قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، في كلمة مصر بمؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ إن مستقبل الأمة العربية مرهون بما نتخذه من قرارات، وأكد على ثوابت الموقف العربى حيال إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.
وفيما يلي نص كلمة الرئيس السيسي:
أصحابَ الجلالةِ والفخامةِ والسمو والمعالي ... معالي الدكتور نبيل العربي ... أمينُ عامِ جامعةِ الدولِ العربية ... الضيوف الكرام ... السيداتِ والسادة ...
يسعدني أن أرحب بكم جميعاً أخوة أعزاء على أرض مصر ... وأن أنقل إليكم كل تقدير ومودة الشعب المصري الذي طالما اعتز بانتمائه لأمته العربية ... التي بذل المصريون وسيبذلون دوماً أغلى ما يملكون صوناً لاستقلالها وكرامتها ... كما يطيب لى أيضًا في افتتاحِ أعمالِ اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة فى دورتِه العاديةِ السادسةِ والعشرين ... أن أعرب باسمي وباسمكم عن كل الشكر والتقدير لدولةِ الكويتِ الشقيقةِ ... ولأخي صاحبِ السموِ الشيخِ صبّاح الأحمد الجابر الصباح ... لقيادته الحكيمة ورؤيته السديدة خلال تولي الكويت رئاسة الدورةِ الماضيةِ للقمةِ العربيةِ ... والتي أضافت لَبِنة جديدة إلى بناء العمل العربي المشترك ... ولا يفوتني أن أشيد بالجهود التي بذلتها الأمانةِ العامةِ لجامعةِ الدولِ العربيةِ وأمينها العام الدكتور نبيل العربي ... طوال الدورة السابقة وللإعدادِ لاجتماعنا اليوم ... والذي أرجو من اللهِ عزَّ وجلّ أن يُكلّلَ بالنجاحِ والتوفيق ... وأن ترقى نتائجه إلى تطلعات الأمة العربية التي تعلق آمالًا كبيرة على جامعتنا ... وتنتظر المزيد من تعزيز التضامن والعمل العربي المشترك.
السيدات والسادة:
استشعر عِظَم المسئولية لتزامن مشاركتي الأولى في قمةٍ عربيةٍ كرئيس لمصر بيت العرب... مع تشرفها باستضافةِ ورئاسةِ الدورةِ الحالية ... فلا يخفى عليكم أن خطورة العديد من القضايا التى تواجهنا في هذه المرحلة فى أنحاء الوطن العربي قد بلغت حداً جسيماً ... بل وغير مسبوق... من حيث عمق بعض الأزمات واتساع نطاقها وسوء العواقب المترتبة عليها في الحاضر والمستقبل ... فانعقاد قمتنا اليوم تحت عنوان التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي... إنما يمثل تعبيرًا عن إدراكنا لضرورة أن نتصدى لتلك القضايا دون إبطاء أو تأجيل... من خلال منهج يتسم بالتوازن والمصداقية وعبر أدوات ذات تأثير وفاعلية...
عانت أمتنا العربية من المحن والنوازل منذ إنشاء جامعتها ... ما بين الكفاح من أجل تحرير الإرادة الوطنية أو للتخلص من الاستعمار أو الحروب التي خاضتها دفاعًا عن حقوقها... وبين تداعيات المشكلات الاقتصادية الخارجية والداخلية ... لكن هذه الأمة ... وفى أحلك الظروف... لم يسبق أن استشعرت تحدياً لوجودها وتهديداً لهويتها العربية كالذي تواجهه اليوم... على نحو يستهدف الروابط بين دولها وشعوبها ... ويعمل على تفكيك نسيج المجتمعات فى داخل هذه الدول ذاتها ... والسعي إلى التفرقة ما بين مواطنيها ... وإلى استقطاب بعضهم وإقصاء البعض الآخر على أساس من الدين أو المذهب أو الطائفة أو العِرق... تلك المجتمعات التي استقرت منذ مئات السنين ... وصهرها التاريخ في بوتقته ووحدتها الآمال والآلام المشتركة... وسواءٌ اكتسى ذلك التهديد رداء الطائفة أو الدين أو حتى العِرق وسواءٌ روجت له فئة من داخل الأمة أو أقحمته عليها أطراف من خارجها بدعاوى مختلفة ... فإن انتشاره سوف يكسر شوكة هذه الأمة وسوف يفرق جمعها ... حتى تغدو في أمد قصير متشرذمة فيما بينها ومستضعفة ممن حولها بسبب انهيار دولها وشدة انقسامها على ذاتها...
