آية (20) و يكون في ذلك اليوم أني أدعو عبدي الياقيم بن حلقيا.
الله يؤدب الأشرار ويبيدهم مثل شبنا ولكنه يعطي وعده بظهور المخلص الذي يسكن أورشليم الجديدة. الياقيم = تعني من يثبته الله إشارة للمسيح الذي كرسيه إلي دهر الدهور. فبعد أن يقذف الله بضد المسيح ويبيده تعلن مملكة المسيح الأبدية.
آية (21) و البسه ثوبك و أشده بمنطقتك و اجعل سلطانك في يده فيكون أبا لسكان أورشليم و لبيت يهوذا.
الله يعطي له ثياب الملك عوضاً عن شبنا فيملك علي شعبه بالحب = أباً لا بالذل كما كان يحكم شبنا. وأما منطقته فهي لغسل الأرجل والتطهير. يبدو أن شبنا هذا كان معتزاً بمنصبه وسيادته وملابسه الملوكية حباً في السيطرة رمزاً لإبليس الذي سيجرد من كل سلطانه.
آية (22) واجعل مفتاح بيت داود على كتفه فيفتح و ليس من يغلق و يغلق و ليس من يفتح.
يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح قيلت عن المسيح نفسه (رؤ 3 : 7) والمفتاح لا يحمل علي الكتف إلا لو كان الصليب الذي فتح به لنا الله باب السماء وأغلق به علي إبليس في الهاوية في بحيرة النار.
آية (23) و أثبته وتدا في موضع أمين و يكون كرسي مجد لبيت أبيه.
وتدا = ليملك علي بيت يعقوب للأبد (بشارة الملاك). والوتد يستعمل لتثبيت الأشياء. والمؤمنين سيثبتون في المسيح ( أثبتوا فيَ..)
آيات (24 – 25) و يعلقون عليه كل مجد بيت أبيه الفروع و القضبان كل أنية صغيرة من أنية الطسوس إلى أنية القناني جميعا.في ذلك اليوم يقول رب الجنود يزول الوتد المثبت في موضع أمين و يقطع و يسقط و يباد الثقل الذي عليه لان الرب قد تكلم.
الفروع والقضبان = هم أولاد الخلاص يصيرون كالفروع في كرمته وعملهم هو تمجيد الرب. والأواني هم المؤمنين أيضاً (2تي 2 : 20،21) وقارن مع قول بولس "إذ لنا هذا الكنز في أوان خزفية. والمسيح هو السبب في كل مجد بيت أبيه. ويعلقون = أي ينسبون له السبب في كل هذا المجد لطاعته وفدائه الذي طهر به الآنية المثبتة في المسيح. وثبت الأغصان في الكرمة ومجد الآب بصليبه (يو 17 :4). وأيضاً بصليبه حولنا كمؤمنين لآنية كرامة لمجد أسم أبيه. في ذلك اليوم = يوم نهآية ضد المسيح أو إبليس أو شبنا كرمز. فكل من تعلق بهذا الغريب الجنس وجعله وتداً له (يشبع شهواته ولذاته) وأتكل علي الباطل (العالم بما فيه ورئيسه إبليس ) معتبراً إياه وتداً مثبتاً فإنه يزول رجاؤه فيه فيقطع الوتد ويسقط ويباد كل متكل عليه.
تفسير سفر إشعياء الأصحاح 23
قامت صور أولاً علي البر، ومع تقادم الزمن نقلت إلي جزيرة صخرية في مقابلها وذلك ليسهل الدفاع عنها، وسميت صور أيضا، وسميت المدينة التي علي البر صور القديمة. وحينما حاصرها نبوخذ نصر هربوا إلي صور الجزيرة وحينما دخلها نبوخذ نصر لم يجد فيها شيء. أما حينما حاصرها الإسكندر الأكبر وهرب شعبها إلي صور الجزيرة ردم الإسكندر الممر المائي بين صور الجديدة والقديمة.
وخطية صور هو انغماسها في الشهوات نتيجة الغني ثم الكبرياء. والخراب المشار إليه هنا يشير لخراب كل نفس تتشبه بصور من جهة ارتباكها بالغني مع الرجاسات. صور تشير لمن أعطاه الله خيرات كثيرة فأستغلها لا لشكر الرب وتمجيده بل لإرضاء شهواته فيزداد كبرياؤه.
وتشير صور للعالم باعتباره نظام تجاري عظيم يسعي فيه الناس لإمتلاك المادة لإغناء ذواتهم فيتنعمون بكل أنواع الرفاهية ناسين الله وهذا نجده متفشي في العالم كله. ولكن ستأتي أيام يزول فيها شكل هذا العالم وهيئته كما خربت صور نفسها. إذاً خطايا صور هي الافتخار الباطل وتجارتها في بضائع العالم وشهواته والزيغان عن الله
وكما اشتهرت بابل بأنها مملكة حربية علي الأرض وتمثل القوة العسكرية بجبروتها اشتهرت صور بأنها مملكة تجارية مالية علي البحر. فالشيطان إما يحاربنا حرب مباشرة وبقوة أو يحاربنا عن طريق إرضاء شهواتنا بالغني والمال ثم الكبرياء.
آية (1) وحي من جهة صور ولولي يا سفن ترشيش لأنها خربت حتى ليس بيت حتى ليس مدخل من ارض كتيم أعلن لهم.
سفن ترشيش = سفن أسبانيا ولها تجارة مع صور. ولولي = فثروة ترشيش قائمة علي علاقتها بصور. ولقد خربت صور القديمة علي يد نبوخذ نصر أما الخراب التام لصور القديمة وصور الجزيرة فكان علي يد الإسكندر الأكبر.
من أرض كتيم = كتيم هي قبرص التي وصلتها أنباء خراب صور، فكان التجار القادمين إلي صور يسمعون بأنباء خرابها حين يتوقفون عند قبرص للراحة.
آية (2) اندهشوا يا سكان الساحل تجار صيدون العابرون البحر ملأوك.
الساحل = هنا هو فينيقية. وتجار صيدون ملأوا صور بتجارتهم. وكان اسم كنعان يشمل صور وصيدا.. الخ.
آية (3) و غلتها زرع شيحور حصاد النيل على مياه كثيرة فصارت متجرة لأمم.
غلتها = غلة صور هو ربحها من تجارتها في زرع شيحور = شيحور هو نهر النيل فمعني الكلمة أسود وهي راجعة للطمي الذي يملأ النيل.
آية (4) اخجلي يا صيدون لان البحر حصن البحر نطق قائلا لم أتمخض و لا ولدت و لا ربيت شبابا و لا نشأت عذارى.
أخجلي يا صيدون = نظراً للعلاقة بين صور وصيدا، فصيدون هي المدينة الأم لصور. وسقوط صور يكون سقوطاً لصيدا وحزن شديد لها. حصن البحر = هو صور المدينة المحصنة. لأن البحر = إذ أن صور مبنية مالياً علي تجارة البحر.
ولم أتمخض = كانت صور قد أنشأت مستعمرات كثيرة مثل قرطاجنة فصارت صور أماً لهم، والآن إذ خربت صارت كأنها لم تلد أبدا، أي انقطعت كل علاقاتها بمستعمراتها وكل مساعدة منها.
آية(5) عند وصول الخبر إلى مصر يتوجعون عند وصول خبر صور.
آية (6)اعبروا إلى ترشيش ولولوا يا سكان الساحل.
أعبروا إلي ترشيش = النبي يطلب للبقية أن تذهب إلي ترشيش أحدي بنات صور أو مستعمراتها كلاجئين.
آية (7) أهذه لكم المفتخرة التي منذ الأيام القديمة قدمها تنقلها رجلاها بعيدا للتغرب.
المفتخرة = JOYOUS أي هايصة بمسارحها وملاعبها فليس لهم وقت لسماع إنذارات الله. منذ الأيام القديمة = صور أقدم مدن فينيقية بعد صيدون (يش 19 : 28،29) وتنقلها رجلاها = منظر امرأة فقيرة متغربة.
