تأملات في الآم رب الـمجد ( 1 )
حياة رب المجد هي سلسلة من الآلام والأوجاع والأحزان …
لم يراه أحد ضاحكاً على الإطلاق . حقاً قال بفم داود النبي عن نفسه "
حياتي فنيت بالحزن وسنيني بالتنهد "( مز 31 : 10) ولقد كان يسوع عالماً بكل
ما يأتي عليه ( يو 18 : 4 ) … لذلك قال
عنه النبي" وجعى مقابلي دائماً " ( مز 38 : 17) .. عجباً فالذي يشهد عنه
الوحي الإلهي قائلاً " أنت أبرع جملاً من بني البشر " ( مز 45 : 2 ) نراه
وقد تلطخ وجهه بالدماء فقد أنقص الجلادون على جسده الواهي بالعصي والمجالد
بلا رحمه ولا هوادة فتزعزعت عظامه وجعاً وتمزق جسده جرحاً . وتطاير لحمه
فلذاً . حقاً تنبأ داود النبي قائلاً " اكتنفتني حبال الموت . أصابتني
شدائد الهاوية كابدت ضيقاً وحزناً " ( مز 116 ) .. الذي " حلقه الهاوية
حلاوة وكله مشتهيات " ( نش 5 : 16 ) قيل عنه أنه مجنون ومجدف ومثير قلق
ووقف بين أعداءه كحمل بين ذئاب وكحمامة بين الجوارح .
ربي
لقد سببت لك أنا كل هذه الآلام الباهظة .. العار الذي وضع عليك هو عاري
أنا . ولا أدري ماذا أفعل بك يا ربي بعدما أنقذتني من الهلاك ؟ هل يكفي أن
أكرس لك ذاتي حتى يوم لقاك ؟ .. ربي دمك عني سفكته والمر لأجلي شربته
والموت أيضاً قبلته حتى خوفي أبدلته .ما أعجبك رب فعذا باتنا قاسيت ونفوسنا
الدنسة اشتريت وحتى الموت ارتضيت أنني أتساءل كيف ؟ .. كيف من اجل الخطاة
يا ربنا القدوس تتحمل خطايانا ولعنة الناموس .كيف من أجلي سال قلبك الرقيق
بالدمع وأحزنتك خطاياي وذبت كالشمع .. من أنا ؟ .. أنا الخاطئ الشقي فكيف
من أجلي عانيت والمر عني سقيت .
جرح على جرح
أيها
الخطاة ما هو الشر الذي أصابكم منه حتى تعذبوه هكذا بلا حنو ولا شفقة ؟
أي ضرر أم آيه إهانة أم أي ظلم رأيتم من ذلك الجسم البتولي حتى فتحتم فيه
عدة جروح دون أن ترثوا له وتعطفوا عليه ؟ أعطاكم دمه لتشربوه وانتم تسفكونه
، قدم لكم جسده غذاء وانتم تمزقونه بالمقارع والسياط . آه أيها الخطاة ،
أشفقوا على من شفق عليكم وامنحوه راحه في أوجاعه وآلامه فهو الذي يرثي لكم
في ضيقاتكم ، تكفيه هذه الجراح العديدة ، قد صار جرح على جرح ماذا ترومون
أكثر من ذلك .
لماذا لم ترحم نفسك
أن
نقطة دم واحدة سالت من جراحاتك التي نشأت عن ضربات السياط لهي غير متناهية
قيمة وثمناً ، حقاً لقد أفرطت في محبتك لنا ، وأحببتنا حباً لا حد له .
كيف ترحم الغير ولا ترحم نفسك ؟ هوذا اليهود يتعجبون من تصرفك هذا ويقولون "
خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها " ( مر 15 : 31 ) لقد أنقذت أسحق
من الذبح ، وخلصت الفتية من آتون النار ، وانتشلت دانيال من جب الأسود
فلماذا تترك نفسك العزيزة تتألم وتقسو عليها هكذا ، أنت نبع الرحمة على
الغير فلماذا لم ترحم نفسك يا فادي نفوسنا ومخلصنا يسوع المسيح ؟ .
يسوع في بستان جثيماني
انظري
يا نفسي وتعلمي ، انظري عواطف مخلصك الذي سبق فبشر الجماهير وشفي المرضي
وفتح أعين العميان وأقام الموتى ، وعلم تلاميذه أقصي درجات الحب حتى أنه
جلس أمامهم في العلية ليغسل أرجلهم ثم بعد ذلك أعطاهم ذاته طعاماً لهم .
