بقلم: القمص أثناسيوس چورچ
23 بشنس 1727 للشهداء – 31 مايو 2011 ميلادية
بعد
أربعين يومًا من القيامة، أمضاها السيد المسيح له المجد بين التلاميذ
(الذين أراهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم ويتكلم عن
الأمور المختصة بملكوت الله) (أع ٣:١)، صعد بمجد عظيم إلى السماء أمام
تلاميذه أيضًا، صعد بالتهليل وخضعت له كل الملائكة والطغمات والقوات،
ورافقته مواكب التسبيح وحولهم ضياء نور ومجد لا يوصف.
الممجد
القائم يدخل أورشليم السمائية العليا لا راكبًا على جحش بل راكبًا على
السحاب في مجال جلال حضرة مجده الأقدس وسط الشاروبيم والسيرافيم، مشى على
أجنحة الريح ودخل ملكوته الأبدي الدائم الذي لا نهاية له ولا ينقرض.. أخذته
سحابة عن أعين تلاميذه وهم ينظروه مرتفعًا لكي يرفعنا ويرقينا ويجذب إليه
الجميع.
صعد
بجسده القائم المتسربل بالمجد والملتحف بالنور والغمام، وهو ذات الجسد
الذي صُلب وظهر به بعد قيامته المقدسة.. صعد ليس وسط تسبيح الشعب بل تسابيح
الخوارس ومحفل الملائكة. داخلاً ليس إلى هيكل الذبائح بل بذبيحة نفسه في
الأقداس.. أنه السُلَّم المرتفع من الأرض إلى السماء، ارتفع بقوته الإلهية
من غير مانع، محمولاً على أجنحة الريح الخادمة لخالقها، لاغيًا سلطان
المادة وقوانين الجاذبية.
صعد
إلى السماء جسديًا وهو الذي يملأ الكل بلاهوته، وهو الذي يُصعد طبيعتنا
الترابية ليجلسنا معه، أعطانا غفرانه وخلاصه الثمين، ومنحنا حرية مجد
التبني (أني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) (يو ١٧:٢٠).
لم
يصعد من أجل نفسه بل من أجلنا نحن، وافتتح لنا الطريق الصاعد إلى السموات
والأبواب الدهرية، هو شفيعنا لدى الآب، وفيه نصير أبناء وورثة.. دخل إلى
سماء السموات عينها وهو منذ الأزل وفي كل حين رب الكل وإله الكل، فتح لنا
أبواب الفردوس ودخلها (كسابق لأجلنا) كانت الأبواب مغلقة وموصدة أمامنا وفي
وجهنا، فدخلها ليعد لنا مكان وليأتي أيضًا ويأخذنا إلى منازل أبيه، ويضمن
لنا عبورًا أمنيًا ويمهد لنا السكة، عندما قدم نفسه قربانا لله أبيه طريقًا
حديثًا حيًا٬ ودخل إلى الأقداس الغير مصنوعة بيد ليظهر أمام وجه الله
لأجلنا، صعد ليسر الآب على الدوام وهو الكائن كل حين وعلى الدوام في الآب..
لقد
ارتفع مسيحنا كي يُصعد باكورتنا إلى السماء، فُتحت الأبواب الدهرية ليدخل
موكبه الملوكي (ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء)، لم يختبئ
وراء الأشجار في بستان عدن كآدم الأول، بل ظهر علانية صاعدًا أمام تلاميذه
بعد أن أصلح ما أفسده أدم وبعد أن أعطانا ثوب النعمة بدل أوراق التين،
فصعوده هو الصورة المضادة لهبوط أدم.. لسنا مطرودين فيما بعد، وإن كنا في
أرض نفي - نُفينا من فردوس النعيم - لكننا مغسولون بالدم الذكي الكريم،
ونعيش تحت ربوبية مليكنا محب البشر الصالح. موته تأكد بالدفن ثلاثة أيام،
وقيامته تأكدت بظهورات وبراهين لا تقاوم٬ وصعوده تأكد بالارتفاع والجلوس عن
يمين الآب.. إنه حي ويشفع فينا كل حين، صائرًا على رتبة "ملكي صادق" رئيس
كهنة إلى الأبد، يرثي لضعفنا.
وبه
ننال الرحمة والحماية، ونجد عونًا ونعمة في حينها. لاق به من أجل الكل
وبالكل أن يأتي بأبناء كثيرين إلى المجد وأن يكمل تقديسنا بالآمه، هو
الكاهن وهو الذبيحة الكاملة٬ وهو رسول اعترافنا الضامن والمحامي عنّا
حاملاً الجراحات التي جُرح بها في بيت أحبائه (زك٦:١٣) جراحاته التي تسجلت
بروح أزلي وصارت أبدية كل حين ظاهرة أمام وجه الله لأجلنا.
أنه سيأتي ليدين الأحياء والأموات، وكما صعد في سحاب سيأتي أيضًا على السحاب وتنظره كل عين..
نطلب
منه كما رفع يديه الطوباويتين المحييتين وبارك تلاميذه عند صعوده أن
يباركنا الآن وكل أوان كي ننال رضاه٬ شاخصين إليه كل حين ساجدين لعظمته،
فبأعمالنا ليس لنا خلاص، متفطنين لضعفنا ونقصنا، نطلب منه أن يسهل لنا طريق
التقوى٬ وأن يشفق علينا عندما يأتي هكذا كما انطلق٬ وأن يجعلنا نسلك فيما
للأحياء ونفهم ما هو له٬ وأن يشفق علينا عندما يأتي هكذا كما انطلق، وأن
يعتقنا من طريق الضلالة، ويمنحنا عمرًا مستقيمًا ووقتًا بهيًا، فنلقاه بدهن
دسم وننعم بعرس مجده الإلهي.