[center]
[b]عبور في قضيّة مسيحيّي الشرق
[/b]
[table id=table5 class=contentpaneopen align=center]
[tr]
[td vAlign=top width="70%" colSpan=2][b][size=16]الأب الدكتور جورج مسّوح - جريدة النهار [/size] [/b][/td][/tr]
[tr]
[td class=createdate vAlign=top colSpan=2][b][size=16]21/ 06/ 2010 [/size][/b][/td][/tr]
[tr]
[td vAlign=top colSpan=2][b][b][size=16]تتردّد من حين إلى آخر مقولةٌ مفادها أنّ اختفاء المسيحيّين من بلادنا إنّما هو "خسارة للتعدّديّة". هذه مقولة صحيحة، ولكن ينقصها القول أيضًا أنّ اختفاء المسيحيّين لا يعني أنّ ساكني هذه البلاد، بعد جيل أو جيلين، لن يعتادوا العيش في مجتمع خالٍ، أو يكاد أن يكون خاليًا، من وجود مسيحيّ وازن. وربّما سيمتدحون مجتمعهم الأحاديّ الجديد، ويحمدون الله على إنعامه عليهم بديانة واحدة يدينون بها كافّةً. أليس هذا واقع الحال في العديد من الدول التي شهدت حضورًا مسيحيًّا مزدهرًا عبر التاريخ، ثمّ اندثر منها منذ قرون أو عقود خلت؟[/size][/b]
[b][size=16]لا تبتعد ورقة العمل "الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة" عن هذا الهاجس، حين تتناول وضع المسيحيّين ودورهم وشهادتهم ومصيرهم في البقاع الممتدّة من مصر إلى إيران. هذه الورقة، التي سلّمها البابا بينيديكتوس السادس عشر إلى بطاركة الشرق الكاثوليك اخيرا، تتضمّن النقاط الأساسيّة التي سيجري البحث فيها إبّان السينودس الخاصّ من أجل الشرق الأوسط، الذي سيعقد في تشرين الأوّل المقبل في حاضرة الفاتيكان. فتقول الورقة في إحدى فقراتها: "لذلك يحسن أن نذكّر بأنّ المسيحيّين هم مواطنون أصليّون، وأنّهم ينتمون حتمًا وقانونًا إلى النسيج الاجتماعيّ، وإلى الهويّة ذاتها لبلادهم الخاصّة. وفي اختفائهم خسارة للتعدّديّة التي ميّزت دائمًا بلاد الشرق الأوسط، وغياب الصوت المسيحيّ سيسبّب إفقار المجتمعات الشرق الأوسطيّة".
وتطرح الورقة اقتراحات عدّة إيجابيّة، وإنْ بدت غير واقعيّة أو غير قابلة للتحقيق في إطار الواقع القهّار الطاغي على أنفاسنا. فما السبيل إلى إقرار "العلمانيّة الإيجابيّة" التي تعني، وفق نصّ ورقة العمل، تخفيف الصبغة الثيوقراطيّة لبعض الحكومات، ممّا يسمح بمزيد من المساواة ما بين المواطنين من مختلف الديانات، مع الاعتراف بدور الدين حتّى على مستوى الحياة العامّة، مع كامل الاحترام للتمييز ما بين كلّ من النظام الدينيّ والنظام الزمنيّ؟ وهل يمكن الوصول إلى هذه العلمانيّة قبل أن يصبح الوجود المسيحيّ أثرًا بعد عين؟ وكيف يمكن الفكر الإسلاميّ الاقتناع بها، في حين يتمّ تكفير كلّ مَن يتبنّاها؟
اللافت أيضًا في هذا السياق تذكير الورقة بأهمّيّة ما قام به "رواد نهضة الأمّة العربيّة" المسيحيّون. فما أسهم به هؤلاء "على مدى الأجيال كان عظيمًا في مجالات التربية والثقافة والأعمال الاجتماعيّة. لقد قاموا بدور أساسيّ في حياة بلادهم الثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة". هذا الاعتراف الكنسيّ المتأخّر برواد النهضة العربيّة المسيحيّين وأفكارهم كيف تمكن ترجمته على أرض الواقع؟ وما هي شروط تحقّقه؟ في هذا الصدد تشير الورقة إلى أهمّيّة الاستمرار في "التربية على الحرّيّة، وعلى احترام حرّيّة الآخر، وعلى تخطّي المصالح الطائفيّة، في سبيل المزيد من العدالة والمساواة أمام القانون".
