الأربعاء 13 شوال 1431هـ - 22 سبتمبر 2010م
تاريخ للفتنة
ساطع نور الدين
المخرج من الفتنة المذهبية المقيمة في جميع دول المساكنة بين السنة والشيعة التي رسمت حدود جبهات القتال وخطوط التماس، لا يبدو متاحا إلا بمعجزة تسبقها أنهار من الدماء وجبال من الدمار.. وتؤدي الى النتيجة الحتمية التي توصل اليها أتباع بقية الديانات الذين اشتبكوا في ما بينهم، وخاضوا حروبا أهلية ضارية قبل أن ينفصلوا عن نصهم الأصلي، ويضعوه في مرتبته التاريخية الضرورية لأي سلام مع الذات ومع الآخر، وقبل أن ينقطعوا عن رجال الدين الإسلامي ودروسهم وفتاواهم ويضعوهم في موضعهم الطبيعي المشابه لموقع رجال الدين المسيحي المعاصر.
لا يمكن الزعم أن الفتنة الحالية هي الأخطر في التاريخ الاسلامي، الذي بني على الفتن وكتب بواسطة المفتنين، وما كان من رواته وقرائه إلا أن التزموا حرفياً بالتوصيات التي طالما كانت تبيح الذبح على الهوية المذهبية، وتنبذ النداءات الخافتة أو المفتعلة للوحدة أو حتى التعايش بين المذاهب الذي يبدو هذه الأيام مستحيلا، على امتداد الارض من باكستان الى لبنان.. حيث يجري الآن الوقوع في ذلك السحر، والاستسلام للشعوذة.
المثير للسخرية أن يقال إن الفتنة الراهنة هي نتاج فشل مشاريع ومعارك سياسية حاول من خلالها المسلمون أن يتحرروا من الاستعمار وأن يبنوا دولا ناجحة وأوطانا مستقرة ومؤسسات حديثة، فإذا هم عادوا الى استكمال معركة الجمل، بفعل المؤامرة والتواطؤ بين المحتل الاجنبي والمنتفع المحلي.. من دون أن يجادل أحد في سبب حضور تلك المعركة الشهيرة في وجدان السنة والشيعة بقوة تعادل معارك الاستقلال الوطني التي خاضتها بقية أمم العالم وشعوبه، وفي سبب عدم استحضار أي معركة خاضها أتباع المذهبين معا ضد أي كافر أو عدو خارجي، ومن دون أن يقارن أحد مع تجارب شعوب وديانات أخرى تعرضت للاحتلال لكنها لم ترتد أبدا الى رواياتها الانشقاقية أو الإشكالية الأولى!
العلة هي في النص التاريخي نفسه الذي لا يمكن أن يُمحى أو ينقح أو يعدل، بل كان وسيظل مصدرا للفتن عندما تتاح الفرصة ويتوافر الحافز لدى السنة أو الشيعة لاستئصال الآخر وإزالته من الوجود، تحت شعار المحافظة على نقاء النص وطهارة التاريخ وسمعة الصحابة الذين اشتبكوا لحظة دفن النبي محمد وما زالوا مشتبكين حتى اللحظة.. برغم اختلاف الأسباب والدوافع، وبرغم الادعاءات المتبادلة بأن الامر لا يعدو كونه خلافا سياسيا طبيعيا، ذهب ضحيته ملايين المسلمين على مدى التاريخ، وجعل المستعمر الأجنبي يقف مذهولا أمام عمق هذا الشرخ وذلك الاشتباك الموروث منذ أربعة عشر قرنا، على ما جرى في العراق عندما أرسل الاحتلال الاميركي نحو سبعين ألف جندي إضافي لإطفاء الفتنة (التي تسبب بها وفوجئ بضراوتها!) وإبعاد التيارات والزعامات المذهبية السنية والشيعية التي استباحت دماء العراقيين في العامين 2006 و2007، وقتلت منهم أكثر مما قتل الأميركيون أنفسهم.
الطريق شاق وطويل ودام قبل أن ينزه النص الأصلي من الفتنة، وقبل أن يسقط الخلاف المذهبي من الذاكرة، وقبل أن يغفر الجمهور المسلم أو يكفر بمعركة الجمل وجميع المعارك والوقائع التي استخرجت من التاريخ لكي تدمر مشاريع نهضة حقيقية، بواسطة أحزاب وتنظيمات وعمامات يعادل خطرها على الأمة خطر الاحتلال أو يزيد.
*نقلا عن "السفير"اللبنانية".