقط في الخطية وفي الحال يخضع للإصلاح يقوم إلى الحياة سريعًا، لأنه غير ساقطٍ في شرك عادة الشر، إنه لم يُلقَ بعد في القبر. أما الذي تحول إلى العادة في الشر فهو مدفون، وبحق يُقال عنه: "قد أنتن"، فإن سمته تحمل رائحة مرعبة، بدأ يحمل سمعة رديئة للغاية. مثل هؤلاء جميعًا اعتادوا على ارتكاب الجريمة، وهجروا الأخلاقيات... ومع هذا فإن قوة المسيح ليست بأقل من أن ترد مثل هؤلاء إلى الحياة. إننا نعرف ونرى في كل يوم أناسًا يتغيروا من أشر العادات، ويتقبلوا نوعًا من الحياة الفضلى أكثر من الذين يلومونهم... ليته لا ييأس أحد؛ ولا يستسلم.


    بين كل العجائب التي صنعها الرب يسوع المسيح احتلت إقامته للعازر من الموت المقام الأول في الكرازة.القديس أغسطينوس
    1. تبليغ السيد بمرض لعازر ١ - ١٦.
    2. تحرك السيد نحو عائلة لعازر ١٧ - ٣٢.
    3. إقامة لعازر من الأموات ٣٣ - ٤٤.
    4. أثر إقامة لعازر ٤٥ - ٥٧.


    1- تبليغ السيد بمرض لعازر


    "وكان إنسان مريضًا، وهو لعازر من بيت عنيا، من قرية مريم ومرثا أختها". (1)
    لعازر: الاسم العبري غالبًا "اليعازر"، معناه يعينه يهوه


    بيت عنيا: اسم أرامي معناه "بيت البؤس أو العناء"، وهي قرية في الجنوب الشرقي من جبل الزيتون على بعد ميلين تقريبًا من أورشليم، وتدعى اليوم العازرية، نسبة إلى إقامة لعازر من الموت. نقرأ عن مريم ومرثا في لوقا ١٠: ٣٨ الخ أنهما تعيشان في الجليل. فإن كان الأمر هكذا، فغالبًا ما قامتا بتغيير إقامتهما في ذلك الحين في الجليل.


    واضح أن ربة البيت هي مرثا، الأخت الكبرى، وهي التي استضافت أختها الصغرى. ذكر القديس يوحنا مريم أولاً مع أنها الأصغر، ربما لأن مريم كانت أكثر شهرة في الكنيسة الأولى، وهي التي سكبت الطيب على قدمي السيد المسيح (١٢: ٣)، كما اختارت النصيب الصالح الذي لا يُنزع منها (لو ١٠: ٤٢).مريم: اسم عبرى معناه "عصيان". ومرثا: مؤنث كلمة آرامية معناها "ربة"."وكانت مريم التي كان لعازر أخوها مريضًا، هي التي دهنت الرب بطيبٍ، ومسحت رجليه بشعرها". (2)


    مريم هذه ليست التي كانت زانية المذكورة في بشارة لوقا (لو 7: 37-50)،


    لأن هذه مريم أخرى، لأن تلك المرأة المذكورة في بشارة لوقا مملوءة أعمالاً رديئة كثيرة، أما هذه فكانت شريفة ثابتة في الفضيلة، اجتهدت في ضيافة السيد المسيح.القديس يوحنا الذهبي الفم
    "فأرسلت الاختان إليه قائلتين:
    يا سيد هوذا الذي تحبه مريض". (3)ليست من صلاة أبسط من هذه الصلاة القصيرة المملوءة تواضعًا مع ثقة وتسليم للأمر بين يديه. اكتفتا بعرض الحالة دون تقديم أي طلبٍ أو مجيء السيد إليهما لعلاج الموقف ومساندتهما. كان العرض في بساطة هو أن الذي يحبه مريض، فلن يتخلى عنه أو عنهما. وربما لم تطلب الأختان مجيئه إليهما، لأنهما تعلمان ما ورد قبلاً (في الاصحاح السابق) كيف أراد يهود أورشليم رجمه، فانطلق إلى ما وراء الأردن حتى لا يتمموا ما في نيتهم. هكذا لم ترد الأختان أن تضعاه في في وضعٍ فيه خطورة على حياته. وفي نفس الوقت كان لعازر صديقًا له، فاكتفتا بإبلاغه بأمر مرضه، وكانتا متأكدتين أنه حتمًا سيفعل شيئًا.
    لم تذكر الأختان اسم المريض ولا قرابته لهما، أي أنه أخوهما، بل دعوه "الذي تحبه". نحن نعلم أنه محب كل البشر، والكل كانوا يتلمسون رقته ولطفه وحبه، لكن الصيغة التي كتبت بها الأختان توحي بأن السيد المسيح يخص المريض بعلاقة محبة خاصة. لم تشيرا في الرسالة أن المرض كان خطيرًا، ربما لكي لا يزعجا السيد.


    لماذا لم تفعلا مثل قائد المائة الشريف الذي ترك أخاه المريض وجاء إلى المسيح بدلاً من بعثهما رسالة إليه؟ كانت لهما ثقة كبيرة في المسيح، ولهما مشاعر قوية أسرية. بجانب هذا فإنهما امرأتان ضعيفتان حاصرهما الحزن.القديس يوحنا الذهبي الفم


    يكفي أنك تعرف، فإنكَ لست بالذي يحب وينسى... لو لم يحب الله الخطاة لما نزل من السماء إلى الأرض. القديس أغسطينوس
    "فلما سمع يسوع قال:هذا المرض ليس للموت،بل لأجل مجد الله،
    ليتمجد ابن الله به". (4)أعلن لهم السيد بأن هذا المرض ليس للموت النهائي عن هذه الحياة، وإنما لموتٍ مؤقتٍ سُمح به لأجل مجد الله خلال إقامته من الأموات.
    يرى البعض أن كلمة "يتمجد" هنا كما في كثير من الأحيان في هذا السفر لا تعني نوال كرامة أو إبراز سمو الشخص، وإنما تعني قيام الشخص بإرادته بعمل يبدو أقل من مستواه من أجل محبته وخدمته للغير، دون إلزام من آخر، خاصة حينما يتحدث عن الصلب كمجد للابن والآب، حيث يبذل الابن ذاته من أجل خلاص الخطاة ومجدهم الأبدي. مسيحنا الذي لا يصنع العجائب إلاَّ من خلال دافع الحب غالبًا ما يربط موضوع إقامة لعازر بمجد صليبه، إذ جاء هذا العمل تمهيدًا لصلبه.


