يتساءل البعض : هل تمتع النبى بهذه الرؤيا قبل تنبؤه بما ورد فى الإصحاحات السابقة أم جاءت بعدها ؟ ولماذا لم يفتتح النبى السفر بها ؟
( 1 ) رؤيا النبى فى الهيكل :
" فى سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالسا على كرسى عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل " إش 6 : 1
تمتع النبى بهذه الرؤيا فى سنة وفاة عزيا الملك ، ربما بعدما أعلن نبواته السابقة والتى حملت تهديدا للشعب ، فقابلها الشعب بنفور واستخفاف ، لهذا كشف له هذه الرؤيا ليعلنها للشعب مؤكدا أنه يحمل رسالة إلهية ، يقدم كلمة الله .
ظهرت الرؤيا ى سنة وفاة عزيا الملك الذى ملك على يهوذا وهو ابن 16 سنة لمدة 52 عاما وعمل المستقيم فى عينى الرب ، وقد نجح فى كل أعماله : فى الحروب والتعمير ، ولكنه إذ أصابه الكبرياء وأراد أن يوقد للرب على مذبح البخور فضربه الرب بالبرص وهو فى الهيكل ، وطرده الكهنة ، وكان أبرصا إلى يوم وفاته ، معزولا فى بيت بعيد عن قصر الملك
تطلع النبى إلى الشعب فى سنة موت عزيا ليراه منطرحا كغنم بلا راعى ، خاصة وأن الملك كان قد اعتزل الشعب زمانا قبل موته بسبب برصه .
وسط هذه المرارة أعلن الرب هذه الرؤيا لإشعياء من أجل تعزيته : تحققت الرؤيا فى الهيكل غالبا فى وقت انفرد فيه النبى للعبادة الخاصة ، يصرخ إلى الله ليتسلم رعاية شعبه .
ظهر له السيد جالسا على كرسى عال . ومرتفع ليؤكد له أنه هو راعى شعبه السماوى ، أفكاره تعلو عن أفكار البشر ، وطرقه عن طرقهم .
يرى القديس يوحنا الذهبى الفم إن إشعياء وغيره من الأنبياء لم يروا جوهر اللاهوت كما هو إنما يظهر الله لهم خلال تنازله قدر ما يحتملون الرؤيا وذلك من أجل محبته لخليقته ؛ حتى بالنسبة للسمائيين وحاملى عرشه فإن كل منهم يراه قدر احتماله أما الجوهر فى ذاته أى فى كماله المطلق فلا يمكن إدراكه .
" السيرافيم واقفون فوقه ، لكل واحد ستة أجنحة ، بأثنين يغطى وجهه وبأثنين يغطى رجليه وبأثنين يطير . وهذا نادى ذاك وقال : قدوس ، قدوس ، قدوس رب الجنود ، مجده ملء كل الأرض " إش 6 : 2 ، 3 .
لعل ما يعزى نفس الخاد هو أن يرتفع قلبه ليرى الخدمة الملائكية ، فيتحقق أن كل متاعب الكنيسة وضعفاتها تنتهى يوما ما لتشترك مع السمائيين فى التسبيح أبديا .
قيل أن القديس باخوميوس المصرى كان يرى الكنيسة مملوءة بالملائكة .
السيرافيم هم خدام العرش الإلهى ، يحملون الرب بفرح وتهليل ، يسبحونه بلا انقطاع . وكأن عمل كل خادم أو نبى فى الكنيسة هو جذب كل نفس إلى الرب كعرش له يسكنه ، ويقيم ملكوته داخله ، فيصير أشبه بالساروف النارى السماوى . لكل ساروف 6 أجنحة :
بإثنين يغطى وجهه علامة اتسامه بالمخافة الإلهية ، لا يقدر أن يدرك كل البهاء الإلهى ...
وبإثنين يغطى رجليه علامة الحياء – إن صح التعبير - .....
وبإثنين يطير محلقا فى السماويات .
هكذا يليق بنا أن نتشبه بالساروف ننعم بالمخافة الإلهية فى احتشام مع نمو دائم وارتفاع مستمر نحو السماويات . " مجده ملء كل الأرض " إش 6 : 3 ، لا يملأ السموات فحسب وإنما الأرض كلها .
