انه درس عربي بحت وقد يتلى قريبا في إيران
نزار جاف GMT 8:38:00 2011 الأحد 13 فبراير
خلال الاسبوعين المنصرمين، تصدت العديد من الشخصيات القيادية الايرانية للأحداث المتصاعدة وتيرتها في المنطقة و التي اسفرت لحد الان عن تنحية رئيسين تميزا بالبأس و السطوة في إدارة امر بلديهما ولايزال الحبل على الجرار، وتسعى تلك الشخصيات الى التصوير او الإيحاء بأن الذي حدث و سيحدث من عواصف ثورية، هو بالاساس بسبب او تأثير مباشر او غير مباشر للثورة"الاسلامية"في إيران.
الخطاب الرسمي الايراني الذي يبدو انه طفق يأخذ نمطا تصاعديا يماشي و يجاري التغييرات و يسعى لإمتطاء صهوتها في وقت ي?اد ان ي?ون ثمينا و حساسا جدا، وعلى الرغم من عدم وجود أي مؤشرات او أدلة او مستمس?ات بينة و واضحة على ثمة دور محدد لإيران في مايجري في بعض من البلدان العربية مع وجود نوع من الميل لتوجيه أصابع الاتهام الافتراضية له?ذا دور، ل?ن هنالك العديد من المؤشرات و الاحتمالات المتباينة التي تؤ?د بأن النظام الديني الايراني المتشدد قد يعد للتدخل في بلدان أخرى قريبة منه وتش?ل أهمية خاصة للمنطقة و العالم، عندما تلفها رياح ه?ذا عواصف ثورية و انه يجد من مصلحته القصوى ان ي?ون له دور أ?بر من دوره الحالي في تونس و مصر، ولن ي?تفي بمجرد دور ثانوي محدد.
الثورة الايرانية التي شار?ت في صناعتها و إنتصارها العديد من القوى السياسية و الثورية الايرانية، والتي آل أمرها في النهاية الى يد حفنة محددة من رجال الدين الذين نجحوا وعبر مختلف الاساليب و الطرق الى إقصاء معظم القوى الاخرى حتى تظهر الثورة و تختصر في عباءة دينية، لامراء من انها باتت تعاني من مشا?ل و مآزق جمة تطور العديد منها الى مصاف الازمة و ان النظام الديني يعاني الان من عدة ازمات خانقة ت?اد ان ت?تم أنفاسه و هو يسعى للخلاص منها بأي ش?ل من الاش?ال، جائت التحولات الثورية في ?ل من تونس و مصر لتمنحه قدرا من الامل و الرجاء من خلال سعيه الحثيث ل?ي يوحي بأن ذل?ما التغييرين التأريخيين هما بتأثير او إنع?اس من أف?اره و مضامينه الدينية التي يطرحها.
ان النقطة المهمة التي يسعى النظام الديني في طهران دائما للتهرب منها، هي ان شعوب المنطقة لم تعد تنظر لهذا النظام ?ما ?ان ينظر الى الثورة الايرانية في بداية أيام إندلاعها و نجاحها، وان هنالك الان نظرة سلبية لهذا النظام تقوم على أساس الفصل بينه و بين الثورة الايرانية التي إنتصرت في 11شباط 1979، وهو ماي?ثر طرحه في مختلف وسائل الاعلام العربية و العالمية، وان إ?تساب هذا النظام بعدا طائفيا واضحا و مبينا خصوصا بعد أن نجح محور رفسنجاني خامنئي من إقصاء آية الله المنتظري الذي ?ان نائبا للخميني و الذي ?ان يتميز بنوع من الانفتاح و التواصل مع المذاهب الاسلامية الاخرى مما جعله ي?تسب منزلة خاصة في قلوب العديد من رجال الدين و الشخصيات التي زارت إيران و إلتقت به، أن الثورة الايرانية التي قرعت ناقوس التغيير في المنطقة لأول مرة، إنتهت للأسف بالدعوة الى التشيع و الحث عليه بمختلف الطرق و الوسائل وهو أمر قد تم لمسه بوضوح في بعض من بلدان المنطقة مما ساهم في تع?ير و تلبيد الاجواء بين الطوائف الاسلامية السنية من جهة و الطائفة الشيعية من جهة أخرى، ?ما أن التدخلات الاخرى المختلفة للنظام الديني في شؤون المنطقة و دورها السلبي في العراق و منطقة الخليج بش?ل خاص، ساهم هو الآخر في التوجس ريبة من ?ل ماصدر او يصدر عن هذا النظام.
