التوازن العسكري في المنطقة.. من حرّك أطرافه أولًا ؟
الرياض السعودية
GMT 5:47:00 2010 الإثنين 20 سبتمبر
علي الخشيبان
صفقة أسلحة محتملة قد تشتريها المملكة العربية السعودية من أمريكا تحقيقا وتكريسا لأمنها الوطني في ظل تحولات محتملة في ميزان القوى في المنطقة وحفاظا على مكانتها كدولة ذات أهمية كبرى ، فهي الدولة الأكثر أهمية بين دول العالم نظرا لمكانتها الاقتصادية من حيث الموارد بالإضافة إلى مكانتها الإسلامية كونها بلد الحرمين الشريفين.
جميع دول العالم لا تعتبر قوتها الجوية أو الأرضية مكتملة دون سلاح أمريكي وتقنية متطورة لذلك فشراء الأسلحة سياسيا ليس عملية استهلاكية ولكنها عملية إستراتيجية تضع الدول في مكانها الصحيح فوق ميزان القوى في المنطقة التي تعيش فيها والذي يعتبر الميزان الأقوى حساسية ودقة في العالم والدولة التي تتغيب عن متابعة موقعها فوق ذلك الميزان تتعرض للكثير من الأزمات السياسية.
السعودية بطبيعتها التاريخية دولة مسالمة ولم تكن يوما في موقف عدواني من احد، ولا تسعى إلى ذلك طوال تاريخها فهي دولة حضارية تدرك أنها يجب أن تحمي مقدراتها التنموية وشعبها وبنفس الوقت تحافظ على جيرانها والمحيطين بها بكل ما أوتيت من قوة .. ولعل التاريخ لا ينسى موقف المملكة المشرّف من أزمة الخليج التي احتلت فيها الكويت.
كانت محاولات المملكة مستميتة لتجنب إطلاق رصاصة واحدة في اتجاه عرب آخرين حفاظا على قيمها العربية والإسلامية ، وعندما اعتدى الحوثيون على حدود المملكة في بداية هذا العام تعاملت المملكة مع الوضع بطريقة أعتقد انه لا يمكن لأي دولة في العالم أن تمارسها بهذه المهارة مع أن حدودها أصبحت معرضة للحرب من فئات تعيش في كيان دولة أخرى ومع ذلك بذلت المملكة الكثير من الجهد لمساعدة جارتها على الاستقرار والثبات في مواجهة أزماتها.
الميزان العسكري في المنطقة تتحدث به إسرائيل وتراقبه بشكل دائم ولكنها تدرك أن عناصر هذا الميزان راسخة لبعض الدول في المنطقة ومنها المملكة التي تعتبر العنصر الأهم في المنطقة لإحداث السلام وتحقيقه، فإسرائيل ظلت تضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لأكثر من ستين عاما لتكون في ميزان يساوي بل ويزيد على جيرانها العرب وقد اشترت إسرائيل الكثير من السلاح الأمريكي وحصلت على ما هو أكثر من ذلك.
السلاح في دولة مثل المملكة ليس للاعتداء أبدا ولم يستخدم في تاريخ الدولة السعودية الحديثة سلاحا ضد القريبين أو البعيدين ولكن الشيء الأهم أن تكون مستعدا دائما لممارسة دورك كدولة لها وزن من العيار الثقيل في المنطقة.
خلال السنوات الماضية برزت مؤشرات جيدة لفتت الأنظار إلى دول تحاول أن تغير في ميزان القوى لأهداف سياسية وأيديولوجية فهناك سباق محموم تمارسه إيران التي ترغب الحصول على السلاح النووي والتسلح بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وكان ذلك على حساب الاقتصاد وتم تجويع الاقتصاد الإيراني من اجل هذا السلاح الذي مهما كانت أهدافه سلمية أو عسكرية إلا أن دول المنطقة المحيطة بإيران يجب أن تكون أكثر قدرة على حماية نفسها من كل احتمال ممكن ففي السياسة ليس هناك احتمال واحد فقط هناك مئات الاحتمالات الممكن حدوثها في حال تمكنت دولة في المنطقة من امتلاك سلاح نووى لأهداف عسكرية.