يلاحظ فى هذه التسبحة :
أ – أن كلمة " السيد " جاءت بالجمع Adonai وليس بالمفرد Adon ، ربما لهذا السبب مع تكرار كلمة " قدوس " ثلاث مرات رأى القديس غريغوريوس أسقف نيصص تعلن عن مجد الثالوث ، بينما ينسبها الرسول بولس للروح القدس ( أع 28 : 25 ، 26 ) ، والقديس يوحنا للإبن ( يو 12 : 41 ) بينما التقليد اليهودى قديما ينسبها للآب .
ب – دعى الله " رب الجنود " وهو لقب الله فى معركته ضد الشر أو قوات الظلمة ، له معنى تعليمى ، أول من استخدمه حنة أم صموئيل فى تسبحة النصرة التى نطقت بها إذ شعرت بأن الله هو سر نصرتها فى معركتها الداخلية .
جـ - تستخدم هذه التسبحة فى القداس الإلهى علامة شركة المؤمنين مع السمائيين فى العبادة على مستوى سماوى ، بروح الوحدة والإنسجام معا .
" فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخانا " إش 6 : 4 .
اهتزت أساسات بيت الرب أمام صرخات الساروفيم التى تمجد الله القدوس وأمتلأ البيت سحابا كثيفا علامة حلول مجد الله فيه . وعندما دخل السيد المسيح أورشليم اهتزت أيضا المدينة ( مت 21 : 10 ) . ونحن فى حاجة أن يعلن الرب حلوله فينا . ليقيم ملكوته داخلنا ، نشترك مع السيرافيم تسبحتهم الأبدية فتهتز أعماق نفوسنا مع إشعياء النبى ، ويعلن مجد الرب فينا ، وتتقدس أعماقنا فنحسب شهود حق لإنجيله .
( 2 ) تقديس فم إشعياء
إذ نقف فى حضرة الله القدوس يعلن لنا مجده ونكتشف نحن نجاستنا ، كما حدث مع إشعياء النبى : " فقلت : ويل لى إنى هلكت لأنى انسان نجس الشفتين ، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين ، لأن عينى رأتا الملك رب الجنود " إش 6 : 5
لعل إشعياء أراد أن يشترك مع السيرافيم فى تسابيحهم لله فأدرك أنه نجس الشفتين ، وإذ تطلع إلى جماعة السيرافيم فى تهليلاتهم أدرك أنه ساكن بين شعب نجس الشفتين .
شعوره بنجاسة شفتيه ونجاسة شفاه شعبه لم يحطم نفسيته ، إنما ملأه رجاء فىالله الذى تمتع برؤياه بكونه " رب الجنود " ، قادر أن يقيم من البشرية جنودا روحيين له . هذا تحقق له ، إذ قال : " فطار إلى واحد من السارفيم وبيده جمرة أخذها بملقط من على المذبح ، ومس بها فمى وقال : إن هذه مست شفتيك فانتزع إثمك وكفر عن خطيتك " إش 6 : 6 ، 7
لقد حملت القديسة مريم كلمة الله متجسدا فيها ، الجمر الملتهب ، الذى يقدس البشرية بدمه الثمين .
( 3 ) إرسالية إشعياء النبى :
بعد هذه الرؤيا أشتاق إشعياء النبى أن يرى شعبه متمتعا بهذه الحياة العلوية ، كأنه يقول مع الرسول بولس : " لى اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدا ، ولكن أن أبقى فى الجسد ألزم من أجلكم " فى 1 : 24 . هذا ما يعلنه النبى أيضا بقولـه : " ثم سمعت صوت السيد قائلا : من أرسل ومن يذهب لأجلنا ؟ فقلت : هأنذا أرسلنى " إش 6 : 8
هذا هو المنظر الخامس من ذات الرؤيا الذى فيه دعى للعمل النبوى ، لحساب ملكوت الرب ،
هذه المناظر هى :
1 – منظر السيد الرب فى مجده ( إش 6 : 1 ) .
2- منظر السرافيم المسبحين له ( إش 2 : 3 )
3 – اهتزاز أساسات العتب وامتلاء البيت دخانا ( إش 6 : 4 ) .
4 – تقديس شفتى النبى ( إش 6 : 5 – 7 ) .
5 – دعوة إشعياء بصوت الله نفسه ( إش 6 : 8 الخ ) .
جاءت الدعوة من الله القدير نفسه ، وإذ آمن إشعياء بقدرة الله الخلاصية وعمله التقديسى ، تقدم للعمل مدركا أنه حيث هو ضعيف فهو بالرب قوى .
