مرت
في الشهر الماضي الذكرى السنوية الـ 32 لانتصار الثور الإيرانية ، وعلى
الرغم من مرور أكثر ثلاث عقود على هذه الثورة الشعبية، التي وصفت حينها
بأنها الأكبر والاهم في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن النظام الذي انبثق عن
هذه الثورة وسيمي بالـ" الجمهورية الإسلامية " قد فشل حسب رأي الكثير من
المحللين السياسيين الإيرانيين في توفير مستلزمات الحياة الحرة والكريمة وتحقيق السعادة التي كان قد وعد بها قادة النظام.
ويرى
هؤلاء المحللون أن الخلاف ليس حول عدد المدارس أو الجامعات و عدد الطلاب
ولا حول طول مسافة الطرق التي تم إنشاءها‘ أو خطوط الكهرباء التي تم
إيصالها إلى القرى أو تطوير المشروع النووي .
فديمقراطية
الأنظمة السياسية في العالم لا تقاس على هذه الانجازات فلو أردنا أن نقيس
هذه الأمور على ما قدمته الأنظمة الأكثر دكتاتورية في العالم لوجدنا أن ما
قدمه النظام الإيراني لا يساوي شيئا مقابل ما قدمته العديد من الأنظمة
الدكتاتورية الأخرى في المنطقة على صعد التنمية الاقتصادية والرفاهية
الاجتماعية والتطور الثقافي .
كما
أن إيران تعيش اليوم دولة معزولة و تمر بأزمة سياسية يعيش فيها النظام
كابوس السقوط، و القطاعات الاقتصادية والاجتماعية تعاني من مشاكل مماثلة
لتلك التي تعاني منها أنظمة العالم الثالث.
وإن
كانت الهجرة الواسعة للعقول والطاقات العلمية من ابرز الأمثلة التي يمكن
اعتبارها مقياسا للتعرف على أوضاع بلد ما فإيران تعاني من هذا الأمر بشكل
كبير جدا .
فبعد مرور 32 عاما على قيام ما سمي بجمهورية " أم القرى الإسلامية " يجب مقارنة ما تم إنجازه لحد الآن بما أعطي من وعود من قبل الخميني عند انتصار الثورة وبداية تأسيس هذا النظام الذي
وعد حينها من أن إيران ستكون جنة على الأرض ولكن عند مراجعة تلك الوعد
ومقايستها بما هو حاصل على ارض الواقع نجد أن نظام الجمهورية الإيرانية قد
واجه الفشل في تحقيق أهم ثلاثة مشاريع كانت هي الهدف الرئيسي لنظام الجمهورية.
فأول
هذه المشاريع الفاشلة ‘هو فشل بناء المشروع الأخلاقي والإنساني لنظام
الدولة الدينية ‘ لقد فشل نظام الجمهورية الإيرانية الذي جاء باسم الدين من
إقامة مجتمع قابل بوجود نظام سياسي ديني، فتدخل رجال الدين في جميع الأمور
السياسية و إدارة النظام والدولة، وهو ما أوجد
ردود أفعال سلبية من جانب المجتمع تجاه الدولة الدينية لاعتقاد المجتمع أن
رسالة رجال الدين التاريخية تتمثل في مواجهة الظلم والاضطهاد الممارس من
قبل السلطة غير أن ما جرى اظهر عكس ذلك فقد تحول رجال الدين إلى سلطة تمارس
الظلم والاضطهاد ضد المجتمع باسم الدين و لهذا بات النظام الإيراني لا
يختلف عن أي نظام علماني ديكتاتوري آخر .
فإلاسلامية
المزعومة التي يدعيها هذا النظام لم تستطع على سبيل المثال منع حصول،
التزوير، الكذب، الغش، السرقات، أو استقلال المنصب في أعلى سلم السلطة، أو
بناء سلطة قضائية مستقلة وعادلة . و لا يستطيع هذا النظام التفاخر بتحقيق
أي إنجاز على صعيد مكافحة هذه الأمور التي مر ذكرها.
