كتب المفكرون كثيرا عن المرأة، وأعطوها حقها الواجب في حياة كريمة، وكان لزاما على المفكرين المسيحيين أن يوضحوا مكانة المرأة في الكتاب المقدس، وقد كتبت مؤلفات عديدة في هذا الصدد، لكن مؤلف كتابنا هذا أخذ اتجاها متطورا في بحثه بالكتاب المقدس وفي تفسيره لبعض الأقوال التي ربما فهمت خطأ عن مكانة المرأة منذ التاريخ الأول إلى العهد الجديد.
المرأة موضوع البحث المستمر
إن الحقيقة المهمة التي نستنتجها من كتابة كثير من الكتاب وأقوال العظماء عن المرأة والتي نستنتجها أيضا من معاملة الشعوب لها بأساليب مختلفة فالنظرة إلى المرأة وأسلوب التعامل معها يختلف باختلاف نظرة الأفراد وتقييمهم لها بحسب نشأتهم وتربيتهم وتعلمهم عنها والذي كان له تأثير في خلق جزء من شخصياتهم ومعتقداتهم عن المرأة. فليست القضية هنا في طبيعة المرأة أو نظرة الله إليها أو ما يقوله الكتاب المقدس عنها، ولكن الاختلاف يتمثل في الفارق بين نظرة شخص وآخر أو معاملة شعب وآخر لها، والدليل على ذلك أننا نجد من يعظمها وآخر عكس ذلك تماما.. وهذه الحقيقة تقودنا إلى أن الإنسان هو القضية والإنسان هو الحل.
المرأة إنسان مساو للرجل تماما
من خلال القول الإلهي (تكوين 26:1-28) وأقوال أخرى واردة في الوحي المقدس نرى المساواة بين الرجل والمرأة من عدة جوانب: البركة متساوية تماما للذكر وللأثنى كما أن هناك مسئولية واحدة متساوية (تكوين 24: 60)، (مزمور 128: 3-4). فمسئولية الإنجاب والكثرة معا ًوأيضا السلطان المعطى بالتساوي للرجل والمرأة معاً، وكما أن الرب خلق المرأة لتكون المعين النظير للرجل، وفي الخليقة الجديدة الجميع واحد في المسيح ( غلاطية 3 :28).
المرأة نبية
"ويكون في الأيام الأخيرة إني أسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاما" (أعمال 16:2-18). وعندما نتأمل في الكتاب المقدس بعهديه نجد الشخصيات النسائية التي أعطاها الرب الشرف أن تقوم بهذه الخدمة العظيمة، ومثال ذلك :
• مريم النبية (خروج 15: 20-21).
• دبورة النبية (قضاة 4: 4-5).
• حنة أم صموئيل النبية ( صموئيل الأول 1: 2).
• حنة بنت فنوئيل: (لوقا 2: 36). وقد كانت حنة نبية ذات مواهب فذة كما يبدو ذلك من أنشودتها التي ترنمت بها أيضا مريم العذراء وكانت بمثابة إشارة إلى المسيح الذي اتضع ليرتفع.
• خلدة النبية ( ملوك الثاني 22: 14)، (أخبار الأيام الثاني 34 : 22) . ونلاحظ هنا أن يوشيا أرسل إلى خلدة النبية ولم يرسل إلى أرميا النبي الذي كان معاصراً لها.
المرأة قائدة بين الرجال
القيادة في المفهوم المسيحي تختلف عنها في المفهوم العالمي، الذي يهدف إلى التسلط والحصول على منصب مرموق وكرسي عال، إذ غايتها الإتيان بكل نفس إلى علاقة حية وثيقة مع الله، أي القائد المسيحي إنسان مملوء من الإيمان، وينذر ويشجع صغار النفوس ويسند الضعفاء، وقد شرف الرب المرأة بأن يكون لها دور قيادي بين الرجال في خدمة الرب ومثال لذلك:
• مريم أخت موسى وهارون.
• دبورة القائدة التي دعت باراق الرجل للحرب، لكنه تراجع واشترط أن تكون دبورة في المقدمة.
• ونرى بولس الرسول الذي أيد نبوة المرأة في (1 كورنثوس 5:11)، (أفسس 4: 11-12) ونرى كل المبادئ اللاهوتية التي يقرها في فكره عن المرأة يبنيها على ما قاله في (1 كورنثوس 11 :11-12)، كما نراه يحيي النساء العاملات في الكنائس وأوصى عليهن (رومية 16: 1) و(1 كورنثوس 16: 19).
المرأة قاضية وملكة
لم تكن دبورة نبية فحسب بل كانت قاضية تميزت بالهيبة والاحترام.. ومن هنا نتطرق إلى وظيفة من أهم الوظائف القيادية التي تبوأتها المرأة كملكة ومثال لذلك:
• الملكة وشتى زوجة الملك احشويروش (أستير 1: 11-12).
• أستير الزوجة اليهودية للملك أحشويروش (أستير 2: 7 -15).
• الملكة معكة بنت تلماي ملك شجشور.. إحدى نساء داود (2 صموئيل 3: 3)، (أخبار الأيام الأول 3 : 2).
• الملكة بثشبع أم الملك سليمان ( صموئيل الثاني 11: 3).
• الملكة معكة أم الملك أبيا وحفيدة أبشالوم وزوجة رحبعام بن سليمان (ملوك الأول 15: 2).
• الملكة عثليا أم أخزيا وهي الملكة الوحيدة التي جلست على عرش الملكة في يهوذا (أخبار الأيام الثاني 22: 10).
• الملكة نعمة العمونية زوجة سليمان (أخبار الأيام الثاني 12 :13).
• الملكة عزوبة بنت شلحي أم يهوشافاط (ملوك الأول 22: 41).