آية (من قضى بهذا على صور المتوجة التي تجارها رؤساء متسببوها موقرو الأرض.
المتوجة = كان بعض الملوك يدفعون جزية لها وتجارها يعيشون كالملوك.
آية(9) رب الجنود قضى به ليدنس كبرياء كل مجد و يهين كل موقري الأرض.
كل مجدها خربه نبوخذ نصر ثم الإسكندر، لذلك لنقل مع الكتاب، "ليس لنا هنا مدينة باقية"، ولنحتقر العالم الذي ليس له ثبات، أما من تكرمه السماء فيبقي للأبد في مجد حقيقي لا يزول ولا يخربه أحد.
آية (10) اجتازي أرضك كالنيل يا بنت ترشيش ليس حصر فيما بعد.
من الواضح أن ترشيش كانت تحت الجزية من صور. لكن بعد خراب صور ستتحرر ترشيش وتكون كفيضان النيل متنعمة بكل خيراتها.
آية (11) مد يده على البحر أرعد ممالك أمر الرب من جهة كنعان أن تخرب حصونها.
كنعان تشمل صور وصيدون.
آية (12) قال لا تعودين تفتخرين أيضا أيتها المنهتكة العذراء بنت صيدون قومي إلى كتيم اعبري هناك أيضا لا راحة لك.
بنت صيدون = هي صور نفسها، فصيدون هي أقدم بلاد فينيقية وهي أسست صور. وبعد سقوطها سيهرب شعبها إلي قبرص. ولكن أيضاً لن يجدوا راحة فلا راحة سوي بالرجوع إلي الله بالتوبة، وقيل أن ملك صيدون لجأ إلي قبرص في زمان أسر حدون فلحقه هناك وقطع رأسه.
آية (13) هوذا ارض الكلدانيين هذا الشعب لم يكن أسسها أشور لأهل البرية قد أقاموا أبراجهم دمروا قصورها جعلها ردما.
آية(14) ولولى يا سفن ترشيش لأن حصنك قد أُخرب.
الكلدانيين = النبي هنا ينظر للمستقبل إلي حوالي 150 سنه بعد النبوة ويري نبوخذ نصر ملك بابل قادماً علي صور. وكان ملك أشور كعادته قد أتي بالكلدانيين من الشمال وأسكنهم في ذلك المكان، فأصبحوا مملكة عظيمة أسقطت أشور نفسها، بل أطلق أسم الكلدانيين كما ذكرنا سابقاً علي بابل كلها.
آية (15) و يكون في ذلك اليوم أن صور تنسى سبعين سنة كأيام ملك واحد من بعد سبعين سنة يكون لصور كأغنية الزانية.
يبدو أن مدة السبعين سنة هي نفسها التي سبي فيها شعب الله إلي بابل، وإلي هناك سبي أيضاً شعب صور حيث تعرفوا علي اليهود وربما أعجبوا بهم وبعبادتهم وأستمر سبي أهل يهوذا وأهل صور 70 سنة طوال فترة حكم بابل، التي سميت هنا كأيام ملك واحد والمقصود مملكة واحدة. وهنا يعبر الوحي بصورة امرأة زانية مشهورة وهي صور (زانية لفسادها وتجارتها وغناها وكبريائها السابق ) وقد أصبحت منسية لطول مدة سبيها. ثم عادت من السبي فعادت لتجارتها القديمة. ويبدو كتشبيه لذلك أنه أنتشر أيام إشعياء أغنية بطالة فاسدة يرددها الزواني ليجذبن الرجال. والزني هو بيع العفة بالمال، وكلا من باع الصدق والأمانة والشفقة لأجل المال يخطيء خطأ الزانية. وهذا التشبيه ينطبق علي صور التي عادت من السبي لتجارتها القديمة، فحب الثروة العالمية هو زنا روحي (يع 4 :4) والشهوة وثنية روحية.
آية (16) خذي عودا طوفي في المدينة أيتها الزانية المنسية أحسني العزف أكثري الغناء لكي تذكري.
أحسني العزف = ستعود لما كانت عليه.
آيات (17 ، 18) ويكون من بعد سبعين سنة أن الرب يتعهد صور فتعود إلى أجرتها و تزني مع كل ممالك البلاد على وجه الأرض. و تكون تجارتها و أجرتها قدسا للرب لا تخزن و لا تكنز بل تكون تجارتها للمقيمين أمام الرب لأكل إلى الشبع و للباس فاخر.
المقصود بالزني هناهو تجارة صور. واستمرت التسمية بعد عودتهم من السبي، ويبدو أنهم خلال فترة سبيهم أعجبوا بعبادة اليهود وبيهوه فبعد عودتهم أرسلوا عطايا للهيكل وخدموا في بناء الهيكل = أجرتها قدساً للرب + (عز 3 :7). فهم استفادوا إذن بثروتهم بطريقة مقدسة. واستمرار تسمية تجارتهم بالزني كان كما أستمر معلمنا يعقوب يطلق علي راحاب أسم الزانية (يع 2 :25) ولكن يبدو علي المدى البعيد أن هذه النبوة تشير لإيمان الصوريين أيام المسيح (أع 21 : 3). إذاً صور هي كنآية عن القوة المالية، والنبي ينظر بلا شك ليوم يتقدس فيه مال العالم لخدمة الله (أش 49 : 18، 23 + 60 : 1-17).
أهمية هذا السفر
يختلف هذا السفر عن باقي أسفار الوحي الأخرى في أمر هام؛ فيوحنا لم يتلقَ مادة هذا السفر بوحي من الروح القدس بالطريقة المعتادة، بل تلقاه بإعلان مباشر من الرب يسوع المسيح. واسم هذا السفر الذي أُعطي له بالوحي هو « إعلان يسوع المسيح » . وهذا الاسم في ذاته يؤكد لنا عكس ما يفكر به البعض أنه سفر غامض. كلا، ليس هو سفراً غامضاً، ولا هو سفراً مختوماً (ص22 :10)، بل هو إعلان يسوع المسيح.
وربما لم يَلقَ سفر في العهد الجديد، إن لم يكن في الكتاب المقدس كله، نظير ما لاقاه هذا السفر من الإهمال، كل هذا في الوقت الذي ينفرد فيه هذا السفر -ودون كل أسفار الوحي الأخرى - بتطويب ثلاثي في فاتحته؛ لمن يقرأ، ولمن يسمع، ولمن يحفظ المكتوب فيه. وكما يبدأ السفر بتطويب من يقرأه (1 :3) هكذا يختم أيضاً بتطويبه (22 :7).
من الذي يستفيد من هذا السفر؟
من الأعداد الأولى في هذا السفر يمكننا أن نجمع لأنفسنا بعض الدروس الأدبية التي تساعدنا على الاستفادة من هذا السفر العظيم.
فهذا السفر موجه لعبيد الرب (ع1)؛ أي لأولئك الذين كل اهتمامهم محصور في سيدهم وشئونه ومجده. ومن أهم مميزات العبيد الأمناء انتظار سيدهم الغائب. قال المسيح « طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين » . لمثل هؤلاء، وليس لأمثال العبد الرديء الذي يقول في قلبه « سيدي يبطئ قدومه » (لو12 :37،45)، يقدم الرب هذا السفر.
ثم إنه موجَه أيضاً لأولئك الذين لهم نصيب في ملكوت يسوع وصبره (ع9). فالذين يجتازون ظروفاً صعبة لشهادتهم وأمانتهم لسيدهم، يجدون لذة خاصة في معرفة متى يتمجد المسيح ويتمجد قديسوه معه. أما الذين ملكوا بدوننا (1كو4 :8)، فعادة لا يجدون أية لذة في سفر كهذا!
ثم ثالثاً، هو موجه للذين يعرفون أنهم غرباء ونزلاء على الأرض. هؤلاء هم المتلهفون للحبيب ويوقنون أن « الوقت قريب » ؛ طوبى لهم (ع3).
وأخيراً يقول الرائي إنه عندما تلقي تلك الإعلانات العظيمة كان « في الروح في يوم الرب » ؛ اليوم الأول من الأسبوع. ونحن أيضاً، وإن لم يكن بوسعنا أن نكون فعلياً « في الروح » بالمعنى الذي كأنه يوحنا، فإنه يلزمنا أن نكون أدبياً وقلبياً في تلك الحالة وإلا فلن نتمتع بدروس هذا السفر النفيس.
طابع هذا السفر
سفر الرؤيا هو سفر نبوي (1 :3 و 22 :7، 10، 18، 19)، وبالتالي فإن التطبيق التاريخي لهذا السفر ليس صحيحاً.
والطابع العام المميز لهذا السفر هو القضاء والدينونة، تلك الدينونة المروعة التي ستنصب على العالم الرافض للمسيح بعد اختطاف الكنيسة. لكن الدينونة في هذا السفر، كما في كل الكتاب، ليست هدفاً في ذاته، بل هي وسيلة لهدف؛ يستخدمها الله لتنقية الأرض من الشر والأشرار لإعدادها لمُلك ربنا يسوع المسيح. وفي هذا قال رجل الله جون بلت : "الدينونة تنقي الكأس لكي يملأها المجد". وعليه فإن الرب الذي أُهين في هذا العالم، لابد أن يتمجد في نفس المشهد الذي فيه أُهين.
لكن وإن كانت الدينونة ليست هي هدف وغرض السفر، فإنها أيضاً ليست كل ما فيه. فهذا السفر يشير - ولو إشارات عابرة - إلى مركز الكنيسة السامي ؛ سواء في الحاضر (ص1 :5، 6)، أو في فترة الملك الألفي (ص21 :9-27)، أو في الأبدية (ص21 :1-8).
ثم أنه مليء أكثر من كل أسفار العهد الجديد بالتسبيحات، حتى أسماه أحد القديسين :كتاب تسبيحات العهد الجديد؛ التسبيحات المتزايدة في أصحاح 1 : 6 نجد تسبيحة ثنائية، وفي 4 : 11 تسبيحة ثلاثية، وفي 5 : 13 نجد تسبيحة رباعية، ثم في 7 : 12 نجد تسبيحة سباعية. .
كما أن كلمة " هللويا " لم ترد في كل العهد الجديد إلا في هذا السفر، حيث تذكر فيه 4 مرات في أصحاح 19. وليس فقط الهللويات بل فيه أيضاً نجد تطويبات سباعية (1 :3، 14 :13، 16 :15، 19 :9، 20 :6، 22 :7، 14).
ولا ننسي أن أول كلمة موجهة إلى الكنائس السبع هي « نعمة وسلام » . وآخر كلمة هي « نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميع القديسين » فما أمجد هذا؛ فحتى في مشهد الغضب والدينونة، من امتياز المؤمنين أن يتمتعوا بالنعمة والسلام!
مع كل هذا يظل الطابع القضائي هو الطابع الغالب على السفر. وتبعاً لذلك تُرى الكنيسة لا في امتيازاتها بل في مسئوليتها. لهذا لا يُذكر الاختطاف في هذا السفر صراحة، لأن الاختطاف كما يرى الكثير من الشراح أن العبارة التي وردت في رؤيا 12 : 5 تشير إشارة ضمنية إلى اختطاف الكنيسة.
والمسيح لا يُقال عنه اختطف بل صعد. فالقول إذاً أن الابن الذكر اختُطف إلى الله وإلى عرشه يتضمن اختطاف القديسين أنفسهم. وهو بلا شك أمر عميق المغزى أن يُري المسيح والكنيسة معاً؛ لا اثنين بعد بل واحداً. وهو نفس الاْمر الذي نجده في 1 كورنثوس 12 : 12 إذ يقول " كذلك المسيح أيضاً " مع أنه كان يشير إلى الكنيسة؛ إلى الجسد لا إلى الرأس! هو من أعمال النعمة وليس مرتبطاً بالمسئولية. ولذا نري في الأصحاح الأول مجيء الرب، لكن لا للكنيسة لاختطافها، بل للعالم للقضاء « هوذا يأتي ...وستنظره كل عين...وينوح عليه جميع قبائل الأرض » .
ولعله ملفت للنظر أن يستخدم الروح القدس يوحنا الحبيب، رسول المحبة، في كتابة هذا السفر المليء بالويلات المروعة التي ستنصب على الأرض. فيوحنا هو ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه، والذي تحدث كثيراً عن المحبة سواء في إنجيله أو في رسائله، والذي نتيجة لشركته مع الرب كتب لنا عنه كمن أتي مملوءاً نعمة وحقاً. لكننا نراه هنا يتكلم عن أمر آخر، لا عن النعمة بل عن القضاء، ليس عن المسيح وهو هنا على الأرض كابن الله - كما في الإنجيل - بل وهو هناك في عرش الله كابن الإنسان، ليس عن المسيح كحمل الله الوديع (يو1 :29) بل كالأسد الذي من سبط يهوذا الخارج لينتقم لدمه ويدوس المعصرة وحده (رؤ5 :5، 14 :17-20). وهل من غرابة في هذا؟!
ألا يعلن الإنجيل أن « الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يري حياة بل يمكث عليه غضب الله » (يو3 :36)؟! كثيرون من المبشرين بالأسف يُهملون جانب الدينونة ولا يكرزون إلا بالخلاص. لكن الدينونة هي النصف الآخر من الإنجيل الذي نكرز به « من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يُدن » (مر16 :16).
المسيح كالإنسان
يُذكَر الرب في هذا السفر كثيراً باسمه " يسوع "، إذ يتكرر هذا الاسم الجميل 14 مرة (2×7). ويبدأ السفر بالقول « إعلان يسوع المسيح » ويختم بصوت الرب قائلاً « أنا يسوع أرسلت ملاكي لأشهد لكم » . اسمه الحلو الذي عُرف به بين الناس لما عاش في الأرض هنا كإنسان كامل. وهذا السفر يقدم المسيح كالإنسان لسببين :
1- لأن الدينونة هي من أعماله كابن الإنسان، حيث أنه رُفض واحتقر من الإنسان بهذا الاعتبار، وهو ما يقوله يوحنا نفسه في يوحنا 5 :27 « وأعطاه سلطانا أن يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان » . ويقول بولس « الله... أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عيّنه » (أع 17 :31).
2- ولأن الرب سيملك على العالم باعتباره " ابن الإنسان " « فإنه لملائكة لم يُخضع العالم العتيد (أي الملك الألفي ) » ؛ بل إنه أخضعه لابن الإنسان (عب2 :5- 8).
والأمران السابقان نجدهما مرتبطين معاً في متى 25 :31 « متى جاء ابن الإنسان في مجده... فحينئذ يجلس على كرسي مجده (كالملك) ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض (كالقاضي )... ثم يقول الملك للذين عن يمينه... الخ » .
اللغة الرمزية في السفر
من الأهمية بمكان أن نلاحظ أن لغة هذا السفر هي لغة رمزية. وهو ما يؤكده الروح القدس من الآية الأولى ، عندما يقول « يُري عبيده ما لابد أن يكون عن قريب، وبّينه... » . وكلمة " بّينه " تعني حرفياً أظهره بآيات. هذا يعطي الطابع العام لهذا السفر.
ويمكننا أن نري هذه اللغة الرمزية في أمثلة عديدة وواضحة جداً :
فمثلاً عندما يقول في أصحاح7 :14 « غسّلوا ثيابهم، وبيّضوا ثيابهم في دم الخروف » واضح هنا أنه لا يمكن أن يكون هذا الكلام حرفياً.