إن ذلك التحدي الجسيم لهوية الأمة ولاستقرار مجتمعاتها ولطبيعتها العربية الجامعة ... يجلب معه تحدياً آخر لا يقل خطورة ... لأنه يمس الأمن المباشر لكل مواطنيها وهو الإرهاب والترويع ... الذي يمثل الأداة المُثلى لهؤلاء الذين يروجون لأي فكر متطرف كي يهدم كيان الدول ويعمل على تقويضها ... ولقد رأينا كيف استغل هؤلاء وجود بعض أوجه القصور في عدد من الدول العربية في الوفاء باحتياجات مواطنيها ...
فاستغلوا تطلعات المواطنين المشروعة لاختطاف الأوطان واستغلالها من أجل مآربهم ... أو لإعلان الحرب على الشعوب حتى تذعن لسلطانهم الجائر ... كما رأينا أيضاً كيف اشتدت شراسة الإرهاب في حربه التي يشنها على الآمنين ... والحد الذي بلغته بشاعة الجرائم التي بات الإرهابيون يمارسونها بكل جرأة مستهزئين بأية قيم دينية أو أخلاق إنسانية ... بهدف نشر الفزع وبث الرعب ... ومن أجل إظهار قدرتهم على تحدى سلطات الدول وهز الثقة فيها ... كوسيلة للترويج للفكر المتطرف الذي يقف ما وراء الإرهاب ويستغله باسم الدين أو المذهب لتحقيق أهداف سياسية.
ويقتضى الإنصاف منا أن نواجه أيضاً. وبكل ثقة وإصرار.. المشكلات التي يمثل تراكمها تحدياً لمجتمعاتنا ... على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.. لاسيما فى مجالات مثل بطالة الشباب والأمية والفقر وعدم كفاية الخدمات الاجتماعية ..وأن نعمل على تعظيم الاستفادة من وعينا بأهمية تلك المشكلات عندما خصصنا قمة عربية دورية للشئون الاقتصادية والتنموية والاجتماعية.. إن عدم إبلاء الاهتمام الواجب لتلك المشكلات يضعها حتماً فى مصاف التحديات التي تواجه أمننا القومي.. خاصة وأنها تكتسب أبعاداً إضافية من خلال استغلال آثارها السلبية على المجتمعات العربية من المتربصين بالأمة في الداخل أو الخارج.
إن بعض الأطراف الخارجية تستغل الظروف التي تمر بها دول عربية للتدخل في شئونها أو لاستقطاب قسم من مواطنيها بما يهدد أمننا القومي بشكل لا يمكننا إغفال تبعاته على الهوية العربية وكيان الأمة.. فلقد أغرت تلك الظروف أطرافاً في الإقليم وفيما وراءه وأثارت مطامعها إزاء دول عربية بعينها.. فاستباحت سيادتها واستحلت مواردها واستهدفت شعوبها.. وقد تفاعلت تلك التدخلات مع مؤثرات أخرى كالإرهاب والظروف الاقتصادية والاجتماعية.. بل وحتى الاحتلال.. لتزيد من وطأة التحديات وتخدم بذلك أهدافاً تضر بمصالح الأمة العربية وتحول دون تحقيق تقدمها.