انظري يا نفسي كيف ينصرف إلى الصلاة في استسلام لمشيئة الأب ، ليتنا نتعلم
منه الخضوع والتسليم المطلق لتتميم مشيئة الله .. ليتنا نتعلم منه أن نسبق
كل أعمالنا بالصلاة .. لم يكن مخلصك بحاجة للصلاة ، ولكنه صلي للأب لكي
يعلمك ضرورة الصلاة وكيفية الاختلاء بالله فالصلاة هي سلاح المؤمن المحارب
بين بستان وبستان
تعال
بنا إذاً لندخل البستان ونتأمل في ذلك المنظر فأننا لا نجده مفرحاً بل
محزناً هناك تقع عيوننا على مشهد يجرح القلب ويذيب الفؤاد ، هناك نبصر
السيد المسيح ( آدم الجديد ) في البستان يعمل لا لكي يتنعم ، كما كان ( آدم
الأول ) في جنه عدن ، بل يجاهد ليقدم الخلاص للبشر . فما اعظم الفرق بين
هذين البستانين ، فالأول توفرت فيه كل أسباب الراحة والسرور ، والثاني أفعم
بعلامات الحزن والكآبة بستان خصب وبستان مجدب ، بستان يستريح فيه المخلوق
وبستان يتعب فيه الخالق ، بستان أبتدأ فيه شقاء الإنسانية وبستان خرجت منه
ينابيع السعادة لبني آدم ، بستان فيه سقطنا وبستان فيه قمنا ، بستان فيه
دين آدم ، وبستان فيه وفي يسوع عنه دينه .
قال
القديس أوغسطينوس : يا لحكم الله غير المدرك : يخطئ الأثيم ويعاقب الكريم ،
يجرم الطالح ويجلد الصالح ، وما يرتكبه المنافق يحتمله الصديق ، وما
يستقرضه العبد يدفعه الرب ، وما يلقيه المخلوق يلقاه الخالق .
العار كسر قلبي
هاهو
مخلصك يصلي ، لقد طلب من تلاميذه أن يقاسموه الصلاة والأحزان حتى لا يكون
وحيداً ، ولكنه وجدهم نياماً . عجباً كيف يتركك الجميع ياربي في هذا الآسي
العميق ! كيف تخلوا عنك واحتملت الترك بلا رفيق .ليتك يا نفسي لا تنشغلي عن
عريسك المسيح بأي عمل أخر حقاً ما اشد ضيق من يطلب التعزية من البشر لأنه
لن يجد لديهم مراراً ألا زيادة المرارة .
ربي
كل ما تكابده من ضيقات كنت أنا المستحق لها ، ولكنك حملتها عني وهاأنت تقف
أمام أبيك القدوس تلتمس رحمته حتى تسكن غضب عدله ، هاأنت تجاهد حتى صار
عرقك كقطرات دم نازلة على الأرض ، لقد أكل آدم خبزه بعرق جبينه ( تكوين 3 :
19 ) ولكن هذا العرق الممزوج بالخطية لم يقدر أن يشفيه ، فأتي الذي بلا
خطية وعرق دفعه واحدة فنجاه من خطيته ، فيا نفسي ويا كل النفوس الخاطئة
التي تنزل برب المجد مثل هذا العذاب ليتكم تتخذوا من عرق الرب دواء شافياً
لأمراض خطاياكم فالعرق دليل الصحة وقرب الشفاء ، ليتكم تتخذوا من دمه
خلاصاً وحياة ولا تدعوه يذهب ويضيع هباء
ربي
لقد تخلي عنك تلاميذك في البستان ولم يشاركوك آلامك ولم يسهروا معك ليعزوك
، هاأنا أسمعك تهمس مع داود النبي القائل " العار كسر قلبي فصرخت ، انتظرت
رقه فلم تكن ومعزين فلم أجد " ( مز 69 : 20 ) وانتم يا محبي أسم المسيح
تعالوا معي نصغي لما يشعر به مخلصكم ، أسمعوه وهو يقول مع ارميا النبي " يا
جميع عابري الطريق تطلعوا وانظروا أن كان حزن مثل حزني " ( مراثي 1 : 2 )
وأنت يا نفسي هل ستتخلين عنه مثل تلاميذه أم ستشاركيه الآلام ، أنهضي يا
نفسي أليه ساعديه وجاهدي معه ، لن تصيري يا نفسي مثل هابيل أن لم تتعبي
وتبذلي ذاتك ويصيبك شر قايين ، لن تدخلي أرض كنعان أن لم تعبري في برية
الحياة لن تدخلي إلى المجد الأبدي أن لم تتألمي مع المسيح .