    يليق بنا أن ندهش من أختي لعازر، فبعدما سمعتا أن المرض ليس للموت ورأتاه ميتًا لم تتعثرا، مع أن ما حدث كان على خلاف ما قيل. مع كل هذا جاءتا إلى الرب ولم تفكرا أنه تنطقا بشيءٍ باطلاً.


    انظروا كيف ذكر أن له ولأبيه أيضًا المجد الواحد، لأنه إذ قال: "لأجل مجد الله"، قال بعد ذلك "ليتمجد ابن الله به".القديس يوحنا الذهبي الفم


    تمجيد الله لا يضيف شيئًا إلى كرامته، إنما لنفعنا. لهذا يقول: "ليس للموت" (٤)، لأنه حتى هذا الموت ذاته ليس هو موتًا، بل بالأحرى صنع معجزة بها يُقتاد الناس إلى الإيمان بالمسيح، فيهربون من الموت الحقيقي.القديس أغسطينوس
    "وكان يسوع يحب مرثا وأختها ولعازر". (5)يشير هنا إلى محبة السيد المسيح لمرثا بكونها الأخت الأكبر ثم مريم ولعازر. إنه كان يستريح للأسرة ككل، وكان كل عضو من الأسرة يشعر بدالة خاصة ومحبة المسيح له شخصيًا.


    فإن قلت: لِمَ ذكر البشير موضحًا في هذا الخبر أن السيد المسيح أحب لعازر؟ أجبتك: "ليعلمنا ألا نستاء أو نترك الرب عند حدوث مرض للرجال الثابتين في فضيلتهم المحبوبين عند الله".القديس يوحنا الذهبي الفم


    واحد مريض واثنتان في حزن، الكل محبوبون. لكن ذاك الذي أحبهم هو منقذ المرضى، بل بالأكثر هو مقيم الموتى، وهو معزي الحزانى.القديس أغسطينوس
    "فلما سمع أنه مريض
    مكث حينئذ في الموضع الذي كان فيه يومين". (6)لكل شيء عند السيد المسيح وقته المناسب حسب فكره الإلهي وليس حسب فكرنا نحن البشري. ففي عرس قانا الجليل إذ قالت له أمه "ليس لهم خمر" (يو ٢: ٣) قال لها: "لم تأتِ ساعتي بعد" (يو ٢: ٤). وعندما طلب منه اخوته أن يذهب إلى اليهودية لاقتراب عيد المظال أجابهم: "إن وقتي لم يحضر بعد" (يو ٧: ٥). وهنا كنا نتوقع سرعة ذهابه لبيت عنيا لمساندة أحبائه، لكننا نجده يمكث في الموضع يومين. إنه يعرف اللحظة المناسبة لكل عملٍ.



    في المعجزات السابقة جميعها ما يشغل قلب السيد المسيح إبراز حبه للمتألمين، هنا تأخر لأنه في محبته للأسرة كلها كان يود تأكيد حقيقة، وهي أنه هو "القيامة"، إذ حان وقت موته وقيامته. لهذا لم يسرع بالذهاب ليشفيه في مرضه، ولا بعد موته مباشرة، بل تركه يبقى في القبر إلى اليوم الرابع حتى ينتن الجسد، فيتأكد الكل بأنه واهب الحياة والقيامة حتى بعد أن يفسد الجسد.


    لماذا مكث؟ حتى يخرج النفس الأخير ويُدفن، فلا يقول أحد أنه لم يكن ميتًا بل كان غارقًا في نومٍ عميق، أو أنه كان قد غشى عليه ولم يكن موتًا. لهذا السبب مكث يومين حتى يحدث الفساد، وتقولا: "قد أنتن" (39).القديس يوحنا الذهبي الفم
    "ثم بعد ذلك قال لتلاميذه:لنذهب إلى اليهودية أيضًا". (7)بقوله لتلاميذه: "لنذهب إلى اليهودية أيضًا" (7) يوضح السيد رحمته حتى نحو غير المستحقين. فمع عدم استعداد اليهودية لقبوله يطلب الذهاب مرة أخرى لرافضيه. إنه لا يكف عن أن يقدم الفرص لكل نفسٍ لعلها تتمتع به حتى وإن رفضته قبلاً.


    لماذا أخبرهم هنا مقدمًا إلى أين هو ذاهب مع أنه لم يفعل ذلك في أي موضع آخر؟ كانوا في رعبٍ شديد... لذلك حذرهم مقدمًا حتى لا يضطربوا أمام عنصر المفاجأة.القديس يوحنا الذهبي الفم
    "قال له التلاميذ:
    يا معلم الآن كان اليهود يطلبون أن يرجموك وتذهب أيضًا إلى هناك". (8)منذ أسابيع قليلة كان اليهود يريدون رجمه في الهيكل في عيد التجديد (يو ١٠: ٣١).


    أرادوا بنصيحتهم أن يحفظوا الرب من الموت، ذاك الذي جاء ليموت ليخلصهم من الموت.القديس أغسطينوس


    خافوا عليه أيضًا، لكنهم بالأكثر خافوا على أنفسهم، لأنهم لم يكونوا بعد كاملين. لهذا فإن القديس توما وقد هزه الخوف، قال: "لنذهب نحن أيضًا، لكي نمـوت معه" (١٦)، لأن توما كان أكثر ضعفًا وعدم إيمان عن البقية. لكن انظروا كيف شجعهم يسوع بما قاله: "أليست ساعات النهار اثنتي عشرة؟" (٩).القديس يوحنا الذهبي الفم
    "أجاب يسوع:أليست ساعات النهار اثنتي عشرة؟إن كان أحد يمشي في النهار لا يعثر،
    لأنه ينظر نور هذا العالم". (9)طريقنا مملوء بالعثرات، من يسلك في النور لن يعثر، أما من يبقى في الظلمة فيعثر. من يشرق عليه شمس البرّ يستنير، وينطلق كما من مجدٍ إلى مجدٍ، وتصير العثرات بالنسبة له كلا شيء، بل علة نصرته وإكليله. أما من يسلك حسب شهوات جسده وفكر العالم الشرير وكبرياء قلبه فيبقى متعثرًا، ويعطي لنفسه أعذارًا لا حصر لها.
    لم يخفْ السيد المسيح من الموت، لأنه هو النور الذي لن تصمد أمامه قوات الظلمة. وهكذا من يلتحف به يسير كل أيام غربته بلا خوف ولا اضطراب ولا قلق.
    كان اليهود مثل كثير من الأمم يقسمون النهار من شروق الشمس إلى غروبها إلى ١٢ قسمًا أو ساعة تطول أو تقصر حسب مواسم السنة المختلفة.
    رحلة العبور إلى السماء لا تبدأ بالليل حين ينتقل الإنسان من العالم، إنما تبدأ في النهار وهو يجاهد في حياته، واثقًا في نعمة الله التي تسير به نحو الأبدية. أعطانا الله ساعات النهار كفرصٍ ثمينةٍ للعمل، تصير لها قيمتها حين نستغلها كما يليق وإلا صارت كلا شيء.