الثورة الايرانية هي غير الثورة الاسلامية التي يتحدث عنها قادة النظام الديني هذه الايام، حيث أن الثورات الحقيقية عادة تصدر الخير و الامل و التفاؤل و الحب و العطاء لما حولها من الدول و الشعوب، وليس تصدر الاف?ار الغريبة و المسمومة و صناعة الموت و حرف الاف?ار و الاذهان من أجل أجندة خاصة ?ما حدث و يحدث مع النظام الديني الايراني، وان التأثير الذي يتحدث عنه الخامنئي و رفسنجاني و نجاد و رجال دين آخرون في مجريات الاحداث و مسارها في تونس و مصر و دول أخرى، قد إنتهى منذ حرفت الثورة عن مسارها الانساني الاصيل و منذ ذلك اليوم صار الامر مجرد مناسبة روتينية مملة يحييها النظام سنويا بل وانها قد إنقلبت وبالا عليه عندما صارت في العام 2009 متنفسا للتعبير عن النقمة و الغضب من جانب الشعب الايراني، ومن هنا، فإن الذي حدث في تونس و مصر، ?انا شأنين داخليين تولدا عن فعل ذاتي بحت ولم ي?ن هنالك من دور او موطئ قدم لتأثيرات من جانب أي أطراف خارجية بما فيها النظام الايراني نفسه، بل وان الواضح جدا هو ان هذا النظام قد بات يتوجس ريبة من هذين التغييرين ال?بيرين و الذين أيقظا المزيد من الحماس و الهمة في أعماق الشعب الايراني وان الايرانيين يتابعون بشغف مجريات الاحداث في المنطقة و يستلهمون ال?ثير منها و ينتظروا بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي تعم فيه إيران ه?ذا عاصفة ثورية لت?تسح الواقع الايراني المؤلم الذي صار 85% من الشعب الايراني يعيشون دون مستوى خط الفقر، وباتت مظاهر الفقر و الحرمان و الغضب تتجسد في ?ل قرية و مدينة إيرانية إضافة الى ان منع حرية التعبير قد جاء هو الاخر ليمنح بعدا أعمق و مبررا أقوى للشعب الايراني ?ي ينتفض من جديد و يعيد الامور الى النقطة الاولى عندما اسقط نظام الشاه.
ان مقارنة بسيطة جدا بين المنتفضين في تونس و مصر و بين المنتفضين في إيران عشية الانتخابات الرئاسية عام 2009، التي أثارت جدلا ?بيرا حول مشروعيتها، ?افية لتبين لنا بوضوح الفرق بين الطابع"الاستبدادي و القمعي"الخاص الذي يتميز به النظام الديني الايراني و الذي قام من خلال مؤسساته الامنية و القمعية بضرب المنتفضين بيد من حديد ظنا منه انه قد أخمد و انهى الانتفاضة التي زعم انها بتأثيرات خارجية وهو زعم واه و لايستند على أي اساس واقعي، مع ملاحظة نقطة مهمة جدا وهي ان النظام الايراني لم ي?لف نفسه حتى مجرد عناء البحث في الاسباب التي قادت الشعب للإنتفاضة وانما إ?تفى بمعاملتها بالقمع و القبضة الحديدية، في حين أن نظامي بن علي و مبارك وعلى الرغم من طابعيهما البوليسي و الاستبدادي، ل?نهما مع ذلك لم ير?نا الى ذلك الاسلوب القاسي الذي إتبعه النظام الديني في طهران في تعامله مع جموع الشعب المنتفضة بوجهه، وان نظاما يتعامل به?ذا اسلوب دموي مع شعبه، ليس بذلك النظام الذي تحبذه الشعوب الاخرى و ترغب في إعادة إستنساخه في اوطانها وان الذي جرى في تونس و مصر و ب?ل حذافيره هو الاجدر و الافضل لإعادة إستنساخه في معظم تلك الدول التي يح?مها نظم قمعية استبدادية و ان هذا الذي يجري حاليا وان الدرس العربي البليغ الذي قدمه الشعبان التونسي و المصري قد صار بمثابة مثل أعلى و قبس و منار للشعوب التي تعاني من أنظمة د?تاتورية وقطعا ان إيران تمتلك شعبا احوج ماي?ون للإستماع الى هذا الدرس التأريخي.