السيدات والسادة: إن المسئولية الملقاة على عاتقنا لمواجهة كل تلك التحديات تتطلب منا.. كما ذكرت.. منهجاً للمعالجة يتميز بالمصداقية والفعالية.. الأمر الذي ينبغي أن يدعونا للتفكير في اتخاذ إجراءات عملية جماعية ... ذات مغزى ومضمون حقيقي.. تتسق مع أهدافنا في الحفاظ على الهوية العربية وتدعيمها.. وصد محاولات التدخل الخارجي في شئوننا.. وردع مساعي الأطراف الأخرى للمساس بسيادة الدول العربية الشقيقة وحياة مواطنيها ... وأثق أننا جميعاً.. وأمتنا العربية.. نعتقد أن ذلك الصد وهذا الردع هو حق لنا.. هو دفاع عن أمننا دون تهديد لشقيق قريب أو لأي جار.. قريب كان أو بعيد.. هو درع لأوطاننا ولأهلنا ... وليس سيفاً مُسلطاً على أحد إلا من يبادرنا بالعدوان .
لقد مرت بأمتنا مراحل لم تزد فى أخطارها عما نعايشه اليوم.. فرأى قادة الأمة العربية معها أنه لا مناص من توحيد الجهود لمواجهتها.. وأنه لابد من أدوات للعمل العربي العسكري المشترك للتغلب عليها.. لكنه ومهما كان تقييمنا لمدى نجاح كل تلك الجهود.. وإزاء إمكانية تفاقم الأوضاع والتحديات الراهنة من إرهاب يداهم ويروع ومن تدخلات خارجية شرسة.. نحتاج إلى التفكير بعمق وبثقة فى النفس.. في كيفية الاستعداد للتعامل مع تلك المستجدات من خلال تأسيس "قوة عربية مشتركة".. دونما انتقاصٍ من سيادةِ أي من الدولِ العربيةِ واستقلالِها.. وبما يتّسِقُ وأحكامِ ميثاقي الأممِ المتحدةِ وجامعةِ الدول العربيةِ.. وفى إطارٍ من الاحترامِ الكاملِ لقواعدِ القانونِ الدولي ... ودون أدنى تدخل في الشئون الداخلية لأي طرف.. فبنفسِ قدرِ رفضِنا لأي تدخلٍ في شئونِنا.. لا نسعى للافتئاتِ على حقِ أيةِ دولةٍ فى تقريرِ مستقبلِها وفقَ الإرادةِ الحرةِ لشعبِها.
وفى هذا الإطار.. ترحب مصر بمشروع القرار الذي اعتمده وزراء الخارجية العرب وتم رفعه للقمة بشأن إنشاء قوة عربية مشتركة.. لتكون أداة لمواجهة التحديات التي تهدد الأمن القومي العربي.
إن لدى الأمة العربية من الإمكانيات ما يكفل لها المضي نحو مزيد من التكامل الذي لا تقتصر عوائده على الجوانب الاقتصادية فحسب.. إنما من الضروري النظر إليه باعتباره إحدى الوسائل الهامة لتثبيت ولتأكيد الهوية العربية.. هوية الإقليم العربي.. الذي باتت حدوده وبعض أنحائه تتعرض للهجوم والتآكل.. ويهمنى أن أشيد هنا بالدور البارز الذي يقوم به البرلمان العربي في التعبير عن تطلعات واهتمامات الشعوب العربية.. وتجسيد قيمة العمل العربي المشترك.. كما أود أيضاً أن أنوه بنتائج مؤتمر وزراءِ التنميةِ والشئونِ الاجتماعيةِ العربِ في أكتوبر الماضي .. والذي اعتمدَ إعلاناً يتضمن أولوياتِ التنميةِ العربيةِ لما بعد عامِ ألفين وخمسةَ عشر.. نسعى إلى تضمينه فى أولويات أجندة التنمية المُرتقبة.. حتى نؤكد حرصنا على مكافحةِ الفقرِ بأنواعه وتحقيقِ العدالةِ الاجتماعيةِ ... وتوفير سبلِ العيشِ الكريمِ للشعوبِ العربية..والارتقاءِ بمستوى الخدماتِ لاسيما الصحية والقضاء على الأمية بحلول عام 2024 ... وخلقِ المزيدِ من فرصِ العمل للجميع ... بمن فيهم الشباب من النساء والرجال.. وإقامةِ مجتمعاتٍ عربيةٍ آمنةٍ مستقرة.