إن انتشار ظاهرة الرياء والظهور بالمظاهر الإيمانية و العبادية أصبحت حالة عامة لدى كبار المسئولين والمدراء وجميع العاملين في المؤسسات الحكومية، كما أصبحت أيضا وسيلة للوصول إلى المناصب أو الحصول على المكاسب من الحكومة وهذه الظاهرة قد أفرغت مشروع الدولة الدينية من مضمونه الحقيقي بعد أن أصبح الناس ينظرون إلى مظاهر التدين على انه نوعا من الرياء ولم يعد هناك من يؤمن بتدين السلطة وأعوانها.
وكيف
يمكن للناس أن يصدقوا تدين مسئولي السلطة وهم يرون كيف اغلب هؤلاء
المسئولين يحملون شهادة دراسية مزورة عملوها من اجل الحصول على مناصب عليا
في السلطة .
ومن نافلة الذكر أيضا أن المجتمع الإيراني يعاني اليوم من ذات الأمراض الأخلاقية و الإرهاصات الاجتماعية الموجودة في المجتمع الغربي وربما أكثر من ذلك .
وهذا طبعا يشكل فشلا ذريعا لنظام يدعي انه نظام ديني ولكنه ترك لهذه الإرهاصات تتفاقم إلى هذا المستوى.
والفشل
الأخلاقي الآخر الذي واجه النظام الإيراني هو أن القسم الأكبر من
المجتمع‘وبالأخص الشباب منه‘ يعارض بشدة البرنامج الثقافي للنظام الأمر الذي سهل نشوء نظم ثقافية مختلفة في المجتمع.
والسبب في ذلك أن نظام الجمهورية (الإسلامية ) الذي سعى في تحميل ثقافته بالقوة على المجتمع ‘ جل أفعاله وسياساته كانت على الدوام تناقض المنهج الثقافي الذي يروج له
‘أي انه لم يلتزم بشعارات القيم الثقافة التي يدعو لها ‘ و لهذا لم يتمكن
هذا النظام بعد اثنين وثلاثين عاما من الحكم من خلق الثقة بينه وبين
المجتمع الإيراني وكان هذا سببا في فشل مشروع الدولة الدينية التي أقامها
وذهبت كل جهوده الإعلامية وأساليب غسل الأدمغة التي استخدمها طوال هذه
السنين أدراج الرياح . فبعد اثنين وثلاثين من الحكم نرى كيف يلجئ هذا النظام إلى استخدام الشرطة ومختلف الأجهزة الأمنية الأخرى لفرض الحجاب وسائر القوانين الدينية بالقوة ‘ وهذا دليل فشل لا غير .
وبموازاة ذلك أيضا يرى المراقبون أن نظام الجمهورية الإيرانية فشل في أقامة ادني مقومات "الديمقراطية الدينية" التي كان قد وعد بأنها سوف تكون أفضل من الديمقراطية الغربية.
فإيران
اليوم من جهة حرية التعبير عن الرأي ‘ وعمل الأحزاب السياسية و منظمات
المجتمع المدني و حرية الصحافة والتنظيمات النقابية ‘لا تتمتع بأي ميزة تذكر .
فوضع
القيود على المرشحين وتزوير نتائج الانتخابات وسجن وإعدام أو نفي
المعترضين ‘بات من ابرز سمات ديمقراطية نظام الدولة الدينية في إيران .
فهذا النظام لم يعد يتحمل حتى المعارضة الدينية التي خرجت من تحت عباءته والتي لا تتجاوز مطالبها سوى بعض الإصلاحات الرمزية .
وقد
بات هذا مأزقا محيرا "للديمقراطية الدينية" ولرجال الدين الذين كانوا قبل
أكثر من مئة عام مضت رواد المطالبة بنظام المشروطة (الدستورية). فما قاله
الزعيم الديني الميرزا "محمد حسين النائيني" قبل أكثر من قرن مضى عن الديكتاتورية الدينية الدستورية يطبق اليوم في إيران . فأي جمهورية دينية ديمقراطية هذه التي يقمع فيها رجل قبل غيره؟.
المصدر : مفكرة الإسلام .
