قصة حقيقية
يقول القمص لوقا سيداروس فى كتابه "رائحة المسيح فى حياة أبرار معاصرين": فى الأيام الأولى لوجودنا داخل سجن المرج "كان الرئيس السادات قد قام بإعتقال كثير من القيادات الدينية"، كان الجو وقتها مشحونا بالغيوم من كل ناحية، لم يكن أحد يتوقع ما حدث. كأن الظلام قد أطبق من كل ناحية ولكن رجاءنا فى السيد المسيح كان هو البصيص الوحيد للنور.
كان الآباء المحبوسون من كل أنحاء مصر، و كثير منهم لم يكن يعرف الآخر، كانت هذه الأيام الأولى تمر بطيئة ثقيلة على النفس. وكنا فى الصباح الباكر فى كل يوم نصحوا على صوت كنسى فيه عزاء كبير، يصلى مقتطفات من القداس الألهى، و كنا نسمعه يسبح بنغم روحى يزيح عن النفس الكمد الذى كان يشيعه جو السجن وحرس السجن. كان هذا الأب الكاهن من سوهاج، و بمرور الأيام أصبح عمله هذا كصياح الديك فى الفجر، ينبىء دائما بإنقشاع الظلام.
كانت الزنزانة التى أقيم فيها فى منتصف العنبر المكون من ثلاثة أضلاع وكان هذا الأب يقيم فى زنزانة فى طرف الضلع الأول، فلم تكن هناك فرصة لأتحدث عنه أو أراه وكان الحمام الوحيد بالعنب بجوار زنزانتى، فكان عندما يأتى عليه الدور ليستحم كنت أراه، فكان يسلم على وهو لا يعرفنى وأنا أراه من طاقة الزنزانة التى لا تزيد عن قبضة اليد.. ولأنه كان مصابا بحساسية فى الصدر سمحوا له بحمام يومى ..
كان وهو فى الحمام أيضا يصلى، ولكنه يصلى الأواشى فقط عن سلام الكنيسة وأوشية الآباء.. ولما دققت السمع فيما يصلى وجدته يقول "الرئيس والجند والمشيرين نيحهم جميعا".. لم يكن أحد من الحراس أو الضباط يفهم شيئا وكان بعض الآباء يقولون "آمين".. ولم يمض سوى أيام حتى صنع الرب صنيعه العجيب وأستجاب. وبعدها إنتقلنا جميعا إلى سجن بوادى النطرون، وعشنا جميعا فى عنبر واحد، وتعرف بعضنا ببعض عن قرب شديد، إذ قد عشنا معا عدة شهور.
فلما عرفت هذا الأب عن قرب وجدته رجلا بسيط القلب مملوء بالعاطفة. كانت نفسيته بسيطة، علاقته بالمسيح ليس فيها قلق ولا تعقيد، كان يحب المسيح من قلب بسيط كقلب طفل صغير. توطدت العلاقة بيننا جدا، و كنا كلما سرنا لبعض الوقت نتكلم عن أعمال الله وتأملنا فى كلامه ووعوده الصادقة.
قال لى مرة ونحن نتكلم عن أعمال الله، أن من أعجب القصص التى عاشها ف خدمته إنهم أيقظوه يوم سبت النور بعد أن سهر الكنيسة حتى الصباح بعد إنتهاء القداس الألهى الساعة السابعة صباحا ثم ذهب لبيته ليستريح .. أيقظوه بإنزعاج وقالوا له قم إعمل جنازة.. قام من نومه العميق منزعجا، و سأل من الذى مات قالوا له الولد فلان .. أبن ثلاثة عشر عاما. لم يكن الولد مريضا ولكن فى فجر اليوم وجدوه ميتا.. وحزن أهل الصعيد صعب وصلوات الجنازات رهيبة .. لا سيما إذا كان موت مفاجىء أو ولد صغير السن. قام الأب وهو يجمع ذهنه بعد، مغلوبا من النوم، فكأنه كان تحت تأثير مخدر.. لم يستوعب الأمر.