قبل الله القدوس عرض إشعياء ، وقال له : " اذهب " إش 6 : 9 . لقد أراد الله ألا يرسل إشعياء من أجل نوال كرامة أو مجد ، إنما ليدخل فى مرارة مع شعب رافض الحق .. فالخدمة ليست مراكز كنسية ولا كرامات إنما هى جهاد روحى من أجل غسل أقدام الآخرين وحثهم على قبول الحق ..
وضع الرب كلماته على فم النبى : " تسمعون سمعا ولا تفهمون ، وتبصرون أبصارا ولا تعرفون " إش 6 : 9 لقد وضع الرب فى فم إشعياء نبوات كثيرة عن السيد المسيح وعمله الخلاصى ، وقد تحققت عند مجىء السيد المسيح ، لقد سمعوا ورأوا لكنهم لم يؤمنوا به ، لأن بصيرتهم الداخلية قد أصابها العمى ، وذلك على عكس التلاميذ الذين قال لهم الرب :
" طوبى لأعينكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع " مت 13 : 11 – 16 .
ما هى علة عدم قدرتهم على الإيمان ؟ : إنهم لم يريدوا . الله راآ إرادتهم الفاسدة لذلك سبق أن أخبر النبى بذلك لأن المستقبل ليس مخفيا عنه ..
" غلظ قلب هذا الشعب وثقل أذنيه وأطمس عينيه لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه ويرجع فيشفى " إش 6 : 10 .
يلاحظ هنا أن الله لا ينسب هذا الشعب إليه ، بل يدعوه " هذا الشعب " ، وهذه عادة ما تحدث عندما يعلن الله غضبه عليهم فيحسبهم غير أهل للأنتساب إليه بسبب غلاظة قلوبهم وثقل آذانهم وعمى أعينهم ، أى بسبب العنف ( القسوة ) ، والعصيان ، والجهل الروحى .
حزن إشعياء النبى إذ أدرك ثقل المسئولية الملقاة عليه وما تنتظره من متاعب وآلام ، كما حزن إذ أدرك ما سيحل بالشعب من دمار حتى تصير المدن خربة بلا ساكن والبيوت بلا إنسان وتخرب الأرض وتقفر ( إش 6 : 11 ) ، فصرخ : " إلى متى أيها السيد الرب ؟ " إش 6 : 11 . هلى كان يسأل : إلى متى يبقى هذا الشعب فى القساوة ؟! أم يسأل : إلى متى أعلن نبوات مرة هكذا وقاسية ؟!
( 1 ) رؤيا النبى فى الهيكل :
" فى سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالسا على كرسى عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل " إش 6 : 1
تمتع النبى بهذه الرؤيا فى سنة وفاة عزيا الملك ، ربما بعدما أعلن نبواته السابقة والتى حملت تهديدا للشعب ، فقابلها الشعب بنفور واستخفاف ، لهذا كشف له هذه الرؤيا ليعلنها للشعب مؤكدا أنه يحمل رسالة إلهية ، يقدم كلمة الله .
ظهرت الرؤيا ى سنة وفاة عزيا الملك الذى ملك على يهوذا وهو ابن 16 سنة لمدة 52 عاما وعمل المستقيم فى عينى الرب ، وقد نجح فى كل أعماله : فى الحروب والتعمير ، ولكنه إذ أصابه الكبرياء وأراد أن يوقد للرب على مذبح البخور فضربه الرب بالبرص وهو فى الهيكل ، وطرده الكهنة ، وكان أبرصا إلى يوم وفاته ، معزولا فى بيت بعيد عن قصر الملك
تطلع النبى إلى الشعب فى سنة موت عزيا ليراه منطرحا كغنم بلا راعى ، خاصة وأن الملك كان قد اعتزل الشعب زمانا قبل موته بسبب برصه .
وسط هذه المرارة أعلن الرب هذه الرؤيا لإشعياء من أجل تعزيته : تحققت الرؤيا فى الهيكل غالبا فى وقت انفرد فيه النبى للعبادة الخاصة ، يصرخ إلى الله ليتسلم رعاية شعبه .
ظهر له السيد جالسا على كرسى عال . ومرتفع ليؤكد له أنه هو راعى شعبه السماوى ، أفكاره تعلو عن أفكار البشر ، وطرقه عن طرقهم .
يرى القديس يوحنا الذهبى الفم إن إشعياء وغيره من الأنبياء لم يروا جوهر اللاهوت كما هو إنما يظهر الله لهم خلال تنازله قدر ما يحتملون الرؤيا وذلك من أجل محبته لخليقته ؛ حتى بالنسبة للسمائيين وحاملى عرشه فإن كل منهم يراه قدر احتماله أما الجوهر فى ذاته أى فى كماله المطلق فلا يمكن إدراكه .