• وهناك ملكات أخريات ذكرها الكتاب المقدس مثل أم امصيا وأم عزريا وأم يهوآحاز وأم يهواش وملكة سبأ والملكة كنداكة ملكة الحبشة.
المرأة تلميذة للمسيح وشماسة بالكنيسة:
من خلال معجزة إشباع الجموع نجد النساء مع أولئك الذين جاءوا لتلقي تعاليم المعلم، وفي زيارة يسوع لبيت مريم ومرثا، نرى مريم الجالسة تحت قدميه لتسمع كلامه. وفوق كل هذا ينطق الوحي لفظا صريحا عن تلمذة المرأة في (أعمال 9 :36) "وكان في يافا تلميذة اسمها طابيثا الذي ترجمته غزالة".
مما هو جدير بالذكر أنه ليس فقط النص الوارد في (رومية 16: 1) الذي يشير فيه الرسول بولس إلى خدمة فيبي كشماسة لكن هناك لإشارة أخرى إلى نساء أخريات كن شماسات. كما يذكر الوحي الإلهي عدة مرات بريسكلا مع زوجها أكيلا فقد أعطاهما الرسول بولس لقب العاملين معي فى المسيح يسوع" (رومية 16 :3).
بعد موت يشوع , بدأ عصر القضاه فى اسرائيل واستمر حوالى 330 سنة من 1425 حتى 1095 ق.م ...
دبورة
ومعنى اسمها نحلة , كانت نبية لاسرائيل وقاضية تقضى لشعبها تحت نخلة دبورة فى جبل افرايم .. وكالنخلة نمت دبورة فى سمو روحى محملة بثمار الحب لربها ولشعبها ...
استدعت دبورة باراق بن ابينوعم من نفتالى وشجعته على تحرير شعبه من سيسرا رئيس جيش يأبين ملك كنعان ولكنه طلبها معه .. فلا شئ يحزن القلب قدر العبودية الروحية لناموس الخطية .. قالت دبورة لباراق " انى اذهب معك غير انه لا يكون لك فخر فى الطريق التى انت سائر فيها لان الرب يبيع سيسرا بيد امرأة .. " قض 4 : 9 ...
+ انتصر باراق على سيسرا , اشارة لنصرة الانسان المؤمن على قوات الظلمة فى جهاده الروحى ورنمت دبورة تسبيحة جميلة , اعلنت فيها مجد الرب فالتسبيح ينبع من قلب ممتلئ من الفرح الالهى وهو يهدم حصون الشر التى يقيها الشيطان حول النفس ... سبحت دبورة " انا انا للرب اترنم .. السموات ايضا قطرت .. تزلزلت الجبال من وجه الرب - قض 5 : 3 ....
* فى تسبيحها حزنت لتعديات شعبها وقالت " وعابرو السبيل ساروا فى مسالك معوجة , خذل الحكام فى اسرائيل .. اختار الهه حديثة - قضاه 5 : 6 ...
* فى تسبيحتها نادت شعبها لليقظة الروحية وترك الرفاهية التى تتمثل فى المأكل الدسمة والملابس الفاخرة والمساكن المزينة مع اهمال الرحمة للفقراء وقالت " ايها الراكبون الاتن الصحر , الجالسون على طنافس والسالكون فى الطريق .. سبحو - قض 5 : 1 ...
فمن يركب الآتن الصحر , كيف يفكر فى شعبه الذى لا يجد قوت يومه ...
ومن يجلس على طنافس كثيرة الثمن , كيف يشعر بأحزان شعبه الفقير المستعبد لسيسرا الشرير ...
ومن يسير فى الطريق طالبا مجد الناس والسبح الباطل كيف يوجه انظار شعبه لمجد الله ؟ ...
قيل عن هرقل الامبراطور الرومانى انه حمل خشبة الصليب بعد استردادها من الفرس واراد ان يدخلها للكنيسة فى اورشليم وكان يضع تاج ملكه المرصع بالجواهر فلم يقدر على ادخال الصليب .. هنا قال له واحد من القديسين " ان سيدك دخل اورشليم حاملا خشبة الصليب وعلى رأسه تاج الشوك , ادرك هرقل المعنى , فخلع تاج اللآلئ وطرحه جانبا وحينئذ تمكن من ادخال الصليب للكنيسة بسهولة ...
ان سمعنا قول اشعياء فى الاصحاح 58 " اليس هذا صوما اختاره , حل قود الشر , فك عقد النير واطلاق المسحوقين احرارا وقطع كل نير .. اليس ان تكسر للجائع خبزك وان تدخل المساكين التائهين الى بيتك .. اذا رأيت عريانا ان تكسوه .. وان لا تتغاضى عن لحمك ...
حينئذ نسمع قول الرب " حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعا .. تدعو فيجيب الرب ...
+ دبورة فى تسبيحتها شجعت باراق لنصرة شعبه وقالت " قم ياباراق واسب سبيك ياابن ابينوعم - قض 5 : 12 * فى تسبيحتها كشفت سر ضعف سبط رأوبين فقالت " على مساقى رأوبين اقضية قلب عظيمة .. لماذا اقمت بين الحظائر , لسمع الصفير للقطعان , لدى مساقى رأوبين مباحث قلب عظيمة ...
فالآقضية والمشاكل والانقسمات والصفير للقطعان فى الحظائر ومحبة العالم وعدم نقاوة العينين والقلب اضعفت هذا السبط بل وهى تضعف اى مؤمن وتحزن روح الله القدوس فى داخله ...* فى تسبيحتها اظهرت سر ضعف سبط زبولون ايضا فقالت " زبولون شعب اهان نفسه الى الموت " ... اهان نفسه بالخطية الخاطئة جدا اذ ان عار الشعوب هو الخطية ...