السيداتُ والسادة: لقد أكّدنا مِراراً على أهميةِ دورِ المؤسساتِ الدينية في التصدي للفكرِ المتطرف لأن من يسير فى طريقه الوعر سينزلق حتماً إلى هاوية الإرهاب ... ما لم يجد سبيلاً ممهداً لصحيح الدين.. إننا في أمَس الحاجةِ إلى تفعيلِ دورِ مؤسساتِنا الدينيةِ بما يعزِّزُ الفهمَ السليمَ لمقاصدِ الدينِ الحقيقيةِ من سماحةٍ ورحمةٍ.. إننا فى أمس الحاجةِ إلى تنقيةِ الخطابِ الديني من شوائبِ التعصبِ والتطرفِ والغُلُوِّ والتشدُّد.. لتتضح حقيقة الدين الإسلامي الحنيف واعتداله.. والأملُ معقودٌ في ذلك على كافةِ المؤسساتِ الدينية في الدولِ العربية ... ولقد كان مؤتمرُ مواجهةِ التطرفِ والإرهابِ الذى احتضنهُ الأزهرُ الشريفُ في ديسمبر الماضي نموذجاً عملياً لمثلِ هذه الجهودِ التحى ننشدُ من خلالِها تجفيفَ منابعِ الفكرِ المنحرفِ.
كما أن على رجالِ الفكرِ والثقافةِ والإعلامِ والتعليم واجباً عظيماً تجاهَ أوطانِهم.. من خلالِ تحصينَ النشءِ والشبابِ العربي ضدَ المعتقدات التي تحضُّ على الكراهيةِ وجمود الفكرِ ورفضِ التنوعِ وإقصاءِ الآخر ... وترسيخِ مفهومِ الدولةِ الوطنيةِ الحديثةِ والحث على حمايةِ النسيجِ العربي بكامِلِ مكوناتِه ... وعلى إدراكِ قيمةِ التراثِ الحضاري والإنساني ككل ... والذي شكلت الحضارتين العربية والإسلامية رافداً أساسياً له ... فأثرت مكونه الروحي ... كما أطلقت طاقات الفكر والأدب والعلوم والإبداع .. لتنهل البشرية منها وتنشد مستقبلاً أفضل ... ولقد استلهمت نخبة من المفكرين والمثقفين العرب تلك الروح ... فشاركوا فى مؤتمرِ مكتبةِ الإسكندرية الذي دعت إليه مصر فى القمة السابقة ... لوضعِ إستراتيجيةٍ عربيةٍ شاملةٍ لمواجهةِ الفكرِ المتطرف... والذي خلص إلى عددٍ من التوصياتِ الجديرة بالاهتمام والتطبيق ... وأرجو أن يكونَ ذلك المؤتمر حلقة في سلسلة عملٍ فكرى متواصل.
وفى هذا الإطار ...أود أن أشير إلى خطر إرهابي جديد غير تقليدي ...يستغل التقنيات الحديثة وعلى رأسها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ...ويسئ استخدام شبكة المعلومات والإنترنت بغرض التحريض والترهيب ونشر الفكر المتطرف... وتدعو مصر لتضافر كافة الجهود لوضع مبادئ عامة للاستخدام الآمن لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات...وتفعيل الاتفاقات الدولية المنظمة لهذا الشأن.
