وماذا بعد النهاية السعيدة لأعظم ثورة فى التاريخ
سامي البحيري GMT 15:19:00 2011 السبت 12 فبراير
يعتقد الخبراء (وأنا واحد منهم!!) بأن ثورة 25 يناير تعتبر من أعظم الثورات فى التاريخ الإنسانى،وأقول هذا ليس فقط بإعتبارى مصريا، ولكنى أقولها وأحاول أن أكون محايدا للأسباب الموضوعية التالية:
أولا: عدد المتظاهرين الذين نزلوا شوارع مصر بالملايين فاقوا عدد أى ثوار فى أى ثورة فى التاريخ الإنسانى (بس ربنا يستر ما يحصلش ثورة مماثلة فى الصين، لأن ثورة مصر ساعتها ستخسر العدد القياسى من الثوار).
ثانيا: الثورة بدأت سلمية وإنتهت سلمية، والضحايا الذين سقطوا كانوا بسبب التدخل العنيف لرجال الأمن ورجال النظام المنهار، وليس بسبب عنف الثوار.
ثالثا: الثورة لم يكن لها زعيم ولم يكن وراءها تنظيم سياسى من أى نوع، ولكنها كانت إنتفاضة ثورية عبرت عن الظلم الذى حاق بالمصريين عبر آلاف السنين، ويبدو أنه كان مخبأ فى جينات المصريين!
رابعا: الثورة لم تتلق أى دعم من أى جهة خارجية سواء صديقة للثورة أم عدوة لها، كما أن التصريحات المتضاربة لزعماء الغرب (وبالذات أمريكا) وتحركات قطع الأسطول الأمريكى فى البحرين الأبيض والأحمر لم تؤثر فى عزيمة الثوار بل بالعكس فإنها أكدت لهم أنه حان الأوان لأن قرارات مصر يجب أن تصدر من القاهرة وليس من أى عاصمة أخرى.
خامسا: الثورة منذ يومها الأول كان شعارها: "الشعب يريد إسقاط النظام" وبالرغم من تنازلات النظام اليومية وخطابات رئيس النظام الثلاثة إلا أن مطلب الثورة لم يتغير، حتى سقط النظام.
خامسا: الثورة لم تتنازل عن مطالبها بالرغم من مفاوضات النظام مع من أطلقوا على أنفسهم "لجنة الحكماء" وهى كلمة عقيمة إخترعها إستاذ الأساتذة فى أحد العهود الدكتاتورية البائدة، وهى كلمة باطل كان يريد بها باطل، وهى تعنى أن شباب الثورة صغار السن ويفتقدون إلى "الحكمة"، ورفض شباب الثورة التنازل عن مطلبهم الأساسى :"إسقاط النظام" وسقطت لجنة الحكماء ونجحت الثورة، وأثبت الشباب أنهم أكثر "حكمة" من العواجيز أمثالنا!!
سادسا: لم تحدث عمليات نهب وسرقة مثل التى شهدتها الثورات الأخرى، ومعظم من قام بتلك الأعمال فى ليلتى 27 & 28 يناير كان ممن أطلقهم فى الشوارع أغبياء النظام سواء من السجون أو البلطجية لخلق حالة من الفوضى، ورغم إختفاء الأمن من الشارع المصرى إلا أن شباب مصر كون على الفور وفى نفس الليلة لجانا شعبية قامت بحماية مصر.
سابعا: صحيح أن مركز الثورة كان ميدان التحرير، ولكن مصر من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها إشتركت فى تلك الثورة، مصر برجالها ونساءها، بمسلميها بمسيحييها، بشبابها ورجالها وأطفالها، بفقراءها وأغنياءها ونص نصها!! إشتركوا جميعا فى الثورة، وكان ميدان التحرير قمة التنظيم والتحضر، وإنتشرت الأغانى والفنون فى الميدان وعادت للمصريين نكاتهم اللاذعة وخفة دمهم، التى كاد أن يضيعها نظام "دمه تقيل" .
....
وبعد أن أثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن ثورة 25 يناير واحدة من أعظم ثورات التاريخ، الآن "دقت ساعة العمل الثورى الحقيقى"، وماذا بعد:
أولا: أمام مصر وشبابها مهام إعادة البناء، ليس بناء ماخربته الثورة لأن هذا محدود جدا، ولكن إعادة بناء ما خربه 60 عاما من الحكم الإستبدادى. وأقترح رفع شرط السن من عضوية مجلسى الشعب والشورى، وكذلك من رئاسة الجمهورية، وكما قلت لقد أثبت الشباب أنهم أكثر حكمة من الشيوخ وأن حسهم كان أكثر صدقا، فالثورة ثورتهم ومن حقهم أن يتولوا الحكم، ومش معقول فريق الأشبال الذى كان يحكم مصر بمتوسط عمر 75 سنة!
