قديماً كان الشعب اليوناني قد تأثر جداً بالموسيقى المصرية القديمة، حتى أنها انتشرت بينهم وتوافقت مع أذواقهم وتحولت إلى أغنيات شعبية إغريقية..
وفي العصور الأولى للمسيحية كان هناك تبادل إنتاج وتبادل موسيقى بين اليونانيين والمصريين ..
وبرع في هذا الجو معلمون كثيرون، منهم "ديديموس النحوي"، و"ديمتريوس الفاليروني"، الذي وضع مفاتيح الموسيقى التي كان يستمع إليها في هذا الوقت (القرن الأول الميلادي)، و"كلوديوس البطلمي" الذي صار مقياساً في حساباته الموسيقية (القرن الثاني)، و"أليكيوس الأسكندرى" الذي وضع العلامات الموسيقية عام 360م، و"ديسقوروس" (القرن الرابع)، و"فالنتينوس"، و"بروكولوس.. هؤلاء جميعاً نشئوا في الجو اليوناني المصري وكتبوا عن الموسيقى..
ولكن بعد الانشقاق الذي حدث في مجمع خلقيدونية عام 451م، قطع الأقباط كل صِلاتهم مع الكنيسة البيزنطية وكنيسة روما واحتفظوا بكل تقليدهم وألحانهم بشكل منعزل عن التأثير البيزنطي..
وفي العصور المتأخرة أدخل بعض البطاركة الأقباط مجموعة من الألحان اليونانية -بألحانها الكاملة - إلى الكنيسة القبطية، وإن غلب على أدائها الريتم البطيء والأبعاد المقامية المصرية التي تتناسب مع التربة الموسيقية المصرية.. ومن أمثلة ذلك لحن "إي بارثينوس"، و"خريستوس آنيستي" اليوناني، و"تون سينا"، و"توليستو"..
(4) حدوث اندماج بين الكنيسة القبطية والكنيسة السريانية أيضاً :-
فقد ذهب بعض الرهبان ليتعلموا في الكنيسة السريانية ناحية البحر الميت، ونقلوا ما يُسمَّى ب "قانون اللحن".
يقول المؤرخ المشهور "يوسابيوس القيصري" نقلاً عن العلامة المؤرخ اليهودى "فيلو" المعاصر للرسل: "وهكذا لا يقضون وقتهم في تأملات فحسب، بل أيضاً يؤلفون الأغاني والترانيم لله بكل أنواع الأوزان والألحان ويقسمونها بطبيعة الحال إلى مقاييس مختلفة".
وهكذا نجد أن الألحان في الكنيسة القبطية أصيلة، وقد ضبطت أنغامها وأوزانها في عصر من أزهي العصور الروحية للكنيسة وهو عصرها الرسولي الأول، عصر إنسكاب المواهب بلا حدود، فقد إضطلع هؤلاء الآباء بوضع خطوط الليتورجيا الأولى كلها، أي الخدمات الإلهية بتسابيحها وألحانها وأوزانها وأوقاتها الليلية والنهارية والتي للأعياد والمواسم، فمن المعروف أنه بعد قبول الإيمان المسيحي على يد مارمرقس الرسول عاشت الكنيسة مدة قرنين كاملين من الزمان في غاية من الهدوء والسلام، وذلك بتدبير الحكمة الإلهية حتى تتفرغ الكنيسة لغرس تقاليدها الأولى التي تسلمتها من الرسل في التربة المصرية.إن الألحان القبطية نشأت مع الكنيسة نفسها، وتاريخ اللحن الكنسي بدأ مع القديس "مرقس" في الإسكندرية، فمن المعروف أن الإسكندرية في ذلك الوقت كانت مركزاً هاماً للثقافة، وأن مارمرقس نفسه كان مثقفاً باللغات العبرية واللاتينية واليونانية، لذلك قام بإنشاء "مدرسة اللاهوت" والتي كانت تدرس فيها الموسيقى والفلسفة والمنطق والطب والهندسة إلى جوار العلوم الدينية، وعين لرئاستها العلامة "يسطس"، وقد إشتهرت هذه المدرسة جداً حتى أنه كان يستمع إلى محاضراتها "أمونيوس السقاص" زعيم فلاسفة الوثنيين.
ومن بين الذين وضعوا ألحاناً قبطية وصاغوها: القديس "ديديموس الضرير"، والقديس "أثناسيوس الرسولي" والذى يقال أنه وضع لحن "أومونوجينيس = أيها الوحيد الجنس" بإستخدام كلمات يونانية، والقديس "غريغوريوس النزينزي الثيئولوغوس = الناطق بالإلهيات"، والقديس "سينوسيوس القيرني أسقف الخمس مدن الغربية، والقديس "مارإفرام السرياني" الملقب بـ "قيثارة الروح القدس" والذي أخصب الألحان الكنسية في الشرق (وقد خلف مارإفرام في تأليف الألحان الشعرية القديس "إسحق الأنطاكي" في منتصف القرن الخامس الميلادي، وكذلك القديس "يعقوب السروجي" فيمابين النهرين سنة 521م)، والقديس "أمبروسيوس" أمير اللحن اللاتيني والذي أخصب اللحن اللاتيني.
