لا يا "غيفارا" لن نلدغ من الجحر مرتين
قبل أيام حذر سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز في تصريح له من مؤامرة تستهدف زعزعة العالم العربي كله وإثارة القلاقل فيه, والامير نايف النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء, وزير الداخلية السعودي, رجل عاصر أحداث المنطقة منذ ما قبل الثورة المصرية في عام 1952, وصاحب ثقافة عالية بكل ما يتعلق بالامن الوطني السعودي والامن القومي العربي, وهو لا يتحدث من فراغ, ويعرف ما تحيكه بعض الدوائر الدولية للمنطقة.
وقبل يومين توعدت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون العالم العربي بعاصفة هوجاء من الاضطرابات والفوضى لن يكون احد محميا منها, في إعلان يأتي بعد سلسلة من المواقف اتخذتها ادارة البيت الابيض تؤلب فيها الشعب المصري على شرعيته الدستورية, وتحفز بعض الدوائر في الدول العربية على اثارة الفوضى في بلدانها.
معالم المؤامرة التي حذر منها الامير نايف شاهدنا فصولها تتتالى في تونس ومن ثم في مصر وتتجه الى عواصم عربية اخرى حسب التصريحات الاميركية, ما يفرض على المراقب السؤال لماذا في هذا الوقت بالذات? ومن المستفيد مما يجري ومن كلام أوباما وكلينتون عما ينتظر المنطقة?
لا شك ان فشل السياسة الاميركية في العراق عزز التدخل الايراني ووضع بلاد الرافدين تحت احتلال فارسي مقنع, ومدد اذرع اخطبوط الملالي الى العديد من الدول العربية, بدءا من لبنان حيث "حزب الله" يفرض قراره بقوة السلاح على الجميع ما جعل اقلية تتحكم بمصير الاكثرية, وهو ما لم تشهده اي ديمقراطية في العالم, وصولا الى غزة حيث "حماس" ألعوبة بيد الملالي تهادن اسرائيل او تطلق عليها بضعة صواريخ حين يأمر الحرس الثوري من طهران التي عملت ايضا على زعزعة الاستقرار الامني في اليمن ومحاولة ايذاء دولة خليجية هي المملكة العربية السعودية.
إن ما فعلته واشنطن في العراق, وإغراقه في بحر من الدم والارهاب, سواء بعلمها او من دون علمها جلب على المنطقة الويلات بعد ان صدرت الى ذلك البلد ثقافة لا تنسجم مع خصوصيته وخصوصية العرب عموما, وهي بسياستها تلك في لبنان وغزة والان في مصر والمغرب, تجلب على نفسها الكثير من المتاعب, وكأنها لم تتعلم من الدروس السابقة التي ساعدت فيها على تعزيز الارهاب ذاك الغول الذي نهش فيها قبل اي دولة اخرى.
ربما لا تدرك الولايات المتحدة الاميركية انها بسياستها المتقلبة, والخاضعة لأمزجة ومصالح كبار الموظفين في البيت الابيض والبنتاغون وبعض اللوبيات السياسية لا تخدم إلا تل أبيب, وستكون واشنطن التي تعتمر هذه الايام قبعة تشي غيفارا وترفع شعار ماوتسي تونغ وكأنها هوشي منه القرن العشرين, الخاسر الاكبر على المدى الستراتيجي مما تمارسه في المنطقة, لان الشعوب العربية تدرك تماما ماذا تريد من حكامها, وتعرف اكثر ان السياسة الاميركية الحالية لا تصب في مصلحتهم, وإنما في مصلحة اسرائيل التي فشلت الادارات الاميركية المتعاقبة في حل القضية الاساس التي تنكبت عبء حلها, وقاتلت من اجل احتكار قرار هذا الحل, وهي القضية الفلسطينية, والمثير للسخرية ان الادارة الحالية لم تفشل فقط في تسهيل إقامة الدولة الفلسطينية على اساس حل الدولتين, بل هي فشلت حتى في وقف الاستيطان الاسرائيلي موقتا من اجل الاستمرار في المفاوضات.
تدرك الشعوب العربية قبل حكوماتها ان بلدانها بحاجة الى نفضة اصلاحية داخلية, وليس نفضة تخريب وفوضى, وهي ليست بحاجة الى وصفات اميركية او ايرانية جاهزة, بل انها ترفض كل هذه الكرنفالات التي لا تهدف الا الى اسقاط العرب سياسيا امام العالم الذي بدأ يتفهم الحقوق العربية وطبيعة الصراع العربي - الاسرائيلي ويرى الفشل الاميركي في معالجة هذا الملف منذ 63 عاما.
والآن, على باراك اوباما ووزيرة خارجيته ان يلتفتا الى اصلاح الولايات المتحدة حيث يعيش 47.8 مليون اميركي تحت خط الفقر فيما الملايين منهم بلا منازل, بالاضافة الى معدل البطالة المرتفع, وعليهما ان يتخليا هما وملالي طهران عن تقديم وصفات الفوضى والتخريب للعالم العربي عموما والشعب المصري خصوصا الذي رد ومن ميدان التحرير ب¯ "لا" كبيرة جدا للتدخلين الاميركي والايراني بشؤونه الداخلية, لأنه حين طالب بالاصلاح لبت قيادته مطالبه, بل إن ال¯ "لا" المصرية هذه ستسمعها الولايات المتحدة وايران من كل الشعوب العربية التي لها خصوصياتها وهو ما لا تفهمه لا واشنطن وطهران. فيا أوباما ويا هيلاري... شكرا... شكرا... لقد تعلمنا الدرس ولن نلدغ من الجحر مرتين.
أحمد الجارالله