تتعثّر الورقة بالتعميم عند الحديث عن أسباب الهجرة والحدّ منها. فالسببان الأساسيّان للهجرة هما السياسة والاقتصاد، من دون إغفال تصاعد التشدّد الدينيّ والصراعات الطائفيّة. غير أنّ الورقة لا تجد دورًا للكنيسة إلاّ في "أن تقوم ببعض التدابير في هذا المجال للحدّ من الهجرة"، من دون أن تدخل في التفاصيل. هل تفكر الكنيسة، إذًا، بالأوقاف الدينيّة واستثمارها لمساعدة مَن يبحث عن البقاء؟ كنّا نأمل الإضاءة على دور الأوقاف في ترسيخ المسيحيّين في أرضهم، بقدر إضاءتها على الدور الإيجابيّ الذي تؤدّيه المؤسّسات المسيحيّة التربويّة والصحّيّة والاجتماعيّة، عبر نشر ثقافة احترام الحرّيّات واحترام الآخر المختلف، في جعل الحضور المسيحيّ نافعًا ومجديًا لكلّ الناس على اختلاف طوائفهم.
ثمّة نقاط كثيرة في هذه الورقة نتّفق معها، وثمّة نقاط أخرى نختلف عليها، لا سيّما في مسألة العنف السائد في فلسطين المحتلّة. غير أنّ هذه الورقة تشكّل بداية جيّدة لطرح المشكلات التي يعاني منها المسيحيّون ولاستشراف الحلول الناجعة لها. وفي الختام، تدعو الورقة المسيحيّين إلى أنّ "واجبنا في مجتمعاتنا هو أن نربّي على الانفتاح وندعو إليه، وليس على التعصب. وإنّما يجب أن نطالب بالوسائل السلميّة بأن تعترف السلطات المدنيّة بحقوقنا المشروعة كذلك". في الوقت الذي نجد المسيحيّين المشرقيّين يطالبون بحقوقهم المدنيّة، نتوقّع من السياسيّين المسيحيّين في لبنان الإقرار ببعض الحقوق المدنيّة للاجئين الفلسطينيّين. فكيف نطالب بما نسكت عن حرمان الآخر منه؟.[/size][/b]
[b][size=16]الأب الدكتور جورج مسّوح - جريدة النهار[/size][/b]
[/b][/td][/tr][/table][/center]
[b]عبور في قضيّة مسيحيّي الشرق
[/b]
[table id=table5 class=contentpaneopen align=center]
[tr]
[td vAlign=top width="70%" colSpan=2][b][size=16]الأب الدكتور جورج مسّوح - جريدة النهار [/size] [/b][/td][/tr]
[tr]
[td class=createdate vAlign=top colSpan=2][b][size=16]21/ 06/ 2010 [/size][/b][/td][/tr]
[tr]
[td vAlign=top colSpan=2][b][b][size=16]تتردّد من حين إلى آخر مقولةٌ مفادها أنّ اختفاء المسيحيّين من بلادنا إنّما هو "خسارة للتعدّديّة". هذه مقولة صحيحة، ولكن ينقصها القول أيضًا أنّ اختفاء المسيحيّين لا يعني أنّ ساكني هذه البلاد، بعد جيل أو جيلين، لن يعتادوا العيش في مجتمع خالٍ، أو يكاد أن يكون خاليًا، من وجود مسيحيّ وازن. وربّما سيمتدحون مجتمعهم الأحاديّ الجديد، ويحمدون الله على إنعامه عليهم بديانة واحدة يدينون بها كافّةً. أليس هذا واقع الحال في العديد من الدول التي شهدت حضورًا مسيحيًّا مزدهرًا عبر التاريخ، ثمّ اندثر منها منذ قرون أو عقود خلت؟[/size][/b]
[b][size=16]لا تبتعد ورقة العمل "الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة" عن هذا الهاجس، حين تتناول وضع المسيحيّين ودورهم وشهادتهم ومصيرهم في البقاع الممتدّة من مصر إلى إيران. هذه الورقة، التي سلّمها البابا بينيديكتوس السادس عشر إلى بطاركة الشرق الكاثوليك اخيرا، تتضمّن النقاط الأساسيّة التي سيجري البحث فيها إبّان السينودس الخاصّ من أجل الشرق الأوسط، الذي سيعقد في تشرين الأوّل المقبل في حاضرة الفاتيكان. فتقول الورقة في إحدى فقراتها: "لذلك يحسن أن نذكّر بأنّ المسيحيّين هم مواطنون أصليّون، وأنّهم ينتمون حتمًا وقانونًا إلى النسيج الاجتماعيّ، وإلى الهويّة ذاتها لبلادهم الخاصّة. وفي اختفائهم خسارة للتعدّديّة التي ميّزت دائمًا بلاد الشرق الأوسط، وغياب الصوت المسيحيّ سيسبّب إفقار المجتمعات الشرق الأوسطيّة".