* فى تسبيحتها اعلنت ايمانها , ونبوتها لم تسقط للآرض ابدا ..فهى فى البداءة قالت لباراق :" لان الرب يبيع سيسرا بيد امرأة "ثم بينت فى تسبيحتها كيف كان ذلك , ففى الحرب , هرب سيسرا الجبار امام باراق الىخيمة ياعيل امرأة حابر القينى الذى كان يقطن فى فلسطين .. استقبلت ياعيل , سيسراوقالت دبورة فى تسبيحتها " طلب ماء فأعطيته لينا .. فى قصعة العظماء قدمت زبدا .. مدت يدها الى الوتد ويمينها الى مضراب العملة - قض 5 : 25 ...
+ قضت دبورة 40 سنة لاسرائيل ... وهى حقا , كانت نحلة , حطت على زهور الايمان فأمتصت القوة وفاضت حياتها بمجد الهها ...
دبورة وهى امرأة تسببت فى خلاص شعبها , وياعيل وهى امرأة ايضا تسببت فى هلاك سيسرا ..
يروي سفر القضاة (4: 4؛ 5: 31) أن الحالة كانت سيّئة في البلاد، والخطر على الحدود. فلا بدّ من "رجل يقضي" في (يهتمّ بأمور) الناس ويخلّصهم من العدو الذي يضايقهم. فإذا نحن أمام امرأة إسمها دبورة، ومعنى اسمها النحلة، وقد عرفت بنشاطها فجعلت البلاد تستريح بعدها أربعين سنة أي فترة كبيرة من الزمن (5: 31).
يذكر الكتاب المقدس زوجها. إسمه لفيدوت، ولا يعطيه أي دور ولا يقول شيئاً عن أولادها. ما أراد أن يشدّد على دور الأمومة، بل على دور القوّة المعنويّة التي تمتّعت بها هذه المرأة، فخطّطت ونفّذت وشجّعت فكان النصر لشعبها.
كانت دبورة نبيّة على مثال مريم أخت هارون وموسى (خر 15: 20). والنبي هو الذي يرى الأمور بعين الله. هو الذي يتكلم باسم الله. هو الذي يثق بالربّ ويسير في الطريق الذي يلهمه دوذ أن يخاف الصعاب وحتى الموت. بحسّها النبوي خلَّصت دبورة شعبها فأصبحت بين القضاة الإثني عشر الذين خلَّصوا شعبهم في ضيق من الضيقات، مع جدعون ويفتاح وشمشون وصموئيل. قال عنها الكتاب: "كانت تجلس تحت نخلة تقع بين الرامة وبيت إيل في جبل افرايم. وكان بنو إسرائيل يصعدون إليها لتقضي لهم" وتنظّم أمورهم. وقد اشتهرت هذه النخلة باسم هذه المرأة المقتدرة التي فرضت على الناس احترام أحكامها.
أما دورها كنبيّة، فلعبته خلال الحرب على بلادها. ولهذا ستسمى في النشيد أم شعبها (5: 7). دعت رجلاً إسمه باراق وقالت له: "الربّ أمرك فاذهب إلى جبل طابور". سمعت كلام الربّ وأوصلته إلى من يجب أن يسمعه. ولكن باراق بدا خائفاً وغير واثق بنفسه فقال لها: "إذا ذهبت معي أذهب". فقالت له: "أذهب معك". تقوّت بقوّة الربّ فما عادت تخاف الموت. سارت في المقدّمة مع القوّاد في قبيلتها (5: 15)، لا في المؤخّرة كما اعتادت النسوة أن تفعل.
إمرأة لا تخاف، ولكنها تعرف الوداعة والخفر فلا تفرض نفسها. لم تكن قائداً حربياً، ولكنها كانت الوسيط بين الله وشعبها من أجل إقامة سلطة شرعيّة.
دبورة هي امرأة تتمتّع ببُعد نظر وتعيش الفضيلة. وهذا ما ساعدها على أن تلعب الدور الذي لعبته، فصارت قريبة جداً من يهوديت التي عرفت الاتكال على الله ساعة خاف الجميع وقرروا الإستسلام إن لم يساعدهم الله بعد خمسة أيام. وجاءت المساعدة من الله لا بصورة مباشرة بل بيد إمرأة أرملة.
يوم كانت الفوضى تعمّ المجتمع، تدخلت امرأة اسمها دبورة. يقول سفر القضاة (21: 25): "في تلك الأيام لم يكن ملك لبني إسرائيل، وكان كل منهم يعمل على هواه". أجل إن مجتمعنا يعرف الضياع والفوضى وهو يحتاج إلى قوّاد. والله يختار ذلك الذي يريد أن يختاره، ولا شيء يمكن أن يحدَّ اختياره. روح الربّ يحل على الشباب وعلى الكهول، على الرجال والنساء، فيجعل منهم قواداً روحيين يقودون الشعب إلى ملء الحياة. هذا ما فعله في دبورة النبية التي احتفظ شعبها بذكراها جيلاً بعد جيل.
نبية هي زوجة لفيدوت. وفد كانت تقيم تحت شجرة نخيل سميت باسمها كانت تقع بين الرامة وبيت إيل في جبل افرايم، وهناك كانت تقضي لبني إسرائيل. وقد دعت باراق ليقوم بمحاربة سيسرا ورافقت باراق في هذه الحرب (قض 4: 9) فالتقى الجيشان: جيش باراق وفيه عشرة آلاف وجيش يابين ملك كنعان بقيادة سيسرا. وكان السيسرا. وكان الذي يقوده سيسرا أكثر من جيش باراق عَدداً وعُدداً. وكان معه تسع مئة مركبة من حديد. ولكنه انهزم وهرب سيسرا وسقط جيشه بحد السيف وبعد النصر ترنمت دبورة بترنيمتها المشهورة الواردة في قض ص 5.