    إنه يشير إلى نفسه أنه هو النهار، وقد اختار اثني عشر تلميذًا. يقول: إن كنت أنا هو النهار وأنتم الساعات، فهل تعطي الساعات نصيحة للنهار؟ الساعات تتبع النهار، لا النهار يتبع الساعات... إنه يشير إلى نفسه أنه النهار الروحي. لتنصت الساعات إلى النهار، ولتكرز بالنهار، إذ تُعرف وتستنير بالنهار، وبكرازة الساعات يؤمن العالم بالنهار. وباختصار بحق قال: "اتبعوني إن كنتم لا تريدون إن تتعثروا".القديس أغسطينوس
    "ولكن إن كان أحد يمشي في الليل يعثر، لأن النور ليس فيه". (10)


    قال هذا لكي يظهر أن من يشعر أنه ليس فيه شر فلن يلحق به أمر مخيف؛ إنما من يفعل الشر يلحق به هذا. لهذا يلزمنا ألا نخاف لأننا لا نفعل ما يستحق الموت. أو لعله يقول هذا أن من ينظر نور هذا العالم هو في أمان، فإن كان من يرى نور هذا العالم هو هكذا في أمان، كم بالأكثر من يكون معي، ما دام لا يعزل نفسه عني؟! إذ شجعهم بهذه الكلمات أضاف هدف ذهابهم إلى هناك الذي يلزمهم، وإذ أبرز ذلك يذهبون لا إلى أورشليم بل إلى بيت عنيا (١١، ١٢).القديس يوحنا الذهبي الفم
    "قال هذا، وبعد ذلك قال لهم:لعازر حبيبنا قد نام، لكني أذهب لأوقظه". (11)يدعو السيد المسيح المؤمن "حبيبنا"، ولم يقل "حبيبي"، فإن دخولنا في عهد مع الله يجعلنا أحباء ليس فقط له، بل ولكل الكنيسة، بكونه عضوًا فيها. موت لعازر لا يقطع الصداقة بينه وبين السيد المسيح وكنيسته، بل يبقى صديقًا له ولكل الكنيسة عبر كل الأجيال.


    كأنه يقول: "إنني لست أذهب بذات الهدف الذي كان قبلاً، أن أجادل وأصارع مع اليهود، وإنما لكي أوقظ صديقنا.القديس يوحنا الذهبي الفم
    يدعو السيد المسيح الموت "نومًا". النوم فيه راحة جسدية حيث يستعيد الجسم طاقته، ليبدأ بيقظته يومًا جديدًا في حيويةٍ ونشاطٍ. هذا حق بالنسبة لنوم الموت، فالمؤمن إذ ينام يقوم في حياة جديدة بإمكانيات جديدة في عالم جديد.


    بالحقيقة لا يُقال عن القديسين أنهم أموات بل يقال عنهم أنهم راقدون.القديس جيروم


    بالنسبة لأختيه هو ميت، أما بالنسبة للرب فهو نائم. هو ميت بالنسبة للبشر غير القادرين أن يقيموه، أما الرب فأقامه من القبر بسهولة جدًا كمن ييقظ نائمًا على سريره. فإنه بالنسبة لسلطانه تكلم معه كنائمٍ، وأيضًا بالنسبة للآخرين وهم موتى غالبًا ما يتحدث الكتاب المقدس عنهم كنائمين. وكما يقول الرسول: "ثم لا أريد أن تجهلوا أيهـا الأخوة من جهة الراقدين، لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم" (١ تس ٤: ١٣). لذلك تحدث عنهم أيضًا كراقدين، إذ سبق فأخبرهم عن قيامتهم. وهكذا كل الأموات هم راقدون،
    سواء كانوا صالحين أم أشرارًا.القديس أغسطينوس
    يرى القديس أغسطينوس أن جميع الأموات أشبه بالنيام، لكن بعضهم يتمتع بأحلام سعيدة، والآخرون مرعبة. أو هم أشبه بمن هم في مكان حفظ مؤقت، لكن بعضهم مثل لعازر المسكين الذي يتنعم في حضن أبيه إبراهيم، بينما الغني الغبي في عطشٍ شديدٍ لا يجد من يهبه نقطة ماء (لو ١٦: ٣٢-٢٤). الكل سيخرج لينال كل واحدٍ حسب أعماله.


    إن كان ليس اسم "أرملة" هو الذي يضايقك، إنما فقدانك لمثل هذا الزوج، فإنني أوافقك أن قليلين هم أمثال ذلك الرجل في عالم الرجال، في حبه ونبله وتواضعه وإخلاصه وحكمته وورعه.
    حقًا، لو أنه هلك كلية أو انتهي أمره تمامًا، لكان ذلك كارثة عظمى وكان الأمر محزنًا. لكن إن كان كل ما في الأمر أنه أبحر إلي ميناء هادئ، وقام برحلة إلي اللَّه الذي هو حقًا ملكه، لهذا يلزمنا ألا نحزن بل نفرح.فإن هذا الموت ليس بموتٍ، إنما هو نوع من الهجرة والانتقال من سيئ إلي أحسن، من الأرض إلي السماء، من وسط البشر إلي الملائكة ورؤساء الملائكة ، بل ومع اللَّه الذي هو رب الملائكة ورؤساء الملائكة.
    لأنه عندما كان يخدم الإمبراطور هنا على الأرض كانت تحف به مخاطر الأشرار ومكائدهم. وبقدر ما كان صيته يتزايد، كانت خطط الأعداء (الحاسدين) تلتف حوله، والآن قد انتقل إلي العالم الآخر حيث لا يمكن أن ننتظر شيئًا من هذا.
    فبقدر ما تحزنين لأن اللَّه أخذ إنسانًا هكذا كان صالحًا ومكرمًا كان يجب أن تفرحي أنه رحل إلي مكان أكثر أمانًا وكرامة، متخلصًا من مضايقات الحياة الحاضرة الخطيرة، إذ هو الآن في أمان وهدوء عظيم.