وعندما يقول في أصحاح 3 :17 « إنك أنت.. فقير وأعمي وعريان. أشير عليك أن تشتري مني ذهباً مصفي بالنار لكي تستغني ... وكحل عينك بكحل لكي تبصر » واضح هنا أيضاً أن هذا الكلام يستحيل أن يكون حرفياً. فكيف للفقير أن يشتري الذهب ليستغني ؟ وكيف لكحل العين أن يمنح البصر للأعمى؟!
أو عندما يُطلب من يوحنا في أصحاح 11 :1 أن يقيس هيكل الله والمذبح والساجدين فيه؛ قد يكون من السهل عليه أن يقيس الهيكل والمذبح، لكن كيف له أن يقيس الساجدين؟!
أو عندما يقول عن المدينة المقدسة إن سوقها (شارعها) من ذهب نقي شبه زجاج شفاف (21 :21)، هذا أيضاً لا يمكن أن يكون حرفياً.
ويصرح الوحي أحياناً بأنه يستخدم اللغة التصويرية عندما يقول مثلاً عن امرأة الخروف (أي الكنيسة) « أُعطيت أن تلبس بزاً نقياً بهياً؛ لأن البز هو تبررات القديسين » (19 :8).
ليس معنى ذلك أن كل ما ورد في السفر مجازي أو تصويري . هناك قاعدة تفسيرية هامة وهي أنه إذا كان المعنى الحرفي مقبولاً، فلا ينبغي أن نأخذ معنى آخر إلا إذا وجدت قرائن قوية تؤيد ذلك. وعليه فالجراد الذي له وجه الرجال لا يؤخذ حرفياً، وكذلك الوحش الصاعد من البحر في رؤيا 13. لكن الأسباط الاثني عشر في رؤيا 7 تؤخذ حرفياً.
مساعدات لفهم السفر
لقد طلب الرسول بطرس من القديسين أن ينتبهوا إلى « الكلمة النبوية » وأن يدرسوها. وعندما يقول الرسول « الكلمة النبوية » فهذا يعني أنها وحدة واحدة، وأن النبوة تفسر بعضها بعضاً. بلغة إشعياء النبي « هنا قليل، هناك قليل » (إش28 :10). كما طلب الرسول بطرس أيضاً أن يعرفوا هذا أولا « أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص » (2بط1 :20). وكلمة أولاً تفيد أنه قبل دراسة النبوة يجب أن نفهم هذا الأمر جيداً؛ فبواسطته يمكننا أن نفسر كل ما يستشكل علينا فهمه، في ضوء باقي الأجزاء النبوية.
وبالنسبة لسفر الرؤيا بالذات من المهم أن نلاحظ أن السرد فيه ليس دائماً استطرادياً، بل إن الوحي يعود من آنٍ إلى آخر ليبرز أشياء رأي الروح القدس أنها تحتاج إلى المزيد من الضوء. ولعل أوضح مثالين على العودة من جديد لإلقاء المزيد من الضوء على بعض الموضوعات الهامة أن الرائي في رؤيا 11 بعد أن وصل إلى ملك المسيح، بل وإلى زمان الأموات لكي يدانوا (بعد الألف السنة- رؤ20 :11)، فإنه رجع في الأصحاح الثاني عشر ليعطينا تفصيلات أدق في موضوع سبق إيجازه. ثم في رؤيا 21 بعد أن وصل إلى عتبة الأبدية في الأعداد الأولى من الأصحاح، فإنه رجع في ع9 ليلقي المزيد من الضوء على وصف المدينة السماوية في الملك الألفي .
كما ونلاحظ أيضاً أن هذا السفر تتخلله أجزاء اعتراضيه ليست في سياق الحديث. وسوف نذكر هذه الأجزاء الاعتراضية بعد قليل لتسهيل فهمه.
التقسيم السباعي للسفر
للرقم سبعة مكان بارز في هذا السفر، يطبعه بصورة واضحة، كما سنلاحظ من دراستنا له. ويمكننا أن نلخص السفر كله في سبعة سباعيات كالآتي :
1- السبع الكنائس :وهي تعطينا وصفاً نبوياً رائعاً لكل فترة وجود الكنيسة هنا فوق الأرض (رؤ2، 3).
2- السبعة الختوم :وهي تعطينا وصفاً دقيقاً لأحداث فترة مبتدأ الأوجاع؛ أي الثلاث سنين ونصف الأولى من السبع الأخيرة لأسابيع دانيال السبعين (رؤ5- 8).
3- الأبواق السبعة :وهي تعطينا وصفاً لأحداث فترة الضيقة العظيمة؛ أي الثلاث والنصف الأخيرة لأسبوع دانيال السبعين (رؤ 8- 11).
4- الشخصيات السبع :التي ستلعب أهم الأدوار في السبع سنين الأخيرة لتاريخ أزمنة الأمم، ولأسابيع دانيال السبعين (رؤ12، 13).
5- الأحداث السبعة :وهو ما أسميناه في المحاضرات بالرد الإلهي السباعي على تحركات الشيطان والوحش والنبي الكذاب، في فترة الضيقة العظيمة (رؤ 14).
6- الجامات السبعة :مجموعة الضربات الأخيرة والخطيرة التي تسبق ظهور المسيح مباشرة (رؤ15، 16)
7- الدينونات السبع انظر نظرة عامة على سفر الرؤيا" ص14. :أحكام الرب ودينوناته المختلفة في الفترة المسماة « يوم الرب » بداية من دينونة بابل، ولغاية دينونة الأموات أمام العرش العظيم الأبيض (رؤ17- 20).
الأجزاء الاعتراضية في هذا السفر
يوجد في السفر أيضاً سبعة أجزاء اعتراضيه (كطابع السفر السباعي ) وهي كالآتي :
1- الجزء الاعتراضي الأول في أصحاح 7 ورد بين الختم السادس والختم السابع، ويدور حول المخلصين في فترة الضيقة العظيمة من إسرائيل ومن الأمم.
2- الجزء الاعتراضي الثاني في أصحاح 8 :3- 5 بين مقدمة الأبواق السبعة وبين بداية ضرب الأبواق، عن صلوات القديسين في السماء.
3- الجزء الاعتراضي الثالث من رؤيا10 :1 إلى 11 :13 بين البوق السادس والبوق السابع، ويتكون من جزأين أساسيين :السفر الصغير (ص10)، والشاهدين (ص11 :1-13).
4- الجزء الاعتراضي الرابع (وهو أطول الأجزاء الاعتراضية كلها) من رؤيا 11 :19 لغاية رؤيا 15 :4 ويقع بين مجموعة الأبواق ومجموعة الجامات، وهو يتكون من ثلاث آيات في السماء كالآتي .
الآية الأولى :المرأة وابنها الذكر (رؤ11 :19 - 12 :17).
الآية الثانية :الثالوث الأنجس (الشيطان والوحش والنبي الكذاب)، أو الوحوش الثلاثة. :
الشيطان : التنين (رؤ12 :3-17)
الوحش : الوحش الطالع من البحر (رؤ13 :1-10)
النبي الكذاب : الوحش الطالع من الآرض (رؤ13 :11-18)
ثم في أصحاح 14 يأتي الرد الإلهي السباعي على هذا العدوان الثلاثي
الآية الثالثة :الواقفون على البحر الناري (رؤ15 :1-4)
5- الجزء الاعتراضي الخامس :رؤيا 16 :13-16 ويقع بين الجام السادس والجام السابع (هرمجدون).
6- الجزء الاعتراضي السادس :رؤيا 17 :1 إلى 19 :10، بين آخر أحداث سني الضيقة وظهور المسيح بالمجد والقوة من السماء ويشتمل على فكرتين أساسيتين :
دينونة بابل :رؤيا 17، 18
هللويا السماء وعرس الحمل :رؤيا 19 :1 - 10
7- الجزء الاعتراضي السابع :رؤيا 21 :9 إلى 22 :5 بين آخر الأحداث التاريخية ووصولنا إلى الأبدية، وبين ختام السفر، وموضوعه الخروف وامرأته.
الله يؤدب الأشرار ويبيدهم مثل شبنا ولكنه يعطي وعده بظهور المخلص الذي يسكن أورشليم الجديدة. الياقيم = تعني من يثبته الله إشارة للمسيح الذي كرسيه إلي دهر الدهور. فبعد أن يقذف الله بضد المسيح ويبيده تعلن مملكة المسيح الأبدية.
آية (21) و البسه ثوبك و أشده بمنطقتك و اجعل سلطانك في يده فيكون أبا لسكان أورشليم و لبيت يهوذا.
الله يعطي له ثياب الملك عوضاً عن شبنا فيملك علي شعبه بالحب = أباً لا بالذل كما كان يحكم شبنا. وأما منطقته فهي لغسل الأرجل والتطهير. يبدو أن شبنا هذا كان معتزاً بمنصبه وسيادته وملابسه الملوكية حباً في السيطرة رمزاً لإبليس الذي سيجرد من كل سلطانه.
آية (22) واجعل مفتاح بيت داود على كتفه فيفتح و ليس من يغلق و يغلق و ليس من يفتح.
يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح قيلت عن المسيح نفسه (رؤ 3 : 7) والمفتاح لا يحمل علي الكتف إلا لو كان الصليب الذي فتح به لنا الله باب السماء وأغلق به علي إبليس في الهاوية في بحيرة النار.
آية (23) و أثبته وتدا في موضع أمين و يكون كرسي مجد لبيت أبيه.
وتدا = ليملك علي بيت يعقوب للأبد (بشارة الملاك). والوتد يستعمل لتثبيت الأشياء. والمؤمنين سيثبتون في المسيح ( أثبتوا فيَ..)
آيات (24 – 25) و يعلقون عليه كل مجد بيت أبيه الفروع و القضبان كل أنية صغيرة من أنية الطسوس إلى أنية القناني جميعا.في ذلك اليوم يقول رب الجنود يزول الوتد المثبت في موضع أمين و يقطع و يسقط و يباد الثقل الذي عليه لان الرب قد تكلم.
الفروع والقضبان = هم أولاد الخلاص يصيرون كالفروع في كرمته وعملهم هو تمجيد الرب. والأواني هم المؤمنين أيضاً (2تي 2 : 20،21) وقارن مع قول بولس "إذ لنا هذا الكنز في أوان خزفية. والمسيح هو السبب في كل مجد بيت أبيه. ويعلقون = أي ينسبون له السبب في كل هذا المجد لطاعته وفدائه الذي طهر به الآنية المثبتة في المسيح. وثبت الأغصان في الكرمة ومجد الآب بصليبه (يو 17 :4). وأيضاً بصليبه حولنا كمؤمنين لآنية كرامة لمجد أسم أبيه. في ذلك اليوم = يوم نهآية ضد المسيح أو إبليس أو شبنا كرمز. فكل من تعلق بهذا الغريب الجنس وجعله وتداً له (يشبع شهواته ولذاته) وأتكل علي الباطل (العالم بما فيه ورئيسه إبليس ) معتبراً إياه وتداً مثبتاً فإنه يزول رجاؤه فيه فيقطع الوتد ويسقط ويباد كل متكل عليه.
تفسير سفر إشعياء الأصحاح 23
قامت صور أولاً علي البر، ومع تقادم الزمن نقلت إلي جزيرة صخرية في مقابلها وذلك ليسهل الدفاع عنها، وسميت صور أيضا، وسميت المدينة التي علي البر صور القديمة. وحينما حاصرها نبوخذ نصر هربوا إلي صور الجزيرة وحينما دخلها نبوخذ نصر لم يجد فيها شيء. أما حينما حاصرها الإسكندر الأكبر وهرب شعبها إلي صور الجزيرة ردم الإسكندر الممر المائي بين صور الجديدة والقديمة.
وخطية صور هو انغماسها في الشهوات نتيجة الغني ثم الكبرياء. والخراب المشار إليه هنا يشير لخراب كل نفس تتشبه بصور من جهة ارتباكها بالغني مع الرجاسات. صور تشير لمن أعطاه الله خيرات كثيرة فأستغلها لا لشكر الرب وتمجيده بل لإرضاء شهواته فيزداد كبرياؤه.
وتشير صور للعالم باعتباره نظام تجاري عظيم يسعي فيه الناس لإمتلاك المادة لإغناء ذواتهم فيتنعمون بكل أنواع الرفاهية ناسين الله وهذا نجده متفشي في العالم كله. ولكن ستأتي أيام يزول فيها شكل هذا العالم وهيئته كما خربت صور نفسها. إذاً خطايا صور هي الافتخار الباطل وتجارتها في بضائع العالم وشهواته والزيغان عن الله
وكما اشتهرت بابل بأنها مملكة حربية علي الأرض وتمثل القوة العسكرية بجبروتها اشتهرت صور بأنها مملكة تجارية مالية علي البحر. فالشيطان إما يحاربنا حرب مباشرة وبقوة أو يحاربنا عن طريق إرضاء شهواتنا بالغني والمال ثم الكبرياء.
آية (1) وحي من جهة صور ولولي يا سفن ترشيش لأنها خربت حتى ليس بيت حتى ليس مدخل من ارض كتيم أعلن لهم.
سفن ترشيش = سفن أسبانيا ولها تجارة مع صور. ولولي = فثروة ترشيش قائمة علي علاقتها بصور. ولقد خربت صور القديمة علي يد نبوخذ نصر أما الخراب التام لصور القديمة وصور الجزيرة فكان علي يد الإسكندر الأكبر.
من أرض كتيم = كتيم هي قبرص التي وصلتها أنباء خراب صور، فكان التجار القادمين إلي صور يسمعون بأنباء خرابها حين يتوقفون عند قبرص للراحة.
آية (2) اندهشوا يا سكان الساحل تجار صيدون العابرون البحر ملأوك.
الساحل = هنا هو فينيقية. وتجار صيدون ملأوا صور بتجارتهم. وكان اسم كنعان يشمل صور وصيدا.. الخ.
آية (3) و غلتها زرع شيحور حصاد النيل على مياه كثيرة فصارت متجرة لأمم.
غلتها = غلة صور هو ربحها من تجارتها في زرع شيحور = شيحور هو نهر النيل فمعني الكلمة أسود وهي راجعة للطمي الذي يملأ النيل.
آية (4) اخجلي يا صيدون لان البحر حصن البحر نطق قائلا لم أتمخض و لا ولدت و لا ربيت شبابا و لا نشأت عذارى.
أخجلي يا صيدون = نظراً للعلاقة بين صور وصيدا، فصيدون هي المدينة الأم لصور. وسقوط صور يكون سقوطاً لصيدا وحزن شديد لها. حصن البحر = هو صور المدينة المحصنة. لأن البحر = إذ أن صور مبنية مالياً علي تجارة البحر.
ولم أتمخض = كانت صور قد أنشأت مستعمرات كثيرة مثل قرطاجنة فصارت صور أماً لهم، والآن إذ خربت صارت كأنها لم تلد أبدا، أي انقطعت كل علاقاتها بمستعمراتها وكل مساعدة منها.
آية(5) عند وصول الخبر إلى مصر يتوجعون عند وصول خبر صور.
آية (6)اعبروا إلى ترشيش ولولوا يا سكان الساحل.
أعبروا إلي ترشيش = النبي يطلب للبقية أن تذهب إلي ترشيش أحدي بنات صور أو مستعمراتها كلاجئين.
آية (7) أهذه لكم المفتخرة التي منذ الأيام القديمة قدمها تنقلها رجلاها بعيدا للتغرب.
المفتخرة = JOYOUS أي هايصة بمسارحها وملاعبها فليس لهم وقت لسماع إنذارات الله. منذ الأيام القديمة = صور أقدم مدن فينيقية بعد صيدون (يش 19 : 28،29) وتنقلها رجلاها = منظر امرأة فقيرة متغربة.
آية (من قضى بهذا على صور المتوجة التي تجارها رؤساء متسببوها موقرو الأرض.
المتوجة = كان بعض الملوك يدفعون جزية لها وتجارها يعيشون كالملوك.
آية(9) رب الجنود قضى به ليدنس كبرياء كل مجد و يهين كل موقري الأرض.
كل مجدها خربه نبوخذ نصر ثم الإسكندر، لذلك لنقل مع الكتاب، "ليس لنا هنا مدينة باقية"، ولنحتقر العالم الذي ليس له ثبات، أما من تكرمه السماء فيبقي للأبد في مجد حقيقي لا يزول ولا يخربه أحد.
آية (10) اجتازي أرضك كالنيل يا بنت ترشيش ليس حصر فيما بعد.
من الواضح أن ترشيش كانت تحت الجزية من صور. لكن بعد خراب صور ستتحرر ترشيش وتكون كفيضان النيل متنعمة بكل خيراتها.
آية (11) مد يده على البحر أرعد ممالك أمر الرب من جهة كنعان أن تخرب حصونها.
كنعان تشمل صور وصيدون.
آية (12) قال لا تعودين تفتخرين أيضا أيتها المنهتكة العذراء بنت صيدون قومي إلى كتيم اعبري هناك أيضا لا راحة لك.
بنت صيدون = هي صور نفسها، فصيدون هي أقدم بلاد فينيقية وهي أسست صور. وبعد سقوطها سيهرب شعبها إلي قبرص. ولكن أيضاً لن يجدوا راحة فلا راحة سوي بالرجوع إلي الله بالتوبة، وقيل أن ملك صيدون لجأ إلي قبرص في زمان أسر حدون فلحقه هناك وقطع رأسه.
آية (13) هوذا ارض الكلدانيين هذا الشعب لم يكن أسسها أشور لأهل البرية قد أقاموا أبراجهم دمروا قصورها جعلها ردما.
آية(14) ولولى يا سفن ترشيش لأن حصنك قد أُخرب.
الكلدانيين = النبي هنا ينظر للمستقبل إلي حوالي 150 سنه بعد النبوة ويري نبوخذ نصر ملك بابل قادماً علي صور. وكان ملك أشور كعادته قد أتي بالكلدانيين من الشمال وأسكنهم في ذلك المكان، فأصبحوا مملكة عظيمة أسقطت أشور نفسها، بل أطلق أسم الكلدانيين كما ذكرنا سابقاً علي بابل كلها.
آية (15) و يكون في ذلك اليوم أن صور تنسى سبعين سنة كأيام ملك واحد من بعد سبعين سنة يكون لصور كأغنية الزانية.
يبدو أن مدة السبعين سنة هي نفسها التي سبي فيها شعب الله إلي بابل، وإلي هناك سبي أيضاً شعب صور حيث تعرفوا علي اليهود وربما أعجبوا بهم وبعبادتهم وأستمر سبي أهل يهوذا وأهل صور 70 سنة طوال فترة حكم بابل، التي سميت هنا كأيام ملك واحد والمقصود مملكة واحدة. وهنا يعبر الوحي بصورة امرأة زانية مشهورة وهي صور (زانية لفسادها وتجارتها وغناها وكبريائها السابق ) وقد أصبحت منسية لطول مدة سبيها. ثم عادت من السبي فعادت لتجارتها القديمة. ويبدو كتشبيه لذلك أنه أنتشر أيام إشعياء أغنية بطالة فاسدة يرددها الزواني ليجذبن الرجال. والزني هو بيع العفة بالمال، وكلا من باع الصدق والأمانة والشفقة لأجل المال يخطيء خطأ الزانية. وهذا التشبيه ينطبق علي صور التي عادت من السبي لتجارتها القديمة، فحب الثروة العالمية هو زنا روحي (يع 4 :4) والشهوة وثنية روحية.
آية (16) خذي عودا طوفي في المدينة أيتها الزانية المنسية أحسني العزف أكثري الغناء لكي تذكري.
أحسني العزف = ستعود لما كانت عليه.
آيات (17 ، 18) ويكون من بعد سبعين سنة أن الرب يتعهد صور فتعود إلى أجرتها و تزني مع كل ممالك البلاد على وجه الأرض. و تكون تجارتها و أجرتها قدسا للرب لا تخزن و لا تكنز بل تكون تجارتها للمقيمين أمام الرب لأكل إلى الشبع و للباس فاخر.
المقصود بالزني هناهو تجارة صور. واستمرت التسمية بعد عودتهم من السبي، ويبدو أنهم خلال فترة سبيهم أعجبوا بعبادة اليهود وبيهوه فبعد عودتهم أرسلوا عطايا للهيكل وخدموا في بناء الهيكل = أجرتها قدساً للرب + (عز 3 :7). فهم استفادوا إذن بثروتهم بطريقة مقدسة. واستمرار تسمية تجارتهم بالزني كان كما أستمر معلمنا يعقوب يطلق علي راحاب أسم الزانية (يع 2 :25) ولكن يبدو علي المدى البعيد أن هذه النبوة تشير لإيمان الصوريين أيام المسيح (أع 21 : 3). إذاً صور هي كنآية عن القوة المالية، والنبي ينظر بلا شك ليوم يتقدس فيه مال العالم لخدمة الله (أش 49 : 18، 23 + 60 : 1-17).
نظرة عامة على سفر الرؤيا
أهمية هذا السفر
يختلف هذا السفر عن باقي أسفار الوحي الأخرى في أمر هام؛ فيوحنا لم يتلقَ مادة هذا السفر بوحي من الروح القدس بالطريقة المعتادة، بل تلقاه بإعلان مباشر من الرب يسوع المسيح. واسم هذا السفر الذي أُعطي له بالوحي هو « إعلان يسوع المسيح » . وهذا الاسم في ذاته يؤكد لنا عكس ما يفكر به البعض أنه سفر غامض. كلا، ليس هو سفراً غامضاً، ولا هو سفراً مختوماً (ص22 :10)، بل هو إعلان يسوع المسيح.
وربما لم يَلقَ سفر في العهد الجديد، إن لم يكن في الكتاب المقدس كله، نظير ما لاقاه هذا السفر من الإهمال، كل هذا في الوقت الذي ينفرد فيه هذا السفر -ودون كل أسفار الوحي الأخرى - بتطويب ثلاثي في فاتحته؛ لمن يقرأ، ولمن يسمع، ولمن يحفظ المكتوب فيه. وكما يبدأ السفر بتطويب من يقرأه (1 :3) هكذا يختم أيضاً بتطويبه (22 :7).
من الذي يستفيد من هذا السفر؟
من الأعداد الأولى في هذا السفر يمكننا أن نجمع لأنفسنا بعض الدروس الأدبية التي تساعدنا على الاستفادة من هذا السفر العظيم.
فهذا السفر موجه لعبيد الرب (ع1)؛ أي لأولئك الذين كل اهتمامهم محصور في سيدهم وشئونه ومجده. ومن أهم مميزات العبيد الأمناء انتظار سيدهم الغائب. قال المسيح « طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين » . لمثل هؤلاء، وليس لأمثال العبد الرديء الذي يقول في قلبه « سيدي يبطئ قدومه » (لو12 :37،45)، يقدم الرب هذا السفر.
ثم إنه موجَه أيضاً لأولئك الذين لهم نصيب في ملكوت يسوع وصبره (ع9). فالذين يجتازون ظروفاً صعبة لشهادتهم وأمانتهم لسيدهم، يجدون لذة خاصة في معرفة متى يتمجد المسيح ويتمجد قديسوه معه. أما الذين ملكوا بدوننا (1كو4 :8)، فعادة لا يجدون أية لذة في سفر كهذا!
ثم ثالثاً، هو موجه للذين يعرفون أنهم غرباء ونزلاء على الأرض. هؤلاء هم المتلهفون للحبيب ويوقنون أن « الوقت قريب » ؛ طوبى لهم (ع3).
أما من يدرس هذا السفر لمجرد إشباع الفضول ومعرفة أحداث المستقبل فلن يستفيد حقاً منه.
وأخيراً يقول الرائي إنه عندما تلقي تلك الإعلانات العظيمة كان « في الروح في يوم الرب » ؛ اليوم الأول من الأسبوع. ونحن أيضاً، وإن لم يكن بوسعنا أن نكون فعلياً « في الروح » بالمعنى الذي كأنه يوحنا، فإنه يلزمنا أن نكون أدبياً وقلبياً في تلك الحالة وإلا فلن نتمتع بدروس هذا السفر النفيس.
طابع هذا السفر
سفر الرؤيا هو سفر نبوي (1 :3 و 22 :7، 10، 18، 19)، وبالتالي فإن التطبيق التاريخي لهذا السفر ليس صحيحاً.
والطابع العام المميز لهذا السفر هو القضاء والدينونة، تلك الدينونة المروعة التي ستنصب على العالم الرافض للمسيح بعد اختطاف الكنيسة. لكن الدينونة في هذا السفر، كما في كل الكتاب، ليست هدفاً في ذاته، بل هي وسيلة لهدف؛ يستخدمها الله لتنقية الأرض من الشر والأشرار لإعدادها لمُلك ربنا يسوع المسيح. وفي هذا قال رجل الله جون بلت : "الدينونة تنقي الكأس لكي يملأها المجد". وعليه فإن الرب الذي أُهين في هذا العالم، لابد أن يتمجد في نفس المشهد الذي فيه أُهين.
لكن وإن كانت الدينونة ليست هي هدف وغرض السفر، فإنها أيضاً ليست كل ما فيه. فهذا السفر يشير - ولو إشارات عابرة - إلى مركز الكنيسة السامي ؛ سواء في الحاضر (ص1 :5، 6)، أو في فترة الملك الألفي (ص21 :9-27)، أو في الأبدية (ص21 :1-8).
ثم أنه مليء أكثر من كل أسفار العهد الجديد بالتسبيحات، حتى أسماه أحد القديسين :كتاب تسبيحات العهد الجديد؛ التسبيحات المتزايدة في أصحاح 1 : 6 نجد تسبيحة ثنائية، وفي 4 : 11 تسبيحة ثلاثية، وفي 5 : 13 نجد تسبيحة رباعية، ثم في 7 : 12 نجد تسبيحة سباعية. .
كما أن كلمة " هللويا " لم ترد في كل العهد الجديد إلا في هذا السفر، حيث تذكر فيه 4 مرات في أصحاح 19. وليس فقط الهللويات بل فيه أيضاً نجد تطويبات سباعية (1 :3، 14 :13، 16 :15، 19 :9، 20 :6، 22 :7، 14).
ولا ننسي أن أول كلمة موجهة إلى الكنائس السبع هي « نعمة وسلام » . وآخر كلمة هي « نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميع القديسين » فما أمجد هذا؛ فحتى في مشهد الغضب والدينونة، من امتياز المؤمنين أن يتمتعوا بالنعمة والسلام!
مع كل هذا يظل الطابع القضائي هو الطابع الغالب على السفر. وتبعاً لذلك تُرى الكنيسة لا في امتيازاتها بل في مسئوليتها. لهذا لا يُذكر الاختطاف في هذا السفر صراحة، لأن الاختطاف كما يرى الكثير من الشراح أن العبارة التي وردت في رؤيا 12 : 5 تشير إشارة ضمنية إلى اختطاف الكنيسة.
والمسيح لا يُقال عنه اختطف بل صعد. فالقول إذاً أن الابن الذكر اختُطف إلى الله وإلى عرشه يتضمن اختطاف القديسين أنفسهم. وهو بلا شك أمر عميق المغزى أن يُري المسيح والكنيسة معاً؛ لا اثنين بعد بل واحداً. وهو نفس الاْمر الذي نجده في 1 كورنثوس 12 : 12 إذ يقول " كذلك المسيح أيضاً " مع أنه كان يشير إلى الكنيسة؛ إلى الجسد لا إلى الرأس! هو من أعمال النعمة وليس مرتبطاً بالمسئولية. ولذا نري في الأصحاح الأول مجيء الرب، لكن لا للكنيسة لاختطافها، بل للعالم للقضاء « هوذا يأتي ...وستنظره كل عين...وينوح عليه جميع قبائل الأرض » .
ولعله ملفت للنظر أن يستخدم الروح القدس يوحنا الحبيب، رسول المحبة، في كتابة هذا السفر المليء بالويلات المروعة التي ستنصب على الأرض. فيوحنا هو ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه، والذي تحدث كثيراً عن المحبة سواء في إنجيله أو في رسائله، والذي نتيجة لشركته مع الرب كتب لنا عنه كمن أتي مملوءاً نعمة وحقاً. لكننا نراه هنا يتكلم عن أمر آخر، لا عن النعمة بل عن القضاء، ليس عن المسيح وهو هنا على الأرض كابن الله - كما في الإنجيل - بل وهو هناك في عرش الله كابن الإنسان، ليس عن المسيح كحمل الله الوديع (يو1 :29) بل كالأسد الذي من سبط يهوذا الخارج لينتقم لدمه ويدوس المعصرة وحده (رؤ5 :5، 14 :17-20). وهل من غرابة في هذا؟!
ألا يعلن الإنجيل أن « الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يري حياة بل يمكث عليه غضب الله » (يو3 :36)؟! كثيرون من المبشرين بالأسف يُهملون جانب الدينونة ولا يكرزون إلا بالخلاص. لكن الدينونة هي النصف الآخر من الإنجيل الذي نكرز به « من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يُدن » (مر16 :16).
المسيح كالإنسان
يُذكَر الرب في هذا السفر كثيراً باسمه " يسوع "، إذ يتكرر هذا الاسم الجميل 14 مرة (2×7). ويبدأ السفر بالقول « إعلان يسوع المسيح » ويختم بصوت الرب قائلاً « أنا يسوع أرسلت ملاكي لأشهد لكم » . اسمه الحلو الذي عُرف به بين الناس لما عاش في الأرض هنا كإنسان كامل. وهذا السفر يقدم المسيح كالإنسان لسببين :
1- لأن الدينونة هي من أعماله كابن الإنسان، حيث أنه رُفض واحتقر من الإنسان بهذا الاعتبار، وهو ما يقوله يوحنا نفسه في يوحنا 5 :27 « وأعطاه سلطانا أن يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان » . ويقول بولس « الله... أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل برجل قد عيّنه » (أع 17 :31).
2- ولأن الرب سيملك على العالم باعتباره " ابن الإنسان " « فإنه لملائكة لم يُخضع العالم العتيد (أي الملك الألفي ) » ؛ بل إنه أخضعه لابن الإنسان (عب2 :5- 8).
والأمران السابقان نجدهما مرتبطين معاً في متى 25 :31 « متى جاء ابن الإنسان في مجده... فحينئذ يجلس على كرسي مجده (كالملك) ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض (كالقاضي )... ثم يقول الملك للذين عن يمينه... الخ » .
اللغة الرمزية في السفر
من الأهمية بمكان أن نلاحظ أن لغة هذا السفر هي لغة رمزية. وهو ما يؤكده الروح القدس من الآية الأولى ، عندما يقول « يُري عبيده ما لابد أن يكون عن قريب، وبّينه... » . وكلمة " بّينه " تعني حرفياً أظهره بآيات. هذا يعطي الطابع العام لهذا السفر.
ويمكننا أن نري هذه اللغة الرمزية في أمثلة عديدة وواضحة جداً :
فمثلاً عندما يقول في أصحاح7 :14 « غسّلوا ثيابهم، وبيّضوا ثيابهم في دم الخروف » واضح هنا أنه لا يمكن أن يكون هذا الكلام حرفياً.