السيدات والسادة: إن كل تلك التحديات أفرزت أزمات ألقت ومازالت تلقى بظلالها الوخيمة على عالمنا العربي.. وليس أكثر إلحاحًا اليوم.. ولا أشد تجسيداً للمدى الذي بلغته تلك التحديات من الأوضاع في اليمن.. حيث وصلت إلى حد النيل من أمننا المشترك وليس المساس به فحسب.. فما بين استقواء فئة بالسلاح وبالترويع لنقض شرعية التوافق والحوار ... وبين انتهازية حفنة أخرى طامعة للاستئثار باليمن وإقصاء باقي أبنائه.. وبين تدخلات خارجية تستغل ما أصاب اليمن لنشر عدواها فى الجسم العربي.. فشلت مساعي استئناف الحوار.. وذهبت أدراج الرياح كل دعوات تجنب الانزلاق إلى الصراع المُسلح ... فكان محتماً أن يكون هناك تحرك عربى حازم ... تشارك فيه مصر من خلال ائتلاف يجمع بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول عربية وأطراف دولية ... بهدف الحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه ومصالح شعبه الشقيق ووحدته الوطنية وهويته العربية.. وحتى تتمكن الدولة من بسط سيطرتها على كامل الأراضي اليمنية واستعادة أمنها واستقرارها.
السيدات والسادة: إن ما آلت إليه أوضاع ليبيا الشقيقة لا يُمكن السكوت عليه.. ولا يخفى عليكم أن استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا لا يحتل فقط أهمية قصوى بالنسبة لمصر.. لاعتبارات الجوار الجغرافي والصلات التاريخية القديمة.. ولكن للإقليم والمنطقة العربية ككل على ضوء تشابك التهديدات ووحدة الهدف والمصير.. فضلاً عن الاعتبارات المتصلة بصون السلم والأمن الدوليين.. الذي بات يتأثر بما تشهده الساحة الليبية من تطورات وتنامي لخطر الإرهاب..وفى الوقت ذاته فإن تأييدنا لمجلس النواب الليبي المُنتخب.. وللحكومة المنبثقة عنه.. إنما يرجع بشكل أساسي لاحترامنا التام لإرادة الشعب الليبي ولحقه في تقرير مستقبله بنفسه ... ولكن الوضع في ليبيا يزداد خطورة وتعقيداً يوماً بعد يوم.. في ظل استفحال ووحشية التنظيمات الإرهابية.. مما يستلزم تقديم كافة أشكال الدعم والمساندة للحكومة الشرعية دون إبطاء.. لتمكينها من أداء دورها في بسط الأمن والاستقرار في ربوع ليبيا.. وبما يُفعل دورها في مكافحة الإرهاب ويسمح لها بالدفاع عن نفسها ضد التنظيمات الإرهابية... كما ندعم فى الوقت ذاته وبكل قوة ... الحلول السياسية المطروحة من قبل الأمم المتحدة.. والرامية إلى تحقيق توافق بين أشقائنا فى ليبيا وصولاً إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.. إلا أنه وبالنظر إلى التطورات المُتسارعة وتمدد تواجد التنظيمات الإرهابية.. فإنه لم يعد مقبولاً ما يسوقه البعض من ذرائع حول الربط بين دعم الحكومة الشرعية وبين الحوار السياسي.. فليس من المنطقي أن نطلب من الشعب الليبي العيش تحت نيران الإرهاب لحين التوصل لتسوية سياسية.. وموقفنا واضح جلي في أننا نُدعم المسارين بذات القدر.. ومن جانب آخر ندعو المجتمع الدولي للاِضطلاع بمسئولياته ... وبلورة رؤية أكثر واقعية ووضوحاً لمحاربة الإرهاب والتعامل مع كافة تنظيماته..وعدم إضاعة المزيد من الوقت .. لكي لا يتصور من يرفعون السلاح أن هذا هو السبيل لتحقيق مكاسب سياسية.