    إن كان لا حاجة لنا أن نعرف أن السماء أفضل من الأرض بكثير، فكيف نندب الذين رحلوا من هذا العالم إلي العالم الآخر؟!.
    لو كان زوجك سالكًا مثل أولئك الذين يعيشون في حياة مخجلة لا ترضى اللَّه، كان بالأولي لكِ أن تنوحي وتبكي، ليس فقط عند انتقاله، بل حتى أثناء وجوده حيًا هنا. لكن بقدر ما هو من أصدقاء اللَّه، يلزمنا أن نُسر به، ليس وهو حيّ هنا، بل وعندما يرقد مستريحًا أيضًا.
    وإذ يلزمنا أن نفعل هذا، استمعي ما يقوله الرسول الطوباوي: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا" (في 23:1).القديس يوحنا الذهبي الفم
    "فقال تلاميذه: يا سيد إن كان قد نام فهو يُشفى". (12)كثيرًا ما يكون النوم خاصة بعمقٍ بالنسبة للمريض إحدى علامات شفائه. لذلك إذ قال السيد أن لعازر قد نام رأى التلاميذ أنه لا ضرورة لذهاب السيد إلى اليهودية لشفائه، لأنه قد بدأ شفاؤه بنومه العميق. ولم يتصور التلاميذ كيف يسيروا مع يسوع المسيح رحلة تمتد إلى يومين أو ثلاثة أيام وإلى بلد مقاومٍ لهم لكي يوقظوا صديقًا من نومه."وكان يسوع يقول عن موته،
    وهم ظنوا أنه يقول عن رقاد النوم". (13)


    "فقال لهم يسوع حينئذ علانية:لعازر مات". (14)
    Admin
    Admin
    Admin


    رقم العضوية : 1
    البلد - المدينة : cairo
    عدد الرسائل : 7832
    شفيعك : الملاك ميخائيل
    تاريخ التسجيل : 30/06/2007

    cc رد: تأمل فى إقامة اليعازر من الأموات

    مُساهمة من طرف Admin الأحد 28 مارس 2010 - 13:40

    نطق بالكلمة الأولى "نام" راغبًا في تأكيد أنه لا يحب الافتخار، وإذ لم يفهموا أضاف "مات".القديس يوحنا الذهبي الفم "وأنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك لتؤمنوا،
    ولكن لنذهب إليه". (15)إذ مات لعازر وفقد الكل الرجاء في عودته للحياة تحرك الرب نحوهم ليعلن أنه رجاء من ليس له رجاء، ومعين من ليس له معين. حينما يقول البشر:"يبست عظامنا، وهلك رجاؤنا، قد انقطعنا" (حز ٣٧: ١١) يقول السيد الرب: "هأنذا أفتح قبوركم، وأصعدكم من قبوركم يا شعبي... فتعلمون أني أنا الرب عند فتحي قبوركم، واصعادي إياكم من قبوركم يا شعبي".



    لماذا يقول: "لأجلكم"؟ لأني سبق فأخبرتكم مقدمًا عن موته، وإذ نحن هناك عندئذ إذ أقيمه لا يوجد شك من جهة الخداع. ألا ترون كيف كان التلاميذ غير كاملين في وضعهم وغير مدركين لقوتهم كما ينبغي؟ هذا كان بسبب الرعب الذي حل بهم والمتاعب والاضطرابات التي لنفوسهم. عندما قال: "انه نائم" أضاف "أذهب لأوقظه"، لأنه لم يرد أن يخبرهم مسبقًا بالكلام ما يحققه فعلاً بالأعمال. فإنه دومًا يعلمنا ألا نطلب المجد الباطل، ولا أن نقدم وعودًا بلا سبب. إن كان قد فعل هذا في حالة قائد المائة عندما قال "أنا أذهب وأشفيه" (مت ٨: ٧)، كان ذلك من أجل إيمان قائد المائة الذي قال هذا. وإن قال أحد: "كيف ظن التلاميذ انه نائم؟ كيف لم يفهموا أنه يعني بذلك الموت بقوله: "أنا أذهب لأوقظه" فإنه من الغباوة أن يفهموا أنه يذهب خمس عشرة غلوة stadia ليوقظه. نجيب على ذلك يبدو أنهم ظنوا بأن كلماته غامضة كما اعتاد أن يتحدث معهم.القديس يوحنا الذهبي الفم
    لم يقل "لنذهب إلى أختيه لتعزيتهما" بل "إليه"، فالموت لا يقدر أن يفصل السيد المسيح وكنيسته عن المنتقل، فيذهب الكل إليه بالحب ويلتقوا معه كعضوٍ حي في جسد المسيح. لم يقل "اذهب"، بل "لنذهب" فيضم الكنيسة كلها معه للالتقاء مع الراقدين.
    "فقال توما الذي يقال له التوام للتلاميذ رفقائه:
    لنذهب نحن أيضًا، لكي نموت معه". (16)
    "توما" تعني توأم، يُقال له باليونانية ديديموس Didymus وتعني "توأم". أثار اخوته التلاميذ بقوله هذا. يصعب إدراك نيته، هل كان يتحدث بشجاعة، فلا يبالي بالموت، مفضلاً أن يذهبوا جميعًا ليتعرضوا مع يسوع المسيح للموت الذي ينتظره، وكأنه يقول مع راعوث: "حيثما مت أموت وهناك أدفن" (را ١: ١٨). مفضلاً أن يكون في رفقة المسيح وإن كانت تكلفة ذلك هو "الموت"، عن أن يحيا وليس في رفقة السيد المسيح.أم تحدث هكذا عن خوفٍ كما بنوع من الدعابة أو عن تبرمٍ.


    لقد ارتاع التلاميذ من ملاقاة اليهود، أما توما الرسول فكان أكثرهم رعبًا، لذلك قال: "لنذهب نحن أيضًا لكي نموت معه"، ولأنه كان أضعف عزمًا من التلاميذ الآخرين وأقلهم إيمانًا.


    v


    يقول البعض أنه رغب في أن يموت (مع يسوع) لكن الأمر ليس كذلك، فإن التعبير هنا يصدر عن شخص في جبنٍ. إلاَّ أن المسيح لم يوبخه بل سند ضعفه، وبعد ذلك صار أكثر قوة من الجميع، لا يُقهر. فالعجب في هذا أننا نرى شخصًا كان ضعيفًا هكذا قبل الصلب، صار بعد الصلب وبعد إيمانه بالقيامة أكثر غيرة من أي شخصٍ. عظيمة هي قوة المسيح! ذات الشخص الذي لم يجسر أن يذهب مع المسيح إلى بيت عنيا هو بعينه وهو لا يرى المسيح يجري وحده في العالم المسكون، ويقطن بين الأمم المملوءة بالقتل والذين يطلبون قتله.القديس يوحنا الذهبي الفم


    5. تحرك السيد نحو عائلة لعازر


    "فلما أتى يسوع وجد أنه قد صار له أربعة أيام في القبر". (17)يسجل لنا الإنجيليون الآخرون بعض الأحداث التي تمت خلال هذه الرحلة نحو بيت عنيا، مثل شفاء الأعمى عند أريحا، واللقاء مع زكا وقبوله الإيمان بالمسيح. مع محبة السيد المسيح للعازر وأختيه وذهابه ليقيمه من الأموات لم يتجاهل احتياجات الآخرين، إنما أينما وُجد يصنع خيرًا.
    يرى القديس أغسطينوس أن الأربعة أيام التي عبرت بلعازر في القبر تشير إلى مراحل البشرية. اليوم الأول هو يوم سقوط آدم وحواء حيث ملك الموت على آدم وبنيه. واليوم الثاني يشير إلى الإنسان وقد كسر الناموس الطبيعي الشاهد لله. واليوم الثالث يشير إلى كسر الناموس الموسوي، وأخيرًا جاء اليوم الرابع حيث كُرز بالإنجيل، ووهب السيد المسيح الحياة الجديدة المقامة للموتى في الخطايا.
    وُجد اعتقاد لدى اليهود أن النفس تحوم حول الجسد بعد الموت لمدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع تفارقه بلا أمل قط للعودة إلى الجثمان. وكأنه في اليوم الرابع ينقطع كل أملٍ برجوع الإنسان إلى العالم مرة أخرى."وكانت بيت عنيا قريبة من أورشليم نحو خمس عشرة غلوة". (18)
    صنع السيد المسيح معجزات لا حصر لها في الجليل، أما في أورشليم فمع كثرة معجزاته يختار الإنجيلي يوحنا معجزات لها مدلولها الخاص بالنسبة للشعب والقيادات مثل مفلوج بيت حسدا الذي عانى من الفالج ٣٨ سنة، وشفاء المولود أعمى، وإقامة لعازر في اليوم الرابع من موته.
    كانت بيت عنيا على بعد حوالي ميلين من أورشليم، فالميل اليهودي يحوي سبع غلوات ونصف.


    ليس بدون سبب يشير إلى هذا، فقد أراد أن يخبرنا أنها كانت قريبة (من أورشليم) وربما لهذا السبب جاء كثيرون.القديس يوحنا الذهبي الفم
    "وكان كثيرون من اليهود قد جاءوا إلى مـرثا ومريم ليعزوهما عن أخيهما". (19)كان الحزن عند اليهود يستمر لمدة حوالي شهر، يدعون الثلاثة أيام الأولى "أيام الحزن"، يليها سبعة أيام تُدعى "أيام المراثي". في فترة الحزن لا يعمل أهل الميت شيئًا، وإن حياهم أحد فلا يردون السلام عليه. أما في أيام المراثي فلا يمارسون أعمالاً إلاَّ ما هو خاص: ينامون في فراش على الأرض، ولا يرتدون نعالهم، ولا يغتسلون أو يدهنون أنفسهم، يغطون رؤوسهم ولا يقرأون في الشريعة أو المشناه Mishnah أو التلمود Talmud. وفي بقية الثلاثين يومًا لا يحلقون شعرهم ولا يرتدون ثوبًا أبيض أو ثوبًا جديدًا، ولا يخيطون أي تمزيق يحدث في الثياب أثناء الجنازة.
    جاء ت كلمة "اليهود" في هذه السفر لتعني المقاومين للسيد المسيح، لذلك يرى البعض أن هؤلاء مع مقاومتهم للسيد شعروا بفداحة الكارثة فجاءوا إلى مرثا ومريم لا كزيارات عابرة بل للإقامة يومين أو ثلاثة مع أهل المنتقل في البيت، خاصة إن كان المنتقل هو رب البيت.


    كيف كانوا يعزونهما وقد كان السيد المسيح يحبهما، وقد قرر اليهود إن اعترف معترف أن هذا هو المسيح كان يخرج خارج مجمعهم؟ نقول: إنهم كانوا يعزونهما، إما لضرورة مصابهما، وإما أنهم احتشموهما، لأنهما كانتا أشرف حسبًا من غيرهما، وإما أن يكون هؤلاء الذين جاءوا ما كانوا أشرارًا، لأن كثيرين منهم آمنوا بالسيد المسيح.القديس يوحنا الذهبي الفم
    "فلما سمعت مرثا أن يسوع آت لاقته،
    وأما مريم فاستمرت جالسة في البيت". (20)يبدو أن مرثا كانت تترقب مجيئه بكل غيرة، وتطلب ذلك ليهبها هي وأختها تعزية. وإذ سمعت أنه في الطريق إلى البيت تركت كل مراسيم الجنازات وتقاليدها، وتركت المعزين القادمين لزيارتها، وأسرعت لتلتقي بيسوع. تركت البيت وأيضًا القرية والتقت به في خارج القرية. أما مريم فبقت في البيت، ربما بسبب شدة حزنها الذي أفقدها القدرة على سرعة الحركة، أو لأنها لم تكن قد سمعت عن مجيئه.
    يرى البعض أن مرثا هي الأكبر سنًا وهي التي كانت تدير شئون البيت (لو ١٠: ٤٠).


    إن قلت: فما كان غرض مرثا في أنها لم تأخذ أختها عندما خرجت لاستقبال السيد المسيح؟ قلت: إنها أرادت أن تخاطبه على انفراد وتخبره بما حدث. لكن عندما قدم لها رجاءً صالحًا ذهبت ودعت مريم، التي لاقته بينما كان حزنها في أعلى درجاته.
    ألا ترون كيف كان حبها ملتهبًا؟
    هذه هي مريم التي قال عنها: "مريم اختارت النصيب الصالح" (لو ١٠: ٤٢).
    قد يقول أحد: "كيف ظهرت مرثا أكثر غيرة منها؟" لم تكن أكثر غيرة منها، إنما ظهرت هكذا لأن مريم لم تكن بعد قد علمت بمجيئه؛ مرثا كانت أضعف منها. فإنها حتى عندما سمعت مثل هذه الأمور من المسيح تحدثت بطريقة كمن يحبو: "لقد أنتن لأن له أربعة أيام" (٣٩). أما مريم وهي لم تسمع شيئًا لم تقل هكذا، وإنما في الحال آمنت.القديس يوحنا الذهبي الفم

    "فقالت مرثا ليسوع: يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت أخي". (21)وهي نفس الكلمات التي قالتها أختها فيما بعد (٣٢)، مما يكشف أنهما لم يكونا بعد يدركا شخص السيد المسيح كما ينبغي، أنه حاضر في كل مكان. لقد حملت إيمانًا أنه كان قادرًا بحضوره أن يمنع الموت من الاقتراب نحو أخيها، كما آمنت بحنوه وترفقه. كان إيمانها كالقصبة المرضوضة التي لن يقصفها يسوع المسيح، بل يسدنها ويدعمها."لكني الآن أيضًا أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه"..)
    عادت مرثا تلوم نفسها وتصحح حديثها مع السيد المسيح، فإنها تؤمن بأنه حتى بعد موت أخيها إن طلب السيد من الله (الآب) شيئًا، أي إقامته، فسينال طلبته. لم تجسر وتقول أن يقيم أخاها، لكنها طلبت ذلك بطريق غير مباشر، وتركت له أن يحكم في الأمر، إن كان يقيم لعازر أم لا.
    آمنت أنه إن طلب من الله شيئًا يعطيه إياه، ولم تدرك أنه هو الحياة، له الحياة في ذاته، وأن ما يفعله إنما بقوته، لأنه واحد مع الآب.