" السيرافيم واقفون فوقه ، لكل واحد ستة أجنحة ، بأثنين يغطى وجهه وبأثنين يغطى رجليه وبأثنين يطير . وهذا نادى ذاك وقال : قدوس ، قدوس ، قدوس رب الجنود ، مجده ملء كل الأرض " إش 6 : 2 ، 3 .
لعل ما يعزى نفس الخاد هو أن يرتفع قلبه ليرى الخدمة الملائكية ، فيتحقق أن كل متاعب الكنيسة وضعفاتها تنتهى يوما ما لتشترك مع السمائيين فى التسبيح أبديا .
قيل أن القديس باخوميوس المصرى كان يرى الكنيسة مملوءة بالملائكة .
السيرافيم هم خدام العرش الإلهى ، يحملون الرب بفرح وتهليل ، يسبحونه بلا انقطاع . وكأن عمل كل خادم أو نبى فى الكنيسة هو جذب كل نفس إلى الرب كعرش له يسكنه ، ويقيم ملكوته داخله ، فيصير أشبه بالساروف النارى السماوى . لكل ساروف 6 أجنحة :
بإثنين يغطى وجهه علامة اتسامه بالمخافة الإلهية ، لا يقدر أن يدرك كل البهاء الإلهى ...
وبإثنين يغطى رجليه علامة الحياء – إن صح التعبير - .....
وبإثنين يطير محلقا فى السماويات .
هكذا يليق بنا أن نتشبه بالساروف ننعم بالمخافة الإلهية فى احتشام مع نمو دائم وارتفاع مستمر نحو السماويات . " مجده ملء كل الأرض " إش 6 : 3 ، لا يملأ السموات فحسب وإنما الأرض كلها .
يلاحظ فى هذه التسبحة :
أ – أن كلمة " السيد " جاءت بالجمع Adonai وليس بالمفرد Adon ، ربما لهذا السبب مع تكرار كلمة " قدوس " ثلاث مرات رأى القديس غريغوريوس أسقف نيصص تعلن عن مجد الثالوث ، بينما ينسبها الرسول بولس للروح القدس ( أع 28 : 25 ، 26 ) ، والقديس يوحنا للإبن ( يو 12 : 41 ) بينما التقليد اليهودى قديما ينسبها للآب .
ب – دعى الله " رب الجنود " وهو لقب الله فى معركته ضد الشر أو قوات الظلمة ، له معنى تعليمى ، أول من استخدمه حنة أم صموئيل فى تسبحة النصرة التى نطقت بها إذ شعرت بأن الله هو سر نصرتها فى معركتها الداخلية .
جـ - تستخدم هذه التسبحة فى القداس الإلهى علامة شركة المؤمنين مع السمائيين فى العبادة على مستوى سماوى ، بروح الوحدة والإنسجام معا .
" فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخانا " إش 6 : 4 .
اهتزت أساسات بيت الرب أمام صرخات الساروفيم التى تمجد الله القدوس وأمتلأ البيت سحابا كثيفا علامة حلول مجد الله فيه . وعندما دخل السيد المسيح أورشليم اهتزت أيضا المدينة ( مت 21 : 10 ) . ونحن فى حاجة أن يعلن الرب حلوله فينا . ليقيم ملكوته داخلنا ، نشترك مع السيرافيم تسبحتهم الأبدية فتهتز أعماق نفوسنا مع إشعياء النبى ، ويعلن مجد الرب فينا ، وتتقدس أعماقنا فنحسب شهود حق لإنجيله .
( 2 ) تقديس فم إشعياء
إذ نقف فى حضرة الله القدوس يعلن لنا مجده ونكتشف نحن نجاستنا ، كما حدث مع إشعياء النبى : " فقلت : ويل لى إنى هلكت لأنى انسان نجس الشفتين ، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين ، لأن عينى رأتا الملك رب الجنود " إش 6 : 5
لعل إشعياء أراد أن يشترك مع السيرافيم فى تسابيحهم لله فأدرك أنه نجس الشفتين ، وإذ تطلع إلى جماعة السيرافيم فى تهليلاتهم أدرك أنه ساكن بين شعب نجس الشفتين .