في الشهر الماضي الذكرى السنوية الـ 32 لانتصار الثور الإيرانية ، وعلى
الرغم من مرور أكثر ثلاث عقود على هذه الثورة الشعبية، التي وصفت حينها
بأنها الأكبر والاهم في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن النظام الذي انبثق عن
هذه الثورة وسيمي بالـ" الجمهورية الإسلامية " قد فشل حسب رأي الكثير من
المحللين السياسيين الإيرانيين في توفير مستلزمات الحياة الحرة والكريمة وتحقيق السعادة التي كان قد وعد بها قادة النظام.
ويرى
هؤلاء المحللون أن الخلاف ليس حول عدد المدارس أو الجامعات و عدد الطلاب
ولا حول طول مسافة الطرق التي تم إنشاءها‘ أو خطوط الكهرباء التي تم
إيصالها إلى القرى أو تطوير المشروع النووي .
فديمقراطية
الأنظمة السياسية في العالم لا تقاس على هذه الانجازات فلو أردنا أن نقيس
هذه الأمور على ما قدمته الأنظمة الأكثر دكتاتورية في العالم لوجدنا أن ما
قدمه النظام الإيراني لا يساوي شيئا مقابل ما قدمته العديد من الأنظمة
الدكتاتورية الأخرى في المنطقة على صعد التنمية الاقتصادية والرفاهية
الاجتماعية والتطور الثقافي .
كما
أن إيران تعيش اليوم دولة معزولة و تمر بأزمة سياسية يعيش فيها النظام
كابوس السقوط، و القطاعات الاقتصادية والاجتماعية تعاني من مشاكل مماثلة
لتلك التي تعاني منها أنظمة العالم الثالث.
وإن
كانت الهجرة الواسعة للعقول والطاقات العلمية من ابرز الأمثلة التي يمكن
اعتبارها مقياسا للتعرف على أوضاع بلد ما فإيران تعاني من هذا الأمر بشكل
كبير جدا .
فبعد مرور 32 عاما على قيام ما سمي بجمهورية " أم القرى الإسلامية " يجب مقارنة ما تم إنجازه لحد الآن بما أعطي من وعود من قبل الخميني عند انتصار الثورة وبداية تأسيس هذا النظام الذي
وعد حينها من أن إيران ستكون جنة على الأرض ولكن عند مراجعة تلك الوعد
ومقايستها بما هو حاصل على ارض الواقع نجد أن نظام الجمهورية الإيرانية قد
واجه الفشل في تحقيق أهم ثلاثة مشاريع كانت هي الهدف الرئيسي لنظام الجمهورية.
فأول
هذه المشاريع الفاشلة ‘هو فشل بناء المشروع الأخلاقي والإنساني لنظام
الدولة الدينية ‘ لقد فشل نظام الجمهورية الإيرانية الذي جاء باسم الدين من
إقامة مجتمع قابل بوجود نظام سياسي ديني، فتدخل رجال الدين في جميع الأمور
السياسية و إدارة النظام والدولة، وهو ما أوجد
ردود أفعال سلبية من جانب المجتمع تجاه الدولة الدينية لاعتقاد المجتمع أن
رسالة رجال الدين التاريخية تتمثل في مواجهة الظلم والاضطهاد الممارس من
قبل السلطة غير أن ما جرى اظهر عكس ذلك فقد تحول رجال الدين إلى سلطة تمارس
الظلم والاضطهاد ضد المجتمع باسم الدين و لهذا بات النظام الإيراني لا
يختلف عن أي نظام علماني ديكتاتوري آخر .
فإلاسلامية
المزعومة التي يدعيها هذا النظام لم تستطع على سبيل المثال منع حصول،
التزوير، الكذب، الغش، السرقات، أو استقلال المنصب في أعلى سلم السلطة، أو
بناء سلطة قضائية مستقلة وعادلة . و لا يستطيع هذا النظام التفاخر بتحقيق
أي إنجاز على صعيد مكافحة هذه الأمور التي مر ذكرها.
