رد من الكنيسة الكاثولوكية على شيخ الازهر
طالب الأقباط ويطالبون بحل عادل لقاضياهم
ولوقف التمييز ضدهم وكانت مطالبهم دائما تنبع وتقوم على ايمانهم بمبدأ أن
"الوطن للجميع والدين لله"، وأن العدل هو أساس أي دولة مدنية وأي تقدم ولكن
شيئا لم يتم، واكتفى الجميع بالتقبيل والأحضان وتكرار الشعارات والكلمات
التي لا تسد جوعا ولا تقنع أحداً. لم يتقوّى الأقباط ابدا طوال تاريخهم
الطويل والمشرف بالخارج، لأنهم وضعوا نصب أعينهم أولا وأخيرا مصلحة الوطن،
وفضلوا دائما خيار المقاومة السلمية، برغم الألم والظلم والصمت والتجاهل،
على خيار العنف والتقوي بالخارج.
ولكن لأننا نحيا في عالم يرى ويسمع كل ما يحدث في أي قرية من قرى
المعمورة، وبسرعة تفوق الوصف فمن الطبيعي، يا فضيلة شيخ الأزهر، ألا يصمت
العالم وهو يرى أشلاءً وتفجيرات وتهديدات ووعيد وقتل وتهجير لمسيحي الشرق
الأوسط... ومن الطبيعي أيضا أن يتكلم قداسة البابا بيندكتوس السادس عشر،
رأس الكنيسة الكاثوليكية، ويدعو الجميع لحماية الأقليات المضطهدة في شرقنا
العزيز. الشيء الذي يدعو للاستغراب، يا فضيلة الشيخ، ليس كلمات البابا بل
موقف بعض المسئولين الدينيين والمدنيين والسياسيين الذي يرون القتل ويكتفون
بالصمت، يعرفون الظلم الواقع على أبناء الوطن ويتشدقون بالجمل المحفوظة
والمكررة، لديهم القدرة على التغيير ولكنهم يكتفون بالإدانة.
الشيء الذي يدعو للحزن يا فضيلة الشيخ هو أن الأزهر والمؤسسات الدينية
الإسلامية الكبرى اكتفت حتى الآن فقط بالإدانة الخجولة ولم يصدر عنها أي
تحريم لفتاوى قتل غير المسلمين، واستباحة دمائهم وأعراضهم وممتلكاتهم.
الشيء المخجل، يا فضيلة الشيخ، أنكم وبصفتكم شيخ الأزهر لم تعلنوا حتى الآن
موقفا صريحا يحرِّم قتل غير المسلمين، بطريقة قاطعة لا تقبل التأويل، أي
توضيح موقف الإسلام من العنف وشرح معنى الجهاد ضد غير المسلمين بطريقة لا
تقبل التأويل أو التفاوض.
المخجل، يا فضيلة الشيخ، أن أخوة الوطن، والذين يدعون أنفسهم "معتدلين"
ومثقفين، عندما يتكلمون عن الأقباط فإن أقصى ما يستطيعون أن يقولوه هو أن
الأقباط "أهل ذمة"، وهو أمر يدعو للتفكير لأنه يدفن أي أمل في تحقيق وعيش
مفهوم "المواطنة". فتعبير "أهل ذمة" هو تعبير يشير إلى أن فرقة من الشعب
لديها واجب حماية فرقة أخرى وبالتالي ترسيخ الطبقية والعنصرية والتفرقة بين
أبناء الشعب الواحد الذين يجب أن يحميهم فقط القانون والدستور...
يا فضيلة الشيخ أن ما يحياه الأقباط أكبر بكثير من زيارة لقداسة البابا
شنودة وأكبر بكثير من تصريح هنا وهناك إن ما يحياه الأقباط هو مؤشر لما
تحياه مصر والأمة العربية من غياب "للمساواة العادلة" ولبولسيّة الدولة
وتحكم رجال الأمن ورجال الدين في أنفاس المواطنين وأفكارهم.