    أرأيت حكمتهما (مريم ومرثا) السماوية؟ وإن كان عزمهما ضعيفًا، لكنهما عندما أبصرتا السيد المسيح لم تنهارا في الحال في العويل، ولا إلى فجائع الندب، ولا إلى النوح، وذلك كما يعرض لنا نحن إذا رأينا أقوامًا من معارفنا داخلين عندنا في حال نوحنا. إذ اعتبرتا السيد المسيح معلمًا، لأنهما آمنتا به. لكنهما جهلتا شرفه السامي واقتداره بالقول: "أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه". فخاطبتاه كمن يخاطب من هو ثابت في الفضيلة فينال ما يطلبه.القديس يوحنا الذهبي الفم
    "قال لها يسوع: سيقوم أخوكِ". (23)جاءت إجابة السيد المسيح لسؤال مرثا المملوء تواضعًا والمثير للشفقة: "سيقوم أخوكِ" (23).




    هكذا فند السيد القول السابق: "كل ما تطلب" (٢٢)، إذ لم يقل: "أنا أطلب" بل ماذا؟ "سيقوم أخوكِ". لو أنه قال: "يا امرأة إنكِ لا تزالين تتطلعين إلى أسفل، فإني لست محتاجًا إلى عونٍ من آخر، بل أفعل كل شيء بذاتي"، لكان ذلك بالنسبة لها أمرًا خطيرًا وعثرة في طريقها، أما أن يقول: "سيقوم أخوكِ"، فهو تصرف من يختار طريقة الحديث المتوسطة.القديس يوحنا الذهبي الفم

    "قالت له مرثا: أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير". (24)كان موضوع القيامة من الأموات قد استقر تمامًا في أذهان اليهود، ماعدا عند الصدوقيين الذين يرفضونه. وقد جاءت الأسفار التي بعد السبي تفيض بالأحاديث عنها (٢ مك ٧: ٩، ١٤، ٢٣، ٣٦؛ ١٢: ٤٣؛ ١٤: ٤٦؛ حك ٥: ١-٧، ١٧؛ ٦: ٦، ٧)، كما جاءت الكتابات اليهودية مثل يوسيفوس المؤرخ والترجوم تتحدث عنها. "قال لها يسوع: أنا هو القيامة والحياة،
    من آمن بي ولو مات فسيحيا". (25)


    بهذا برهن لها عن سلطانه... أظهر أنه لم يكن محتاجًا إلى آخر لكي يعينه، مادام هو نفسه الحياة. فلو أنه احتاج إلى آخر، فكيف يمكنه أن يكون القيامة والحياة؟ ومع هذا لم يشر إلى ذلك صراحة بل بالتلميح.


    لقد أظهر أنه واهب كل الصالحات، وأنه يليق بنا أن نسأله.القديس يوحنا الذهبي الفم
    "وكل من كان حيًا وآمن بي، فلن يموت إلى الأبد،
    أتؤمنين بهذا؟" (26)كأنه يقول لها: "أنتِ تقولين أن أخاك سيقوم في يوم الدينونة، من الذي يقيمه غيري أنا واهب القيامة ومصدر الحياة؟ وإن كان في سلطاني أن أقيمه في اليوم الأخير فهل يصعب عليّ أن أقيمه الآن؟" هكذا فتح الرب باب الرجاء أمامها، وسند إيمانها وكشف لها عن شخصه أنه ليس مجرد إنسان، بل هو واهب الحياة والوجود.
    كل من يؤمن وإن مات حسب الجسد فسيقوم ويتمتع بكليته بالشركة في المجد. إنه لا يعود يموت بعد موت الجسد، إنما يعود بعودة الجسد ممجدًا مع النفس ليمارس المؤمن الحياة المقامة أبديًا. إنه لم يقل أن المؤمن لن يعبر من البوابة التي ندعوها الموت، بل بالأحرى الحياة التي يهبها تستمر خلال الموت. لا يقدر الموت أن يمحو الحياة التي يهبنا إياها السيد المسيح.


    انظر كيف يرتفع السيد المسيح بعقل مرثا، لأنه لم يكن هذا مطلوبه أن يقيم لعازر فحسب، لكن أن تعرف مرثا والحاضرون تلك القيامة، ولهذا السبب جهر بألفاظه قبل إقامته لعازر.القديس يوحنا الذهبي الفم
    سألها السيد المسيح: "أتؤمنين بهذا؟" وكأنه يطالبها بالإيمان الذي يتحدى الطبيعة والموت؛ وجاءت إجابتها في ثباتٍ وحزم بلا تردد، تحمل اليقين."قالت له: نعم يا سيد (رب)،
    أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم". (27)قدمت مرثا قانون إيمانها بكل إخلاص: "أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم" (27). وهو ذات قانون الإيمان الذي نطق به بطرس الرسول وامتدحه السيد (مت ١٦: ١٦-١٧). جاء قانون إيمانها يحوي ثلاثة بنود رئيسية:


    يسوع هو المسيح، أو المسيا الذي انتظره الآباء والأنبياء. كان كثير من يهود القرن الأول يترقبون مجيئه بشوقٍ عظيم.
    أنه ابن الله بالطبيعة (مز ٢: ٧).
    جاء إلى العالم ليقيم منه كنيسته المقدسة، ليس من اليهود وحدهم بل من العالم.
    إن كان هو المسيا مخلص العالم، ابن الله بالطبيعة وقد نزل إلى العالم ليقيمه فهو حتمًا الحياة والقيامة.


    لقد رفع بالفعل رأيها الهابط عنه، فلا تحسبه واحدًا بين كثيرين. فإنها ليست ببساطة دعته "يا رب" بل ردت له الكرامة. وتحدثت بتلك الكلمات لتكرمه، يظهر ذلك مما قلته بعد هذا. إنها لم تضحك ولا سخرت ولا شكت إلى لحظة.