لقد
حزن يسوع لكي يحمل عنك أحزانك فبحزنه حصلت على الفرح . تجرع كأس الغضب حتى
الثمالة ليمنحك كأس الخلاص فبموته نلت الحياة .. من جراحة المقدسة تستقين
يا نفسي المغفرة والحياة فدمه يغسل ويطهر كل الادناس .. إلى جراحه المقدسة
تأتى فترتوي ويضطرم فيك الحب فتحتمين وتستقرين على الدوام .
تعالي
إلى حبيبك رغم أحزانه ، تعالي ولا تخافي فلن يطردك لأنه رغم ضيقاته لم
ينساك بل يفكر فيك وطلب منك الصلاة حتى لا تهلكي ، انظري أنه يفتح لك قلبه
.. تأملي كيف يغسل ادناسك بجراحاته ، انظري كيف استعدت بدماه جمالك ، وكيف
تفرح بك قوات السماء . أفرحي لأن قلب مخلصك يستريح تجاهك .
لماذا خنت سيدك ؟
انظروا
هانحن نسمع وقع أقدام ، لقد ظهرت أنوار ومصابيح وبدت في الأفق شرذمة
العصاه يتقدمهم يهوذا ، لقد أقتادهم إلى جثيماني ، كم ترجف الأوصال من هذه
الخصال ، لقد أتخذ يهوذا من التقبيل علامة للغدر والتدليل حقاً تنبأ المرنم
قائلاً " رجل سلامتي الذي وثقت به ، آكل خبزي . رفع على عقبه " ( مز 41 : 9
) وهاهو يعبر عن خبثه ومكره وتسليمه فيقول " ألين من الزيت كلماته وهي
سيوف مسلولة " ( مز 55 : 21 ) .
يهوذا
لماذا خنت سيدك ؟.لقد دعاك وجعلك شيئاً بعد أن كنت مجهولاً .أعطاك نصيباً
في عشرته وعلى يديه كنت محمولاً .من يديه أيها الشرير أخذت كل ما يطهرك ،
ألم يكن ذلك كافياً حتى يردعك . لقد أعلن مراراً أن واحداً سيسلمه وكان
يعرفه ، لم يطرحك خارجاً بل بيديه المباركة غسل إقدامك الملوثة . ماذا أنت؟
هل أنت حجر ؟ أم حبك للمال قد ظفر ؟ لماذا تقف أمام مخلصك وتوجه له هذه
الضربة ، حقاً تنبأ المرنم قائلاً " أحبائي وأصحابي يقفون تجاه ضربتي " (
مز 38 : 11 ) .
صفقة غريبة
لقد
كان بيع السيد المسيح غريباً ولم يحدث مثله من قبل .. ألا أنني أتذكر ذلك
الشاب المسكين يوسف الجميل البار . ماذا صنع من الشر لاخوته الظالمين حتى
أنهم باعوه.. ألا أن ذلك كان لأجل حمايته من الموت " ما المنفعة أن نقتل
أخانا ، تعالوا نبيعه " ( تكوين 37 : 27 ) مهلا يا يوسف أن هذه الإهانة
الغربية المملوءة ظلما لم تختص بك . بل حفظت لآخر . ذاك الذي كان عتيدا أن
يسمي أبن الإنسان " وابن الإنسان يسلم ليصلب " ( متي 26 : 2 ) . أن جميع
الناس الذين يبعوا حتى في الحروب أيضا . إنما بيعوا ليسلموا من الموت ،
وهكذا بيع يوسف أيضا و لكنك يا سيدي يسوع المسيح لم يكن الأمر معه هكذا .
فأنت الوحيد الذي يبيع للآخرين كخروف للذبح .. ونحن لماذا لا تتحرك جوارحنا
حتى الآن أسفا علي هذه الإهانة العظيمة . آه منك يا يهوذا . آه منك أيها
الخائن الشقي . انك لا تعلم ما هو حقيقة بيع رب المجد لأجل هذه الغاية
الشيطانية ، ولكن إذا ما انفتحت عيناك وفهمت ذلك . فماذا يصير منك . ما
أكثر ما تحزن وتتمرر . وما أكثر ما تتأسف وتتقطع غيظا وسخطا علي نفسك . أنك
بلا شك ستطلب وتتمنى حينئذ أن تحظى بجلاد وتقدم له جميع الفضة التي جمعتها
. ليصنع معك رحمة ويميتك قبل معلمك ، غير أنك لا تحظى بذلك , لأنك أنت
ستصير جلادا لنفسك يا أيها الشقي .. لن تجد جلادا أخر أنسب لخنقك من نفسك .
فهلم إذا للخنق يا شقيا …هلم للخنق يا تعيسا يا منافقا . إذ ليس منه مناص ولا خلاص لأن هذا هو العقاب اللائق بخائن نظيرك .
ولماذا نحن نخونه ؟
لقد
خنت سيدك وبعته بثلاثين من الفضة ، وأنت يا نفسي لماذا تخونين سيدك ألست
تبيعينه بشهواتك ؟ بلذة عابرة ! ما قيمة هذه اللذة ؟ أليست هي الثلاثين من
الفضة التي باع بها يهوذا سيدك . لقد قبلت ربك مرارا وأعلنت له الحب ،
ولكنك لم تكادي تفارقيه حتى تستسلمي لا عداءه فتسلمينه لهم . أنك يا نفسي
مثل يهوذا بالأمس تكونين معه واليوم تتجاذبك أشياء تجرحه وتفقدي نقاوة
النعمة الثمينة . أنك مثل يهوذا اليوم من ربك تتناولين وفي الغد لأعداءه
تستسلمين .
آه يا يهوذا
لقد
بعت سيدك كخروف للذبح ثم ذهبت علي وجهك هائما لا تستطيع أن تخنق صوت ضميرك
وهو يؤنبك علي جريمة ارتكبتها .. انظروا إلي الفادي وما يخالج نفسه من
ناحية يهوذا . انظروا الحزن الشديد عليه عندما رآه منحدرا نحو الهلاك
الأبدي بعدما قضي أياما طويلة في مدرسة الحب الإلهي .آه يا يهوذا ! لماذا
لم تأتي وترتمي عند قدمي مخلصك حتى يغفر لك ؟ أن كنت لا تتجاسر أن تقترب
منه خوفا ممن يحيطون به فالتفت علي الأقل تجاهه فكنت تري عينيه وهي محدقة
فيك.
وأنت
يا نفسي وأنتم يا غارقون في الشر . يا من عشتم تائهين هاربين بسبب ذنوبكم .
إذا كانت خطاياكم قد قست قلوبكم أو أعمتها . ليتكم تقفوا علي حالتكم ولا
تدعوا اليأس يستولي عليكم بل انظروا إلي رب الحياة و استغيثوا بالرحمة
فتحصلوا علي الغفران . انظروا فبينما كان هلاك يهوذا يغرق قلب يسوع في لجة
الحزن . كان الجلادون القساة يلقون علي كتفيه الداميتين بالصليب الغليظ
الذي عليه تم الفداء . لقد ترك يهوذا مسيحه وجري . هاهو يحاول إرجاع ثمن
جريمته إلي الكهنة ، ولكنهم يشيحون عنه بوجوههم باحتقار أنه ينطلق إلي
الهيكل ومنه إلي وادي هنوم . ذلك المكان الموحش المقفر ثم يتجه إلي منحدر
الجبل حيث الصخور العمودية وحيث توجد الشجرة الشائخة اليابسة التي توقفت عن
النمو . لماذا هذا يا يهوذا ؟ هل بين تلك الشجرة وبينك تشابه ؟ ليتك تهرب
من هنا وتعود لسيدك تسترحمه . ماذا تصنع بذاتك ؟ لماذا تصعد علي قمة الصخرة
؟ لماذا تلف ثيابك حول حقويك ، أنك تخنق نفسك بربط ملابسك في الغصن وحول
عنقك . أنك تلقي بنفسك من فوق الشجرة ؟ انظروا هاهو يتأرجح . لقد فقد وعيه .