الحل، يا فضيلة شيخ الأزهر، ليس في إدانة تصريحات بابا الفاتيكان أو
الدولة المتمدنة وإنما في علاج أمراضنا بأيدينا، فما كان البابا أو أي شخص
أخر تكلم لو كانت أوضاعنا يسودها الأمن والعدل، ولو كان القانون يحمي حقوق
الجميع، ولا يعامل فئة من الشعب على أنه "أقلية مزعجة" أو "أهل ذمة". ما
كان لأحد أن يتدخل، يا فضيلة الشيخ، إذا كان وطننا يُحكم بالقانون،
قانون يُطبق على الجميع بدون تفرقة على أساس الدين أو اللغة أو حتى
الانتماء السياسي. ما كان لأحد أن يتكلم لو أن دماء أولادنا وأخوتنا التي
سفكت بدون ذنب أو جرم ما هدرت يوم عيد الميلاد ويوم رأس السنة... ما كان
لأحد أن يتدخل إذا وقف مسلمي الشرق الأوسط بجانب أخوتهم المسيحيين وأوقفوا
نزيف الهجرة والتهجير... ما كان لأحد أن يتكلم لو قامت الدُّول الإسلامية
ضد الإرهاب الديني والتطرف الإسلامي الذي يحلل قتل المسيحيين ويستبيحه، كما
قامت القائمة من أجل "شهيدة الحجاب"، أو من أجل الصور المسيئة... فلماذا
نعطي لأنفسنا حقوق نحرمها على الآخرين؟ ولماذا تدينون أي عمل أو كلمة أو
تشريع تعتبرونه مسيء للمسلمين في أي دولة أجنبية ولا تعتبرون ذلك تدخل في
شئون تلك الدول الداخلية بينما تعتبرون "صلاة" البابا من أجل إيقاف الظلم
تدخلا؟
يا فضيلة الشيخ، ما كان لأحد أن يتدخل إذا توقفنا عن الازدواجية في الحكم،
وإن كنا قد تحركنا منذ عشرات السنين لدراسة أوضاعنا الداخلية وحل قضايانا
بأنفسنا وبالطرق المدنية والقانونية... ولكن أن نقول الآن بأن كلمات
الآخرين هي تدخل في شئوننا الداخلية هو أمر يدعوا لمزيد من الحزن لأنه يوضح
أننا نخشى الفضيحة وكأن أهم ما في الأمر هو "صمت العالم" هو "الفضيحة"،
وليس إيجاد حل عادل وسريع، دفن الرأس في الرمل بدل من علاج الأعضاء المريضة
أو حتى بترها...
لقد قتل المسيحيين الأبرياء في كنيسة سيدة النجاة على يد الإرهابيين
الذين كانوا يصرخون باسم الله ويرددون آيات من القرآن، وقتل الأقباط في
الكشح ونجع حمادي والإسكندرية على يد أشخاص يظنون أنهم ينفذون إرادة
إلههم... وهنا يكمن المرض وهنا يكمن العلاج.. فهل ما
فعلوه وما يفعلونه حتى الآن من قتل وإرهاب هو أمر مقبول دينيا وإسلاميّاً؟
وهل ما يرددونه من آيات ومن حجج فقهيه وأحاديث، هو صحيح؟ وهل هم فئة ضالة
أم فئة مؤمنة؟ إنها أسئلة للإجابة، يا فضيلة الشيخ، لأن إجابتها بطريقة
مدروسة ومقنعة سيساعد إما على إيقاف أنهار الدماء البرية أو على استمراره.
وخلاصة القول، يا فضيلة شيخ الأزهر الموقر، أن قداسة البابا لم يتدخل في شئون مصر الداخلية ولم يتكلم فقط عن المسيحيين المظلومين والمضطهدين بل أن صوته دائما عاليا ضد أي تمييز وأي ظلم، على أي إنسان، لأنه يؤمن بأن "الساكت عن الحق والساكت أمام الظلم هو شيطان أخرس"...
وكيف لنا أن ننسى أنه شجب كل أعمال التطرف التديني ضد المسيحيين وضد
المسلمين وضد أي شخص وأنه ندد بأي عمل يسيء لمشاعر اتباع أي دين... فحاشا
لقداسة البابا أن يصمت وهو يرى القتل والتهجير والذبح والتفجير يصيب مسيحي
الشرق أمام أعين الجميع، وحاشا له أن يصمت وهو يرى حُرّمة الكنائس وأماكن
العبادة تنتهك، أن يصمت وهو يرى أبنائه يقتلون ويذبحون فقط لأنهم
مسيحيون... وكان يجب عليكم، يا فضيلة الشيخ، شكره لأنه قدم التعازي لأخوتكم
الأقباط الذين قتلوا يوم رأس السنة الميلادية بدلا من رفض تصريحاته... كان
يجب مد يديكم ليده الممدودة لدعم الحوار السلمي بين الأديان بدلا من رفض
تصريحاتهم وتهيج "المتطرفين"، والذين ما أكثرهم، ضده وبالتالي ضد
المسيحيين، وكأنه يتدخل في شئون مصر، وكأنكم، وبدون قصد، تقدمون للمتطرفين
سببا إضافيا لتطرفهم.
وليرحم الرب وطننا الحبيب مصر وليبعد عنه التطرف والعنف والتعصب وليزرع في
قلوب أبنائه الرحمة والحق والعدل ليعملوا يدا بيد من أجل ترسيخ العدل
والمساواة ومن أجل بناء وطن يقوم على الحرية الدينية والمواطنة والمساواة
في الحقوق والواجبات، من أجل أن يعملوا بجدية على علاج أمراضه بدلا من
إدعاء أنهم أصحاء، واتهام الآخرين بأنهم يتدخلون في شئونهم.
هذا الرد يعبر عن رأيّ الشخصي
الأب د. يوأنس لحظي جيد
رئيس تحرير موقع كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي