[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
1- كيف ندرك وجود الله ؟
إن النباتات والحيوانات
والبحار والجبال والإنسان، وكل ما نشاهده في هذا العالم الصغير – سواء كان
حيا أم غير حي – والذي لا نستطيع أن نراه، يمثل دلائل واضحة على حكمة خارقة
جعلت هذه الأشياء تنبض بالحياة . وكذلك فإنّ التوازن والنظام والخلق
العظيم الموجود في العالم أجمع هو دليل أيضا على وجود خالق أحاط علمه بكل
شيء وأحسن صنع كلّ شيء. و صاحب هذه الحكمة و هذه المعرفة هو الله سبحانه
وتعالى.
إننا ندرك وجود الله
عز وجل من خلال الأنظمة الكاملة التي خلقها والصفات الرائعة التي أودعها
الكائنات الحية وغير الحية . وقد ذكر هذا في القرآن الكريم : (الذِي خَلَقَ
سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ
تَفَاوُتٍ فَارْجِع البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِع
البَصَرَ كَرَّتَينِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهوَ حَسِيرٌ )
سورة الملك، الآية 3-4 .
2- كيف نعرف الله ؟
إنّ كل ما نراه
ونشاهده في الكون هو آية من آيات الله العظيمة التي لا تحصى والتي تشهد على
قدرته وعظمته. وقد جاء القرآن الكريم زاخرا بصفات الله عز وجلّ ، والقرآن
هو الكتاب الذي أرسل للناس ليرشدهم إلى طريق الهدى. وقد نقل لنا القرآن
جميع صفات الله العظيمة، مثل حكمته ومعرفته وعطفه ورحمته وعدله وسمعه
واطلاعه على كل شيء، وبكونه المالك والإله الوحيد للسماوات والأرض وما
بينهما ( هُوَ الله الذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغَيبِ
وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحمنُ الرَّحِيمُ، هُوَ الله الذِي لاَ إِلهَ
إِلاَّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤمِنُ المُهَيمِنُ
العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبحَانَ الله عَمَّا يًشرِكُونَ، هُوَ
الله الخَالِقُ البَارِئ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسمَاءُ الحُسنَى يُسَبِّحُ
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَهوَ العَزيِزُ الحَكِيمُ)- سورة
الحشر ( الآية 22-24 )
3- ما الغاية من خلقنا ؟
يخبرنا الله عز وجل
عن الغاية من خلقنا كما يلي : (وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ
لِيَعبُدُونِ ) – سورة الذاريات ( الآية 56)
كما هو مذكور في الآية، فالهدف من
وجود الإنسان على وجه الأرض هو عبادة الله عز وجل وطلب مرضاته. وهو في
اختبار مستمر مادام على هذه الأرض.
4- لماذا نمتحن في الحياة ؟
يختبر الله الناس في الحياة ليميز
المؤمنين عن غيرهم ويميز الخبيث من الطيب، وليعرف أي من المؤمنين الأفضل في
عبادته. ولهذا فإنه لا يكفي أن يقول المرء "أنا أؤمن بالله "، فحياة
الإنسان يجب أن تكون لله عز وجل، وإيمانه وتضحيته ومواظبته على التمسك
بدينه ، تتعرض إلى امتحانات واختبارات، وإخلاصه في كونه عبدا لله لابد أن
يمر بمحك الحياة ومحنها. وقد ذكر الله عز وجل هذه الحقيقة في الآية التالية
:
(الذِي خَلَقَ المَوتَ وَالحَيَاةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلاً وَهوَ العَزِيزُ الغَفُورُ ) سورة الملك ( الآية 2 ).
5- كيف نكون عبيدا لله ؟
أن يكون الإنسان عبدا لله يعني أن
يكرس حياته كاملة لمرضاة الله ، وهذا يعني القيام بقدر المستطاع بالأعمال
الصالحة لنيل مرضاة الله تعالى والبعد عن سخطه. ويعني كذلك أن تكون خشية
الله ملازمة للعبد فتكون جميع أفكاره وكلماته وأعماله لهذا الهدف. وقد
نبهنا الله إلى هذا في القرآن الكريم فالإنسان عبد لله وهذه العبودية تشمل
جميع مناحي حياته:
( قُل إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ العَالَمِينَ ) سورة الإنعام ( الآية 162 ) .
6- لماذا يعتبر الدين مهما ؟
إنّ ما ينبغي على
الإنسان الذي يؤمن بالله أن يفعله أولا هو أن يكون له علم بخالقه وبالأمور
التي ترضيه، فهو الذي منح الرّوح للإنسان عندما لم يكن شيئا مذكورا، وهو
الذي جعله يحيا ويأكل ويشرب، وأسبغ عليه نعمة الصحة. ومن ثم فإنّه يجب على
الإنسان أن يقضي حياته كلها ملتزما بأوامر الله طالبا لمرضاته، فالدين هو
الذي يكشف لنا الطريق في الحركات والسكنات والأخلاق وطريقة الحياة التي
ترضي الله عزّ وجل. وقد أكد الله في كتابه الكريم أنّ الذين يلتزمون بالدين
الحق هم أهل الهدى والرشاد ، أما الآخرون الذين يتبعون هواهم فهم في طريق
الضلال . ( أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدرَهُ لِلإِسلاَمِ فَهوَ عَلَى نُورٍ
مِن رَبِّهِ فَوَيلٌ لِلقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِن ذِكرِ الله أُولَئِكَ فِي
ضَلاَلٍ مُبينٍ)- سورة الزمر ( الآية 22 )
7- كيف يحيى الإنسان بتعاليم دينه ؟
إنّ الذين يؤمنون
بالله ويطيعونه يجعلون حياتهم تسير وفقا لما يريده سبحانه وتعالى منهم، وقد
ورد ذلك كله في القرآن الكريم. فالشخص الذي يكيف حياته على ضوء تعاليم
دينه يسعى لكي يفعل ما يرضي الله ويبتعد عما يثير سخطه وغضبه، وهو بذلك
يتجنب السيئات التي تأمره بها نفسه أو كل صوت سلبيّ داخله . وقد قال الله
عز وجل أنه قد أعد البشر فطريّا ليهتدوا إلى الدين الحق. (فَأَقِم وَجهَكَ
لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطرَةَ الله التِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لاَ
تَبدِيلَ لِخَلقِ الله ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكثَرَ
النَّاسِ لاَ يَعلَمُونَ ) سورة الروم -الآية 30.
8- كيف يمكن أن توجد أخلاق من غير الدين؟
في المجتمعات غير الملتزمة بالدين،
يمكن أن يقدم الناس على ارتكاب جميع أنواع الأعمال غير الأخلاقية، فعلى
سبيل المثال، لا يمكن للإنسان المتدين أن يقبل التعامل بالرشوة أو القمار
أو أن يحسد أحدا، أو أن يكذب لأنه يعلم أن عليه مراقبة أعماله وتذكر الحساب
بعد الموت. ومن جهة أخرى، فإن ّالشخص غير المتدين لا يمنعه شيء عن ارتكاب
هذه الأ عمال. إنه ليس كافيا أن يقول الشخص غير المتدين: "أنا لا أؤمن
بالله ولكنني لا آخذ رشوة " أو أن يقول :"أنا لا أؤمن بالله ولكنني لا
أقامر". والسبب، أنّ الإنسان الملحد الذي لا يخشى الله ولا يستشعر رقابته،
ولا يخاف الحساب بعد الموت قد يرتكب أيا من هذه الأفعال عند تغير المواقف
أو الأوضاع من حوله . وإذا قال شخص ما : " أنا ملحد ولكنّني لا أزني"
فالشخص نفسه قد يرتكب الزنا في مكان يعتبر فيه أمرا عاديا. وممكن للشخص
الذي لا يأخذ رشوة أن يقول : "إنّ ابني مريض، وعلى وشك الموت، علي أن أقبل
الرشوة " هذا إذا لم يكن في قلبه خوف من الله تعالى. وفي حالة غياب الدين،
فإن السرقة نفسها يمكن أن تصبح أمرا مشروعا تحت ظروف معينة. وعلى سبيل
المثال، فالناس الذين لا دين لهم يمكن أن لا يعتبروا-حسب رأيهم- أن أخذ
المناشف وأدوات الزينة من الفنادق سرقة. ومن ناحية أخرى فإن الشخص المتدين
لا يظهر مثل هذا العمل لأنه يخشى الله ولا ينسى أن الله يعلم سره وعلانيته،
فالمؤمن يعمل بإخلاص ويتجنب المعاصي، ويمكن لشخص بعيد عن الدين أن يقول :
" أنا ملحد ولكنّني
أتسامح مع الناس، فأنا لا أشعر برغبة في الانتقام ولا أكره أحدا "، ولكن في
يوم ما يمكن أن يحدث شيء ما يجعله يظهر تصرفا غير متوقع منه، كأن يحاول
قتل شخص ما أو إيذائه لأنّ الأخلاق التي لديه تتغير بحسب البيئة والظروف
التي يوجد فيها. أما الإنسان المؤمن بالله واليوم الآخر فلا يحيد أبدا عن
الأخلاق الفاضلة مهما كانت المؤثرات، فأخلاقه غير متقلبة. وقد أشار الله
تعالى إلى الأخلاق الرفيعة للمؤمنين في قوله تعالى: ( الذِينَ يُوفُونَ
بِعَهدِ الله وَلاَ يَنقُضُونَ المِيثَاقَ، وَالذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ
الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخشَوْن رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَاب،
وَالذِينَ صَبَرُوا ابتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِم وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ
وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُم سِرًَّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدرَؤُونَ
بِالحَسَنَةِ السَّيِّئةَ أُولَئِكَ لَهُم عُقْبَى الدَّار ) سورة الرعد
-الآية 20-22.
9- ماذا كان سيحصل للنظام الاجتماعي من غير الدين؟
إنّ أول مفهوم يتم التخلص منه في بيئة
لا دين فيها هو مفهوم العائلة، حيث إنّ القيم مثل الولاء والإخلاص
والانتماء والحب والاحترام التي تجمع العائلة مع بعضها البعض يتم التخلي
عنها بشكل كامل، و يجب التذكير هنا أن العائلة هي التي تؤسس المجتمع، فإذا
انهارت العائلة فإنّ المجتمع ينهار كذلك، ثم إنّ ذلك يقود إلى إلغاء مفهوم
الدولة والأمة. وبالإضافة إلى ذلك، تضعف الحاجة إلى الشعور بالاحترام
والمحبة والعطف تجاه الآخرين في مجتمع لا دين فيه، وهذا يقود بالتالي إلى
فوضى اجتماعية حيث يكره الأغنياء الفقراء ويكره الفقراء الأغنياء، وينتشر
الحقد بينهما، ويزداد غضب أولئك العاجزين والمحتاجين، ويشيع العنف بين
الأمم والشعوب، ويصبح العمال عدوانيين إزاء رؤسائهم في العمل والرؤساء تجاه
عمالهم، وتجف مشاعر الآباء إزاء أبنائهم ومشاعر الأبناء إزاء آبائهم.
إنّ سبب استمرار
الحروب والعنف في العالم يرجع إلى غياب الدين من حياة كثير من الناس، فنحن
نشاهد كل يوم في كثير من بقاع العالم أعمال عنف رهيبة وعمليات قتل لا تليق
بالإنسان. ومن جانب آخر، وفي مقابل هذا فإن الإنسان الذي يؤمن بالآخرة لا
يجرأ على أن يصوب سلاحا باتجاه أخيه الإنسان ليقتله لأنه يعلم أن الله قد
حرم القتل، ولأن خشيته لله تدفعه إلى تجنب عقابه وسخطه. قال تعالى: (وّلاّ
تُفسِدُوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا
إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ ) سورة الأعراف -الآية 56.
إنّ انتشار الانتحار دليل على البعد
عن الدين، وهو أمر غير مقبول بأي حال، فالذي ينتحر يرتكب جريمة قتل في
الحقيقة. وعلى سبيل المثال هناك من ينتحر لأن صديقته هجرته، فهو يدفع حياته
ثمنا لها، ولكن هذا الشخص يجب أن يسأل نفسه هذه الأسئلة : هل كان سيفكر في
الانتحار من أجل هذه الفتاة لو أصبحت معاقة أو تقدمت في العمر، أو حدث أن
توشه وجهها بسبب حريق أو غير ذلك ؟ بالطبع إنه لن يفكر في ذلك، إنّه يقوم
بتضخيم هذه الفكرة في عقله عندما يراها جميلة تنعم بالصحة والجاذبية . وقد
ينسى الله بسببها فلا يفكر إلا فيها، قد تملك عليه أحاسيسة فلا يبقى مكان
في قلبه حتى يذكرالله تعالى ويفكر فيه، إنها قد تنسيه الموت والآخرة، ولذلك
فهو يمكن أن يواجه الموت من أجلها .
ولكن الإنسان الذي يسير وفق التعاليم
القرآنية يستحيل أن يفعل شيئا مثل هذا، ولا يمكن أن يفكر مجرد تفكير في
الإقدام على فعل هذا الأمر لأن المؤمن يعيش لله فقط، ويصبر ويصمد أمام
الصعوبات والمشاكل التي يبتلى بها في هذه الدنيا، ولا ينسى المؤمن أنه سوف
يجازى بالخير على صبره هذا في الدنيا وفي الآخرة. والسرقة أيضا أمر شائع في
المجتمعات التي لا دين فيها إذ أن السارق لا يفكر في مقدار الأذى الذي
يلحقه بالآخرين، فهو يسرق ولكنه لا يتألم بسبب فقدان الضمير الذي يؤنبه
ويردعه. وهذا يعني أن السارق بقساوته يمكن أن يرتكب مزيدا من الجرائم.
وفي المجتمعات غير المتدينة فإن
الفضائل والقيم مثل الضيافة والتضحية من أجل الآخرين والتكافل والكرم تفقد
بشكل كامل. فهؤلاء الناس في هذه المجتمعات لا يقيمون بعضهم البعض على أساس
أنهم بشر، إذ أن البعض منهم يعتقد بأنه كائن تطور عن القرد، فلا أحد يمكن
أن يكون مدفوعا لإكرام غيره أو العطف عليه أو تقديم مساعدات له بسبب هذا
الاعتقاد الخاطئ. فالأشخاص الذين يحملون هذه الأفكار لا يعرفون قيمة بعضهم
البعض، فأغلبهم لا يفكرون في راحة غيرهم أو حفظ كرامتهم. فمثلا إذا أصيب
أحدهم بحادث أو غير ذلك لا يهبون لإغاثته رجاء لثواب ما. ويحدث أن الذي
يكون ميؤوسا من حالته بسبب المرض يُترك ملقًى لا يهتم به أحد حتى يلفظ
أنفاسه الأخيرة. وهناك شيئ آخر مهم، فالشخص الذي لا إيمان في قلبه لا يهمه
أن يهتم بالنظافة، وقد يؤذي الآخرين بسبب قذارته وخاصة إذا كان يعمل في
مطعم مثلا، فهو لا يبالي بالاهتمام بالنظافة إلا على اعتبار أنها وسيلة
لجلب مزيد من الزبائن وليست مبدأ راسخا عنده، فهمه فقط في ما يجمعه من مال
لا غير. وهذه فقط بعض الأمثلة التي نشاهدها في حياتنا اليومية. فالمعاملات
تصبح أكثر تحضرا كلما كانت المصالح أوسع وأوثق. الأمر الآخر أن القيم
القرآنية تحث الناس على الإحسان لبعضهم البعض دون انتظار أي مقابل، إنهم
جميعا عبيد لله تعالى، فهم يعملون جهدهم للحصول على مرضاة الله تعالى من
خلال الأعمال الصالحة، وهم يتنافسون في ما بينهم لكسب مزيد من الأجر
والثواب.
10- ما هي الفوائد المادية و الروحية للمجتمع عند التقيد بتعاليم القرآن ؟
علينا أن نتذكر هنا أن الدين الذي
نتحدث عنه هنا هو منهج أخلاقي في الحياة ، وهو دين يرضي الله تعالى وهو
الدين الذي شرعه سبحانه وتعالى لأنه الأعلم بأمورهم وشؤونهم. إنّه منهج
حياة خالية من جميع الخرافات والأساطير، وهو دين يستمد تعاليمه مباشرة من
القرآن الكريم.
إن الدين يؤسس عمقاً روحياً وسلمياً
وأمنياً للجو الأخلاقي الاجتماعي. إنّ الفوضى العارمة التي تسبب الضرر
للدولة وللأمة تنتهي بشكل أكيد بفضل مخافة الله وخشيته، فالناس بذلك
يلتزمون تطبيق القوانين وعدم التسبب في الفوضى والأذى لغيرهم، فالإنسان
الذي يكون حاملا للقيم الأخلاقية يسهر على حفظ أمته وبلاده بل ويسعى
للتضحية في سبيل ذلك.
إنّ المجتمع الذي
تسود فيه التعاليم القرآنية، ينتشر فيه الاحترام وتتوطد فيه الأواصر
الاجتماعية ويسعى كل فرد فيه إلى حفظ أخيه في عرضه وماله ودمه، فكل شخص في
المجتمع المؤمن يضع نصب عينيه راحة الآخرين ومصلحتهم، وفيما يلي مثال على
أخلاق المؤمنين: (وَالذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ
قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي
صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفِسِهِمْ
وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ
هُم المُفْلِحُونَ ). سورة -الحشر - الآية 9.
ففي المجتمع الذي تكون قلوب أهله
عامرة بخشية الله تعالى، يعمل كل فرد لمصلحة ذلك المجتمع ويكون أبعد شيء عن
الطيش والتهور، وتغيب الأنانية ويحضر الإيثار. وثمرة ذلك أن يتمتع ذلك
المجتمع بالأمن ورغد العيش، وهما نعمتان عظيمتان منّ الله بهما على عباده
المؤمنين، وذكرهما في القرآن الكريم. وتبعا لكل هذا تنحسر الفوضى وتتضاءل
التوترات والأزمات، فكل فرد يعيش في مجتمعه بتوازن واحترام كبير ، وتُحلّ
جميع المشاكل ويعيش الناس في أمن وسلام.
11- ما هي الفوائد المادية و الروحية للعائلة عند التقيد بتعاليم القرآن؟
إن أخلاق القرآن تتطلب منا احترام الأم والأب وتبجيلهما, ويقول الله تعالى في القرآن الكريم:
(وَوَصَّيْنَا
الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْه أُمُّه وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ
وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْن أَن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك إِلَيَّ
المَصِيرُ) لقمان- الأية 14.
إن البيت المحكوم بالقرآن وتعاليمه
تختفي فيه المشاجرات والنزاعات والمشاكل، فاحترام الأم أمر مقدس, والأمر
نفسه بالنسبة إلى الأب، وجميع أفراد الأسرة يكونون في غاية السعادة إذا وجد
هذا الشعور من الاحترام والمودة.
12- ما هي الفوائد المادية والروحية لنظام الدولة عند التقيد بتعاليم القرآن؟
يبين الله عز وجل في القرآن الكريم
أنّ للطاعة أثر إيجابي، والشخص الملتزم بتعاليم القرآن عليه أن يطيع ولي
أمره وأن يحترم دولته بشكل تام. ففي المجتمع الإسلامي يسعى الجميع من أجل
رفاهية الأمة ولا يتمرد الفرد ضد الدولة أبدا بل على العكس من ذلك يمدها
بدعم مادي وروحي.
إنّ كثيرا من القضايا يمكن ألا تحال
على المحاكم ويتم حلها بطريقة أسهل في المجتمعات التي يكون فيها العامل
الديني حاضرا ومؤثرا، وكذلك تقل حالات ارتكاب الجرائم التي تنتشر اليوم
داخل كثير من المجتمعات، وبذلك تتجه طاقات الدولة وإمكانياتها إلى إحداث
مزيد من التطور والنمو على المستويين الداخلي والخارجي، وبذلك تصبح الدولة
مهابة قوية.
13- ما هي الفوائد المادية والروحية للبيئة عند التقيد بتعاليم القرآن؟
إن الذين يلتزمون بأخلاق القرآن
يقدرون بعضهم البعض تقديرا متميزا ويعملون على توفير أقصى ما يمكن من
الراحة لبعضهم البعض في بيئة من الرضى والجمال في كل أمر، وبسبب الرغبة في
نيل الجنة فإن جميع الخيرات الموجودة على وجه الأرض تستخدم لخلق بيئة
تتمتع بالجمال والنظافة والروعة، وبذلك تكون بمثابة محاكاة للعين والأذن
وجميع الحواس في اتساقها وجمالها، وتبعا لذلك يتطور الإنتاج في جميع
المجالات.
إضافة إلى ذلك, فإن الإنسان المؤمن
يتمتع بضمير سليم, فلهذا لا توجد لديه أي ضغوط أو توترات, ويمكنه أن ينتج
أعمالا جميلة ومميزة وأصيلة، وكذلك الأشخاص الذين يرغبون في إبداع أشياء
جميلة للآخرين, فهم يعملون بإخلاص وصبر من أجل هذه الغاية.
14- ما هي الفوائد المادية والروحية للنظام المدرسي عند التقييد بتعاليم القرآن؟
إنّ العيش في إطار الأخلاق القرآنية
يكسب الناشئة ذكاء وإبداعا كبيرين، فالصغار الذين يلتزمون بهذه التعاليم
تختفي لديهم التصرفات غير الأخلاقية أو التي تتميز باللامبالاة، وبفضل ذلك
تولد أجيال ذات طبيعة نقية وطيبة, فالشاب يكون مطيعا ومفتح العقل مضحّيا
بنفسه في سبيل غيره, و فاعلا في مجتمعهن فحماس الشباب وحيويتهم ونشاطهم
تكون باتجاه الأعمال الخيرة. ففي بيئة مثل هذه يعطي الطلاب أهمية كبيرة
لدراستهم وليس ذلك بغاية الشهرة أو اجتياز الامتحانات وإنما لأن طلب العلم
يعد واجبا دينيا يدعوه إليه دينه.
ولن نسمع بعد ذلك عن حالات عدم
الانضباط في المدارس، وبالتالي تنشأ بيئة تعليمية مسالمة وبناءة ومنتجة،
وبفضل هذا الفهم يتطور التعاون بين المعلمين والطلاب على أساس من الطاعة
والاحترام والتسامح ويصبح الطلاب مطيعين لأوامر معلميهم، وسوف لن تزدحم
الطرقات بالمحتجين والغاضبين لأنه لن تكون هناك حاجة إلى مثل هذه الأمور.
15- ما هي الفوائد المادية والروحية لنظام العمل عند التقيد بتعاليم القرآن؟
في المجتمعات التي تلتزم بأخلاق
القرآن, تشيع روح التفاهم والتعاون والعدالة في بيئة العمل، فصاحب العمل
يهتم بصحة موظفيه, ويسعى للسهر قدر الإمكان على صحتهم وأمنهم. فأصحاب العمل
يمكن أن يشيدوا مباني غاية في القوة والمتانة والجمال، ولكنهم في الوقت
نفسه لا يغفلون عن رعاية عمالهم وإعطائهم حقوقهم كاملة لقاء ما قاموا به من
عمل، فهم لا يسيئون معاملتهم، بل ويكونون على علم بأحوال أسرهم
الإجتماعية. فإن ثمة ضمير حي يحرّكهم، فالعامل لا ينظر عليه على أساس أنه
أداة للإنتاج فقط بل هو كيان إنساني ينبغي أن يحترم ويكرم. وهذا السمو في
التعامل يثمر بالتأكيد ثمار طيبةإوبالتالي تغيب مظاهر سلبية كثيرة مثل
الحسد والحقد والكراهية وغيرها.
إنّ العلاقة بين الموظف وصاحب العمل
لا تبنى على أساس المصلحة الذاتية والأنانية, بل تبنى على أساس التعاون
والثقة، فالموظف يكون عينا ساهرة على مصلحة الشركة أو المؤسسة التي يعمل
فيها، ولن تساوره الأفكار السيئة, كأن يقول مثلا: "بما أن أجري مدفوع فما
شأني والعمل". فالموظف يبذل ما بوسعه مهما كانت الأحوال.
16- ما هو "الإشراك" بالله أو الوثنية؟
الإشراك يعني اعتبار
شخص ما أو أي كائن حي, أو فكرة ما شبيها لله تعالى أو أعلى منزلة منه من
حيث التقدير والقدرة والقوة, والعيش وفق هذا المعتقد المٌنحرف. ويصف الله
تعالى هذا الامر بأنه يعني "إشراك إله آخر مع الله سبحانه. وقد أكد الله
تعالى في القرآن الكريم بأنّه لن يغفر للمشرك على الإطلاق: (إِنَّ الله لاَ
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
وَمَنْ يُشْرِكْ بِالله فَقَد افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)- سورة النساء،
الآية -48.
17- ماذا يعني أن "تؤله" شيئا؟
تعني كلمة "التأليه" في الكلام العادي
عبادة أشياء أو كائنات معينة، وبالرغم من هذا فإن لهذه الفكرة معنى أوسع
وهي ليست مقتصرة على العصور الماضية فقط، ففي كل حقبة من الأحقاب كان الناس
يتخذون شركاء لله, فعبدوا الأوثان وأعمدة (الطوطم) المقدسة. وليس بالضروري
أن يصرح الشخص المشرك ويقول "إن هذا إلهي الذي أعبده", أو أن يسجد له.
إنّ "التأليه" في الحقيقة هو تفضيل
شخصي لشيء أوشخص ما على الله. وعلى سبيل المثال, تفضيل رضى شخص ما على رضى
الله, أو الخوف من أحد كما يخاف من الله, أو حب أحد ما كحب الله , فهذه
الأمور يمكن أن تخدم كأمثلة هنا. ويؤكد القرآن الكريم أن هذه الأشياء التي
تعبد من دون الله لن تجدي نفعا ولن تغني عنهم من الله شيئا:
(إِنَّمَا
تَعْبُدٌونَ مِنْ دُونِ الله أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ
الذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله لاَ يَملِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا
فَابْتَغُوا عِندَ الله الرِّزْقَ وَاعْبدُوهُ وَاشْكُرُوا لُه إِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ) – سورة العنكبوت (17)
18- كيف ينجو الإنسان من الوثنية ؟
إن على الإنسان أن
يقرّ من أعماق قلبه أن الله واحد أحد, وأن القوة والعظمة له وحده سبحانه
وتعالى, وأنه لا ضار و لا نافع في هذا العالم سوى الله. إنّ الذي يقر بهذه
الحقيقة هو وحده الذي يتخلص من الشرك والوثنية. وقد أمر الله عز وجل الناس
أن يطيعوه طاعة كاملة حتى ينقذوا أنفسهم من الشرك: (بَلْ إِيَّاهُ
تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا
تُشْرِكُونَ) سورة الأنعام الآية- 41.
إنّ الشخص الذي يتخلص من الشرك يحس
أثر ذلك بشكل مباشر في أعماق كيانه، وتتحول نظرته للحياة وفهمه للعالم من
حوله، فتصبح حياته كلها لوجه الله وعمله كله لمرضاته, تنتقل حياته إلى
مرحلة جديدة بعد أن كانت تسبح في بحر من الجهل والشك والفوضى.
19- ماذا يعني طلب مرضاة الله كما ينبغي؟
ماذا الذي كنت ستفعله لو أن المكان
الذي تسكن فيه تعرض لفيضان مدمر؟ هل تفر إلى الطابق العلوي من المبنى
وتنتظر من ينقذك, أم هل تواصل الصعود كلما ارتفع منسوب المياه؟ وهل تستعمل
السلم أم المصعد في صعودك ؟ إن المهم في هذه الحالة أن يختار الإنسان أي
طريق من هذه الطرق كي ينقذ نفسه. وأي طريق غير هذا سوف يكون صعبا ومحفوفا
بالمخاطر. وفي هذه الحالة سوف يفعل الإنسان ما بوسعه حتى يصل إلى الطابق
العلوي لأنه الأكثر أمانا. إن ذلك هو الاختيار الأفضل".
إنّ الإنسان المؤمن يسلك جميع الطرق
المادية والروحية في كل لحظة حتى يكون في المستوى الذي يجعله ينال مرضاة
الله تعالى، فإذا وجد المرء نفسه أمام مجموعة من الطرق والاختيارات فإنه
يحكم عقله ويستمع إلى ضميره، وفي النهاية يختار ما يحقق رضا الله تعالى.
وهذا يعني أنه يتصرف وفق الإرادة الإلهية واللأمر الربّاني.
20- ماذا يعني أن يكون لديك إيمان مطلق؟
إنّ أي فرد يعلم جيدا أن يده سوف
تحترق إذا أصر على وضعها في النار، فليس ثمة ضرورة إلى أن يفكر فيما إذا
كانت ستحترق فعلا أم لا، فالأمر محسوم ومعروف، فكل شخص يعلم أن النار تحرق
وينبغي ألا يفكر في هذا الأمر. وفي القرآن الكريم ذكر الله تعالى معتى
"الإيمان المطلق الكامل" فقال تعالى:
(هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) – سورة الجاثية-الآية 20.
"أن يكون لديك إيمان مطلق" يعني
الإيمان بوجود الله والإقرار بصفاته, والإيمان باليوم الآخر والجنة والنار
إيمانا لا ريب فيه, ولا يخلطه أي شك أو تردد. إنه تماما مثل التصديق بوجود
الكائنات من حولك، هذه الكائنات التي نشاهدها ونعيش معها. وهو تصديق يصل
إلى درجة البداهة مثل إيماننا المطلق بأن النار تحرق. والأيمان القائم على
اليقين الكامل يجعل من المرء شخصا حي الضمير والوجدان بحيث يكون همه العمل
الصالح وإرضاء الله تعالى.
21- كيف لي أن أعرف أي عمل من أعمالي سيلقى مرضاة الله؟
إنّ الله تعالى يلهم الإنسان المؤمن دائما حب العمل الصالح ويرشده إلى الطريق السّديد، ويقول الله عز وجل:
( يَا أَيُّهَا
الذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُم فُرْقَانًا وَ
يُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُم وَالله ذُو الفَضْلِ
العَظِيمِ) سورة الأنفال – 29.
ويجب أن نتذكر دائما أن أول صوت يسمعه
الفرد في داخله هو صوت ضميره الذي يساعده في تبين الخطأ من الصواب، وهو
الصوت نفسه الذي يرشد الإنسان إلى ما يوصله إلى مرضاة الله تعالى. إنّ
الذين يخشون الله يصلون إلى الحقيقة من خلال إنصاتهم لأصوات ضمائرهم.
22- هل هناك صوت آخر في قلب الأنسان يختلف عن صوت ضميره؟
إن الصوت الآخر الموجود إلى جانب صوت
الضمير هو صوت النفس، وهو يحاول أن يعطل ويكتم صوت الضمير داخل كيان الفرد،
فالنفس لا تدخر جهدا في إزاحة الإنسان عن الخير وتوجيهه نحو اقتراف الشر
واقتفاء طريق الشيطان في كل ما هو سيء.
والنفس قد لا تفعل
ذلك دائما بشكل علني، فهي تبحث عن مبررات وأسباب تبدو مقنعة إلى حد ما.
ولهذا فالفرد يمكن أن يرتكب الأخطاء ويزعم أن ذلك لن يؤثر على إيمانه، ولكن
القرآن الكريم يذكرنا أن الذي يطهر هذه النفس هو وحده الذي يكون مفلحا،
قال تعالى ونَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا
وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) سورة الشمس-الآية 7-9.
وكما ورد في الآية, فإنّ
الإنسان مهدد بالمعاصي ولكن واجبه هو أن يحمي نفسه إزاء ارتكابها، فالإنسان
يوجد في اختبار كبير, وهو اختبار يكون الاختيار فيه بين بين الخير والشر.كيف