يرى غالبية الدارسين أن تسبحة دبورة، والتي تُدعى "أغنية النصرة" أو "نشيد الغلبة"، من وضع دبورة نفسها، وضعتها بأسلوب شعري رائع وفي بلاغة تفوق أهل زمانها. لذلك فهي أقدم جزء في سفر القضاة. ويرى العلامة أوريجانوس أن هذه التسبحة هي تسبحة الإنسان المجاهد، الذي يكون كدبورة أو النحلة، يترنم بها أثناء جهاده الروحي حيث يزعزع الرب الجبال الوعرة أمامنا واهبًا إيانا النصرة لكي نملك أبديًا.
والتسبحة تضم ٣١ عددًا، تنقسم إلى ثلاثه أقسام أو فصول كل قسم يتكون من ٩ أعداد (٣-١١، ١٣-٢١، ٢٢-٣٠)، أما العددان ١، ٢ فهما مقدمة للتسبحة، والعدد ١٢ مقدمة للقسم الثاني، والعدد ٣١ خاتمة التسبحة.
١. مقدمة التسبحة [١-٢].
٢. الله قائد شعبه [٣-١١].
٣. مقدمة الفصل الثاني [١٢].
٤. معركة دبورة وباراق [١٣-٢١].
٥. هزيمة سيسرا [٢٢-٣٠].
٦. ختام التسبحة [٣١].
١. مقدمة التسبحة:
"فترنمت دبورة وباراق بن أبينوعم في ذلك اليوم قائلين: لأجل قيادة القواد في إسرائيل، لأجل إنتداب الشعب (تقدمهم للحرب باختيارهم)، باركوا الرب" [١-٢].
عند الضيق غالبًا ما يصرخ الإنسان طالبًا الخلاص، لكن عند الفرح نادرًا ما يرجع لله بالشكر والتسبيح لأجل أعماله معنا. لقد صرخ عشرة رجال برص، قائلين: "يا معلم إرحمنا" (لو ١٧: ١٣)، وإذ شفاهم رجع واحد منهم فقط ليمجد الله بصوت غريب وكان سامريًا، لذا قال الرب: "أليس العشرة قد طهروا فأين التسعة؟! ألم يوجد من يرجع ليعطي مجدًا لله غير هذا الغريب الجنس؟!"
إذ خلص الرب شعبه من سيسرا ويابين على يدي دبورة وباراق، انطلقت دبورة تسبح الرب ومعها باراق، لعلها وضعت التسبحة بإرشاد إلهي وقدمتها لباراق، فقادت دبورة النساء للعمل الملائكي التسبيحي وقاد باراق الرجال. عند عبور البحر الأحمر انطلق موسى بالتسبيح (خر ١٥: ١) ووراءه تمثل المريمات اللواتي أعلنَّ القيامة قبل التلاميذ وكان لهن النصيب الأول في التمتع ببهجة القيامة والتمتع بالرب القائم من بين الأموات.
ماذا قالا؟: "لأجل قيادة القواد في إسرائيل"، بمعنى أنهما يسبحان الله الذي عمل في القادة الذين تسلموا مركز القيادة في الحرب معرضين حياتهم للخطر من أجل إخوتهم. وكأن دبورة وباراق وهما يمجدان الله واهب النصرة لا يتجاهلان جهاد أحد وتعبه! وقد جاءت الترجمة السريانية والكلدانية: "لأجل إنتقام إسرائيل"، أي من أجل ما وهبه الله لإسرائيل من قوة للإنتقام من سيسرا.
"لأجل إنتداب الشعب" أي لقبولهم العمل (الحرب) طوعًا، فإن كان القادة قد تسلموا مواقعهم فالشعب أيضًا جاهد بفرح طوعًا... وكأن النصرة الروحية إنما هي ثمر عمل الله في القادة كما في الشعب. ليتنا في الأعمال الناجحة ننسب الفضل كله لله، ولا نتجاهل دور القادة ولا الشعب.
لعل دبورة بقولها: "باركوا الرب" تطلب من القادة الذين كانوا أمناء في مواقعهم وللشعب الذي جاء طوعًا للعمل ألاّ تلهيهم النصرة من تقديم تسبحة الحمد لله والشكر لنعمته الغنية، وإنما يتمثلون بالرسول بولس القائل: "ليس أننا كفاة من أنفسنا أن نفتكر شيئًا كأنه من أنفسنا بل كفايتنا من الله" (٢ كو ٣: ٥).
٢. الله قائد شعبه:
يبدأ صُلب التسبحة بالعبارة: "اسمعوا أيها الملوك واصغوا أيها العظماء، أنا أنا للرب أترنم، إزمر للرب إله إسرائيل" [٣]. إذ لم يكن لإسرائيل ملوك حتى ذلك الحين فالدعوة هنا موجهة لملوك الأمم الوثنية والتي كانت متعاطفة أو متحالفة مع يابين ملك كنعان لكي تتأمل أعمال الله الحيّ، فترجع عن الآلهة الكاذبة وتخشى الرب الحقيقي.
