من قيامة المسيح الى قيامة البشرية وتجديدها كاملة Article14287663148710cae2ccc067f051b28e6c858d01e022222
+ قيامة المسيح (الرأس) تتضمن قيامة البشرية كلها (بالجسد).
+ قوة الاتحاد في شخص المسيح ستُعيد الاتحاد بين النفس والجسد.
+ إن قيامة المسيح انتصارٌ، ليس فقط على موته هو، بل على الموت بوجه عام. ففي قيامة المسيح، شاركت البشرية كلها، أي الطبيعة البشرية، المسيح في قيامته، كما يقول القديس غريغوريوس النيصي:
[مبدأ القيامة امتدَّ بالواحد إلى البشرية كلها](1).
+ ولكن ليس معنى المشاركة العامة في القيامة، أن جميع الموتى قد خرجوا من القبور، ولكن معناه أن الموت قد أمسى بلا قوة، وأنه قد وُهبت قوة القيامة لكل الطبيعة البشرية.
وقد أوضح القديس بولس الرسول هذه الحقيقة بجلاء حينما قال في رسالته الأولى إلى كورنثوس: «فإن لم تَكُن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام... لأنه إن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام» (15: 16،13). وهو بهذا يعني أن قيامة المسيح لا يكون لها معنى إن لم تكن إنجازاً شاملاً عاماً، أي إن لم يكن ”الجسد“ كله (أي جسد البشرية) قد أُعطِيَ قدرة القيامة مع ”الرأس“.
1. قيامة المسيح يتبعها قيامة البشر عامةً:
+ أما الإيمان بالمسيح فإنه يفقد كل معنى ويصير خاوي المضمون عبثاً، إن لم تكن قيامة المسيح تتبعها قيامة البشر جميعاً: «وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطلٌ إيمانكم» (آية 17). فبدون الرجاء في القيامة العامة الشاملة، فإنَّ الإيمان بالمسيح يصير بلا طائل من ورائه، وبلا غاية: «ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين» (1كو 15: 20). ففي هذا الرجاء يكمن انتصار الحياة على الموت.
2. بنعمة القيامة، نموت إلى زمان فقط:
+ يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:
[حقاً نحن ما زلنا نموت كما من قبل، لكننا لن نبقى في الموت، وهذا يعني أننا ”لا نموت“ (بصيغة الاستمرار)... إن معنى الموت كقوة وكحقيقة أن الشخص الميت لا تكون له الإمكانية أن يرجع إلى الحياة ثانية... لكنه إذا رجع إلى الحياة مـن بعد الموت، بل وأكثر مـن هذا إذا رجع إلى حياةٍ أفضل؛ إذن، فهذا لا يصح أن يُسمَّى موتاً بل هو ”رقاد“](2).
+ إن نفس هذا المفهوم نقرأه أيضاً لدى القديس أثناسيوس الرسولي، فإنه يقول إن ”الحكم بالموت“ قد أُلغي، ويُكمِل قائلاً:
[لأن الفساد توقَّف وأُبعد بعيداً بنعمة القيامة، فإننا نموت إلى زمانٍ فقط، بحسب طبيعة أجسادنا المائتة؛ ومثل البذور التي تُدفن في الأرض، فنحن لا نَفنَى، بل نحن ”نُزرع“ في الأرض ثم سنقوم ثانية، لأن الموت أُلغي بنعمة المخلِّص](3).
فهذا يُعتبر بمثابة شفاء وتجديد للطبيعة، إنه شبه إلزام. فالكل سوف يقوم، والكل سوف يعود إلى ملء كيانه الطبيعي، ولكن بعد تجديده. ومنذ القيامة صار التجرُّد من الحالة الجسدية هو حالة مؤقتة. أما «وادي ظل الموت»، أي الجحيم، فقد انتفى بقوة الصليب المحيي.
3. كيف أن القيامة هي الثمرة
بالنسبة إلى البذرة المدفونة:
+ ويؤكِّد القديس غريغوريوس النيصي بشدة على الارتباط المتبادَل بين الصليب والقيامة. فالقيامة أتت، ليس فقط كنتيجة للموت على الصليب، بل كثمرة طبيعية لهذا الموت (على مثال دفن البذرة لتُثمر فيما بعد).
فالقديس غريغوريوس النيصي يوضِّح نقطتين هامتين:
1 - وحدة شخص المسيح، حيث فيه كانت النفس متحدة بالجسد، والكلمة الإلهي متحد بكليهما.