فليفتخر الأقباط بتقليدهم الكنسي، لأنه الأصل الذي أخذت عنه معظم كنائس الشرق والغرب، فمن حيث نظام الصلوات وترتيبها والسواعي، فالكنيسة القبطية هي معلمة المسكونة، والتسبيح وطريقة الخدمة سواء بـ "الأنتيفونات = المرابعة" أو "المردات" وكذلك إعداد المزامير التي تقال وخدمة سهر الليل، كل هذه الترتيبات إستقرت في مصر منذ القرن الأول، ومن مصر وعن طريق الرهبان الأجانب الذين جاءوا وتتلمذوا على أيدي الآباء بعد ذلك بنحو ثلاثة قرون، إنتشر هذا النظام والترتيب الكنسي في فلسطين على يدي الراهب "هيلاريون"، وفيما بين النهرين على يدي الراهب "أوجين"، وفي كبادوكيا وآسيا الصغرى على يدي القديس "باسيليوس"، وفي فرنسا وإيطاليا على يدي القديس أثناسيوس الرسولي أولاً (في منفاه الثاني هناك سنة 340 - 346م)، ثم الراهب "كاسيان".
وقد بدأت أنظار العالم كله حالياً تتجه إلى ثراث الألحان القبطية الخالد، هذا الذي حفظته الكنيسة على مدى عشرين قرناً من الزمان، وسلمته جيلاً بعد جيل، ما يسمى بـ " التسليم، أو التواتر بين الأجيال، أو التقليد الشفاهي Oral Tradition". وإستطاعت أن تعبر به عصور الإضطهاد المُرة عبر القرون الطويلة.
إن ما فعلته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من أجل الحفاظ على الألحان القبطية التي تسلمتها من الآباء الأولين، يعد معجزة كبيرة، فإذا كان الغرب يقف مندهشاً أمام آثارنا الفرعونية التي بقيت راسخة آلاف السنين، فإنه يقف أكثر إندهاشاً أمام هذه الألحان متسائلاً: "كيف إستطعتم أن تحافظوا على نغمات - تتحرك في الهواء وتنتقل بين المشاعر والأحاسيس - ألفي عام؟، في أزمنة غابت فيها أجهزة التسجيل؟ وكيف بقيت في قلب الكنيسة هذه الألحان، ولم يكن وقتئذ علم التدوين الموسيقي قد وجد؟".
وفي العصور الأولى للمسيحية كان هناك تبادل إنتاج وتبادل موسيقى بين اليونانيين والمصريين ..
وبرع في هذا الجو معلمون كثيرون، منهم "ديديموس النحوي"، و"ديمتريوس الفاليروني"، الذي وضع مفاتيح الموسيقى التي كان يستمع إليها في هذا الوقت (القرن الأول الميلادي)، و"كلوديوس البطلمي" الذي صار مقياساً في حساباته الموسيقية (القرن الثاني)، و"أليكيوس الأسكندرى" الذي وضع العلامات الموسيقية عام 360م، و"ديسقوروس" (القرن الرابع)، و"فالنتينوس"، و"بروكولوس.. هؤلاء جميعاً نشئوا في الجو اليوناني المصري وكتبوا عن الموسيقى..
ولكن بعد الانشقاق الذي حدث في مجمع خلقيدونية عام 451م، قطع الأقباط كل صِلاتهم مع الكنيسة البيزنطية وكنيسة روما واحتفظوا بكل تقليدهم وألحانهم بشكل منعزل عن التأثير البيزنطي..
وفي العصور المتأخرة أدخل بعض البطاركة الأقباط مجموعة من الألحان اليونانية -بألحانها الكاملة - إلى الكنيسة القبطية، وإن غلب على أدائها الريتم البطيء والأبعاد المقامية المصرية التي تتناسب مع التربة الموسيقية المصرية.. ومن أمثلة ذلك لحن "إي بارثينوس"، و"خريستوس آنيستي" اليوناني، و"تون سينا"، و"توليستو"..
(4) حدوث اندماج بين الكنيسة القبطية والكنيسة السريانية أيضاً :-
فقد ذهب بعض الرهبان ليتعلموا في الكنيسة السريانية ناحية البحر الميت، ونقلوا ما يُسمَّى ب "قانون اللحن".
يقول المؤرخ المشهور "يوسابيوس القيصري" نقلاً عن العلامة المؤرخ اليهودى "فيلو" المعاصر للرسل: "وهكذا لا يقضون وقتهم في تأملات فحسب، بل أيضاً يؤلفون الأغاني والترانيم لله بكل أنواع الأوزان والألحان ويقسمونها بطبيعة الحال إلى مقاييس مختلفة".