تؤكد "أنا أنا للرب أترنم"، وكأنها تقول: "أنا دبورة المرأة الضعيفة، أنا هي التي تفتح فمها لترنم لله مخلصها". فإن كنتم ملوكًا وعظماء، لكني وأنا الضعيفة أدعوكم لتدارك الأمر وتفهم أعمال الله معنا. وربما تكرار كلمة "أنا" مرتين يشير إلى الكنيسة، التي ترنمت للرب في العهد القديم خلال الناموس، وتزمر له في العهد الجديد خلال النعمة. إنها الكنيسة الواحدة، لكن كها أعضاء من رجال العهد القديم وأعضاء أُخر من العهد الجديد.يرى القديس أغسطينوس[59] أن رقم ٢ يشير إلى "الحب" إذ يجعل الاثنين واحدًا، فتكرار كلمة "أنا" مرتين يشير إلى سمة دبورة الحقيقية أي الكنيسة، القادرة على الترنم والتسبيح، إلاَّ وهي سمة الحب، الذي
المرأة موضوع البحث المستمر
إن الحقيقة المهمة التي نستنتجها من كتابة كثير من الكتاب وأقوال العظماء عن المرأة والتي نستنتجها أيضا من معاملة الشعوب لها بأساليب مختلفة فالنظرة إلى المرأة وأسلوب التعامل معها يختلف باختلاف نظرة الأفراد وتقييمهم لها بحسب نشأتهم وتربيتهم وتعلمهم عنها والذي كان له تأثير في خلق جزء من شخصياتهم ومعتقداتهم عن المرأة. فليست القضية هنا في طبيعة المرأة أو نظرة الله إليها أو ما يقوله الكتاب المقدس عنها، ولكن الاختلاف يتمثل في الفارق بين نظرة شخص وآخر أو معاملة شعب وآخر لها، والدليل على ذلك أننا نجد من يعظمها وآخر عكس ذلك تماما.. وهذه الحقيقة تقودنا إلى أن الإنسان هو القضية والإنسان هو الحل.
المرأة إنسان مساو للرجل تماما
من خلال القول الإلهي (تكوين 26:1-28) وأقوال أخرى واردة في الوحي المقدس نرى المساواة بين الرجل والمرأة من عدة جوانب: البركة متساوية تماما للذكر وللأثنى كما أن هناك مسئولية واحدة متساوية (تكوين 24: 60)، (مزمور 128: 3-4). فمسئولية الإنجاب والكثرة معا ًوأيضا السلطان المعطى بالتساوي للرجل والمرأة معاً، وكما أن الرب خلق المرأة لتكون المعين النظير للرجل، وفي الخليقة الجديدة الجميع واحد في المسيح ( غلاطية 3 :28).
المرأة نبية
"ويكون في الأيام الأخيرة إني أسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاما" (أعمال 16:2-18). وعندما نتأمل في الكتاب المقدس بعهديه نجد الشخصيات النسائية التي أعطاها الرب الشرف أن تقوم بهذه الخدمة العظيمة، ومثال ذلك :
• مريم النبية (خروج 15: 20-21).
• دبورة النبية (قضاة 4: 4-5).
• حنة أم صموئيل النبية ( صموئيل الأول 1: 2).
• حنة بنت فنوئيل: (لوقا 2: 36). وقد كانت حنة نبية ذات مواهب فذة كما يبدو ذلك من أنشودتها التي ترنمت بها أيضا مريم العذراء وكانت بمثابة إشارة إلى المسيح الذي اتضع ليرتفع.
• خلدة النبية ( ملوك الثاني 22: 14)، (أخبار الأيام الثاني 34 : 22) . ونلاحظ هنا أن يوشيا أرسل إلى خلدة النبية ولم يرسل إلى أرميا النبي الذي كان معاصراً لها.
المرأة قائدة بين الرجال
القيادة في المفهوم المسيحي تختلف عنها في المفهوم العالمي، الذي يهدف إلى التسلط والحصول على منصب مرموق وكرسي عال، إذ غايتها الإتيان بكل نفس إلى علاقة حية وثيقة مع الله، أي القائد المسيحي إنسان مملوء من الإيمان، وينذر ويشجع صغار النفوس ويسند الضعفاء، وقد شرف الرب المرأة بأن يكون لها دور قيادي بين الرجال في خدمة الرب ومثال لذلك:
• مريم أخت موسى وهارون.
• دبورة القائدة التي دعت باراق الرجل للحرب، لكنه تراجع واشترط أن تكون دبورة في المقدمة.
• ونرى بولس الرسول الذي أيد نبوة المرأة في (1 كورنثوس 5:11)، (أفسس 4: 11-12) ونرى كل المبادئ اللاهوتية التي يقرها في فكره عن المرأة يبنيها على ما قاله في (1 كورنثوس 11 :11-12)، كما نراه يحيي النساء العاملات في الكنائس وأوصى عليهن (رومية 16: 1) و(1 كورنثوس 16: 19).
المرأة قاضية وملكة
لم تكن دبورة نبية فحسب بل كانت قاضية تميزت بالهيبة والاحترام.. ومن هنا نتطرق إلى وظيفة من أهم الوظائف القيادية التي تبوأتها المرأة كملكة ومثال لذلك:
• الملكة وشتى زوجة الملك احشويروش (أستير 1: 11-12).
• أستير الزوجة اليهودية للملك أحشويروش (أستير 2: 7 -15).
• الملكة معكة بنت تلماي ملك شجشور.. إحدى نساء داود (2 صموئيل 3: 3)، (أخبار الأيام الأول 3 : 2).
• الملكة بثشبع أم الملك سليمان ( صموئيل الثاني 11: 3).
• الملكة معكة أم الملك أبيا وحفيدة أبشالوم وزوجة رحبعام بن سليمان (ملوك الأول 15: 2).
• الملكة عثليا أم أخزيا وهي الملكة الوحيدة التي جلست على عرش الملكة في يهوذا (أخبار الأيام الثاني 22: 10).
• الملكة نعمة العمونية زوجة سليمان (أخبار الأيام الثاني 12 :13).
• الملكة عزوبة بنت شلحي أم يهوشافاط (ملوك الأول 22: 41).
• وهناك ملكات أخريات ذكرها الكتاب المقدس مثل أم امصيا وأم عزريا وأم يهوآحاز وأم يهواش وملكة سبأ والملكة كنداكة ملكة الحبشة.