    يبدو لي أن المرأة لم تفهم القول، وإن كانت قد أدركت أنه أمر عظيم، لكنها لم تدركه بالكامل. لهذا السبب عندما سُئلت شيئًا أجابت بشيء آخر.


    لم تقل له "أقم أخي"، لكنها قالت: "أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم".
    القديس يوحنا الذهبي الفم
    "ولما قالت هذا مضت ودعت مريم أختها سرًا قائلة:
    المعلم قد حضر، وهو يدعوكِ". (28)لم تنتظر مرثا كلمة مديح من أجل إيمانها، لكنها أدركت خلال هذا اللقاء مفاهيم جديدة، وتمتعت بخبرات جديدة في فترة قصيرة، مضت ودعت أختها مريم لتتمتع هي أيضًا معها بما نالته. هذا وقد سأل السيد عن مريم لأنها لم تأتِ مع أختها. دعتها سرًا لأنه كان حولها كثيرون من المعزين، ولعل بعض المعزين - سواء كانوا رجالاً أو نساءً - ضد يسوع، لا يطيقونه. خشت مرثا لئلا تثير الدعوة اضطرابًا يعوق مريم عن الانطلاق سريعًا لتلتقي بيسوع وتتمتع بتعزياته.
    نلاحظ في حديثها السري مع أختها عن مجيء السيد الآتي:أولاً: دعته "المعلم Didaskalos"، لا تقوم تعزياته على عواطف مجردة، وإنما مع الحب والحنو يقدم حقائق إيمانية فريدة، قادر أن يجتذب تلاميذه المحبوبين لديه وأصدقاءه إلى التعزيات الإلهية.ثانيا: "قد حضر" ذاك الذي طال انتظارنا لمجيئه، ونترجى الكثير من وجوده.ثالثًا: "وهو يدعوك"، فقد سأل عنك بالاسم، لأنه يهتم بكِ، ويطلب سلامكِ وتعزية قلبكِ."أما تلك فلما سمعت قامت سريعًا،
    وجاءت إليه". (29)إذ سمعت دعوة السيد المسيح على فم أختها "قامت سريعًا، وجاءت إليه".وقد علق القديس يوحنا الذهبي الفم على هذا التصرف النبيل، حاسبًا إياها أنها سلكت بالفلسفة الحقيقية، أي بالحكمة التي لا تطلب الأمور التافهة غير النافعة بل ما هو بالحق لخيرها، وقد نالت بسبب حكمتها. من يتصور سيدة مات أخوها منذ أربعة أيام ومعزون كثيرون حولها يبكين وينحن معها، وإذ تسمع عن يسوع لا تنتظر حضوره إليها ليعزيها، بل تنطلق إليه إلى خارج قريتها والنساء حولها يحسبن إياها أنها ذاهبة إلى القبر تبكي!
    ما أحوجنا في وسط دموعنا وتجاربنا ألا نركز أنظارنا على المرارة، ولا نعطي اعتبارًا للمعزين المتعبين العاجزين عن تقديم السلام الحقيقي، بل تنطلق أعماقنا نحو ذاك الذي هو قادم إلينا ليفيض بتعزياته السماوية فينا! لنخرج بالحق من كل شكليات وليرتفع قلبنا بروح الله القدوس إلى السيد المسيح فهو وحده طبيب النفوس والأجساد، وواهب الحياة والقيامة، الإله القدير وحده الذي يبادر دومًا بالحب.
    ما أحوج النفس وسط وادي الدموع هذا أن تترك كل ما يحطمها من متاعب، وتتجاهل كل تعليق بشري، لتنسحب بالرجاء نحو ذاك الذي وحده قادر أن يشكلها بروحه القدوس ويشبعها ويقيمها معه في مجده أبديًا!
    الانشغال المستمر بأحزاننا يسبب لنا كآبة أكثر مرارة من الأحزان نفسها، أما اللقاء مع السيد المسيح، فيهب بهجة الحياة المقامة وتهليلها الدائم.


    انظروا كمثالٍ كيف نالت هذه المرأة مكافئتها بممارستها الحكمة الحقيقية. فإذ كان الكل جالسًا بجوارها إذ كانت تبكي وهي حزينة، لم تنتظر سيدها أنه يجب أن يأتي إليها، ولا طالبت بما يبدو أنه بحقها (فإن النساء الحزينات بجانب بؤسهن لديهن هذا البلاء وهو أنهن يهولن من وضعهن)، أما هي فلم تفعل شيئًا من هذا، فما سمعت حتى أسرعت إليهالقديس يوحنا الذهبي الفم
    "ولم يكن يسوع قد جاء إلى القرية،
    بل كان في المكان الذي لاقته فيه مرثا". (30)بحكمة إلهية كان السيد يتحرك ببطءٍ شديدٍ حتى يعطي مرثا الفرصة لتسرع بدعوة أختها، ويهب مريم فرصة الإسراع نحوه، فينطلق معهما إلى القبر، ويحول أحزانهما إلى أفراح فائقة. هكذا كثيرًا ما يبدو الرب متباطئًا في حلّ مشاكلنا مع أنه يطلب سعادتنا، حتى يهبنا فرصة الالتجاء إليه، والتعبير عما في داخلنا من إيمان حي ورجاء ثابت، فنسرع إليه لندرك خطته الإلهية الخفية والفائقة من نحونا.


    قال عن السيد المسيح: "ولم يكن يسوع قد جاء إلى القرية، بل كان في المكان الذي لاقته فيه مرثا". لأنه مشى ببطءٍ، لئلا يُظن أنه يطرح ذاته في عمل الآية، لكنه انتظر حتى يسأله أولئك من أجلها.القديس يوحنا الذهبي الفم
    "ثم أن اليهود الذين كانوا معها في البيت يعزونها،
    لما رأوا مريم قامت عاجلاً وخرجت،
    تبعوها قائلين: إنها تذهب إلى القبر لتبكي هناك". (31)بينما دعت مرثا أختها سرًا، وقدمت لها دعوة السيد لها (٢٨)، فسحبتها من وسط بكائها ومن وسط المعزين لتجري نحوه، إذا مريم بتحركها الصامت سحبت كل من كان معها في بيتها وهم لا يدرون إلى أين يذهبون. حبها العملي للمخلص جذب الكثيرين ليروا ويلمسوا ذاك الذي يقيم من الأموات.