السيدات والسادة: لقد باتت الأزمة السورية مأساة يتألم لها الضمير العالمي.. وإننا ننظر بقلق بالغ حيال استمرار مُعاناة الشعب السوري ... فالأوضاع المُتردية هناك تتفاقم يوماً بعد يوم.. وقد شاهدنا ما أدى إليه التدهور من خلق حالة فراغ استغلتها التنظيمات الإرهابية.. فصار استمرار هذا الوضع المؤسف يُهدد أمن المنطقة بأسرها.. إن الحاجة مُلحة للتعاون والتنسيق لاعتماد تصور عربي يُفضى إلى إجراءات جدية لإنقاذ سوريا وصون أمن المنطقة.. ولا مناص من استمرار الدفع إزاء الحل السياسي لوقف نزيف الدم ... وبما يحفظ وحدة الأراضي السورية وثراء نسيجها الوطني بمكوناته المختلفة.. تحت مظلة الدولة المدنية الحاضنة لجميع السوريين.
إن مصر لا تزال تتعامل مع الأزمة السورية من زاويتين رئيسيتين.. الأولى دعم تطلعات الشعب السوري لبناء دولة مدنية ديمقراطية.. والثانية هى التصدي للتنظيمات الإرهابية التي باتت منتشرة.. والحيلولة دون انهيار مؤسسات الدولة السورية ... وانطلاقاً من مسئولية مصر التاريخية تجاه سوريا فإن مصر بادرت بدعم من أشقائها العرب إلى العمل مع القوى الوطنية السورية المُعارضة المُعتدلة.. وصولاً إلى طرح الحل السياسي المنشود.. حيث استضافت القاهرة فى يناير الماضي اجتماعًا ضم طيفاً عريضاً من قوى المعارضة الوطنية السورية.. ونعكف حالياً على الإعداد لاجتماع أكثر اتساعاً لتلك القوى السياسية ... إن الدفع بطرح سياسي يتبناه السوريون وتتوافق عليه دول المنطقة والمجتمع الدولي هو خطوة هامة على طريق الوصول لحل سياسي يضع نهاية لمحنة الشعب السوري ... ويُحقق آماله وفقاً لإرادته الحرة المستقلة في بناء دولة وطنية ديمقراطية.
السيدات والسادة:
إن نجاح العراق الشقيق في إتمام الاستحقاقات الدستورية.. التي تُوجت بتشكيل الحكومة الجديدة.. يستدعى منا تقديم المساندة للخطوات الإيجابية التي شرعت الحكومة في تبنيها لاستعادة الأمن والاستقرار.. كما نُرحب بما تنتهجه هذه الحكومة من سياسات مقرونة بالتطبيق.. لترميم علاقاتها مع دول جوارها العربي.. بما يسمح للعراق بمُمارسة دوره الهام في محيطه العربي .
ونأمل أيضاً.. أن تتمكن حكومة العراق من الوفاء بمتطلبات الوفاق والمصالحة بين مختلف مكونات الشعب العراقي.. وصولاً لإحياء مفهوم الدولة الوطنية بعيداً عن أي تمايز عِرقي أو طائفي.. معولين على جهودها الرامية لاستعادة سيطرتها على كامل ترابها الوطني.. بما يُمكنها من دحر التنظيمات الإرهابية المتطرفة.. فهذه الجهود لا تصون أمن العراق فقط بل تحفظ الأمن القومي العربي برمته.
كما تُتابع مصر باهتمام التطورات التي تشهدها الساحة اللبنانية في ظل التحديات الكبرى التي تشهدها المنطقة.. ولا يفوتني في هذا الصدد أن أعرب عن ترحيب مصر بالحوار القائم بين مختلف القوى السياسية اللبنانية.. لاستعادة الاستقرار فى هذا البلد الشقيق.. ووقف حالة الاستقطاب ... وتخفيف حدة الانقسام بما يُمكن لبنان من اجتياز هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ.. ويحفظ مقدرات الشعب اللبناني ومؤسسات دولته.. ويُحقق الاستقرار الإقليمي المنشود.