كان يعمل كل شىء كأنه آلة تعمل بلا إدراك، غسل وجهه وذهب إلى الكنيسة، وجد الناس فى حالة هياج وعويل. دخل هذا الكاهن الطيب، باكيا مشاركا شعبه، وضعوا الصندوق أمامه، و كان لهم عادة فى بلده أن يفتحوا الصندوق ويصلى على المتوفى والصندوق مفتوح. صلى صلاة الشكر، ثم رفع صليبه، وبدلا من أن يصلى أوشية الراقدين، صلى أوشية المرضى بغير قصد ولا إدراك، كان كأنه مازال نائما.. وفيما هو يصلى "تعهده بالمراحم والرأفات .. أشفيهم"، إذ بالصبى يتحرك وهو مسجى فى الصندوق.. قال: لم أصدق عينى، جسمى كله أقشعر. تجمد فى مكانه ولكنه أكمل الصلاة، و زادت حركة الصبى..
صرخ الكاهن، إنه حى، هاجت الدنيا حوله.. فكوا الولد من الأكفان..
إنه حى .. سرت موجة فرح الحياة .. إنقشعت أحزان الموت .. إنه يوم سبت النور، يوم كسر المسيح شوكة الموت. كان يحكى هذه الحادثة العجيبة، التى هى أعجب من الخيال، و كأنه لم يكن له شأن فيها، بل كان متفرجا ومندهشا، لم يكن الرجل ينسب لنفسه شيئا ولم تكن نفسه محسوبة فى نفسه شيئا، ولكن الواقع إنه كان رجل الله .. وقد إنضم إلى مصاف الكهنة السمائيين وأنتقل من هذا العالم الزائل بعد أن خرج من السجن بسنوات قليلة. أرتقت روحه المسبحة إلى طغمة الذين يسبحون الرب بلا سكوت وبلا فتور.[/size]
يقول القمص لوقا سيداروس فى كتابه "رائحة المسيح فى حياة أبرار معاصرين": فى الأيام الأولى لوجودنا داخل سجن المرج "كان الرئيس السادات قد قام بإعتقال كثير من القيادات الدينية"، كان الجو وقتها مشحونا بالغيوم من كل ناحية، لم يكن أحد يتوقع ما حدث. كأن الظلام قد أطبق من كل ناحية ولكن رجاءنا فى السيد المسيح كان هو البصيص الوحيد للنور.
كان الآباء المحبوسون من كل أنحاء مصر، و كثير منهم لم يكن يعرف الآخر، كانت هذه الأيام الأولى تمر بطيئة ثقيلة على النفس. وكنا فى الصباح الباكر فى كل يوم نصحوا على صوت كنسى فيه عزاء كبير، يصلى مقتطفات من القداس الألهى، و كنا نسمعه يسبح بنغم روحى يزيح عن النفس الكمد الذى كان يشيعه جو السجن وحرس السجن. كان هذا الأب الكاهن من سوهاج، و بمرور الأيام أصبح عمله هذا كصياح الديك فى الفجر، ينبىء دائما بإنقشاع الظلام.
كانت الزنزانة التى أقيم فيها فى منتصف العنبر المكون من ثلاثة أضلاع وكان هذا الأب يقيم فى زنزانة فى طرف الضلع الأول، فلم تكن هناك فرصة لأتحدث عنه أو أراه وكان الحمام الوحيد بالعنب بجوار زنزانتى، فكان عندما يأتى عليه الدور ليستحم كنت أراه، فكان يسلم على وهو لا يعرفنى وأنا أراه من طاقة الزنزانة التى لا تزيد عن قبضة اليد.. ولأنه كان مصابا بحساسية فى الصدر سمحوا له بحمام يومى ..