    لم تأتِ وحدها، بل سحبت معها اليهود الذين كانوا معها في البيت. بحكمة عظيمة دعتها أختها سرًا حتى لا تربك الحاضرين الذين جاءوا معًا، ولم تشر إلى سبب حديثها، فإنه بالتأكيد لو سمعوا لرجعوا إلى بيوتهم. أما الآن إذ خرجت تبكي تبعوها. ربما أكد هذا موت لعازر. القديس يوحنا الذهبي الفم
    "فمريم لما أتت إلى حيث كان يسوع ورأته، خرت عند رجليه، قائلة له:
    يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي". (32)لم يدخل السيد المسيح القرية ولا بيت لعازر وأختيه، وإنما التقى بالأختين ثم ذهب ومعه الجمع إلى القبر. إنه محب لعمله، قد جاء لينطلق إلى القبر، ويتمم عمله بلا تأخير.


    مريم هذه أحر شوقًا من أختها مرثا، لأنها لم تخجل من الجمع، ولا من الظنون التي امتلكها أولئك من أجله، فقد كان فيهم كثيرون من أعدائه، الذين قالوا: "ألم يقدر هذا الذي فتح عيني الأعمى أن يجعل هذا أيضًا لا يموت؟" (٣٧). لكن عند حضور المعلم أبعدت عنها الأوهام الميتة كلها، وتمكنت في عزمٍ واحدٍ من تكريمها المعلم.القديس يوحنا الذهبي الفم


    6. إقامة لعازر من الأموات


    "فلما رآها يسوع تبكي، واليهود الذين جاءوا معها يبكون، انزعج بالروح واضطرب". (33)هنا يظهر السيد المسيح أنه قد صار بالحقيقة إنسانًا يحمل مشاعر إنسانية، يشارك المتألمين، ويبكي مع الباكين. إنه رجل أحزان (إش ٥٣: ٣). لم يوجد قط ضاحكًا، لكنه في أكثر من موضع وًجد باكيًا.


    لم يقل السيد المسيح لها شيئًا، ولا نطق بالأقوال التي قالها لأختها مرثا.، لأن جمعًا كثيرًا كان حاضرًا، ولم يكن وقت لتك الأقوال، لكنه تنازل إذ كشف عن طبيعته الإنسانية، ولم يرد أن يتخيلوا فيه شيئًا أكثر.القديس يوحنا الذهبي الفم


    أنتم تنزعجون بغير إرادتكم، أما المسيح فانزعج لأنه أراد ذلك.
    يسوع جاع، هذا حقيقي، إنما لأنه أراد.
    كان حزينًا، هذه حقيقة، لكن لأنه أراد. في سلطانه أن يكون هكذا أو كذلك، يتأثر أو لا يتأثر. لأن الكلمة أخذ نفسًا وجسدًا حاملاًفيه نفس الطبيعة البشرية واحدًا مع الكلمة، المسيح الواحد. بهذا الكلمة الذي له سلطان فائق يستخدم الضعف رهن إشارة إرادته، وبهذا فقد "انزعج".القديس أغسطينوس "وقال: أين وضعتموه؟ قالوا له: يا سيد تعال وانظر". )34(



    إن سألت: لِم سأل هذا السؤال؟ أجبتك: إنه لم يرد أن يبادر هو، لكنه شاء أن يعرف من أولئك كل ما جرى، وأن يسألوه أن يعمل الآية حتى يستخلص الآية من كل تهمة.القديس يوحنا الذهبي الفم


    سيأتي المسيح إلى قبرك، وإذ يجد مرثا المرأة التي تقدم خدمة صالحة، ومريم التي تهتم بقلبها بكلمة اللَّه مثل الكنيسة المقدسة التي اختارت النصيب الصالح تبكيان، يحنو.
    عند موتك يرى دموع الكثيرين فيقول: "أين وضعتموه؟" بمعنى في أية حال من الجريمة هو؟
    في أية رتبة بين النادمين؟
    أريد أن أرى من تبكون عليه، لكي ما يحركني بدموعه. سأرى إن كان قد مات فعلاً بالخطية فأعالجه بالمغفرة.
    يقول له الشعب: "تعال وأنظر".
    ما معنى "تعال"؟ لتأتِ مغفرة الخطايا، ولتأتِ الحياة إلى من رحل، والقيامة من الأموات، ليأتِ ملكوتك لهذا الخاطئ أيضًا.القديس أمبروسيوس


    يا للعجب الذي جاء ليقيمه من الأموات يبدو كمن لا يعرف موضع القبر، إذ "قال: أين وضعتموه؟" (34). وكما يقول كثير من الآباء أن الله العالم بكل شيء يبدو كمن لا يعرف موضع الظلمة، ولا يعرف الشر ولا الأشرار. لهذا إذ أخطأ آدم في الجنة، سأل الرب: "أين أنت؟" (تك ٣: ٩). وفي يوم الدينونة يقول للأشرار: "لست أعرفكم" (مت ٧: ٢٣)، وهنا يتساءل: "أين وضعتموه؟"


    لست أراكم في نوري، في البرّ الذي أعرفه.


    ماذا تعني "أنظر"؟ ترفق، فإن الرب ينظر حين يتحنن. لذلك قيل له: "أنظر إلى تواضعي وألمي، واغفر لي كل خطاياي" (مت ٩: ١٣).القديس أغسطينوس
    "بكى يسوع". (35)جاء الفعل "بكي" هنا في اليونانية مختلفًا عما ورد عن بكاء مريم وجمهور المحيطين بها (٣٣)، إذ لا يحمل العويل المرتفع مثلهم، بل انسياب الدموع من عينيه. إنها مجرد شهادة عملية لمشاعره العميقة ومشاركته للمتألمين أمام الجموع التي لم تدرك بعد كيف تواجه الموت. وقد وجدت الجموع في هذه الدموع شهادة حية عن محبته للعازر (٣٦).
    يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن كل ما صنعه السيد المسيح كان بحكمته الإلهية لكي تنتفع الجموع بصنع المعجزة، فمن جانب لم يتحدث مع مريم أمام الجموع بما قاله لمرثا حين التقت به منفردة. فقد تحدث عن إقامة لعازر. فلو سمعت الجموع ذلك حيث يحمل كثيرون له عداوة، لتركوه ورجعوا إلى أورشليم، ولم يروا إقامة لعازر. من جانب آخر أكد ناسوته في تلك اللحظات، حتى لا تنفر الجموع إن تحدث عما يخص لاهوته.
    بكى في صمت، واضطرب ثم تنهد كمن يكبح اضطرابه، وسأل عن موضع القبر... كل هذا أثار تساؤلات في أذهان اليهود، ورغبة في معرفة ما سيفعله دون نفورٍ من جانبهم.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 9 نوفمبر 2024 - 4:33