فليست العملية دخول الحرب أو الخروج منها ولكن الأهم أن يدرك الجميع أن جيران إيران لديهم القدرة على حماية أنفسهم بطرق شتى، إيران التي تنتشر في كل مكان تتحدث عن كل شيء ولكنها لا تتحدث عن ضمانات سلمية وأصبحت إيران المذهبية مختلطة بطريقة مخيفة في كل شبر محيط بالمنطقة، لقد تخطت إيران المذهبية حدودها بشكل لا يتفق مع قيم الدولة وأصبحت المذهبية جزءاً من الصراع السياسي والإثارة. وقبل أن أدخل إلى قائمة من الممارسات الفكرية والسياسية للأيديولوجيات الإيرانية أشير إلى مقال نشرته الواشنطن بوست الجمعة ما قبل الماضي حول إيران تحت عنوان: (If Iran makes a final nuclear push, can it be detected) تحدث هذا المقال عن وسائل كبيرة يمارسها العالم من اجل الضغط السياسي على إيران ولكن الهدف الرئيس حول وقف تخصيب اليورانيوم حيث لم يتم الوصول إليه بعد ويشير هذا التقرير إلى فشل في سياسات أمريكا لأنه قد زاد مخزون إيران من1800كيلوغرام نوفمبر الماضي إلى 2800 كيلوغرام، لتجد إيران نفسها ولديها ما يكفي من اليورانيوم قليل التخصيب لإنتاج سلاحين نوويين بعد زيادة تخصيب هذا المخزون، وقد قامت بالفعل بزيادة تخصيب 22 كيلوغراما من اليورانيوم إلى درجة تخصيب 20%، وهو ما يصل من نسبة 60% اللازمة لصنع الأسلحة النووية.
إيران تسارع العالم في امتلاك السلاح ولذلك ليس من المعقول أن تقف دول العالم صامتة أمام هذا التقدم وخاصة إذا كان هناك شكوك عالمية حول الهدف النهائي من تطوير هذه الأسلحة ، المنطقة لا تحتمل مزيدا من التوتر ولكن الراغبين في امتلاك السلاح النووي يدفعون المنطقة نحو هذا الاتجاه ، وهذا ما يجعل هناك ضرورة لترتيب الوقوف من جديد على ميزان القوة في المنطقة وبشكل دقيق وحساس ، وخاصة أن الثقة بالأيديولوجيات الدينية غير ثابتة على مر التاريخ كنتيجة حتمية للعمق الفكري لتلك الأيديولوجيات حيث لا تحيد عن أهدافها مهما ارتبطت بالمواثيق.
القضية الفلسطينية كذلك تمر بمرحلة استثنائية اليوم فإسرائيل تدخل في مسار إيجابي نحو تحقيق حل الدولتين والعالم بما فيه الولايات المتحدة يضغط على إسرائيل بهذا الاتجاه والعرب كلهم يشغلهم هذا الجانب والتاريخ بحاجة إلى قادة شجعان اقوياء لاتخاذ قرارات تاريخية لصالح القضية الفلسطينية التي أتمنى أن لا يوقفها استيطان مستمر أو متوقف.
ولكن على الجانب الآخر من الخليج يحدث تسلح نووي وتسلح فكري أيديولوجي يمتد بطريقة غريبة تثير الكثير من التساؤلات فما حدث في البحرين ليس بمحض الصدفة وما فعله احدهم من سباب لأم المؤمنين العلني ليس بمحض الصدفة ، وما تناقلته وسائل الإعلام من قيادات دينية في إيران من تعرض أصحاب المذهب الشيعي في دول المنطقة للاضطهاد ليس بمحض الصدفة وما سبقه قبل أسابيع من اتهام لبعض المسلمين يصل في تطاوله إلى الاتهام بالاعتداء على القرآن وغيرها ثم أخيرا إعلان نسمعه بأن مرشد الثورة أصبح إماما للمسلمين في العالم حتى دون اخذ رأيهم هل هذا صدفة ، وهل هذا مدعاة للثقة بمن يسكن على الطرف الآخر؟
كل هذه الاستعدادات العسكرية والفكرية ألا تنبئ بمقدمات تتطلب اليقظة من العالم القريب والبعيد؟ ولكن هناك شيء مهم يجب التنبيه إليه وهو أن دول الخليج التي يعيش فيها آلاف من الشيعة ظلت تلك الدول طوال الزمن تمنح هولاء المواطنين حقوقا متساوية مع غيرهم من الطوائف ومع ذلك ظلت إيران تحاول المساس بهذا الجانب عقب توظيف الكثير من المؤدلجين لتحريك جوانب حقوقية وغيرها تخص فئات مذهبية تعيش في المنطقة.
وللتذكير فإن كثيرا من المنتمين إلى المذهب الشيعي يعملون ويدرسون في ارقى الجامعات الخليجية ، ويحصلون على فرصهم في التوظيف والابتعاث دون تمييز ولذلك لم يجد المتطرفون الراغبون في إثارة الفتنة بين سكان دول الخليج سوى الحديث عن الحقوق وليت تلك الدولة الإسلامية تساهم في تقديم أي جهود من اجل القضية الفلسطينية.