ثانيا: أحييى الجيش المصرى على حمايتهم لشباب الثورة وعلى إصراره على عدم إطلاق رصاصة واحدة على المتظاهرين، مما أظهر وطنية هذا الجيش والقائمين عليه، والآن وقد تسلمتم السلطة فأمامكم مهمة صعبة ويجب أن تلجأوا إلى أهل الخبرة وليس إلى أهل الثقة، نريد دستور جديد يعكس روح مصر الجديدة، نريد إنتخابات حرة نزيهة بحق وحقيق، نريدكم أن تسلموا السلطة إلى الشعب بأسرع ما يمكن (فى خلال أشهر)، ولنا خبرة قديمة معكم، فى عام 1952 قمتم بثورة الجيش وتمشينا معاكم وأسميناها ثورة وتمسكتم بالحكم 60 عاما، الآن قام الشعب بثورة 25 يناير، يبقى جاء الدور على الشعب لكى يمسك الحكم على الأقل كمان 60 سنة وبعدين نقعد نتفاهم، ولكن إذا فكرتم للحظة واحدة إستمراركم فى الحكم بدعوى حفظ النظام والإستقرار، فقد عرف الشعب طريق "ميدان التحرير".
ثالثا: كلمة لشيخ الأزهر ولبابا الأقباط، أرجو أن تلزموا مساجدكم وكنائسكم، ما فيش داعى أقول أكثر من كده، لقد أثبتم أنكم على الجانب الخطأ من التاريخ.
رابعا: كلمة للأخوان المسلمين: لقد رفضتم الإشتراك فى الثورة من البداية، ولكن عندما رأيتم أن العملية قلبت بجد قررتم الإشتراك فيها، وحاولتم أن ترهبوا العالم كله أنكم وراء الثورة وأنكم الوريث الوحيد للنظام، ومرة أخرى أثبت الشباب خطأكم وخاصة عندما رفضتم التفاوض مع النظام ثم قبلتم ذلك، وعندما حاولتم التحالف مع البرادعى ثم سقط هذا التحالف لرفض البرادعى التفاوض مع النظام، لقد أثبتت ثورة شباب مصر حجمكم فى الشارع المصرى كما أثبتت مواقفكم الإنتهازية قبل الثورة وخلالها أنكم لا تختلفون عن أى حزب آخر، رغم أنكم تدعون عكس ذلك، لذلك فإن امامكم أحد أمرين: إما أن تظلوا جمعية خيرية مثلها مثل الجمعية الشرعية، تبنون المساجد وتؤدون خدمات أهلية وخيرية للمواطنين، أو أن تحلوا أنفسكم وتنضمون إلى أى حزب من الأحزاب التى سوف تتكون بعد الثورة، بشرط أن تتخلوا عن كل شعاراتكم الدينية والتى لم تجد لها مكانا فى الثورة، واضح أن مصر سوف تكون دولة مدنية، الدين الإسلامى والمسيحى واليهودى والبهائى يظل داخل دور العبادة فقط لا غير.
خامسا: كلمة للأخوان المسيحيين: لقد شاركتم فى الثورة ضد تعليمات الكنيسة ومرة أخرى أثبتم خطأ الكنيسة، لقد حان الدور عليكم أن تشاركوا فى الحكم والسياسة، لا كمسيحيين ولكن كمصريين، إن محاولة البعض منكم اللجوء إلى الكنيسة عند حدوث أى مشكلة سياسية وإجتماعية أبعدكم عن الحياة السياسية وأعطى للكنيسة سلطة ليست من وظيفتها، فالطريق أمامكم الآن للبعد عن السلبية وسياسة "خلينا ماشيين جنب الحيط"، وكما كنتم مصريين فى ميدان التحرير، أنتم مصريون قبل كل شئ ومسيحيون داخل الكنيسة.
سادسا: كلمة لكل الإحزاب بما فيها الحزب الوطنى، "راحت عليكم" لقد تجاوزتكم الثورة وتم إسقاط النظام والذي كنتم جزءا منه، أقترح عليكم البحث عن وظائف أخرى.