2 - وحـدة شخص المسيح، حيث فيه لم يُفارِق لاهوته، لا النفس ولا الجسد، بعد انفصالهما بالموت.
4. ماذا تمَّ في موت المسيح، ثم في قيامته؟
يقول القديس غريغوريوس النيصي:
[إن طبيعتنا حينما دخلت في طور الموت الطبيعي، كانت في المسيح، حتى في أثناء انفصال النفس عن الجسد؛ ثم ضمَّهما المسيح ثانية، فضمَّ العناصر المنفصلة، لاصقاً إيَّاهما معاً بلصاق قوته الإلهية، وجَمَعَ ثانيةً ما تفرَّق، إلى اتحادٍ لن ينفصم أبداً. وهذه هي القيامة، أي عودة العناصر المنفصلة إلى ما كانت عليه من اتحاد قبلاً، إلى اتحاد غير منفصم، وذلك من خلال اندماج متبادل، حتى تعود ثانيةً النعمة الأولى التي كانت في البشرية؛ وهكذا رجعنا إلى الحياة الأبدية، حينما تبخَّرت الشائبة (أي الموت) التي امتزجت بجنسنا، فتحلَّلنا...
فكما أن أصل الموت نشأ في شخص واحد، وتسلل بالتعاقُب إلى كل الجنس البشري؛ هكذا، وبنفس الطريقة، فإن أصل القيامة امتدَّ من شخص واحد إلى البشرية جمعاء...
وكما أنه في هذه البشرية التي اتخذها لنفسه، حيث عادت النفس إلى الجسد، بعد انفصالهما بالموت؛ هكذا فإن هذا الاتحاد بين العنصرين تغلغل، كما بعنصر جديد، وبنفس القوة، تغلغل إلى كل الجنس البشري بأكمله.
هذا هو، إذن، سر تدبير الله تجاه موته وقيامته من بين الأموات](4).
+ ويقول القديس غريغوريوس النيصي أيضاً في نصٍّ آخر أكثر تبسيطاً ووضوحاً، شارحاً كيف امتدَّت قيامة المسيح إلى كل الجنس البشري:
[ليس الموت سوى انفصال النفس عن الجسد، لكنه (أي الرب يسوع المسيح) الذي أَتْحَدَ بذاته (أي بلاهوته) كِلاَ النفس والجسد (أي الناسوت)، فلم ينفصل (لاهوته قط) عن أيٍّ منهما (حينما مات بالجسد). ولكونه بسيطاً وغير مركَّب، فلم ينقسم حينما انفصلت النفس عن الجسد؛ بل بالعكس، فإنه أكمل اتحادهما ثانيةً، وبقوة وحدانيته أعاد كليهما إلى الاتحاد.
إن الإله ابن الله الوحيد نفسه يُقيم الطبيعة البشرية المتحدة به، والتي انفصلت فيها أولاً النفس عن الجسد (بالموت)؛ ثم أعاد اتحادهما ثانيةً (بقيامته)، وعن هذا الطريق اكتمل الخلاص العام للطبيعة (البشرية)](5).
مثال القصبة المنشقة إلى اثنين:
+ ويستخدم القديس غريغوريوس النيصي أيضاً مثال ”القصبة المنشقة إلى قسمين“ في توضيح تعليمه عن قيامة البشر. فهو يقول إنه حينما نلصق القسمين المنشطرين من القصبة، فإذا لصقنا أحدهما من طرف، فلابد وبالضرورة أن يلتصق الآخر من الطرف الثاني، ”وهكذا تلتصق القصبة المكسورة كلها“.
هكذا أيضاً، ففي المسيح يعود الاتحاد بين النفس والجسد، حيث ”تتحد الطبيعة البشرية التي انقسمت بالموت إلى عنصريها الاثنين“. فإنَّ رجاء القيامة هو في التقاء العناصر المنفصلة بعضها عن البعض.
في آدم انشقَّت طبيعتنا، أو انشطرت إلى اثنين، وذلك من خلال الخطية. ولكن، في المسيح، عولج هذا الانشطار تماماً.
هذه هي إبادة الموت، أو بالتدقيق إبادة ”إمكانية الموت“. وبكلمات أخرى، فإنَّ ما تمَّ هو رجوع فعَّال قوي لكمال وصحة الوجود الإنساني كله.
إنه إعادة خلق للجنس البشري كله، إنه ”خليقة جديدة“(6). إنه استعلان جديد للمحبة الإلهية والقوة الإلهية. إنه قمة اكتمال الخليقة.