وعندما يقول في أصحاح 3 :17 « إنك أنت.. فقير وأعمي وعريان. أشير عليك أن تشتري مني ذهباً مصفي بالنار لكي تستغني ... وكحل عينك بكحل لكي تبصر » واضح هنا أيضاً أن هذا الكلام يستحيل أن يكون حرفياً. فكيف للفقير أن يشتري الذهب ليستغني ؟ وكيف لكحل العين أن يمنح البصر للأعمى؟!
أو عندما يُطلب من يوحنا في أصحاح 11 :1 أن يقيس هيكل الله والمذبح والساجدين فيه؛ قد يكون من السهل عليه أن يقيس الهيكل والمذبح، لكن كيف له أن يقيس الساجدين؟!
أو عندما يقول عن المدينة المقدسة إن سوقها (شارعها) من ذهب نقي شبه زجاج شفاف (21 :21)، هذا أيضاً لا يمكن أن يكون حرفياً.
ويصرح الوحي أحياناً بأنه يستخدم اللغة التصويرية عندما يقول مثلاً عن امرأة الخروف (أي الكنيسة) « أُعطيت أن تلبس بزاً نقياً بهياً؛ لأن البز هو تبررات القديسين » (19 :8).
ليس معنى ذلك أن كل ما ورد في السفر مجازي أو تصويري . هناك قاعدة تفسيرية هامة وهي أنه إذا كان المعنى الحرفي مقبولاً، فلا ينبغي أن نأخذ معنى آخر إلا إذا وجدت قرائن قوية تؤيد ذلك. وعليه فالجراد الذي له وجه الرجال لا يؤخذ حرفياً، وكذلك الوحش الصاعد من البحر في رؤيا 13. لكن الأسباط الاثني عشر في رؤيا 7 تؤخذ حرفياً.
مساعدات لفهم السفر
لقد طلب الرسول بطرس من القديسين أن ينتبهوا إلى « الكلمة النبوية » وأن يدرسوها. وعندما يقول الرسول « الكلمة النبوية » فهذا يعني أنها وحدة واحدة، وأن النبوة تفسر بعضها بعضاً. بلغة إشعياء النبي « هنا قليل، هناك قليل » (إش28 :10). كما طلب الرسول بطرس أيضاً أن يعرفوا هذا أولا « أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص » (2بط1 :20). وكلمة أولاً تفيد أنه قبل دراسة النبوة يجب أن نفهم هذا الأمر جيداً؛ فبواسطته يمكننا أن نفسر كل ما يستشكل علينا فهمه، في ضوء باقي الأجزاء النبوية.
وبالنسبة لسفر الرؤيا بالذات من المهم أن نلاحظ أن السرد فيه ليس دائماً استطرادياً، بل إن الوحي يعود من آنٍ إلى آخر ليبرز أشياء رأي الروح القدس أنها تحتاج إلى المزيد من الضوء. ولعل أوضح مثالين على العودة من جديد لإلقاء المزيد من الضوء على بعض الموضوعات الهامة أن الرائي في رؤيا 11 بعد أن وصل إلى ملك المسيح، بل وإلى زمان الأموات لكي يدانوا (بعد الألف السنة- رؤ20 :11)، فإنه رجع في الأصحاح الثاني عشر ليعطينا تفصيلات أدق في موضوع سبق إيجازه. ثم في رؤيا 21 بعد أن وصل إلى عتبة الأبدية في الأعداد الأولى من الأصحاح، فإنه رجع في ع9 ليلقي المزيد من الضوء على وصف المدينة السماوية في الملك الألفي .
كما ونلاحظ أيضاً أن هذا السفر تتخلله أجزاء اعتراضيه ليست في سياق الحديث. وسوف نذكر هذه الأجزاء الاعتراضية بعد قليل لتسهيل فهمه.
التقسيم السباعي للسفر
للرقم سبعة مكان بارز في هذا السفر، يطبعه بصورة واضحة، كما سنلاحظ من دراستنا له. ويمكننا أن نلخص السفر كله في سبعة سباعيات كالآتي :
1- السبع الكنائس :وهي تعطينا وصفاً نبوياً رائعاً لكل فترة وجود الكنيسة هنا فوق الأرض (رؤ2، 3).
2- السبعة الختوم :وهي تعطينا وصفاً دقيقاً لأحداث فترة مبتدأ الأوجاع؛ أي الثلاث سنين ونصف الأولى من السبع الأخيرة لأسابيع دانيال السبعين (رؤ5- 8).
3- الأبواق السبعة :وهي تعطينا وصفاً لأحداث فترة الضيقة العظيمة؛ أي الثلاث والنصف الأخيرة لأسبوع دانيال السبعين (رؤ 8- 11).
4- الشخصيات السبع :التي ستلعب أهم الأدوار في السبع سنين الأخيرة لتاريخ أزمنة الأمم، ولأسابيع دانيال السبعين (رؤ12، 13).
5- الأحداث السبعة :وهو ما أسميناه في المحاضرات بالرد الإلهي السباعي على تحركات الشيطان والوحش والنبي الكذاب، في فترة الضيقة العظيمة (رؤ 14).
6- الجامات السبعة :مجموعة الضربات الأخيرة والخطيرة التي تسبق ظهور المسيح مباشرة (رؤ15، 16)
7- الدينونات السبع انظر نظرة عامة على سفر الرؤيا" ص14. :أحكام الرب ودينوناته المختلفة في الفترة المسماة « يوم الرب » بداية من دينونة بابل، ولغاية دينونة الأموات أمام العرش العظيم الأبيض (رؤ17- 20).
الأجزاء الاعتراضية في هذا السفر
يوجد في السفر أيضاً سبعة أجزاء اعتراضيه (كطابع السفر السباعي ) وهي كالآتي :
1- الجزء الاعتراضي الأول في أصحاح 7 ورد بين الختم السادس والختم السابع، ويدور حول المخلصين في فترة الضيقة العظيمة من إسرائيل ومن الأمم.
2- الجزء الاعتراضي الثاني في أصحاح 8 :3- 5 بين مقدمة الأبواق السبعة وبين بداية ضرب الأبواق، عن صلوات القديسين في السماء.
3- الجزء الاعتراضي الثالث من رؤيا10 :1 إلى 11 :13 بين البوق السادس والبوق السابع، ويتكون من جزأين أساسيين :السفر الصغير (ص10)، والشاهدين (ص11 :1-13).
4- الجزء الاعتراضي الرابع (وهو أطول الأجزاء الاعتراضية كلها) من رؤيا 11 :19 لغاية رؤيا 15 :4 ويقع بين مجموعة الأبواق ومجموعة الجامات، وهو يتكون من ثلاث آيات في السماء كالآتي .
الآية الأولى :المرأة وابنها الذكر (رؤ11 :19 - 12 :17).
الآية الثانية :الثالوث الأنجس (الشيطان والوحش والنبي الكذاب)، أو الوحوش الثلاثة. :
الشيطان : التنين (رؤ12 :3-17)
الوحش : الوحش الطالع من البحر (رؤ13 :1-10)
النبي الكذاب : الوحش الطالع من الآرض (رؤ13 :11-18)
ثم في أصحاح 14 يأتي الرد الإلهي السباعي على هذا العدوان الثلاثي
الآية الثالثة :الواقفون على البحر الناري (رؤ15 :1-4)
5- الجزء الاعتراضي الخامس :رؤيا 16 :13-16 ويقع بين الجام السادس والجام السابع (هرمجدون).
6- الجزء الاعتراضي السادس :رؤيا 17 :1 إلى 19 :10، بين آخر أحداث سني الضيقة وظهور المسيح بالمجد والقوة من السماء ويشتمل على فكرتين أساسيتين :
دينونة بابل :رؤيا 17، 18
هللويا السماء وعرس الحمل :رؤيا 19 :1 - 10
7- الجزء الاعتراضي السابع :رؤيا 21 :9 إلى 22 :5 بين آخر الأحداث التاريخية ووصولنا إلى الأبدية، وبين ختام السفر، وموضوعه الخروف وامرأته.