شعوره بنجاسة شفتيه ونجاسة شفاه شعبه لم يحطم نفسيته ، إنما ملأه رجاء فىالله الذى تمتع برؤياه بكونه " رب الجنود " ، قادر أن يقيم من البشرية جنودا روحيين له . هذا تحقق له ، إذ قال : " فطار إلى واحد من السارفيم وبيده جمرة أخذها بملقط من على المذبح ، ومس بها فمى وقال : إن هذه مست شفتيك فانتزع إثمك وكفر عن خطيتك " إش 6 : 6 ، 7
لقد حملت القديسة مريم كلمة الله متجسدا فيها ، الجمر الملتهب ، الذى يقدس البشرية بدمه الثمين .
( 3 ) إرسالية إشعياء النبى :
بعد هذه الرؤيا أشتاق إشعياء النبى أن يرى شعبه متمتعا بهذه الحياة العلوية ، كأنه يقول مع الرسول بولس : " لى اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدا ، ولكن أن أبقى فى الجسد ألزم من أجلكم " فى 1 : 24 . هذا ما يعلنه النبى أيضا بقولـه : " ثم سمعت صوت السيد قائلا : من أرسل ومن يذهب لأجلنا ؟ فقلت : هأنذا أرسلنى " إش 6 : 8
هذا هو المنظر الخامس من ذات الرؤيا الذى فيه دعى للعمل النبوى ، لحساب ملكوت الرب ،
هذه المناظر هى :
1 – منظر السيد الرب فى مجده ( إش 6 : 1 ) .
2- منظر السرافيم المسبحين له ( إش 2 : 3 )
3 – اهتزاز أساسات العتب وامتلاء البيت دخانا ( إش 6 : 4 ) .
4 – تقديس شفتى النبى ( إش 6 : 5 – 7 ) .
5 – دعوة إشعياء بصوت الله نفسه ( إش 6 : 8 الخ ) .
جاءت الدعوة من الله القدير نفسه ، وإذ آمن إشعياء بقدرة الله الخلاصية وعمله التقديسى ، تقدم للعمل مدركا أنه حيث هو ضعيف فهو بالرب قوى .
قبل الله القدوس عرض إشعياء ، وقال له : " اذهب " إش 6 : 9 . لقد أراد الله ألا يرسل إشعياء من أجل نوال كرامة أو مجد ، إنما ليدخل فى مرارة مع شعب رافض الحق .. فالخدمة ليست مراكز كنسية ولا كرامات إنما هى جهاد روحى من أجل غسل أقدام الآخرين وحثهم على قبول الحق ..
وضع الرب كلماته على فم النبى : " تسمعون سمعا ولا تفهمون ، وتبصرون أبصارا ولا تعرفون " إش 6 : 9 لقد وضع الرب فى فم إشعياء نبوات كثيرة عن السيد المسيح وعمله الخلاصى ، وقد تحققت عند مجىء السيد المسيح ، لقد سمعوا ورأوا لكنهم لم يؤمنوا به ، لأن بصيرتهم الداخلية قد أصابها العمى ، وذلك على عكس التلاميذ الذين قال لهم الرب :
" طوبى لأعينكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع " مت 13 : 11 – 16 .
ما هى علة عدم قدرتهم على الإيمان ؟ : إنهم لم يريدوا . الله راآ إرادتهم الفاسدة لذلك سبق أن أخبر النبى بذلك لأن المستقبل ليس مخفيا عنه ..
" غلظ قلب هذا الشعب وثقل أذنيه وأطمس عينيه لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه ويرجع فيشفى " إش 6 : 10 .
يلاحظ هنا أن الله لا ينسب هذا الشعب إليه ، بل يدعوه " هذا الشعب " ، وهذه عادة ما تحدث عندما يعلن الله غضبه عليهم فيحسبهم غير أهل للأنتساب إليه بسبب غلاظة قلوبهم وثقل آذانهم وعمى أعينهم ، أى بسبب العنف ( القسوة ) ، والعصيان ، والجهل الروحى .
حزن إشعياء النبى إذ أدرك ثقل المسئولية الملقاة عليه وما تنتظره من متاعب وآلام ، كما حزن إذ أدرك ما سيحل بالشعب من دمار حتى تصير المدن خربة بلا ساكن والبيوت بلا إنسان وتخرب الأرض وتقفر ( إش 6 : 11 ) ، فصرخ : " إلى متى أيها السيد الرب ؟ " إش 6 : 11 . هلى كان يسأل : إلى متى يبقى هذا الشعب فى القساوة ؟! أم يسأل : إلى متى أعلن نبوات مرة هكذا وقاسية ؟!