الثلاثاء 28 رمضان 1431هـ - 07 سبتمبر 2010م
مستغانمي : من ذاكرة الجسد الى ذاكرة الروح
حسين الرواشدة
على صفحتها في موقع "فيس بوك" قدمت احلام مستغانمي نصائح للمعجبات بها من النساء ، وقد اعجبتني كلمات ومواعظ هذه الاديبة صاحبة روايات "ذاكرة الجسد" و"عابر سرير" و"فوضى الحواس" وتمنيت على اخواتنا ان يتأملن فيما قالته ، تقول -مثلا - : "لا تطمئني الى رجل انصرف عن طاعة الله مأخوذا بدنياه ، ان من لا يعترف بفضل الله عليه لن يعترف بجميلك "ولا بجمالك: هذه من عندي" ، ومن لا يستحي من ملاقاة الله مذنبا سيذنب في حقك من دون شعور بالذنب ، ومن ترك صلاته وصيامه بذرائع واهية ، وتربى عليها ، سيعثر حين يشاء على الذرائع التي يحتاج اليها لتركك" ، وتضيف ناصحة من تبحث عن زوج يشاركها حياتها: "من لا يرى ابعد من حياته ولا يحسب للآخرة حسابا هو في الحب لا يرى ابعد من لحظته ، ولن يصدق في التزامه معك ابعد يومه ، ومن نسي ان الله يراه ، سينسى ان يرى دموعك حين تبكين ظلمه ، ومن لم يعتد التضرع لله طلبا للغفران ، لن تجدي معه عند الحاجة تضرعاتك".
لا اخفي انني فوجئت بهذه النصائح ، لا لان لم اسمع مثلها من قبل ، وانما لأنها صدرت عن كاتبة مثل مستغانمي اشتهرت بنوع خاص من الكتابة يعرفه كل من قرأ رواياتها ومقالاتها ، وهذه - ربما - المرّة الاولى التي تدخل فيها هذا الجانب "الروحاني" في خطابها الموجّه للمرأة ، قد لا يكون هنالك اي تحول في اتجاهات احلام الفكرية ، وقد تكون نصائحها تعبر حقيقة عن جوهر "الايمان" الذي يكمن في قلوبنا جميعا ، وقد تكون التجارب التي مرت بها قد قادتها الى هذه النتيجة التي عبّرت عنها بمنتهى البلاغة ، لا يهم بالطبع لماذا اقتربت من هذا "الوعظ" الديني الذي اعتقد انه جزء اساسي من تكوين انساننا "المؤمن" سواء أكان رجلا ام امرأة ، متدينا ام غير متدين ، وانما المهم ان نستقبله بقلوب مفتوحة على "الترهيب" والاحتفاء بهذا المولود الجديد الذي لا اتردد عن اعلنا سعادتي به ، خاصة حين يصدر عن روائية بمستوى مستغانمي ، تعرضت -كإمرأة - وروائية - لمختلف انواع النقد والتقريع ومنعت رواياتها من دخول بعض بلداننا الاسلامية ، واتهمت كتاباتها -للاسف - بالفجور وقلة الاحتشام.
ما دفعني الى اثبات نصائح مستغانمي يتلخص في ثلاث مسائل:
اولاها ان الباعث الديني مهما تظاهر بعضنا الهروب منه هو مفتاح السر لكل ما يواجهنا في حياتنا من الغاز ، حين نشعر باليأس نبحث عن الخلاص في الدين ، وحين يداهمنا المرض نتوجه بالدعاء الى الله ، وحين تخيّر المرأة بين رجل متدين يعرف الله وآخر لا علاقة له بالدين تختار الاول حتى لو كان فقيرا ، ما يعني اننا جميعا "متدينون" وان اختلفت درجات تديننا وان الدين -مهما ابتعدنا عنه - فهو خيارنا وملاذنا الاخير.
المسألة الثانيو تتعلق بطبيعة استقبالنا لهذه "المواعظ" وقد ازعجني فعلا ان بعض دعاتنا -ناهيك عن العامة - يقيسون علاقة الانسان بخالقه وفق مساطرهم فبعض الخطباء في رمضان مثلا لا ينظرون الى رواد المساجد المقبلين على الله الا من ثقب "عبّاد رمضان" ولهذا فهم يستقبلونهم بمنطق التأنيب والتقريع لا الترحيب والاحتفاء وهذا -بالضبط - ما حصل مع الكاتبة مستغانمي حين قدمت هذه النصائح.