أنه لا يزال حي لم يلفظ أنفاسه بعد . أن الغصن جاف . انه يتكسر وهاهو
الغصن يهودي حاملا من خان سيده . لقد سقط علي الصخور المسننة في الوادي
فأخترقت أحشاؤه و خرجت من بطنه. ( للموضوع بقيه )
ندعم النقل خارج موقعنا إيماناً منا بحرية نقل المعلومات على أن يتم الإشارة للمصدر الأقباط الأحرار عند النقل
حياة رب المجد هي سلسلة من الآلام والأوجاع والأحزان …
لم يراه أحد ضاحكاً على الإطلاق . حقاً قال بفم داود النبي عن نفسه "
حياتي فنيت بالحزن وسنيني بالتنهد "( مز 31 : 10) ولقد كان يسوع عالماً بكل
ما يأتي عليه ( يو 18 : 4 ) … لذلك قال
عنه النبي" وجعى مقابلي دائماً " ( مز 38 : 17) .. عجباً فالذي يشهد عنه
الوحي الإلهي قائلاً " أنت أبرع جملاً من بني البشر " ( مز 45 : 2 ) نراه
وقد تلطخ وجهه بالدماء فقد أنقص الجلادون على جسده الواهي بالعصي والمجالد
بلا رحمه ولا هوادة فتزعزعت عظامه وجعاً وتمزق جسده جرحاً . وتطاير لحمه
فلذاً . حقاً تنبأ داود النبي قائلاً " اكتنفتني حبال الموت . أصابتني
شدائد الهاوية كابدت ضيقاً وحزناً " ( مز 116 ) .. الذي " حلقه الهاوية
حلاوة وكله مشتهيات " ( نش 5 : 16 ) قيل عنه أنه مجنون ومجدف ومثير قلق
ووقف بين أعداءه كحمل بين ذئاب وكحمامة بين الجوارح .
ربي
لقد سببت لك أنا كل هذه الآلام الباهظة .. العار الذي وضع عليك هو عاري
أنا . ولا أدري ماذا أفعل بك يا ربي بعدما أنقذتني من الهلاك ؟ هل يكفي أن
أكرس لك ذاتي حتى يوم لقاك ؟ .. ربي دمك عني سفكته والمر لأجلي شربته
والموت أيضاً قبلته حتى خوفي أبدلته .ما أعجبك رب فعذا باتنا قاسيت ونفوسنا
الدنسة اشتريت وحتى الموت ارتضيت أنني أتساءل كيف ؟ .. كيف من اجل الخطاة
يا ربنا القدوس تتحمل خطايانا ولعنة الناموس .كيف من أجلي سال قلبك الرقيق
بالدمع وأحزنتك خطاياي وذبت كالشمع .. من أنا ؟ .. أنا الخاطئ الشقي فكيف
من أجلي عانيت والمر عني سقيت .
جرح على جرح
أيها
الخطاة ما هو الشر الذي أصابكم منه حتى تعذبوه هكذا بلا حنو ولا شفقة ؟
أي ضرر أم آيه إهانة أم أي ظلم رأيتم من ذلك الجسم البتولي حتى فتحتم فيه
عدة جروح دون أن ترثوا له وتعطفوا عليه ؟ أعطاكم دمه لتشربوه وانتم تسفكونه
، قدم لكم جسده غذاء وانتم تمزقونه بالمقارع والسياط . آه أيها الخطاة ،
أشفقوا على من شفق عليكم وامنحوه راحه في أوجاعه وآلامه فهو الذي يرثي لكم
في ضيقاتكم ، تكفيه هذه الجراح العديدة ، قد صار جرح على جرح ماذا ترومون
أكثر من ذلك .
لماذا لم ترحم نفسك
أن
نقطة دم واحدة سالت من جراحاتك التي نشأت عن ضربات السياط لهي غير متناهية
قيمة وثمناً ، حقاً لقد أفرطت في محبتك لنا ، وأحببتنا حباً لا حد له .
كيف ترحم الغير ولا ترحم نفسك ؟ هوذا اليهود يتعجبون من تصرفك هذا ويقولون "
خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها " ( مر 15 : 31 ) لقد أنقذت أسحق
من الذبح ، وخلصت الفتية من آتون النار ، وانتشلت دانيال من جب الأسود
فلماذا تترك نفسك العزيزة تتألم وتقسو عليها هكذا ، أنت نبع الرحمة على
الغير فلماذا لم ترحم نفسك يا فادي نفوسنا ومخلصنا يسوع المسيح ؟ .
يسوع في بستان جثيماني
انظري
يا نفسي وتعلمي ، انظري عواطف مخلصك الذي سبق فبشر الجماهير وشفي المرضي
وفتح أعين العميان وأقام الموتى ، وعلم تلاميذه أقصي درجات الحب حتى أنه
جلس أمامهم في العلية ليغسل أرجلهم ثم بعد ذلك أعطاهم ذاته طعاماً لهم .