سابعا: كلمة إلى الرئيس السابق حسنى مبارك (كم هى جميلة كلمة الرئيس السابق)، لن يعاملك شباب الثورة مثلما عاملهم رجال أمنك، ولكنهم سيعاملوك بالقانون، إن ثبت أن هناك ثروات هائلة لك ولعائلتك، نريد أن نعرف من أين لكم تلك الثروات، وأن تعيدوا للشعب ما حصلتم عليه بإستغلال النفوذ والفساد والرشوة وخلافه.
ثامنا: كلمة إلى أغنياء مصر ورجال الأعمال الشرفاء فى مصر، أنا مازلت على يقين بأن أغلبية رجال الأعمال فى مصر هم من الشرفاء وفى مقدمتهم الوطنى الأصيل نجيب ساويرس، الدور عليكم جبار الآن لكى تزيدوا من إستثاراتكم فى مصر، مصر تستطيع فى خلال 20 سنة أن تصبح مثل ماليزيا أو حتى الصين، ومن أثرى منكم لعلاقته بالنظام السابق عليه أن يرجع تلك الأموال للشعب، وإلا سوف يطاردكم الشعب حتى بلاد الواق الواق.
تاسعا: كلمة للأخوة العرب، نشكرك على مساندتكم، وحان الأوان لأن تشاركوا بإستثماراتكم الوفيرة فى مصر الجديدة، لن تجدوا مكانا آمنا أكثر من دولة القانون الجديدة، لقد بلغتم الفوائض المالية من دول الخليج فى العالم الخارجى أكثر من 2.2 تريليون دولار، مصر لا تريد أكثر من %10 من هذا المبلغ للإستثمار فيها ويبلغ 220 بليون دولار. هذا أقل ما يمكن عمله لمصر.
عاشرا: كلمة لأمريكا والغرب وإسرائيل وإيران وكل دول العالم: مصر دولة عريقة عمرها سبعة آلاف سنة (وليس كما قال أوباما بالأمس ستة آلاف سنة)، ولقد أثبتت تلك الثورة السلمية عراقة هذا البلد، وكما قال أوباما بالأمس بالنص:"لقد غير المصريون العالم"، أقول تعالوا إستثمروا فى مصر إقضوا أجازاتكم فى مصر، ولكن لا نريد أن نسمع منكم أى كلمة عما يجب على حكومة مصر أن تفعله أو لا تفعله، إذا تدخلتم فى سياساتنا سوف نبدأ بالتدخل فى سياساتكم، وإنتم عارفين لو تدخلنا فى سياساتكم سنقلبها ثورة شعبية.
حادى عشر: نداء إلى ملايين المصريين فى الخارج، صحيح أننا لم نشارك في الثورة بطريقة مباشرة ولكننا لقد كنا معها بقلوبنا وأرواحنا وأفئدتنا وبالفيس بوك وتويتر، بإمكانكم مساعدة مصر على النهوض مرة أخرى سواء بإستثماراتكم أو بخبراتكم ومشارتكم فى الإنتخاب، فأصوات المصريين فى الخارج يمكن أن يكون أثر كبير فى السياسة المصرية المقبلة.
ثانى عشر: إلى شعب مصر وشباب مصر، لقد حان الأوان لأن تقوموا بتنظيم أحزابا شعبية سياسية حقيقية وليس أحزابا ورقية، نريد أحزابا تعكس كل ألوان الطيف التى كانت موجودة فى الثورة، كما أننا لا نريد أن تكون الفترة القادمة فترة إنتقام أو فترة تصفية حسابات، لا نريد أن نطلق على العهد الماضى العهد البائد، ولا نريد أن نقوم بإجراء محاكمات صورية أو إنتقامية لأعمدة النظام السابق، ولكن من يثبت تورطتهم فى جرائم أمنية أو مالية أوإستغلال نفوذ، يجب أن يقدم إلى محكمة مدنية ويكون من حقه الدفاع عن نفسه، يجب أن نساند نشوء دولة القانون والدولة المدنية. لقد جاء وقت البناء، يجب أن نشارك جميعا فى الإنتخابات القادمة سواء مرشحين أو منتخبين، بدون أن تشارك فى الإنتخابات لن يحق لنا الشكوى، ويجب أن تكون الإنتخابات القادمة بإستخدام بطاقة الرقم القومى، وليس بالبطاقة الإنتخابية.
....
وختاما ألف مبروك، لا أستطيع أن أصف لكم مدى سعادتى بتلك الثورة، ورحم الله إستاذى نجيب محفوظ الذى تنبأ بتلك الثورة فى الفصل الأخير من رواية "الحرافيش" والتى نشرها عام 1977، ولكن الله لم يمد فى عمره لكى يشهدها.