وكأن بعضنا يستكثر على غيره ان يقترب من الله تعالى ، ويحتكر هذه العلاقة لنفسه فقط ، مع ان الله تعالى رب العالمين.. والتائبين والصادقين .. وليس رب "المسلمين فقط".
اما المسألة الثالثة فتتعلق بالمرأة وما تطالب به من حقوق ، او تبحث عنه من امان وسعادة وحضور ، خاصة في علاقتها مع الرجل والمجتمع واعتقد ان نصائح مستغانمي لنسائنا اللاتي هربن من "الدين" نموذجا للمرجعية التي تحررهن مما وقعن فيه من حيرة وخوف وانعدام وزن ، والمرجعية هي "الدين" هذا الذي يضبط علاقاتنا الانسانية ويهذب سلوكنا ويسمو بنا فوق كل المشكلات والاختلافات فمن دون مخافة الله والاحساس بجماله وعدله وقوته وغفرانه ، لا يمكان لنا ان نشعر بجمال الاخرين او عدلهم او سماحتهم ، ولا يمكن لنا ان نتحرر من احقادنا وضغائننا وبؤسنا وبشاعتنا.
شكرا لأحلام مستغانمي التي قدمت لاخواتنا المؤمنات الباحثات عن السعادة مع ازواجهن واحبائهن هذه النصائح الثمينة.. وارجو ان نقرأ لها -قريبا - رواية عن "ذاكرة الروح" او عن "عابر طريق" يفضي بها وبنا الى "الهداية".
سيقول لي البعض: تكتب عن صاحبة "عابر سرير" وتحتفي بمواعظها الدينية؟ واقول: لًمَ لا؟ وهل طريق الهداية محجوز لبعض الناس دون غيرهم؟ ومن يدري ربما تكون مستغانمي وغيرها اقرب الى الله مني ومنك ، أولسنا جميعا مذنبين؟ فتعال معي ندعو الله ان يغفر لنا ويدلنا على الصواب.
*نقلا عن "الدستور" الأردنية
مستغانمي : من ذاكرة الجسد الى ذاكرة الروح
حسين الرواشدة
على صفحتها في موقع "فيس بوك" قدمت احلام مستغانمي نصائح للمعجبات بها من النساء ، وقد اعجبتني كلمات ومواعظ هذه الاديبة صاحبة روايات "ذاكرة الجسد" و"عابر سرير" و"فوضى الحواس" وتمنيت على اخواتنا ان يتأملن فيما قالته ، تقول -مثلا - : "لا تطمئني الى رجل انصرف عن طاعة الله مأخوذا بدنياه ، ان من لا يعترف بفضل الله عليه لن يعترف بجميلك "ولا بجمالك: هذه من عندي" ، ومن لا يستحي من ملاقاة الله مذنبا سيذنب في حقك من دون شعور بالذنب ، ومن ترك صلاته وصيامه بذرائع واهية ، وتربى عليها ، سيعثر حين يشاء على الذرائع التي يحتاج اليها لتركك" ، وتضيف ناصحة من تبحث عن زوج يشاركها حياتها: "من لا يرى ابعد من حياته ولا يحسب للآخرة حسابا هو في الحب لا يرى ابعد من لحظته ، ولن يصدق في التزامه معك ابعد يومه ، ومن نسي ان الله يراه ، سينسى ان يرى دموعك حين تبكين ظلمه ، ومن لم يعتد التضرع لله طلبا للغفران ، لن تجدي معه عند الحاجة تضرعاتك".