المرأة تلميذة للمسيح وشماسة بالكنيسة:
من خلال معجزة إشباع الجموع نجد النساء مع أولئك الذين جاءوا لتلقي تعاليم المعلم، وفي زيارة يسوع لبيت مريم ومرثا، نرى مريم الجالسة تحت قدميه لتسمع كلامه. وفوق كل هذا ينطق الوحي لفظا صريحا عن تلمذة المرأة في (أعمال 9 :36) "وكان في يافا تلميذة اسمها طابيثا الذي ترجمته غزالة".
مما هو جدير بالذكر أنه ليس فقط النص الوارد في (رومية 16: 1) الذي يشير فيه الرسول بولس إلى خدمة فيبي كشماسة لكن هناك لإشارة أخرى إلى نساء أخريات كن شماسات. كما يذكر الوحي الإلهي عدة مرات بريسكلا مع زوجها أكيلا فقد أعطاهما الرسول بولس لقب العاملين معي فى المسيح يسوع" (رومية 16 :3).
بعد موت يشوع , بدأ عصر القضاه فى اسرائيل واستمر حوالى 330 سنة من 1425 حتى 1095 ق.م ...
دبورة
ومعنى اسمها نحلة , كانت نبية لاسرائيل وقاضية تقضى لشعبها تحت نخلة دبورة فى جبل افرايم .. وكالنخلة نمت دبورة فى سمو روحى محملة بثمار الحب لربها ولشعبها ...
استدعت دبورة باراق بن ابينوعم من نفتالى وشجعته على تحرير شعبه من سيسرا رئيس جيش يأبين ملك كنعان ولكنه طلبها معه .. فلا شئ يحزن القلب قدر العبودية الروحية لناموس الخطية .. قالت دبورة لباراق " انى اذهب معك غير انه لا يكون لك فخر فى الطريق التى انت سائر فيها لان الرب يبيع سيسرا بيد امرأة .. " قض 4 : 9 ...
+ انتصر باراق على سيسرا , اشارة لنصرة الانسان المؤمن على قوات الظلمة فى جهاده الروحى ورنمت دبورة تسبيحة جميلة , اعلنت فيها مجد الرب فالتسبيح ينبع من قلب ممتلئ من الفرح الالهى وهو يهدم حصون الشر التى يقيها الشيطان حول النفس ... سبحت دبورة " انا انا للرب اترنم .. السموات ايضا قطرت .. تزلزلت الجبال من وجه الرب - قض 5 : 3 ....
* فى تسبيحها حزنت لتعديات شعبها وقالت " وعابرو السبيل ساروا فى مسالك معوجة , خذل الحكام فى اسرائيل .. اختار الهه حديثة - قضاه 5 : 6 ...
* فى تسبيحتها نادت شعبها لليقظة الروحية وترك الرفاهية التى تتمثل فى المأكل الدسمة والملابس الفاخرة والمساكن المزينة مع اهمال الرحمة للفقراء وقالت " ايها الراكبون الاتن الصحر , الجالسون على طنافس والسالكون فى الطريق .. سبحو - قض 5 : 1 ...
فمن يركب الآتن الصحر , كيف يفكر فى شعبه الذى لا يجد قوت يومه ...
ومن يجلس على طنافس كثيرة الثمن , كيف يشعر بأحزان شعبه الفقير المستعبد لسيسرا الشرير ...
ومن يسير فى الطريق طالبا مجد الناس والسبح الباطل كيف يوجه انظار شعبه لمجد الله ؟ ...
قيل عن هرقل الامبراطور الرومانى انه حمل خشبة الصليب بعد استردادها من الفرس واراد ان يدخلها للكنيسة فى اورشليم وكان يضع تاج ملكه المرصع بالجواهر فلم يقدر على ادخال الصليب .. هنا قال له واحد من القديسين " ان سيدك دخل اورشليم حاملا خشبة الصليب وعلى رأسه تاج الشوك , ادرك هرقل المعنى , فخلع تاج اللآلئ وطرحه جانبا وحينئذ تمكن من ادخال الصليب للكنيسة بسهولة ...
ان سمعنا قول اشعياء فى الاصحاح 58 " اليس هذا صوما اختاره , حل قود الشر , فك عقد النير واطلاق المسحوقين احرارا وقطع كل نير .. اليس ان تكسر للجائع خبزك وان تدخل المساكين التائهين الى بيتك .. اذا رأيت عريانا ان تكسوه .. وان لا تتغاضى عن لحمك ...
حينئذ نسمع قول الرب " حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعا .. تدعو فيجيب الرب ...
+ دبورة فى تسبيحتها شجعت باراق لنصرة شعبه وقالت " قم ياباراق واسب سبيك ياابن ابينوعم - قض 5 : 12 * فى تسبيحتها كشفت سر ضعف سبط رأوبين فقالت " على مساقى رأوبين اقضية قلب عظيمة .. لماذا اقمت بين الحظائر , لسمع الصفير للقطعان , لدى مساقى رأوبين مباحث قلب عظيمة ...
فالآقضية والمشاكل والانقسمات والصفير للقطعان فى الحظائر ومحبة العالم وعدم نقاوة العينين والقلب اضعفت هذا السبط بل وهى تضعف اى مؤمن وتحزن روح الله القدوس فى داخله ...* فى تسبيحتها اظهرت سر ضعف سبط زبولون ايضا فقالت " زبولون شعب اهان نفسه الى الموت " ... اهان نفسه بالخطية الخاطئة جدا اذ ان عار الشعوب هو الخطية ...