إن انتشار ظاهرة الرياء والظهور بالمظاهر الإيمانية و العبادية أصبحت حالة عامة لدى كبار المسئولين والمدراء وجميع العاملين في المؤسسات الحكومية، كما أصبحت أيضا وسيلة للوصول إلى المناصب أو الحصول على المكاسب من الحكومة وهذه الظاهرة قد أفرغت مشروع الدولة الدينية من مضمونه الحقيقي بعد أن أصبح الناس ينظرون إلى مظاهر التدين على انه نوعا من الرياء ولم يعد هناك من يؤمن بتدين السلطة وأعوانها.
وكيف
يمكن للناس أن يصدقوا تدين مسئولي السلطة وهم يرون كيف اغلب هؤلاء
المسئولين يحملون شهادة دراسية مزورة عملوها من اجل الحصول على مناصب عليا
في السلطة .
ومن نافلة الذكر أيضا أن المجتمع الإيراني يعاني اليوم من ذات الأمراض الأخلاقية و الإرهاصات الاجتماعية الموجودة في المجتمع الغربي وربما أكثر من ذلك .
وهذا طبعا يشكل فشلا ذريعا لنظام يدعي انه نظام ديني ولكنه ترك لهذه الإرهاصات تتفاقم إلى هذا المستوى.
والفشل
الأخلاقي الآخر الذي واجه النظام الإيراني هو أن القسم الأكبر من
المجتمع‘وبالأخص الشباب منه‘ يعارض بشدة البرنامج الثقافي للنظام الأمر الذي سهل نشوء نظم ثقافية مختلفة في المجتمع.
والسبب في ذلك أن نظام الجمهورية (الإسلامية ) الذي سعى في تحميل ثقافته بالقوة على المجتمع ‘ جل أفعاله وسياساته كانت على الدوام تناقض المنهج الثقافي الذي يروج له
‘أي انه لم يلتزم بشعارات القيم الثقافة التي يدعو لها ‘ و لهذا لم يتمكن
هذا النظام بعد اثنين وثلاثين عاما من الحكم من خلق الثقة بينه وبين
المجتمع الإيراني وكان هذا سببا في فشل مشروع الدولة الدينية التي أقامها
وذهبت كل جهوده الإعلامية وأساليب غسل الأدمغة التي استخدمها طوال هذه
السنين أدراج الرياح . فبعد اثنين وثلاثين من الحكم نرى كيف يلجئ هذا النظام إلى استخدام الشرطة ومختلف الأجهزة الأمنية الأخرى لفرض الحجاب وسائر القوانين الدينية بالقوة ‘ وهذا دليل فشل لا غير .
وبموازاة ذلك أيضا يرى المراقبون أن نظام الجمهورية الإيرانية فشل في أقامة ادني مقومات "الديمقراطية الدينية" التي كان قد وعد بأنها سوف تكون أفضل من الديمقراطية الغربية.
فإيران
اليوم من جهة حرية التعبير عن الرأي ‘ وعمل الأحزاب السياسية و منظمات
المجتمع المدني و حرية الصحافة والتنظيمات النقابية ‘لا تتمتع بأي ميزة تذكر .
فوضع
القيود على المرشحين وتزوير نتائج الانتخابات وسجن وإعدام أو نفي
المعترضين ‘بات من ابرز سمات ديمقراطية نظام الدولة الدينية في إيران .
فهذا النظام لم يعد يتحمل حتى المعارضة الدينية التي خرجت من تحت عباءته والتي لا تتجاوز مطالبها سوى بعض الإصلاحات الرمزية .
وقد
بات هذا مأزقا محيرا "للديمقراطية الدينية" ولرجال الدين الذين كانوا قبل
أكثر من مئة عام مضت رواد المطالبة بنظام المشروطة (الدستورية). فما قاله
الزعيم الديني الميرزا "محمد حسين النائيني" قبل أكثر من قرن مضى عن الديكتاتورية الدينية الدستورية يطبق اليوم في إيران . فأي جمهورية دينية ديمقراطية هذه التي يقمع فيها رجل قبل غيره؟.
المصدر : مفكرة الإسلام .