كان وهو فى الحمام أيضا يصلى، ولكنه يصلى الأواشى فقط عن سلام الكنيسة وأوشية الآباء.. ولما دققت السمع فيما يصلى وجدته يقول "الرئيس والجند والمشيرين نيحهم جميعا".. لم يكن أحد من الحراس أو الضباط يفهم شيئا وكان بعض الآباء يقولون "آمين".. ولم يمض سوى أيام حتى صنع الرب صنيعه العجيب وأستجاب. وبعدها إنتقلنا جميعا إلى سجن بوادى النطرون، وعشنا جميعا فى عنبر واحد، وتعرف بعضنا ببعض عن قرب شديد، إذ قد عشنا معا عدة شهور.
فلما عرفت هذا الأب عن قرب وجدته رجلا بسيط القلب مملوء بالعاطفة. كانت نفسيته بسيطة، علاقته بالمسيح ليس فيها قلق ولا تعقيد، كان يحب المسيح من قلب بسيط كقلب طفل صغير. توطدت العلاقة بيننا جدا، و كنا كلما سرنا لبعض الوقت نتكلم عن أعمال الله وتأملنا فى كلامه ووعوده الصادقة.
قال لى مرة ونحن نتكلم عن أعمال الله، أن من أعجب القصص التى عاشها ف خدمته إنهم أيقظوه يوم سبت النور بعد أن سهر الكنيسة حتى الصباح بعد إنتهاء القداس الألهى الساعة السابعة صباحا ثم ذهب لبيته ليستريح .. أيقظوه بإنزعاج وقالوا له قم إعمل جنازة.. قام من نومه العميق منزعجا، و سأل من الذى مات قالوا له الولد فلان .. أبن ثلاثة عشر عاما. لم يكن الولد مريضا ولكن فى فجر اليوم وجدوه ميتا.. وحزن أهل الصعيد صعب وصلوات الجنازات رهيبة .. لا سيما إذا كان موت مفاجىء أو ولد صغير السن. قام الأب وهو يجمع ذهنه بعد، مغلوبا من النوم، فكأنه كان تحت تأثير مخدر.. لم يستوعب الأمر.
كان يعمل كل شىء كأنه آلة تعمل بلا إدراك، غسل وجهه وذهب إلى الكنيسة، وجد الناس فى حالة هياج وعويل. دخل هذا الكاهن الطيب، باكيا مشاركا شعبه، وضعوا الصندوق أمامه، و كان لهم عادة فى بلده أن يفتحوا الصندوق ويصلى على المتوفى والصندوق مفتوح. صلى صلاة الشكر، ثم رفع صليبه، وبدلا من أن يصلى أوشية الراقدين، صلى أوشية المرضى بغير قصد ولا إدراك، كان كأنه مازال نائما.. وفيما هو يصلى "تعهده بالمراحم والرأفات .. أشفيهم"، إذ بالصبى يتحرك وهو مسجى فى الصندوق.. قال: لم أصدق عينى، جسمى كله أقشعر. تجمد فى مكانه ولكنه أكمل الصلاة، و زادت حركة الصبى..
صرخ الكاهن، إنه حى، هاجت الدنيا حوله.. فكوا الولد من الأكفان..
إنه حى .. سرت موجة فرح الحياة .. إنقشعت أحزان الموت .. إنه يوم سبت النور، يوم كسر المسيح شوكة الموت. كان يحكى هذه الحادثة العجيبة، التى هى أعجب من الخيال، و كأنه لم يكن له شأن فيها، بل كان متفرجا ومندهشا، لم يكن الرجل ينسب لنفسه شيئا ولم تكن نفسه محسوبة فى نفسه شيئا، ولكن الواقع إنه كان رجل الله .. وقد إنضم إلى مصاف الكهنة السمائيين وأنتقل من هذا العالم الزائل بعد أن خرج من السجن بسنوات قليلة. أرتقت روحه المسبحة إلى طغمة الذين يسبحون الرب بلا سكوت وبلا فتور.[/size]