* فى تسبيحتها اعلنت ايمانها , ونبوتها لم تسقط للآرض ابدا ..فهى فى البداءة قالت لباراق :" لان الرب يبيع سيسرا بيد امرأة "ثم بينت فى تسبيحتها كيف كان ذلك , ففى الحرب , هرب سيسرا الجبار امام باراق الىخيمة ياعيل امرأة حابر القينى الذى كان يقطن فى فلسطين .. استقبلت ياعيل , سيسراوقالت دبورة فى تسبيحتها " طلب ماء فأعطيته لينا .. فى قصعة العظماء قدمت زبدا .. مدت يدها الى الوتد ويمينها الى مضراب العملة - قض 5 : 25 ...
+ قضت دبورة 40 سنة لاسرائيل ... وهى حقا , كانت نحلة , حطت على زهور الايمان فأمتصت القوة وفاضت حياتها بمجد الهها ...
دبورة وهى امرأة تسببت فى خلاص شعبها , وياعيل وهى امرأة ايضا تسببت فى هلاك سيسرا ..
يروي سفر القضاة (4: 4؛ 5: 31) أن الحالة كانت سيّئة في البلاد، والخطر على الحدود. فلا بدّ من "رجل يقضي" في (يهتمّ بأمور) الناس ويخلّصهم من العدو الذي يضايقهم. فإذا نحن أمام امرأة إسمها دبورة، ومعنى اسمها النحلة، وقد عرفت بنشاطها فجعلت البلاد تستريح بعدها أربعين سنة أي فترة كبيرة من الزمن (5: 31).
يذكر الكتاب المقدس زوجها. إسمه لفيدوت، ولا يعطيه أي دور ولا يقول شيئاً عن أولادها. ما أراد أن يشدّد على دور الأمومة، بل على دور القوّة المعنويّة التي تمتّعت بها هذه المرأة، فخطّطت ونفّذت وشجّعت فكان النصر لشعبها.
كانت دبورة نبيّة على مثال مريم أخت هارون وموسى (خر 15: 20). والنبي هو الذي يرى الأمور بعين الله. هو الذي يتكلم باسم الله. هو الذي يثق بالربّ ويسير في الطريق الذي يلهمه دوذ أن يخاف الصعاب وحتى الموت. بحسّها النبوي خلَّصت دبورة شعبها فأصبحت بين القضاة الإثني عشر الذين خلَّصوا شعبهم في ضيق من الضيقات، مع جدعون ويفتاح وشمشون وصموئيل. قال عنها الكتاب: "كانت تجلس تحت نخلة تقع بين الرامة وبيت إيل في جبل افرايم. وكان بنو إسرائيل يصعدون إليها لتقضي لهم" وتنظّم أمورهم. وقد اشتهرت هذه النخلة باسم هذه المرأة المقتدرة التي فرضت على الناس احترام أحكامها.
أما دورها كنبيّة، فلعبته خلال الحرب على بلادها. ولهذا ستسمى في النشيد أم شعبها (5: 7). دعت رجلاً إسمه باراق وقالت له: "الربّ أمرك فاذهب إلى جبل طابور". سمعت كلام الربّ وأوصلته إلى من يجب أن يسمعه. ولكن باراق بدا خائفاً وغير واثق بنفسه فقال لها: "إذا ذهبت معي أذهب". فقالت له: "أذهب معك". تقوّت بقوّة الربّ فما عادت تخاف الموت. سارت في المقدّمة مع القوّاد في قبيلتها (5: 15)، لا في المؤخّرة كما اعتادت النسوة أن تفعل.
إمرأة لا تخاف، ولكنها تعرف الوداعة والخفر فلا تفرض نفسها. لم تكن قائداً حربياً، ولكنها كانت الوسيط بين الله وشعبها من أجل إقامة سلطة شرعيّة.
دبورة هي امرأة تتمتّع ببُعد نظر وتعيش الفضيلة. وهذا ما ساعدها على أن تلعب الدور الذي لعبته، فصارت قريبة جداً من يهوديت التي عرفت الاتكال على الله ساعة خاف الجميع وقرروا الإستسلام إن لم يساعدهم الله بعد خمسة أيام. وجاءت المساعدة من الله لا بصورة مباشرة بل بيد إمرأة أرملة.
يوم كانت الفوضى تعمّ المجتمع، تدخلت امرأة اسمها دبورة. يقول سفر القضاة (21: 25): "في تلك الأيام لم يكن ملك لبني إسرائيل، وكان كل منهم يعمل على هواه". أجل إن مجتمعنا يعرف الضياع والفوضى وهو يحتاج إلى قوّاد. والله يختار ذلك الذي يريد أن يختاره، ولا شيء يمكن أن يحدَّ اختياره. روح الربّ يحل على الشباب وعلى الكهول، على الرجال والنساء، فيجعل منهم قواداً روحيين يقودون الشعب إلى ملء الحياة. هذا ما فعله في دبورة النبية التي احتفظ شعبها بذكراها جيلاً بعد جيل.
نبية هي زوجة لفيدوت. وفد كانت تقيم تحت شجرة نخيل سميت باسمها كانت تقع بين الرامة وبيت إيل في جبل افرايم، وهناك كانت تقضي لبني إسرائيل. وقد دعت باراق ليقوم بمحاربة سيسرا ورافقت باراق في هذه الحرب (قض 4: 9) فالتقى الجيشان: جيش باراق وفيه عشرة آلاف وجيش يابين ملك كنعان بقيادة سيسرا. وكان السيسرا. وكان الذي يقوده سيسرا أكثر من جيش باراق عَدداً وعُدداً. وكان معه تسع مئة مركبة من حديد. ولكنه انهزم وهرب سيسرا وسقط جيشه بحد السيف وبعد النصر ترنمت دبورة بترنيمتها المشهورة الواردة في قض ص 5.