وتطرح الورقة اقتراحات عدّة إيجابيّة، وإنْ بدت غير واقعيّة أو غير قابلة للتحقيق في إطار الواقع القهّار الطاغي على أنفاسنا. فما السبيل إلى إقرار "العلمانيّة الإيجابيّة" التي تعني، وفق نصّ ورقة العمل، تخفيف الصبغة الثيوقراطيّة لبعض الحكومات، ممّا يسمح بمزيد من المساواة ما بين المواطنين من مختلف الديانات، مع الاعتراف بدور الدين حتّى على مستوى الحياة العامّة، مع كامل الاحترام للتمييز ما بين كلّ من النظام الدينيّ والنظام الزمنيّ؟ وهل يمكن الوصول إلى هذه العلمانيّة قبل أن يصبح الوجود المسيحيّ أثرًا بعد عين؟ وكيف يمكن الفكر الإسلاميّ الاقتناع بها، في حين يتمّ تكفير كلّ مَن يتبنّاها؟
اللافت أيضًا في هذا السياق تذكير الورقة بأهمّيّة ما قام به "رواد نهضة الأمّة العربيّة" المسيحيّون. فما أسهم به هؤلاء "على مدى الأجيال كان عظيمًا في مجالات التربية والثقافة والأعمال الاجتماعيّة. لقد قاموا بدور أساسيّ في حياة بلادهم الثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة". هذا الاعتراف الكنسيّ المتأخّر برواد النهضة العربيّة المسيحيّين وأفكارهم كيف تمكن ترجمته على أرض الواقع؟ وما هي شروط تحقّقه؟ في هذا الصدد تشير الورقة إلى أهمّيّة الاستمرار في "التربية على الحرّيّة، وعلى احترام حرّيّة الآخر، وعلى تخطّي المصالح الطائفيّة، في سبيل المزيد من العدالة والمساواة أمام القانون".
تتعثّر الورقة بالتعميم عند الحديث عن أسباب الهجرة والحدّ منها. فالسببان الأساسيّان للهجرة هما السياسة والاقتصاد، من دون إغفال تصاعد التشدّد الدينيّ والصراعات الطائفيّة. غير أنّ الورقة لا تجد دورًا للكنيسة إلاّ في "أن تقوم ببعض التدابير في هذا المجال للحدّ من الهجرة"، من دون أن تدخل في التفاصيل. هل تفكر الكنيسة، إذًا، بالأوقاف الدينيّة واستثمارها لمساعدة مَن يبحث عن البقاء؟ كنّا نأمل الإضاءة على دور الأوقاف في ترسيخ المسيحيّين في أرضهم، بقدر إضاءتها على الدور الإيجابيّ الذي تؤدّيه المؤسّسات المسيحيّة التربويّة والصحّيّة والاجتماعيّة، عبر نشر ثقافة احترام الحرّيّات واحترام الآخر المختلف، في جعل الحضور المسيحيّ نافعًا ومجديًا لكلّ الناس على اختلاف طوائفهم.
ثمّة نقاط كثيرة في هذه الورقة نتّفق معها، وثمّة نقاط أخرى نختلف عليها، لا سيّما في مسألة العنف السائد في فلسطين المحتلّة. غير أنّ هذه الورقة تشكّل بداية جيّدة لطرح المشكلات التي يعاني منها المسيحيّون ولاستشراف الحلول الناجعة لها. وفي الختام، تدعو الورقة المسيحيّين إلى أنّ "واجبنا في مجتمعاتنا هو أن نربّي على الانفتاح وندعو إليه، وليس على التعصب. وإنّما يجب أن نطالب بالوسائل السلميّة بأن تعترف السلطات المدنيّة بحقوقنا المشروعة كذلك". في الوقت الذي نجد المسيحيّين المشرقيّين يطالبون بحقوقهم المدنيّة، نتوقّع من السياسيّين المسيحيّين في لبنان الإقرار ببعض الحقوق المدنيّة للاجئين الفلسطينيّين. فكيف نطالب بما نسكت عن حرمان الآخر منه؟.[/size][/b]
[b][size=16]الأب الدكتور جورج مسّوح - جريدة النهار[/size][/b]
[/b][/td][/tr][/table][/center]