انظري يا نفسي كيف ينصرف إلى الصلاة في استسلام لمشيئة الأب ، ليتنا نتعلم
منه الخضوع والتسليم المطلق لتتميم مشيئة الله .. ليتنا نتعلم منه أن نسبق
كل أعمالنا بالصلاة .. لم يكن مخلصك بحاجة للصلاة ، ولكنه صلي للأب لكي
يعلمك ضرورة الصلاة وكيفية الاختلاء بالله فالصلاة هي سلاح المؤمن المحارب
بين بستان وبستان
تعال
بنا إذاً لندخل البستان ونتأمل في ذلك المنظر فأننا لا نجده مفرحاً بل
محزناً هناك تقع عيوننا على مشهد يجرح القلب ويذيب الفؤاد ، هناك نبصر
السيد المسيح ( آدم الجديد ) في البستان يعمل لا لكي يتنعم ، كما كان ( آدم
الأول ) في جنه عدن ، بل يجاهد ليقدم الخلاص للبشر . فما اعظم الفرق بين
هذين البستانين ، فالأول توفرت فيه كل أسباب الراحة والسرور ، والثاني أفعم
بعلامات الحزن والكآبة بستان خصب وبستان مجدب ، بستان يستريح فيه المخلوق
وبستان يتعب فيه الخالق ، بستان أبتدأ فيه شقاء الإنسانية وبستان خرجت منه
ينابيع السعادة لبني آدم ، بستان فيه سقطنا وبستان فيه قمنا ، بستان فيه
دين آدم ، وبستان فيه وفي يسوع عنه دينه .
قال
القديس أوغسطينوس : يا لحكم الله غير المدرك : يخطئ الأثيم ويعاقب الكريم ،
يجرم الطالح ويجلد الصالح ، وما يرتكبه المنافق يحتمله الصديق ، وما
يستقرضه العبد يدفعه الرب ، وما يلقيه المخلوق يلقاه الخالق .
العار كسر قلبي
هاهو
مخلصك يصلي ، لقد طلب من تلاميذه أن يقاسموه الصلاة والأحزان حتى لا يكون
وحيداً ، ولكنه وجدهم نياماً . عجباً كيف يتركك الجميع ياربي في هذا الآسي
العميق ! كيف تخلوا عنك واحتملت الترك بلا رفيق .ليتك يا نفسي لا تنشغلي عن
عريسك المسيح بأي عمل أخر حقاً ما اشد ضيق من يطلب التعزية من البشر لأنه
لن يجد لديهم مراراً ألا زيادة المرارة .
ربي
كل ما تكابده من ضيقات كنت أنا المستحق لها ، ولكنك حملتها عني وهاأنت تقف
أمام أبيك القدوس تلتمس رحمته حتى تسكن غضب عدله ، هاأنت تجاهد حتى صار
عرقك كقطرات دم نازلة على الأرض ، لقد أكل آدم خبزه بعرق جبينه ( تكوين 3 :
19 ) ولكن هذا العرق الممزوج بالخطية لم يقدر أن يشفيه ، فأتي الذي بلا
خطية وعرق دفعه واحدة فنجاه من خطيته ، فيا نفسي ويا كل النفوس الخاطئة
التي تنزل برب المجد مثل هذا العذاب ليتكم تتخذوا من عرق الرب دواء شافياً
لأمراض خطاياكم فالعرق دليل الصحة وقرب الشفاء ، ليتكم تتخذوا من دمه
خلاصاً وحياة ولا تدعوه يذهب ويضيع هباء
ربي
لقد تخلي عنك تلاميذك في البستان ولم يشاركوك آلامك ولم يسهروا معك ليعزوك
، هاأنا أسمعك تهمس مع داود النبي القائل " العار كسر قلبي فصرخت ، انتظرت
رقه فلم تكن ومعزين فلم أجد " ( مز 69 : 20 ) وانتم يا محبي أسم المسيح
تعالوا معي نصغي لما يشعر به مخلصكم ، أسمعوه وهو يقول مع ارميا النبي " يا
جميع عابري الطريق تطلعوا وانظروا أن كان حزن مثل حزني " ( مراثي 1 : 2 )
وأنت يا نفسي هل ستتخلين عنه مثل تلاميذه أم ستشاركيه الآلام ، أنهضي يا
نفسي أليه ساعديه وجاهدي معه ، لن تصيري يا نفسي مثل هابيل أن لم تتعبي
وتبذلي ذاتك ويصيبك شر قايين ، لن تدخلي أرض كنعان أن لم تعبري في برية
الحياة لن تدخلي إلى المجد الأبدي أن لم تتألمي مع المسيح .