وهكذا نجد أن الألحان في الكنيسة القبطية أصيلة، وقد ضبطت أنغامها وأوزانها في عصر من أزهي العصور الروحية للكنيسة وهو عصرها الرسولي الأول، عصر إنسكاب المواهب بلا حدود، فقد إضطلع هؤلاء الآباء بوضع خطوط الليتورجيا الأولى كلها، أي الخدمات الإلهية بتسابيحها وألحانها وأوزانها وأوقاتها الليلية والنهارية والتي للأعياد والمواسم، فمن المعروف أنه بعد قبول الإيمان المسيحي على يد مارمرقس الرسول عاشت الكنيسة مدة قرنين كاملين من الزمان في غاية من الهدوء والسلام، وذلك بتدبير الحكمة الإلهية حتى تتفرغ الكنيسة لغرس تقاليدها الأولى التي تسلمتها من الرسل في التربة المصرية.إن الألحان القبطية نشأت مع الكنيسة نفسها، وتاريخ اللحن الكنسي بدأ مع القديس "مرقس" في الإسكندرية، فمن المعروف أن الإسكندرية في ذلك الوقت كانت مركزاً هاماً للثقافة، وأن مارمرقس نفسه كان مثقفاً باللغات العبرية واللاتينية واليونانية، لذلك قام بإنشاء "مدرسة اللاهوت" والتي كانت تدرس فيها الموسيقى والفلسفة والمنطق والطب والهندسة إلى جوار العلوم الدينية، وعين لرئاستها العلامة "يسطس"، وقد إشتهرت هذه المدرسة جداً حتى أنه كان يستمع إلى محاضراتها "أمونيوس السقاص" زعيم فلاسفة الوثنيين.
ومن بين الذين وضعوا ألحاناً قبطية وصاغوها: القديس "ديديموس الضرير"، والقديس "أثناسيوس الرسولي" والذى يقال أنه وضع لحن "أومونوجينيس = أيها الوحيد الجنس" بإستخدام كلمات يونانية، والقديس "غريغوريوس النزينزي الثيئولوغوس = الناطق بالإلهيات"، والقديس "سينوسيوس القيرني أسقف الخمس مدن الغربية، والقديس "مارإفرام السرياني" الملقب بـ "قيثارة الروح القدس" والذي أخصب الألحان الكنسية في الشرق (وقد خلف مارإفرام في تأليف الألحان الشعرية القديس "إسحق الأنطاكي" في منتصف القرن الخامس الميلادي، وكذلك القديس "يعقوب السروجي" فيمابين النهرين سنة 521م)، والقديس "أمبروسيوس" أمير اللحن اللاتيني والذي أخصب اللحن اللاتيني.
فليفتخر الأقباط بتقليدهم الكنسي، لأنه الأصل الذي أخذت عنه معظم كنائس الشرق والغرب، فمن حيث نظام الصلوات وترتيبها والسواعي، فالكنيسة القبطية هي معلمة المسكونة، والتسبيح وطريقة الخدمة سواء بـ "الأنتيفونات = المرابعة" أو "المردات" وكذلك إعداد المزامير التي تقال وخدمة سهر الليل، كل هذه الترتيبات إستقرت في مصر منذ القرن الأول، ومن مصر وعن طريق الرهبان الأجانب الذين جاءوا وتتلمذوا على أيدي الآباء بعد ذلك بنحو ثلاثة قرون، إنتشر هذا النظام والترتيب الكنسي في فلسطين على يدي الراهب "هيلاريون"، وفيما بين النهرين على يدي الراهب "أوجين"، وفي كبادوكيا وآسيا الصغرى على يدي القديس "باسيليوس"، وفي فرنسا وإيطاليا على يدي القديس أثناسيوس الرسولي أولاً (في منفاه الثاني هناك سنة 340 - 346م)، ثم الراهب "كاسيان".
وقد بدأت أنظار العالم كله حالياً تتجه إلى ثراث الألحان القبطية الخالد، هذا الذي حفظته الكنيسة على مدى عشرين قرناً من الزمان، وسلمته جيلاً بعد جيل، ما يسمى بـ " التسليم، أو التواتر بين الأجيال، أو التقليد الشفاهي Oral Tradition". وإستطاعت أن تعبر به عصور الإضطهاد المُرة عبر القرون الطويلة.
إن ما فعلته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من أجل الحفاظ على الألحان القبطية التي تسلمتها من الآباء الأولين، يعد معجزة كبيرة، فإذا كان الغرب يقف مندهشاً أمام آثارنا الفرعونية التي بقيت راسخة آلاف السنين، فإنه يقف أكثر إندهاشاً أمام هذه الألحان متسائلاً: "كيف إستطعتم أن تحافظوا على نغمات - تتحرك في الهواء وتنتقل بين المشاعر والأحاسيس - ألفي عام؟، في أزمنة غابت فيها أجهزة التسجيل؟ وكيف بقيت في قلب الكنيسة هذه الألحان، ولم يكن وقتئذ علم التدوين الموسيقي قد وجد؟".