بقلم: رمزي حلمي لوقا
قامت
الثورة الشعبية التي أشعل شرارتها الأولى مجموعة من الشباب، الساعي إلى
الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وانضم إليهم كافة القوى السياسية
والحزبية والشعبية، مع تدفق شعبي تلقائي لم يحدث من قبل، ساندته القوات
المسلحة، بحيادها الإيجابي، وحفظها لمقدرات هذا الشعب العظيم وتطلعاته
المشروعة. وسقط النظام الذى لم يكن له أن يستمر أكثر من ذلك، فلو لم يكن
شباب الفيس بوك هم من أطلقوا شرارتها الأولى، لكان هناك من الأسباب
والدوافع التى كانت ستطلقها آجلاً أم عاجلاً، منهم أو من سواهم، بهم أو
بدونهم، إن الثورة كانت حتمية تاريخية لا يمكن الفكاك منها، فأكثر
المراقبين المدققين كانوا يحذرون من ثورة للجياع منذ عدة سنوات.
إن
الظلم والإحباط والإحتقان والعنف في الشارع المصري لم تكن تخطئه العين..
وكان العنف اللفظي والمعنوي والمادي يتزايد يومًا بعد آخر لأتفه الأسباب،
فكان الاحتقان المعتمل في النفوس والغليان المكبوت الذي لم يكن في المقدور
تنفيسه ضدَّ من تسببوا فيه، فكان ينفجر في النقاط الضعيفة من المجتمع، وكما
يقول المثل العاميّ "ماقدرش على الحمار، اتشطر على البردعة"، فكان يلبس
أحيانًا زيّ التعصب الأعمى والبغيض للأندية الرياضية، وأحيانًا يلبس زيّ
التطرف الديني الذي يصل الى استخدام وسائل عُنفية للتعبير عنه تصل إلى حد
الإرهاب.
كما أن التمييز الدينى كان له أثرًا فاعلاً في ثورتنا تلك،
وهنا لا يمكن أن ننسى أقباط العمرانية، الذين كانوا أول من أشعل ثورة شعبية
تلقائية ضد النظام السابق، ضد الظلم والاستبداد والتعسف، فكانوا أول من
نزل إلى نهر الطريق، وجابوا الشوارع، واحتجوا أمام محافظة الجيزة، وأمام
حيّ العمرانية، واعتصموا أمام كنيستهم، ليرفعوا الظلم البيّن الواقع عليهم،
وكان بينهم أول شهداء الثورة وجرحاها وأسراها لدى النظام، وأول من اضطـُر
للاشتباك مع قوات الأمن دفاعًا عن النفس، وأول من ضُـربوا بالهراوات
والغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والرصاص الحىّ، وأول من زُجَّ به
فى السجون والمعتقلات، حتى الجرحى الذين سقطوا لم يسلم منهم أحد، فكانت
توثق أغلالهم إلى أسرتهم، ومن ثم يساقون إلى مِـعقلهم بمجرد تماثلهم
للشفاء. كما كانت مظاهرات الأقباط التي أعقبت مذبحة كنيسة القديسين
بالإسكندرية، والتي احشتد فيها عشرات الآلاف، وانضم اليهم أخوانهم من
المسلمين، الذين تعاطفوا مع قضيتهم فى الأماكن ذات الكثافة السكانية الأعلى
للأقباط، وتحركهم في شوارع القاهرة، وخاصة من دوران شبرا في اتجاه
الكاتدرائية بالعباسية، واشتباكهم في شبرا ومنشية ناصر مع قوات الأمن
المركزي لأكثر من ليلة، والقبض على العديد منهم، وخاصة من معضديهم من
النشطاء المسلمين. فلولا هؤلاء وهؤلاء، لما تجرأ مصرى على الوقوف أمام
طغيان النظام الأمني والسياسي السابق.
وأزعم أن الشعب التونسي الشقيق
استلهم منهم ثورته المباركة. كما لا يمكن إنكار المشاركة الفاعلة من
المصريين الأقباط، بكافة طوائفهم الدينية وانتماءاتهم السياسية ضمن
الثوّار، بحيث أنهم أقاموا صلواتهم داخل ميدان التحرير جنبًا إلى جنب مع
أخوانهم المسلمين، الذين كانوا يقيمون صلواتهم في حماية الأقباط، خشية
تعرضهم للهجوم أثناء الصلاة. فمما لا شك فيه لديَّ، أن الغضبة القبطية كانت
بمثابة الإلهام الثوري أوالإرهاصة لثورتي تونس ومصر، واختبار مبكر لسلوك
أجهزة الأمن مع التظاهرات التي أشعلت الثورة، كما أن التكتيكات التي
استخدمها الأقباط في تظاهراتهم استخدمت أيضًا في الثورة المصرية.
ومما
لاشك فيه أيضًا، أن الأقباط الذين قدموا شهدائهم على مذبح الوطن، ينتظرون
أن يقطفوا هم أيضًا نصيبهم العادل من ثمار تلك الثورة المباركة، وتحقيق
مطالبهم العادلة، والتي سبق أن طالبوا بها من قبل، ومساواتهم في الحقوق
والواجبات مع أخوانهم وشركائهم في الوطن.