لا اخفي انني فوجئت بهذه النصائح ، لا لان لم اسمع مثلها من قبل ، وانما لأنها صدرت عن كاتبة مثل مستغانمي اشتهرت بنوع خاص من الكتابة يعرفه كل من قرأ رواياتها ومقالاتها ، وهذه - ربما - المرّة الاولى التي تدخل فيها هذا الجانب "الروحاني" في خطابها الموجّه للمرأة ، قد لا يكون هنالك اي تحول في اتجاهات احلام الفكرية ، وقد تكون نصائحها تعبر حقيقة عن جوهر "الايمان" الذي يكمن في قلوبنا جميعا ، وقد تكون التجارب التي مرت بها قد قادتها الى هذه النتيجة التي عبّرت عنها بمنتهى البلاغة ، لا يهم بالطبع لماذا اقتربت من هذا "الوعظ" الديني الذي اعتقد انه جزء اساسي من تكوين انساننا "المؤمن" سواء أكان رجلا ام امرأة ، متدينا ام غير متدين ، وانما المهم ان نستقبله بقلوب مفتوحة على "الترهيب" والاحتفاء بهذا المولود الجديد الذي لا اتردد عن اعلنا سعادتي به ، خاصة حين يصدر عن روائية بمستوى مستغانمي ، تعرضت -كإمرأة - وروائية - لمختلف انواع النقد والتقريع ومنعت رواياتها من دخول بعض بلداننا الاسلامية ، واتهمت كتاباتها -للاسف - بالفجور وقلة الاحتشام.
ما دفعني الى اثبات نصائح مستغانمي يتلخص في ثلاث مسائل:
اولاها ان الباعث الديني مهما تظاهر بعضنا الهروب منه هو مفتاح السر لكل ما يواجهنا في حياتنا من الغاز ، حين نشعر باليأس نبحث عن الخلاص في الدين ، وحين يداهمنا المرض نتوجه بالدعاء الى الله ، وحين تخيّر المرأة بين رجل متدين يعرف الله وآخر لا علاقة له بالدين تختار الاول حتى لو كان فقيرا ، ما يعني اننا جميعا "متدينون" وان اختلفت درجات تديننا وان الدين -مهما ابتعدنا عنه - فهو خيارنا وملاذنا الاخير.
المسألة الثانيو تتعلق بطبيعة استقبالنا لهذه "المواعظ" وقد ازعجني فعلا ان بعض دعاتنا -ناهيك عن العامة - يقيسون علاقة الانسان بخالقه وفق مساطرهم فبعض الخطباء في رمضان مثلا لا ينظرون الى رواد المساجد المقبلين على الله الا من ثقب "عبّاد رمضان" ولهذا فهم يستقبلونهم بمنطق التأنيب والتقريع لا الترحيب والاحتفاء وهذا -بالضبط - ما حصل مع الكاتبة مستغانمي حين قدمت هذه النصائح.
وكأن بعضنا يستكثر على غيره ان يقترب من الله تعالى ، ويحتكر هذه العلاقة لنفسه فقط ، مع ان الله تعالى رب العالمين.. والتائبين والصادقين .. وليس رب "المسلمين فقط".
اما المسألة الثالثة فتتعلق بالمرأة وما تطالب به من حقوق ، او تبحث عنه من امان وسعادة وحضور ، خاصة في علاقتها مع الرجل والمجتمع واعتقد ان نصائح مستغانمي لنسائنا اللاتي هربن من "الدين" نموذجا للمرجعية التي تحررهن مما وقعن فيه من حيرة وخوف وانعدام وزن ، والمرجعية هي "الدين" هذا الذي يضبط علاقاتنا الانسانية ويهذب سلوكنا ويسمو بنا فوق كل المشكلات والاختلافات فمن دون مخافة الله والاحساس بجماله وعدله وقوته وغفرانه ، لا يمكان لنا ان نشعر بجمال الاخرين او عدلهم او سماحتهم ، ولا يمكن لنا ان نتحرر من احقادنا وضغائننا وبؤسنا وبشاعتنا.
شكرا لأحلام مستغانمي التي قدمت لاخواتنا المؤمنات الباحثات عن السعادة مع ازواجهن واحبائهن هذه النصائح الثمينة.. وارجو ان نقرأ لها -قريبا - رواية عن "ذاكرة الروح" او عن "عابر طريق" يفضي بها وبنا الى "الهداية".
سيقول لي البعض: تكتب عن صاحبة "عابر سرير" وتحتفي بمواعظها الدينية؟ واقول: لًمَ لا؟ وهل طريق الهداية محجوز لبعض الناس دون غيرهم؟ ومن يدري ربما تكون مستغانمي وغيرها اقرب الى الله مني ومنك ، أولسنا جميعا مذنبين؟ فتعال معي ندعو الله ان يغفر لنا ويدلنا على الصواب.
*نقلا عن "الدستور" الأردنية