يرى غالبية الدارسين أن تسبحة دبورة، والتي تُدعى "أغنية النصرة" أو "نشيد الغلبة"، من وضع دبورة نفسها، وضعتها بأسلوب شعري رائع وفي بلاغة تفوق أهل زمانها. لذلك فهي أقدم جزء في سفر القضاة. ويرى العلامة أوريجانوس أن هذه التسبحة هي تسبحة الإنسان المجاهد، الذي يكون كدبورة أو النحلة، يترنم بها أثناء جهاده الروحي حيث يزعزع الرب الجبال الوعرة أمامنا واهبًا إيانا النصرة لكي نملك أبديًا.
والتسبحة تضم ٣١ عددًا، تنقسم إلى ثلاثه أقسام أو فصول كل قسم يتكون من ٩ أعداد (٣-١١، ١٣-٢١، ٢٢-٣٠)، أما العددان ١، ٢ فهما مقدمة للتسبحة، والعدد ١٢ مقدمة للقسم الثاني، والعدد ٣١ خاتمة التسبحة.
١. مقدمة التسبحة [١-٢].
٢. الله قائد شعبه [٣-١١].
٣. مقدمة الفصل الثاني [١٢].
٤. معركة دبورة وباراق [١٣-٢١].
٥. هزيمة سيسرا [٢٢-٣٠].
٦. ختام التسبحة [٣١].
١. مقدمة التسبحة:
"فترنمت دبورة وباراق بن أبينوعم في ذلك اليوم قائلين: لأجل قيادة القواد في إسرائيل، لأجل إنتداب الشعب (تقدمهم للحرب باختيارهم)، باركوا الرب" [١-٢].
عند الضيق غالبًا ما يصرخ الإنسان طالبًا الخلاص، لكن عند الفرح نادرًا ما يرجع لله بالشكر والتسبيح لأجل أعماله معنا. لقد صرخ عشرة رجال برص، قائلين: "يا معلم إرحمنا" (لو ١٧: ١٣)، وإذ شفاهم رجع واحد منهم فقط ليمجد الله بصوت غريب وكان سامريًا، لذا قال الرب: "أليس العشرة قد طهروا فأين التسعة؟! ألم يوجد من يرجع ليعطي مجدًا لله غير هذا الغريب الجنس؟!"
إذ خلص الرب شعبه من سيسرا ويابين على يدي دبورة وباراق، انطلقت دبورة تسبح الرب ومعها باراق، لعلها وضعت التسبحة بإرشاد إلهي وقدمتها لباراق، فقادت دبورة النساء للعمل الملائكي التسبيحي وقاد باراق الرجال. عند عبور البحر الأحمر انطلق موسى بالتسبيح (خر ١٥: ١) ووراءه تمثل المريمات اللواتي أعلنَّ القيامة قبل التلاميذ وكان لهن النصيب الأول في التمتع ببهجة القيامة والتمتع بالرب القائم من بين الأموات.
ماذا قالا؟: "لأجل قيادة القواد في إسرائيل"، بمعنى أنهما يسبحان الله الذي عمل في القادة الذين تسلموا مركز القيادة في الحرب معرضين حياتهم للخطر من أجل إخوتهم. وكأن دبورة وباراق وهما يمجدان الله واهب النصرة لا يتجاهلان جهاد أحد وتعبه! وقد جاءت الترجمة السريانية والكلدانية: "لأجل إنتقام إسرائيل"، أي من أجل ما وهبه الله لإسرائيل من قوة للإنتقام من سيسرا.
"لأجل إنتداب الشعب" أي لقبولهم العمل (الحرب) طوعًا، فإن كان القادة قد تسلموا مواقعهم فالشعب أيضًا جاهد بفرح طوعًا... وكأن النصرة الروحية إنما هي ثمر عمل الله في القادة كما في الشعب. ليتنا في الأعمال الناجحة ننسب الفضل كله لله، ولا نتجاهل دور القادة ولا الشعب.
لعل دبورة بقولها: "باركوا الرب" تطلب من القادة الذين كانوا أمناء في مواقعهم وللشعب الذي جاء طوعًا للعمل ألاّ تلهيهم النصرة من تقديم تسبحة الحمد لله والشكر لنعمته الغنية، وإنما يتمثلون بالرسول بولس القائل: "ليس أننا كفاة من أنفسنا أن نفتكر شيئًا كأنه من أنفسنا بل كفايتنا من الله" (٢ كو ٣: ٥).
٢. الله قائد شعبه:
يبدأ صُلب التسبحة بالعبارة: "اسمعوا أيها الملوك واصغوا أيها العظماء، أنا أنا للرب أترنم، إزمر للرب إله إسرائيل" [٣]. إذ لم يكن لإسرائيل ملوك حتى ذلك الحين فالدعوة هنا موجهة لملوك الأمم الوثنية والتي كانت متعاطفة أو متحالفة مع يابين ملك كنعان لكي تتأمل أعمال الله الحيّ، فترجع عن الآلهة الكاذبة وتخشى الرب الحقيقي.
تؤكد "أنا أنا للرب أترنم"، وكأنها تقول: "أنا دبورة المرأة الضعيفة، أنا هي التي تفتح فمها لترنم لله مخلصها". فإن كنتم ملوكًا وعظماء، لكني وأنا الضعيفة أدعوكم لتدارك الأمر وتفهم أعمال الله معنا. وربما تكرار كلمة "أنا" مرتين يشير إلى الكنيسة، التي ترنمت للرب في العهد القديم خلال الناموس، وتزمر له في العهد الجديد خلال النعمة. إنها الكنيسة الواحدة، لكن كها أعضاء من رجال العهد القديم وأعضاء أُخر من العهد الجديد.يرى القديس أغسطينوس[59] أن رقم ٢ يشير إلى "الحب" إذ يجعل الاثنين واحدًا، فتكرار كلمة "أنا" مرتين يشير إلى سمة دبورة الحقيقية أي الكنيسة، القادرة على الترنم والتسبيح، إلاَّ وهي سمة الحب، الذي