لقد
حزن يسوع لكي يحمل عنك أحزانك فبحزنه حصلت على الفرح . تجرع كأس الغضب حتى
الثمالة ليمنحك كأس الخلاص فبموته نلت الحياة .. من جراحة المقدسة تستقين
يا نفسي المغفرة والحياة فدمه يغسل ويطهر كل الادناس .. إلى جراحه المقدسة
تأتى فترتوي ويضطرم فيك الحب فتحتمين وتستقرين على الدوام .
تعالي
إلى حبيبك رغم أحزانه ، تعالي ولا تخافي فلن يطردك لأنه رغم ضيقاته لم
ينساك بل يفكر فيك وطلب منك الصلاة حتى لا تهلكي ، انظري أنه يفتح لك قلبه
.. تأملي كيف يغسل ادناسك بجراحاته ، انظري كيف استعدت بدماه جمالك ، وكيف
تفرح بك قوات السماء . أفرحي لأن قلب مخلصك يستريح تجاهك .
لماذا خنت سيدك ؟
انظروا
هانحن نسمع وقع أقدام ، لقد ظهرت أنوار ومصابيح وبدت في الأفق شرذمة
العصاه يتقدمهم يهوذا ، لقد أقتادهم إلى جثيماني ، كم ترجف الأوصال من هذه
الخصال ، لقد أتخذ يهوذا من التقبيل علامة للغدر والتدليل حقاً تنبأ المرنم
قائلاً " رجل سلامتي الذي وثقت به ، آكل خبزي . رفع على عقبه " ( مز 41 : 9
) وهاهو يعبر عن خبثه ومكره وتسليمه فيقول " ألين من الزيت كلماته وهي
سيوف مسلولة " ( مز 55 : 21 ) .
يهوذا
لماذا خنت سيدك ؟.لقد دعاك وجعلك شيئاً بعد أن كنت مجهولاً .أعطاك نصيباً
في عشرته وعلى يديه كنت محمولاً .من يديه أيها الشرير أخذت كل ما يطهرك ،
ألم يكن ذلك كافياً حتى يردعك . لقد أعلن مراراً أن واحداً سيسلمه وكان
يعرفه ، لم يطرحك خارجاً بل بيديه المباركة غسل إقدامك الملوثة . ماذا أنت؟
هل أنت حجر ؟ أم حبك للمال قد ظفر ؟ لماذا تقف أمام مخلصك وتوجه له هذه
الضربة ، حقاً تنبأ المرنم قائلاً " أحبائي وأصحابي يقفون تجاه ضربتي " (
مز 38 : 11 ) .
صفقة غريبة
لقد
كان بيع السيد المسيح غريباً ولم يحدث مثله من قبل .. ألا أنني أتذكر ذلك
الشاب المسكين يوسف الجميل البار . ماذا صنع من الشر لاخوته الظالمين حتى
أنهم باعوه.. ألا أن ذلك كان لأجل حمايته من الموت " ما المنفعة أن نقتل
أخانا ، تعالوا نبيعه " ( تكوين 37 : 27 ) مهلا يا يوسف أن هذه الإهانة
الغربية المملوءة ظلما لم تختص بك . بل حفظت لآخر . ذاك الذي كان عتيدا أن
يسمي أبن الإنسان " وابن الإنسان يسلم ليصلب " ( متي 26 : 2 ) . أن جميع
الناس الذين يبعوا حتى في الحروب أيضا . إنما بيعوا ليسلموا من الموت ،
وهكذا بيع يوسف أيضا و لكنك يا سيدي يسوع المسيح لم يكن الأمر معه هكذا .
فأنت الوحيد الذي يبيع للآخرين كخروف للذبح .. ونحن لماذا لا تتحرك جوارحنا
حتى الآن أسفا علي هذه الإهانة العظيمة . آه منك يا يهوذا . آه منك أيها
الخائن الشقي . انك لا تعلم ما هو حقيقة بيع رب المجد لأجل هذه الغاية
الشيطانية ، ولكن إذا ما انفتحت عيناك وفهمت ذلك . فماذا يصير منك . ما
أكثر ما تحزن وتتمرر . وما أكثر ما تتأسف وتتقطع غيظا وسخطا علي نفسك . أنك
بلا شك ستطلب وتتمنى حينئذ أن تحظى بجلاد وتقدم له جميع الفضة التي جمعتها
. ليصنع معك رحمة ويميتك قبل معلمك ، غير أنك لا تحظى بذلك , لأنك أنت
ستصير جلادا لنفسك يا أيها الشقي .. لن تجد جلادا أخر أنسب لخنقك من نفسك .
