رسائل القديس أنطونيوس
الرسالة الثانية
1ـ أنطونيوس يكتب لأولاده الأحباء بالرب، ويهديهم السلام.
أيها الأحباء فى الرب، إن الله لم يفتقد خليقته مرة واحدة فقط، بل فى كل وقت من بداية العالم إلى نهايته. فكل من يطلب الرب باجتهاد ومحبة ويسمع تعاليمه، فإنه يكون معه ويعطيه الروح القدس.
وحيث أن الطبائع الناطقة المشتركة مع الأجساد قد ضعفت وتغيرت بسبب حركات النفس وماتت، فلم تستطع أن تفكر فى خلقتها الأولى بل "صارت كالبهيمة" (يه 10)، وخدمت (اى عبدت) المخلوقات دون الخالق" (رو1: 25)، فقد افتقد خالق الكل ـ بقوة صلاحه ـ خليقته بنواميسه المحيية. والذين استحقوا هذه النعمة، وسعوا بحسب الناموس بكل قوتهم ونيتهم، فقبلوا روح البنوة وتعلموا من الروح القدس، فاستطاعوا أن يسجدوا للخالق "كما يجب" (يو4: 24). وكقول الرسول بولس إن هؤلاء الذين ثبتت لهم الشهادة بإيمانهم "لم ينالوا الوعد لأن الله قدم النظر فى منفعتنا نحن لكى لا يكملوا بدوننا" (عب1: 39ـ 40).
2ـ فلأجل محبته العظيمة ـ محبته العظيمة ـ إذ هو إله الكل ـ أراد أن يفتقد ضعفنا؛ فأقام موسى مشرعاً للناموس وأعطانا الناموس على يديه، فوضع لنا أساس البيت الحقيقى الذى هو الكنيسة الناطقة الواحدة، وبمشيئته دبر أن يرد الخليقة إلى خلقتها الأولى. فبنى موسى البيت ولم يكمله بل مضى وتركه. فأقام الله بعده جماعة الأنبياء بهذا الروح الواحد، فبنوا هم أيضاً على الأساس الذى وضعه موسى ولم يكملوا بل مضوا وتركوه. ثم إن آباءنا الروحانين لما نظروا هذا المرض ليس له شفاء، علموا أن لا أحد من هذه الخليقة يقدر أن يشفيه ما خلا وحيد الآب وحده، الذى هو صورة أزليته