ونأمل أن تفضي هذه الجهود إلى انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية دون مزيد من الانتظار.. ولابد لي أن أنوه أيضاً إلى ما يعانيه أشقاؤنا في جمهورية الصومال.. من عدم استقرار وتهديدات لحياتهم اليومية منذ أكثر من عقدين.. فرغم ما نُلاحظه من تحسن تدريجي في الأوضاع الأمنية والسياسية مؤخراً.. بفضل الجهود المضنية التي تقوم بها الحكومة الفيدرالية الصومالية.. والدعم العربي والإفريقي والدولي لها.. إلا أن الاعتداءات الإرهابية المتكررة ... ما تزال تُمثل تهديداً مباشراً لأمن واستقرار المنطقة الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي ... في ظل الروابط الفكرية والتنظيمية بين التيارات المتطرفة داخل الصومال وبين شبكات الإرهاب الإقليمية والدولية.
وأود فئ هذا الإطار أن أؤكد على دعم مصر الكامل لجهود الحكومة الصومالية في تنفيذ "رؤية 2016" ... من أجل استكمال البناء المؤسسي والدستوري في الصومال وتحقيق طموحات شعبه الشقيق.
السيدات والسادة:
على الرغم من جسامة التحديات والتهديدات التي تواجهها أمتنا العربية.. سيظل اهتمام مصر بالقضيةِ الفلسطينيةِ راسخاً.. إدراكًا منها لأن حلَّ هذه القضيةِ هو أحدُ المفاتيحِ الرئيسيةِ لاستقرارِ المنطقة.. التي لن تهدأ أبداً طالما ظلت حقوق الشعب الفلسطيني مُهدَرة.. على الرغمِ من اعترافِ المجتمعِ الدولي بحقه فى إقامةِ دولته المستقلة وعاصمتُها القدسُ الشرقية.
إن قلوبنا وعقولنا مفتوحةٌ للسلام العادل والشامل الذي يحقق الأمن والسلام لكل الأطراف والذي يتطلب إنهاء الاحتلالِ الإسرائيلي لكل الأراضي الفلسطينية ... من خلال مفاوضات جادة ومثمرة على أساس القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية ... مع ضرورة وقف الأنشطةِ الاستيطانيةِ الإسرائيلية والانتهاكاتِ المستمرةِ للمقدساتِ الدينية جميعِها ... لا يُمكن الحديث عن التحديات التى تواجه الأمن القومي العربي دون التأكيد مُجدداً وبقوة... على ثوابت الموقف العربي حيال مسألة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل ... فسوف ينعقد مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار خلال شهري أبريل ومايو المقبلين ... ويُمثل انعقاد المؤتمر فرصة حقيقية للدول العربية ... لمطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسئولياته والإسراع باتخاذ خطوات عملية ومُحددة ... لتنفيذ القرار الصادر عن مؤتمر مراجعة عام 1995 ... حول إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وكافة أسلحة الدمار الشامل الأخرى في الشرق الأوسط ... أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي، أختتمُ كلمتي بالتأكيـد على أن مستقبل هذه الأمة مرهونٌ بما نتـخذه من قرارات ... والمطلوبُ منا كثيرٌ في هذا المنعطفِ التاريخي الهام ... حيث تتزايد تطلعاتُ الشعوبِ في تحقيق الرخاء وهو حَقٌ لها ... في ذات الوقتِ الذي تتعاظمُ فيه التحدياتُ ... إنها مسئوليةٌ جسيمةٌ وأمانةٌ ثقيلةٌ ... نرجو من اللهِ العونَ في أدائها والنهوضِ بها ... حتى لا نغدو يوماً مجــرد مجموعة من الدول ... تلتف حول تاريخٍ مجيـد جمعها يومًا في الماضي ... لكنها عاجزة عن التأثير في حاضرها أو عن صناعة المستقبل ... فأمتُنا تستحق منا الكثير ... عزةً وكرامةً لها... وصوناً لقدرها ومقدراتها . تحيا الأمة العربية .. تحيا الأمة العربية .. تحيا الأمة العربية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،