فهلم إذا للخنق يا شقيا …هلم للخنق يا تعيسا يا منافقا . إذ ليس منه مناص ولا خلاص لأن هذا هو العقاب اللائق بخائن نظيرك .
ولماذا نحن نخونه ؟
لقد
خنت سيدك وبعته بثلاثين من الفضة ، وأنت يا نفسي لماذا تخونين سيدك ألست
تبيعينه بشهواتك ؟ بلذة عابرة ! ما قيمة هذه اللذة ؟ أليست هي الثلاثين من
الفضة التي باع بها يهوذا سيدك . لقد قبلت ربك مرارا وأعلنت له الحب ،
ولكنك لم تكادي تفارقيه حتى تستسلمي لا عداءه فتسلمينه لهم . أنك يا نفسي
مثل يهوذا بالأمس تكونين معه واليوم تتجاذبك أشياء تجرحه وتفقدي نقاوة
النعمة الثمينة . أنك مثل يهوذا اليوم من ربك تتناولين وفي الغد لأعداءه
تستسلمين .
آه يا يهوذا
لقد
بعت سيدك كخروف للذبح ثم ذهبت علي وجهك هائما لا تستطيع أن تخنق صوت ضميرك
وهو يؤنبك علي جريمة ارتكبتها .. انظروا إلي الفادي وما يخالج نفسه من
ناحية يهوذا . انظروا الحزن الشديد عليه عندما رآه منحدرا نحو الهلاك
الأبدي بعدما قضي أياما طويلة في مدرسة الحب الإلهي .آه يا يهوذا ! لماذا
لم تأتي وترتمي عند قدمي مخلصك حتى يغفر لك ؟ أن كنت لا تتجاسر أن تقترب
منه خوفا ممن يحيطون به فالتفت علي الأقل تجاهه فكنت تري عينيه وهي محدقة
فيك.
وأنت
يا نفسي وأنتم يا غارقون في الشر . يا من عشتم تائهين هاربين بسبب ذنوبكم .
إذا كانت خطاياكم قد قست قلوبكم أو أعمتها . ليتكم تقفوا علي حالتكم ولا
تدعوا اليأس يستولي عليكم بل انظروا إلي رب الحياة و استغيثوا بالرحمة
فتحصلوا علي الغفران . انظروا فبينما كان هلاك يهوذا يغرق قلب يسوع في لجة
الحزن . كان الجلادون القساة يلقون علي كتفيه الداميتين بالصليب الغليظ
الذي عليه تم الفداء . لقد ترك يهوذا مسيحه وجري . هاهو يحاول إرجاع ثمن
جريمته إلي الكهنة ، ولكنهم يشيحون عنه بوجوههم باحتقار أنه ينطلق إلي
الهيكل ومنه إلي وادي هنوم . ذلك المكان الموحش المقفر ثم يتجه إلي منحدر
الجبل حيث الصخور العمودية وحيث توجد الشجرة الشائخة اليابسة التي توقفت عن
النمو . لماذا هذا يا يهوذا ؟ هل بين تلك الشجرة وبينك تشابه ؟ ليتك تهرب
من هنا وتعود لسيدك تسترحمه . ماذا تصنع بذاتك ؟ لماذا تصعد علي قمة الصخرة
؟ لماذا تلف ثيابك حول حقويك ، أنك تخنق نفسك بربط ملابسك في الغصن وحول
عنقك . أنك تلقي بنفسك من فوق الشجرة ؟ انظروا هاهو يتأرجح . لقد فقد وعيه .
أنه لا يزال حي لم يلفظ أنفاسه بعد . أن الغصن جاف . انه يتكسر وهاهو
الغصن يهودي حاملا من خان سيده . لقد سقط علي الصخور المسننة في الوادي
فأخترقت أحشاؤه و خرجت من بطنه. ( للموضوع بقيه )
ندعم النقل خارج موقعنا إيماناً منا بحرية نقل المعلومات على أن يتم الإشارة للمصدر الأقباط الأحرار عند النقل
عدل سابقا من قبل Admin في الأربعاء 20 أبريل 2011 - 3:09 عدل 1 مرات